يُعدّ أسلوب دراسة الحالة من الأساليب التدريسية المعتمدة عالميًا في كبرى الجامعات والمؤسسات التعليمية التربوية في مختلف التخصصات الإنسانية والمعرفية؛ لما له من أثر كبير على المتعلم في إكسابه القدرة على التعامل مع الواقع
يُعدّ أسلوب دراسة الحالة من الأساليب التدريسية
المعتمدة عالميًا في كبرى الجامعات والمؤسسات التعليمية التربوية في مختلف
التخصصات الإنسانية والمعرفية؛ لما له من أثر كبير على المتعلم في إكسابه القدرة
على التعامل مع الواقع ونقده وتحليله بشكل ينمي مهارات المتعلم بشكل ملحوظ؛ إذ يعتمد
هذا الأسلوب على عرض مواقف أو رسائل أو مشكلات ذات ارتباط بواقع المُتعلم، أو
بطبيعة المحتوى التعليمي المراد تدريسه، وهي في غالبها مواقف مفتوحة النِّهاية تتناول
إشكالية ما، لا يشترط أن يصل فيها المتعلمون إلى قرار واحد أو حلول موحدة، يعاني
منها صاحب أو صاحبة الموقف، وتستفز المتعلمين إلى إثارة التساؤلات والمناقشات، فهي
-كما يقول الدكتور جودت سعادة- أداة تعليم وتعلّم فعّالة، تُعطي الشخص الذي يُطبقها
الفرصة للاستفادة من خبرات الآخرين وممارساتهم المتنوعة؛ فهي اختيار لشيء ما مُحدد
من أجل دراسته بعمق.
وحتى ينجح المُعلم في تفعيل هذا الأسلوب من أساليب
التعلم النَّشط في تدريس قضايا العقدية الإسلامية وموضوعاتها؛ يتطلب الأمر تهيئة
قصص معينة تكون محبوكة بشكل دقيق، مراعيًا ارتباطها بخبرات الطلبة ومرحلتهم النّمائية
والموضوع المراد تدريسه، ويمكن كتابتها من خلال الاستفادة من بعض الأخبار أو
البيانات الواقعية وبخاصة تلك التي لها أهمية في المجتمع.
ومعظم موضوعات العقيدة يستطيع المُعلم طرح حالات دراسية
حولها من مثل:
- التساؤلات الإيمانية المتعلقة بالأدلة على وجود الله
تعالى ووحدانيته؛ إذ يُمكن للمُعلم أن يطرح موقفًا أو قصّة لشاب كان ملتزمًا ثمّ
تعرّض لبعض الأسئلة التشكيكية التي أثّرت عليه فدفعته إلى ترك الصلاة، أو لفتاة
تعاني من كثرة التساؤلات الإيمانية؛ الأمر الذي دفعها إلى ترك حجابها نتيجة الكثير
من الشكوك التي ساورتها.
- موضوع التوكل على الله وما يتعلق به من مفاهيم صحيحة
وأخرى غير صحيحة، كالتواكل والكسل وعزو التقصير للقدر.
- ظاهرة الغش في البيع والشراء وفي الاختبارات، فيمكن
للمعلم أن يطرح موقفًا من الواقع أو قصّة معينة حدثت مع إنسان عانى فيها من حالات
غش واستغلال كبيرة، فأثارت نقمته على النّاس وفقد الثَّقة بمن حوله... إلخ.
- التَّسليم بالقضاء والقدر، يستطيع المعلم على سبيل
المثال أن يطرح قصّة إنسان فقدَ أحد والديه وما تعرّض له نتيجة صدمة الفقد وكيف
تركت أثرًا على حياته، وبماذا يمكن توجيهه ومساعدته للخروج من الحزن والألم الذي
سيطر عليه.
- الإيمان بوجود الجن بين الخرافة والحقيقة؛ إذ يستطيع
المعلم أن يستعرض موقفًا لفتاة سمعت الكثير من القصص حول عالم الجنّ فسيطر الأمر
على تفكيرها وتسبب في إصابتها بحالة من الخوف والقلق.
- التواصل غير المشروع بين الجنسين عبر وسائل التواصل
الاجتماعي وعلاقته بضعف التنشئة الإيمانية.
- التَّهاون في المعاصي وأثرها على الإنسان.
- الرِّياء في الأعمال، وهذا من العناوين الإيمانية
المهمة؛ وذلك لأهمية الإخلاص في حياة المسلم، فيمكن للمعلم طرح موقف لشاب يُحب
العمل التطوعي ومساعدة الفقراء والأيتام، ويستعرض كل أعماله عبر وسائل التواصل
الاجتماعي ليلقى المديح والثناء.
ويستطيع المُعلم في دراسة الحالة أن يطرح موقفًا ما أو
قصّةً افتراضية تَحدُث في الواقع، أو قصّة حقيقية سواء حدثت في العصر الحالي أو في
زمان سابق، ثمّ يبدأ بطرح أسئلة متنوعة على هذا الموقف. وفيما يأتي أمثلة على بعض
الأسئلة النَّقاشية التي يمكن طرحها على أكثر من حالة دراسية:
- ما المشكلة
التي يعاني منها صاحب الموقف؟!
- هل سبق وأن مر بك أو بأحد ممّن حولك مثل
هذا الموقف؟!
- تعاون مع زميلك للوصول إلى الأسباب التي
أدَّت إلى وقوع هذا الأمر.
- برأيك ما الآثار التي قد تحدث عند إهمال
هذه المشكلة؟!
- كيف يمكنك تقديم المساعدة لصاحب الموقف؟!
- كيف يُمكن للتربية الإيمانية الصحيحة أن
تساعد صاحب الموقف؟! وضّح إجابتك.
وهذه مجرد تساؤلات مُقترحة أقدمها للقراء
لتقديم تصوّر مبسَّط عمَّا يمكن طرحه على أية حالة يختار المُعلم دراستها.
ومن المهم أن يتنبه المُعلّم إلى ضرورة أن تكون الحالة
التي يتم دراستها قضية مهمة حقيقية من الواقع المعاش، أو حدثت في زمن سابق، وهذا
يتطلب وجود صياغة تشويقية للحالة تجذب الطلبة.
كما يتطلب أن يكون هناك شخوص رئيسة للحالة يتفاعل الطلبة
معها، قد يتعاطفون أو ينتقدون أو ما شابه، ولكن من المهم أن يتفاعلوا مع هذه
الشخوص؛ لأنّ هذا مهم في إدارة الموقف التعليمي المرجو تفعيله في أثناء الدرس.
وفي سبيل إثارة النقاش ينبغي أن تكون الحالة التي يتم
اختيارها حالة مثيرة للجدل تتطلب مناقشة لفهمها وتوصيفها، وتحليل لأسبابها،
واقتراح علاجات وحلول فعالة لها.
كما أنّه من المفيد عند مناقشة أية حالة من الحالات أن
يتأنَّى المعلم في حواره مع الطلبة، ويسعى إلى توسيع آفاق التأمل والتفكير عندهم
في سبيل استقصاء ما يترتب على هذه الحالة من مشكلات أو تداعيات في حال استمرارها
وحصولها، وهذا يُسهم في توسيع أفق التفكير لدى الطلبة.
ومن المفيد معرفته أنّ تفعيل أسلوب دراسة الحالة يُكسب
الطلبة قدرة على التعامل مع العالم الحقيقي، فالمُعلم يطرح أمامهم مواقف حقيقية من
الواقع؛ فيشعر الطلبة من خلال مناقشاتهم وتحاورهم بجدوى تعلمهم وفائدته، وهذا
يُسهم في تحسين فهم الطلبة لما يدور حولهم من مشكلات إيمانية أو سلوكية، وامتلاك
القدرة على تحليلها وفهمها، ومعرفة كيفية التّعامل معها، ولذا فأسلوب دراسة الحالة
يُكسب المتعلم الفهم العميق للقضايا الإيمانية، ويعزز الإيمان في نفوس المتعلمين،
وهذا هدف وجداني مهم، عوضًا عن الاقتصار على حفظ المعلومات مجردة ونسيانها السريع
كأية معلومات يتلقاها المتعلم.
ولعل من أكثر الفوائد المُتحققة من هذا الأسلوب التدريسي
المهم هو أنّ أسلوب دراسة الحالة يتطلب تفعيل مهارات الحوار؛ فالطالب يستمعُ إلى
زملائه وإلى تحليلاتهم حول القضايا الإيمانية المطروحة بكل احترام وتقدير، وهذا ما
ينبغي أن يُدرب المعلم طلبته عليه، حتى لو كان ما يطرحونه يختلف عمّا يراه هو،
فيعتاد على تعدد وجهات النّظر، ويتقبل تنوع طرائق التفكير بين أقرانه، واختلاف
نظرتهم للأمور تبعًا لتنوع بيئاتهم ومستوياتهم المعرفية؛ وهذا أمر مطلوب في تعزيز
المفاهيم الإيمانية عند المتعلمين؛ لأنّ هذه الطريقة تعتمد بشكل أساس على مهارة
التحليل ومهارة التفكير الناقد، وهذه من أهم المهارات التي يلزم اكتسابها من قبل
المتعلم؛ ليكون تعلمه حقيقيًا، فيساعده على التعامل مع ما يواجهه من مواقف وقضايا
من خلال اتباع الخطوات العلمية الصحيحة في التعامل مع مثل هذه المواقف.
وهذا من الأسباب التي تجعل هذا الأسلوب من أكثر الأساليب
تفعيلًا في العديد من الجامعات الغربية من مثل جامعة بيرمنجهام وهارفادر وستانفورد
وغيرها.
ومن الجيد ذكره هنا هو أنّ الطلبة من خلال تطبيقهم
لأسلوب دراسة الحالة؛ فإنّ هذا سيدفعهم إلى مزيد من البحث عن معلومات ومعارف
ومصادر جديدة للحصول على حلول أخرى، أو تفسيرات جديدة.
فعلى سبيل المثال مُشكلة الشر ووجود الله تعالى من
المشكلات والقضايا الإيمانية التي يتساءل عنها الطلبة كثيرًا، وللوصول إلى إجابات
شافية سيتطلب هذا دفع الطلبة إلى مزيد من البحث عن أقوال للعلماء وتفسيرات ترد على
كل تساؤلاتهم المثارة حول هذه القضية الإيمانية المهمة.
ولأجل كل الفوائد التي ذُكرت سابقًا فمن الجميل أن يتنبه
المعلمون والمعلمات إلى أهميّة هذا الأسلوب، ويسعى كل منهم إلى تفعيله بصورة صحيحة
للوصول إلى تعلّم إيماني يعزز اليقين ويحصن الطلبة من التيارات التشكيكية التي
تسعى لإضعاف الإيمان لدى الناشئة.
إضافة تعليق