النَّجاح كلمةٌ رنَّانةٌ لها وقعها على القلوب، ويحلو وقعُها حين يُنسب
النجاح لفلذة كبدِك، وثمرة فؤادك: ابنك أو ابنتك.
ومـمَّا لا شكَّ فيه لكل أبٍ عاقلٍ وأمٍّ ناصحةٍ أنَّ النجاح الذي ينشدونه
في أبنائهم، ويرغبون فيه ليس طريقه التواكل، أو ترك تنشئتهم للظروف والبيئة
المحيطة، فإنَّ "تربية الأبناء في نطاق السهل الممتنع، فهي أهم وأصعب من أن
يستهان بها، وتترك للظروف، وهي في الوقت نفسه أسهل وأبسط مِنْ أن تثار حولها
المخاوف فتُزاد تعقيداً"([i])، وهذا يستدعي من الوالدين التخطيط الجيِّد لاستثمار طاقات أبنائهم فيما
يوصلهم للنَّجاح، ويرقى بهم سلالِمهُ.
مفهوم النَّجاح:
أن تُربِّي ابنًا ناجحًا يعني أن تربِّي ابنًا
يجيد التعامل مع مختلف أدواره الحياتية، في البيت، في المدرسة، في الحيِّ والشارع،
في المدرسة والمسجد ... هكذا فليصنع النّجاح، وهكذا فليُخطَّط له، ولا ضير في أن
يبرز الابن في دورٍ دون دورٍ، بروزًا لا يفشل فيه مع باقي الأدوار المناطة بهِ.
أهمُّ مهارات التخطيط للنَّجاح:
انطلاقًا من ذلك كان لزامًا على الوالدين أن
يعرِّفا أبناءهم أهمَّ المهارات الأساسية التي بها يخطِّطون لنجاحهم، فإنَّهم بغير
هذه المهارات والأدوات تختلُّ عندهم عجلة التوازن في أدوارهم الحياتية، ويقعون
فريسة التصوُّر المغلوط عن النَّجاح، أو الغفلة عن أهدافهم نتيجة الكسل
واللامبالاة وعدم التخطيط الجيِّد للنَّجاح، وسنتناول أهم مهارتين من مهارات التخطيط للنَّجاح يجدر تدريب
الأبناء عليها:
1.
إدارة الوقت:
لا تسل عن كمِّية الأوقات المهدرة لأبنائنا
أمام شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، وبنظرةٍ خاطفةٍ لإعدادات الأجهزة
المحمولة لمدة استخدام الجهاز؛ يتجلَّى كارثةُ ما يُهدر من أوقات أبنائنا على
متابعاتٍ -إن لم تكن حرامًا؛ فإنَّها على أقلِّ تقديرٍ من اللغو المثبِّط عن معالي
الأمور، والتفاهاتِ المتفنِّنة في تضييع الأوقات-، ولا يُنكَر وجود نماذج نفاخر
بها في استثمار تلك الأجهزة في المفيد النافع، لكنَّا نخبر بما عمَّت به البلوى، وهنا
يأتي دور الوالدين في تربية أبنائهم على إدارة أوقاتهم فإنه أولى مفاتيح الوصول
للنجاح، ويُنصح الآباء في هذا الدور بما يلي:
-
تكرار الحديث بوسائل
متعدِّة عن الوقت وأهميَّته، تارةً بالحوار، وتارةً بالقصة، ومرة بضرب النماذج
وحكاية أحوال الناجحين الذين استثمروا أوقاتهم.
-
إبراز النماذج ذات الإنجاز
والتميُّز، واستعراض كيف استثمروا أوقاتهم في التدريب والتعليم للوصول للنَّجاح.
-
وجود نظام واضح ومحدَّد
يُعَوَّد عليه الأبناء لِينظِّم لهم أوقاتهم، وإن بدا التذمُّر منهم والغضب؛
فسرعان ما يألفونه، ويصبح أحد القوانين التي لها اعتبار في جدولهم اليومي، مثل
أوقات النوم، والصلوات، والمذاكرة، وغيرها.
-
تدخُّل الوالدين مع
كمِّيَّة الوقت المهدرة من الأبناء بغير فائدةٍ، أو حال تجاوزهم الحدود الزمنيَّة
المتَّفق عليها في استخدام وسائل الترفيه، واللَّعب، أو مع اجتماعهم بأصدقائهم،
ولا بأس من المرونة والحكمة وتقدير الموقف بما يناسبه.
- تدريب الأبناء على تحديد الأولويات كجزء من تنظيم الوقت، وذلك بالتركيز على المهام والأعمال الضرورية الأول فالأول، والأهم فالأهم؛ هذا التدريب مهمٌّ للأبناء ليتمكنوا من ربط إنجاز مهاهم بالوقت المتاح لهم، هذا التدريب على إدارة الأولويَّات مفتاحهم لإدارة أوقاتهم، وتحسينٌ للإنتاجية الموصلة للنجاح مستقبلًا.
نموذج مبسَّط لمصفوفة شهيرة تستخدم إدارة الأولويات هي مصفوفة أيزنهاور،
يمكن أن ينطلق منها الوالدان في إسقاط الممارسات اليومية لأبنائهم، على المصفوفة،
ثم توجيههم لطريقة التعامل كما هو موضَّح في الشكل أعلاه([1]).
1. إدارة الأهداف
حين ننجح كآباء في توجيه اهتمامات أبنائنا
مبكِّرًا، وإعانتهم على التخطيط لأهدافهم؛ نكون قد اختصرنا عليهم وعلينا كثيرًا من
التِّيهَ والضياع الذي يعانيه مَن يفقد بوصلة الأهداف مِن حياته، وتلك مأساةٌ
ربَّما أفاق عليها الآباء والأبناء متأخِّرًا وقد فات الكثير من الفرص، وحتى ننجح في إدارة أهداف أبنائنا؛ ننصح بما يلي:
-
الانطلاق من أمنيات الأبناء
ورغباتهم المستقبلية في تحديد أهدافهم، لا أن نقولِب مجموعة من الأهداف هي في
الحقيقة أهدافنا نحن، لا أهدافهم هُم، ولا يمنع ذلك أن نوجِّههم للالتفات لأهدافٍ
ربَّما كانت غائبة عنهم، أو غير مدركين لها بحكم طبيعة مرحلتهم العمرية، وفي إطار
ضيِّقٍ نلزمهم بها كونها من المصلحة الراجحة شرعًا وعُرفًا.
-
وإن بدت أهداف الأبناء عموماً
متشابهة بالصورة والشكل العام؛ كونها تدور غالباً حول الحاجات والأفكار والرغبات
أو الثقافة المشتركة بينهم، إلا أنَّه من المهمِّ أن ينتبه الوالدان للفروق
الفردية في مستويات الأداء من ابن إلى آخر، وهي تختلف من طفلٍ إلى طفل، ومن بيئةٍ إلى
بيئة، وهنا يأتي دور الوالد المربي الذي يجيد توظيف قدرات كلِّ ابنٍ في الوصول
لأهدافه.
-
تعليمهم التخطيط الجيِّد للأهداف
بأن يدِّربهم على مواصفات الهدف الذّكيِّ بما يناسب فهمهم وتفكيرهم، فيرسم معهم
الأهداف: المحدَّدة، القابلة للقياس، الممكنة، الواقعية، والمحدَّدة بزمن، منطلقًا
من أنشطتهم اليومية البسيطة مدرِّبًا على إسقاط هذه المعايير عليها.
الخطوات العملية مع الأبناء
للتخطيط للنَّجاح([2]):
وهو الجزء العملي الأهم
في هذه المقالة، وفيه نوجِّه الوالدان للخطوات العمليَّة للتخطيط مع أبنائهم
للنَّجاح، وتتمثَّل فيما يلي:
1.
دراسة الظروف المحيطة الداخلية والخارجية للأبناء، يعقبها تذليل الصعوبات
التي تكون سببًا في منعهم من التخطيط للنَّجاح، كالرِّفقة، ووسائل التواصل، وطبيعة
المشاغل داخل البيت.
2.
تحديد نوع الخطة، ووضع عنوان واضح ومحدد لها، مثل: خطة إتمام عشرة
أجزاء، أو إكساب مهارة تصميم العروض التقديمية، وغيرها.
3.
تحديد وقت التنفيذ ومكانه: ويستعين الوالدان بالجداول ذات الأشكال والتصاميم
الجاذبة.
4.
تحديد استراتيجيات التنفيذ: وهنا ترصد الأنشطة والمهام المطلوب من الابن
القيام بها للوصول لهدفه، ويفضَّل مناقشة هذه الأنشطة في جلسة عصف ذهني واستمطار
للأفكار مع الابن؛ ذلك أدعى لقناعته بالتنفيذ، أو اقتراحه لوسائل يحبُّها، ولا
ينبغي للوالدين أن يلزما بوسيلة معينة ما دام الوصول للهدف صحيحًا، بالمعايير التي
يتفقان عليها مع الأبناء، وذلك كأن يختار الابن أن تكون الحلقة أون لاين وليس
حضوريًّا.
5.
تصميم نموذج للمتابعة والتقييم والتقويم: كالجداول والملصقات، أو
يقوم الوالدان بوضع إشارة تشير إلى إنهاء المهمَّة المطلوبة منه، هذه الجداول -لا
سيَّما في المراحل العمرية الأولى- تجعل من أداء الابن ملحوظًا للتقييم والمتابعة،
ليستدرك التقصير الحاصل منه في مهامِّه، وليكون محفِّزًا حال تميُّزه لباقي إخوانه
على الإنجاز.
6.
تقديم البدائل والنصح في حالات الطوارئ والتعثر: والإرشاد للطريقة الأمثل
لاستدراك التقصير في أداء المهام، أو إعادة النظر في معايير الأهداف، إلى غير ذلك.
خاتمة
واجبنا تجاه الأبناء حين نربّيهم على التخطيط
للنجاح أن نشجِّعهم على المضيِّ قدُماً لتحقيق أهدافهم، وأن نحفِّزهم للطموح دون
أن يرجع بأثرٍ سلبيٍّ عليهم، أو يقتل فيهم الإبداع، أو يسلب منهم الشغف والرَّغبة
فيما فيه اهتماماتهم، أو يجعلهم مجرَّد روبوتات تنفِّذ ما بُرمجت عليه، استخدِموا
أيها الآباء أساليب الترغيب كالمكافأة عند تحقيق أيِّ تقدُّمٍ، أو نجاحٍ، وافخروا
بإنجازات أبنائكم.
ابحثوا عمَّا يحفِّزهم، ولاحظوا وتابعوا، فالملاحظة
الدقيقة، والمتابعة الجيِّدة من أهمِّ عوامل نجاح تنفيذ الخطط على أرض الواقع،
وتحقيق الأهداف.
إضافة تعليق