يُعد التفكير التحليلي نوعًا من أنواع التفكير الذي تُبنى عليه أنواع أخرى من التفكير كالتفكير الناقد والمركب والإبداعي وحل المشكلات، واتقان المُعلم والمربي لهذا النوع من التفكير أمر يعينه على إتقان بقية أنواع التفكير الأخرى والنجاح في توظيفها

يُعد التفكير التحليلي نوعًا من أنواع التفكير الذي تُبنى عليه أنواع أخرى من التفكير كالتفكير الناقد والمركب والإبداعي وحل المشكلات، واتقان المُعلم والمربي لهذا النوع من التفكير أمر يعينه على إتقان بقية أنواع التفكير الأخرى والنجاح في توظيفها؛ وذلك لأنّ التفكير التحليلي يرتكز على تحليل المواقف وتفكيكها إلى عناصرها، وتقصي المعلومات الكافية لكل جزء، حتى يسهل التفكير فيه بشكل مستقل يعين على حل المُشكلات، وتعزيز القيم المرتبطة بالموقف أو بالنّص الذي يتم تحليله.

وهو مهارة يمكن أن يكتسبها المتعلم بالتعلم أو الممارسة أو التدريب، والتي تكسبه القدرة على توليد الأفكار الإبداعية، وهذا أمر يؤكده كبار التربويين والمفكرين من المسلمين كابن سينا وابن عبد البر الأندلسي وابن خلدون، ومن الغربيين من أمثال ديوي وشيفرزمان وروس وغيرهم.

وقد اتبع القرآن الكريم منهجًا دقيقًا في ترسيخ العقيدة وتناول أركانها، منهجًا لا يصل إليه المتعلم دون التفكير التحليلي؛ فإثبات وجود الله مثلاً من المسائل التي عالجتها العديد من الآيات القرآنية التي تحدثت عن وجود الله تعالى وتضمَّنت دلائل عدّة على ذلك من خلال دليل الإبداع ودليل الحدوث ودليل الحركة، ولكن لا يمكن استنباط هذه الأدلة إلا بعد تحليل الآيات التي تناولت إثبات وجود الله تعالى.

أهمية التفكير التحليلي وعلاقته بتعليم العقيدة:

وارتباط التفكير التحليلي بسائر أنواع التفكير يُظهر أهمية هذا النوع من التفكير، خاصة وأنه يوصل المتعلم إلى القدرة على مواجهة التحديات والمشكلات، وهذا يؤكد ضرورة إيلائه الاهتمام الصحيح من قبل المعلمين والمربين؛ لما له من دور في تعزيز العقيدة في النفوس؛ لأنّه يأخذ بيد الفرد نحو الفهم الصحيح للنّصوص الشرعية، والفهم الصحيح للمواقف والقصص والسير؛ ما يُرسخ في نفس المتعلم المبادئ الإيمانية بشكل لا يجعلها تتزعزع بسهولة.

فعلى سبيل المثال قاعدة (الحكم على الشيء فرع عن تصوّره) من القواعد التي تتطلب مهارة التفكير التحليلي والتركيبي؛ إذ لا يمكن الحكم على أمر ما أو مسألة قبل فهمها الفهم الدقيق ومعرفة متعلقاتها، والحكم على الأمور يندرج تحت التفكير المركب الذي يعتمد على تفكيك المسألة أولاً وفهم تفاصيلها، ومن ثمّ القدرة على إعطاء الأحكام العامة وغيرها.

وعليه مثلاً فإنّ اقتناع المُتعلم ووصوله إلى حِكمة المُشرِّع من تحريم السحر والشعوذة وإتيان الكهّان يرتبط بفهمه للنّصوص الشرعية التي حذّرت من السحر وبيَّنت حقيقته وحقيقة الخداع الذي يمارسه هؤلاء السحرة؛ ما يُسهم في وضوح التَّصور لديهم حول السحر وحقيقة منافاته للإيمان السليم، ومع إضافة نتائج الدراسات المجتمعية التي تظهر مخاطر هذه المسألة على المجتمعات، وتزايد المتعاملين معها، ونسبة الأموال التي تنفق على السحرة والمشعوذين؛ يغدو تحصين الأفراد من مثل هذه الممارسات أمرًا أجود من مجرد معرفتهم بحكم السحر وتحريمه.

وكذلك فإنّه لا يمكن تناول أية مشكلة للعمل على حلها بشكل تقليدي أو إبداعي ضمن المنهجية العلمية الصحيحة دون تحليلها إلى أسبابها ومظاهرها وآثارها. 

فظاهرة الإلحاد -التي بات الشباب يتعرضون إليها- تتطلب وعيًا وفهمًا يبدآن بوصف المشكلة ومعرفة مسبباتها ومظاهر انتشارها، للانتقال بعدها إلى إيجاد الحلول الناجعة والنافعة، والتي تجعل الشباب عونًا للمجتمع على مواجهة هذه الظاهرة التي تهدد المجتمعات الإسلامية.

كما أنّ الوقوف على سمات العقيدة الإسلامية يتطلب الوقوف على الفروق والاختلافات بين العقيدة الإسلامية وسائر المعتقدات الأخرى، وهذا إجراء يتطلب التَّفكير التحليلي الذي يُساعد المُتعلم على تفكيك أي موضوع إلى عناصره وأجزائه المكونة له لتبرز سماته، ونقصد بهذا وقوف المتعلم على تلك السمات الدقيقة التي تتمتع بها العقيدة الإسلامية، وتتمايز بها عن سائر الأديان السماوية والبشرية، ليعزز هذا في نفس المتعلم تمسكه بدينه وعدم التفريط به.

وحتى يتحقق هذا التفعيل في مثل هذه الموضوعات الإيمانية وغيرها فإنّه يتطلب اطِّلاعًا علميًا دقيقًا من قبل المُعلم على أي موضوع عقدي يريد طرحه ومناقشته للطلبة، ولا يكفي هنا فهم المعلم لموضوع ما أو اكتفاؤه بالكتاب المدرسي، وإنّما وجب أن يتوسع المعلم في اطلاعه إلى المراجع العلمية للموضوع؛ حتى يتمكن من تفعيل التفكير التحليلي بصورة ناجحة.

ولتوضيح هذا لنعود إلى مثال سمات العقيدة؛ فحتى ينجح المعلم في تعزيز تمسك المتعلم بعقيدته ينبغي ألا يقتصر على عرض سمات العقيدة الإسلامية بمنأى عن مقارنتها بالعقائد الأخرى، مع أهميّة التعرض عند بيان الفروق وتحليل السمات إلى أثر العقائد على اتباعها ومدى تحقيق السعادة والطمأنينة في ظلها، الأمر الذي يُسهم في رسوخ إيمان المتعلم بسلامة العقيدة الإسلامية وتميزها عن سائر العقائد الأخرى، ولذا فإنّ اطلاع المتعلم مثلًا على كتاب مثل كتاب الطبيب موريس بوكاي حول الإنجيل والقرآن والتوارة سيكون له فائدة طيبة.

إنّ فهم المُعلم العميق للنّصوص الشرعية المراد تحليليها أو للمواقف والقصص التي ينبغي الوقوف عليها أمر يُنجح تفعيل التفكير التحليلي، خاصة إذا كان المعلم صبورًا وله جلد على الرجوع إلى المصادر والمراجع العلمية من تفاسير وشروحات وكتب في العقيدة؛ لأنّ هذا يمكّنه من القدرة على طرح تساؤلات فكرية دقيقة تُساهم في دفع المُتعلم للتأمل والتدبر وتحليل المعلومات وآي الذكر الحكيم وأحاديث السنّة النّبوية المُطهرة.

وهذا يُمكّن المعلم من تدريب المتعلم على حل المسائل الشائكة ذات الأهمية، واكتشاف العلاقات، وإيجاد البراهين ونقدها، ومن ثمّ تمليكه القدرة على صياغة التعميمات والتحقق منها.

ونجاح المعلم في تحليل النّصوص الشرعية أمر مهم يُساعد المتعلِّم على فهم المراد من النّص الشرعي، ومن ثمّ استنباط ما تضمَّنه النَّص من دلالات وفوائد ترتقي بتفكير المتعلم نحو الإبداع، وتُعينه على إصدار الأحكام، وتوظيف النّص القرآني أو النّبوي في مواقف حياتية متجددة، خاصة إذا تمكّن المعلم من ربط النّص الشرعي بغيره من النّصوص الشرعية الأخرى، سواء من القرآن الكريم أو السنّة النّبوية وبواقع حياة المتعلم، وهذا ما نهدف له من طرح موضوع التفكير بأنواعه، وهو أن يصبح التعلم حاجة مرتبطة بالواقع ترسخ العقيدة وتؤسس لها بصورة صحيحة قادرة على مواجهة أية موجات تشكيكية أو مغالطات عقائدية.

وحتى يتم تفعيل التفكير التحليلي بصورة صحيحة ينبغي مراعاة أن تكون الأسئلة متدرجة، تبدأ بالمعلوم وتنتقل بالمتعلم إلى المجهول، وأن تكون سليمة من حيث اللغة، واضحة من حيث المطلوب، وأن تكون دقيقة تدفع المتعلم للتفكير والتفتيش حتى تُكسب المتعلم مهارة تحليل الأمور، وأن يمنح المتعلم وقتًا كافيًا للتفكير والتأمل.

فالتحليل عادةً يعتمد على تفكيك النّص إلى عناصره، واستخلاص ما فيه من أفكار دلّت عليه، وربطه بغيره، فآيات القرآن الكريم والأحاديث النَّبوية وقصص الأنبياء والسيرة النّبوية، والقصائد الشعرية والقصص الفلسفية وقصص الهداية؛ مصادر لا يُمكن الإفادة منها بشكل صحيح دون توظيف التفكير التحليلي للخروج بنتائج وروابط وعلاقات ثرية.

ويذكّر التربوي محمد هاشم ريان بأنّ (الهدف من التحليل هو تمكين الطالب من أن يعيش جو النّص وروحه الذي قيل فيه من خلال تفكيره في هذه النّصوص وتحليلها والوقوف على معانيها ودلالاتها، فهي تنمّي قُدرة المتعلم على النّقد والموازنة، وتدفعه إلى البحث والاستقصاء).

أمثلة تحليلية:

فعلى سبيل المثال حديث جبريل -عليه السلام- حول الإيمان والاسلام والإحسان يتطلب تحليلاً عميقًا، ويَلزم المُعلم التنبه إلى ضرورة تفادي الطرح السطحي من خلال تحليل الحديث إلى الموضوعات التي يتضمنها، ومن ثمّ استنباط ما فيه من قضايا، وربط الحديث بالآيات القرآنية التي تطرقت إلى ذكر الإسلام والإيمان، ثمّ بيان العلاقة بين الإيمان والإسلام، وأثر هذا الفهم في الرد على بعض الفرق التي حادت عن جادة الصواب. 

ولذا فثمّة أمور مهمة ينبغي التنبّه إليها عند تفعيل هذا النوع من التفكير؛ وهي: معرفة متى نتوقف عن التحليل خاصة إذا لم يكن هناك إضافة معرفية جديدة، فلا حاجة عندها للاستمرار، وكذلك مراعاة عدم الاستغراق في التفاصيل الكثيرة على حساب القضايا الأكثر أهمية، وهذه أمور يُقَدِّرها المعلم بحسب الموضوع الذي يتم تناوله.

فمثلًا موضوع الأسماء والصفات من الموضوعات العقدية المهمة التي ينبغي التطرق إليها؛ لما لها من أثر على معرفة الله تعالى وترسيخ الإيمان، ولكن لا ينبغي الاستغراق فيها إلى حد التكلّف وإقحام الطلبة في بعض الأمور الخلافية التي قد تؤثر سلبًا عليهم، خاصة في المراحل التعليمية المدرسية التي يُنصح فيها بتجنيبهم مثل هذه الخلافات العقدية.

وبالنسبة للقصَّة كمصدر معرفي فلنأخذ على سبيل المثال قصص الأنبياء، التي تُعد مصدرًا مهمًا في مجال العقيدة؛ لتقديمها نماذج واقعية سابقة حدثت بين الرسل وأقوامهم، فلو أردنا مثلاً تحليل قصّة هود -عليه السلام- فسيكون من المناسب تحليل الآيات القرآنية التي تناولت أحداث القصّة؛ فتتبين الظروف المكانية والزمانية والاجتماعية والاقتصادية لقوم هود -عليه السلام-، ثمّ الوقوف على الأساليب الدعوية ومعيقات الهداية وموقف عاد قوم هود من نبيهم، وأسباب رفضهم اتباع دعوته، ومن ثمّ عاقبتهم. ويمكن للمعلم أن يعقد بعدها مقارنة بين قصّة هود وما فيها من أحداث بقصة أي نبي آخر أو بقصّة محمد -صلى الله عليه وسلم- لمعرفة أوجه الشبه والاختلاف.

ومن القصص الفلسفية التي يمكن أن يفيد منها المُتعلم قصّة (حي بن يقظان) التي كتبها الفيلسوف ابن الطفيل (توفي 581هـ)، وهي قصّة ثرية بمحتواها الإيماني التأملي، والتي يستطيع المُعلم أن يقف على أي نص تأملي فيها ويُنشئ عليه بعض الأسئلة التحليلية التي تُسهم في معايشة المتعلم لجو القصة وأحداثها، مع الحرص على ربطها بالآيات القرآنية والأحاديث النّبوية التي تناولت الموضوع نفسه الذي تطرحه الفقرة التي اختارها المُعلم، ومن ثمّ تكليف الطالب بمحاولة الإجابة عن التساؤلات الإيمانية التأملية التي تضمنتها القصّة؛ ما يُسهِمُ في تنمية التفكير التحليلي والمنطقي.

وما ينطبق على قصّة حي بن يقظان ينطبق على قصص الصحابة -رضي الله عنهم- كقصّة إسلام سلمان الفارسي الباحث عن الحقيقة، وغيرها من قصص الهدايات للكثير من الأشخاص ممّن مروا ببعض الأحداث والمواقف التي كانت سببًا في إيمانهم، من مثل الطبيب الفرنسي موريس بوكاي، والبروفيسور جفري لانغ، والقس السابق يوسف إستيس، والسياسي الهولندي أرنود فان دورن وغيرهم، ويمكن كذلك الاستفادة من بعض البرامج الخاصة بالداخلين الجدد في الإسلام كبرنامج (بالقرآن اهتديت جـ1 وجـ2) لفهد الكندري، وتصميم أسئلة تُحلل هذه القصص.

وفيما يأتي نموذج لأسئلة تحليلية مُقترحة يُمكن طرحها حول هذه القصص:

- تحدث عن الظروف التي عاشتها الشخصية قبل دخولها في الإسلام.

- اذكر الأسباب التي دفعت الشخصية للبحث عن الحقيقة.

- ما العوامل التي شجعت الشخصية على اعتناق الإسلام؟!

- استخلص أهم المُعيقات التي واجهتها الشخصية في رحلتها لاعتناق الإسلام.

- صف أهم التغيرات التي طرأت على الشخصية بعد دخولها الإسلام.

- ما أكثر شيء أعجبك في أحداث القصّة التي اطلعت عليها؟!

وتفعيل التفكير التحليلي يمكن أن يكون ضمن التعلم المباشر أو من خلال استخدام أوراق العمل والتعلم التعاوني والتعلم النشط، ومبدأ الاختيار يعتمد على ما يراه المعلم مناسبًا وأكثر جدوى للمتعلم بما يتناسب مع الزمن المتاح وطبيعة الموضوع.

وختامًا فإنّ التفكير التحليلي وتفعيله بشكل صحيح من خلال التخطيط الصحيح والتصميم المناسب للمواقف التعليمية يتيح المجال للمُعلم لطرح الكثير من موضوعات العقيدة بشكل فاعل ومؤثر يُسهِم في ترسيخ العقيدة والأسس الإيمانية في نفوس النشء.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة