كنت أسير في أحد الشوارع، حينما وجدت سيارة نقل ضخمة تجرُّ مقطورة لا تقل ضخامةً، متعطلةً، ولأن الشارع كان به انحدار خفيف؛ فقد وجدت السائق وزميله يجمعان بعض الأحجار الصغيرة ويحشرانها تحت عجلات السيارة
كنت أسير في أحد
الشوارع، حينما وجدت سيارة نقل ضخمة تجرُّ مقطورة لا تقل ضخامةً، متعطلةً، ولأن
الشارع كان به انحدار خفيف؛ فقد وجدت السائق وزميله يجمعان بعض الأحجار الصغيرة
ويحشرانها تحت عجلات السيارة، فسألتهما عن جدوى ما يفعلانه، وهل تستطيع تلك
الأحجار الصغيرة منع تلك السيارة الضخمة من التحرك؟! فأجابني السائق بنبرة ملؤها
الخبرة أنه واثق من هذا، بل وأخبرني أنه بعد إصلاح السيارة، فإنه لا يستطيع أن
يتحرك بالسيارة ـ رغم قوة محركها ـ إلا بعد أن يُزيل الأحجار، وإلَّا وجد صعوبة
كبيرة في "بدء" الحركة.
أنت وأنا قد يكون لدينا
بعض الأحجار "المحشورة" تحت "عجلات حياتنا"، ممَّا قد يمنع،
أو يُبطئ بداياتنا.
هذه
"الأحجار" هي عوائق، بعضها حقيقي، وبعضها وهمي..
أظن أنه من المهم أن
" تبحث" إذا كانت هناك أحجار محشورة تحت " عجلاتك"، ومهم أن
تبدأ في نزع هذه الأحجار.. مهم أن تواجه وتتحمل ألم رصد ومواجهة ونزع تلك الأحجار،
وهو ألم حقيقي يحتاج إلى شجاعة المواجهة..
· عودة الأوثان..
يخبرنا التاريخ عن
تكرار حالة عبادة الناس للأوثان وكيف كانت تلك الأوثان في الأصل تماثيل لأشخاص
صالحين، صُنعت لهم التماثيل من أجل التذكرة بـ "يا ليتنا نكون مثلهم"،
أو أناس طالحين فكانت التماثيل للتذكرة بـ "إياك أن تفعل مثلهم".
وغالبًا، بعد مرور
أجيال وأجيال، يختلط في مفهوم الناس ما تمثله هذه التماثيل، فيبدؤون في تكوين صورة
مغلوطة، أن هؤلاء الصالحين، أو الطالحين؛ وصلوا إلى هذه الدرجة كونهم آلهة في حد
ذاتهم، أو آلهة وسيطة، تقربهم وتتوسط لهم عند الله، فتتحول إلى أصنام يعبدونها مع
الله –سبحانه وبحمده- أو بديلًا له.
وتُنبئنا قصص الأنبياء عن
رد فعل عبدة الأوثان حين جاءتهم رسلهم بالبينات والدين الحق، وكيف قاوموا الدعوة
بشدة رافضين ترك عبادة آلهتم و أوثانهم، فهل كان هذا الرفض عن قناعة
باستحقاقآلهتهم للعبادة؟ .. أم أن أغلبهم كان يقاوم فكرة المساس بالوثن لأنه كان
يشعر أن المساس بهذا الوثن هو مساس بكينونته، ودفاعه عنه هو دفاع عن وجوده.
لقد كان لكل قبيلة إله
خاص وشعار خاص تنافس بعظمته وقوته ـ المزعومة ،
بقية القبائل؛ لأن هذا ينعكس على عظمة وقوة أتباع هذا
الإله"الوثن"، وكان هذا يعكس مكانة اجتماعية عالية لها مردودها السياسي
والاقتصادي..
ربما لمس بعض عبدة
الأوثان صحيح الإيمان في ما يدعو إليه النبي، لكنهم أضعف من أن يتركوا أمان
الانتماء للقبيلة، ولذلك فهم لا يتحركون من مربع "أمان" القبيلة إلا مع
تحرك قادتهم.
وهذا ما أخبر عنه عمرو
بن العاص حين سئل عن سبب تأخر إسلامه، وهو صاحب العقل الراجح، فقال
رضى الله عنه: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدُّمٌ وسنٌ، توازي حلومُهم الجبال، ما
سلكوا فجاً فتبعناهم إلا وجدناه سهلاً، فلما أنكروا على النبي - صلى الله عليه
وسلم- أنكرنا معهم ولم نفكر في أمرنا، وقلدناهم، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا
نظرنا في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- فإذا الأمر بيّنٌ؛ فوقع في قلبي الإسلام.
وهكذا تشكل المجموعات
التي تتبع قادتها إلى أي مربع ذهبت إليه بيئة خصبة لعودة الأوثان في كل مجتمع؛ لأن
تلك المجموعات تبحث عن رمز تلغي إرادتها وتمشي وراء إرادته، وتسلِّمه مقاديرها..
وهذا العائق من أخطر
العوائق وهو ينشأ بيننا حين نتربى وفق علاقة "الشيخ والمريد"، وهذه
الظاهرة سواء بالتعلق بـ أو التعلق ضد "الشخص" هي ثقافة التيه التي
نعاني منها حيث نعطّل عقولنا لنعتمد على عقل من نراه "قدوتنا"، ونلغى
إرادتنا ونسلّم لإرادته، وننسى رغباتنا لتحقيق رغباته، فنصنع بأيدينا الواقع الذي
يمهد لخلق "الوثن" ..
يا صديقي
..
إذا أردت التحرر من
عائق عودة الأوثان؛ فلابد أن ترى القدوة في إطار هامش الخطأ البشري؛
فلا تطلب من القدوة إخفاء بشريته، ولا تصطدم أو تتحطم حين ترى أخطاء "القدوة" لأنك تعلم أنه ليس نبياً، وإن سار على طريق الأنبياء..
ومن ثم تكون علاقتك به بعيداً عن التعظيم الذي يقترب من التأليه، والحب الجنوني،
واعتقاد أنه يستطيع أن يلم بكل شيء؛ فهذه العلاقة المتوازنة بالقدوة هي التي تغلق
الطريق على عودة الأوثان .. ([1]) عبر ..
العقل الأسير..
تبدأ
مسيرة الفكر بالطفولة الفكرية المتعلقة بـ"الأشياء"، ثم بـ
"الأشخاص" التى تحاط بهالة من التقديس ومنع الاقتراب.. ثم تأتي مرحلة
"المراهقة" الفكرية التي تتميّز بالرغبة فى الخروج عن المألوف والانقلاب
على القديم بشكل يفتقد الاتزان؛ فيجد الإنسان نفسه جزءاً من كيان بمنع التفكير
ويحرّم التعبير؛ ويوزع على أتباعه ملابس الطفولة الفكرية سخرية للناظرين فى إعلان
وصاية على كل إنسان قد وضع عقله في الأسر وأتقن فن الخرس وقَبِل دور الانصياع؛
فكان كل دوره هو " تمرير" الأفكار دون مناقشة و "تكرارها" دون تمحيص
و"تبريرها" والدفاع عنها حتى الموت.
فبالأولى : يتحول العقل إلى
"وعاء" يضم "كماً" متناقضاً من الأفكار.
وبالثانية : يحمل الأفكار
المتناقضة دون إدراك تناقضها.
وبالثالثة : تتشكل العقلية "أحادية
الرؤية"، التي ترى الكون من خلال منظار بلون واحد، و تصنف الآخرين إما في
خانة طاهر مقدس أو دنس حقير، معنا أو ضدنا
..
وهكذا يسبح العقل الأسير بين
"الاطمئنان البارد" أنه يمتلك مفاتيح الحقيقة المطلقة، و بين
"كراهية الآخر" المارق.!
فإذا منّ الله على
الإنسان بـ "الرشد" العقلي رزقه "العقل النقدي" الذي يقوم على
"تنقية" الأفكار التي تأتيه من خارج ليصنع منها بناء معرفيا ينكفيء على
الذات ليكتشفها لأنه يدرك أن أرفع أنواع الوعي هو وعي "الذات"، الذي
يراقب الأفكار ؛ فيدخل التصحيح علي الخطأ .. ويتحرر من معصوميتها؛ فيخضعها للنقد
.. بل يخضع عملية النقد ذاتها للنقد مرات عديدة، في صورة تقترب من صناعة الماس،
حيث يتم صقله بدون ملل ليصل إلي درجة اللمعان التي تكاد أن تذهب بالأبصار، فليس مثل الوعي في إنارة الطريق، ولا أتعس من الجهل الذي
يولد الخوف والحيرة والشقاء. فالإنسان متى جهل؛ خضع، فالجهل فِي حَقيقته وَثنيّة؛
لأنّه لا يغرسُ أفكارًا، بل ينصِّبُ أصنامًا .! ([2])
و يمهد الطريق لـ
ثقافة
الخوف ..
أنا
وأنت نخاف.. وأنا وأنت لا نخاف بلا سبب.. أحياناً يكون سبب خوفنا حقيقياً.. و
أحياناً يكون السبب وهماً.. ولكن خوفنا ـ في بعض الأحيان ـ يتحول إلى "شجرة
خوف" تنمو في قلوبنا وتضرب بجذورها فيها، وترتوي بماء الزيف بإنكارنا لخوفنا؛
فتنمو وتترعرع، وتنبت لها أفرعٌ مختلفة: فرع الأنانية، فرع البخل، فرع الكذب، فرع
النفاق.. ومع تراكم عشرات السنين من الإحساس بالخوف، يصبح الخوف هو الشعور المعتاد و يتعايش
الإنسان معه حتى يصبغ الخوف كل شيء في حياته؛ فيخاف على نفسه ويخاف من الناس ويخاف
من السلطة.. لينشأ ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة الخوف" التي يستغلها المستبد لتسهيل مهمته في السيطرة على رعيته؛ فيعمل –هو وبطانته- على خلق
هالةٍ من التعظيم والتقديس حوله تعمل كخط دفاع أول بينه وبين رعيته، وتصنع أسوارًا
معنوية تبني في وعي الناس أن المسافة بينهم وبينه بعيدة نتيجة لتميزه وعظمته
وقدسيته و... و... فرؤيته حدث .. ولقاؤه شرف .. والتحدث معه معجزة.!!
وعموم
الناس من الصعب عليها أن تحب من تخاف منه أو ترهبه، بل إن هذه الرهبة وذلك الخوف
يخصمان من رصيد المحبة، ، وللأسف كثيرًا ما تنعكس هذه المفاهيم على العلاقة مع
الله.
ولذلك
فإن عموم الناس في تلك المجتمعات تميل إلى علاقة الخوف من الله على حساب علاقة الحب
له؛ لأن الاستبداد ربط في وعيها بين "السلطة" و "البعد"، كلما
زادت كمية السلطة زادت المسافة بين صاحبها وبين عموم الناس، وهذا بدوره يؤثر على
علاقتهم مع الله فيبدأون ـ بلا وعيّ ـ في
وضع مسافات بينهم وبين الله، انعكاسًا لما اعتادوه مع السلطة.
ومن
ثم يشعرون أنهم لا يستطيعون الاقتراب منه، ويعملون على البحث عن "وسيط"،
يشعرون أنه أقرب إلى الله منهم، يتشفعون به أن ينقل طلباتهم ودعاءهم إلى الله
سبحانه وبحمده.
لذا،
فليس من قبيل المصادفة أن نرى تاريخياً وحاضراً أنه أنه كلما زاد استبداد الحكام،
وبالتالي انحطاط المجتمعات، تجد أن هناك دائمًا من يلعب دور "الوسيط"
بين بسطاء الناس وبين الله.
هذا
هو واقع المجتمعات التي تراكُم فيها ما يسبِّب الخوف لمدة طويلة، فتحوّل من شعور
الخوف إلى ثقافة الخوف، فاعتاده الناس وعاشوا حياتهم من خلال منظور الخوف وغابت
قيمة الشجاعة.!
والشجاعة
ليس معناها زوال الخوف، بل الشجاعة أن تستمر فيما تفعله وأنت خائف، فلا يصيبك
الخوف بالشلل، ولا يمنعك من العمل، ولا يثنيك عن الحركة.
وبداية
الشجاعة أن تعترف بخوفك، فإذا اعترفت به استطعت أن تواجهه، وإذا واجهته فغالبًا ما
ستصل إلى طريقة للتغلُّب عليه.
يا
صديقي..
كُن
دائم الوعي والإدراك أن لهذا الكون ربًّا لا يكون في كونه إلا ما يريد، واستعن به
سبحانه للتغلب على خوفك، فإذا استعنت به؛ استطعت أن تتغلب على "نفسك"..
وأنت خائف.. ونظرت إلى الخوف في عينيه.. وأنت خائف.
ساعتها
لن تنبت شجرة الخوف في قلبك، وسيكون الخوف مجرد خوف، لا يمنعك من الحركة والحياة.
ساعتها،
بدلًا من "شجرة الخوف"، تستطيع أن تُنبت في قلبك "شجرة
حكمة"..
تُروى
بماء صبرك.. وماء شجاعتك.. وماء يقينك بالله.
ومن
ثم يحفظ الله قلبك عن ..
·ممارسة الزيف
في غياب الوعي والإدراك؛ يمارس البعض ممارسات لها
توابعها الخطيرة، ومن أهمها تسمية الأشياء بأسماء غير حقيقية، ثم تصديق تلك الأسماء.
على سبيل المثال، في المجتمعات التي تسودها ثقافة
الخوف، تتجلَّى تلك الثقافة في تطبيقات الحياة اليومية، فحينما يكسرنا الخوف، يكون
من تطبيقات الحياة اليومية: النفاق، والسلبية، والأنانية، والانكفاء داخل دوائر
اجتماعية صغيرة، لأننا نكون من الضعف بحيث لا نستطيع مواجهة واقعنا، ونكون من
الانكسار بحيث لا نحاول تغييره ، ولذا فقد توصلنا إلى حل عبقري، هو أن ندع كل شيء
على حاله، ثم نُعيد تسمية ممارساتنا القبيحة، بأسماء أخرى؛ فنسمي الخوف.. عقلًا، ونسمي
السلبية.. حكمةً، ونسمي النفاق.. مُجاملةً، ونسمي الانانية.. تدبيرًا. ([3])
لماذا نفعل ذلك؟
لأننا
نكون من الضعف بحيث لا نستطيع تغيير واقعنا المهين؛ فنقوم بتزييفه حتى لا نشعر بالاحتياج لتغييره، والأهم.. كي نستطيع أن ننظر في
المرآة بلا خجل..
والحقيقة أننا بفعلتنا
هذه نرتكب خطأ في حاضرنا، وخطيئة لمستقبلنا.
خطأ الحاضر يخص معايير
تقييمنا لمَنْ حولنا، فعلى سبيل المثال:
نظرًا لعملية التزييف التي
نرتكبها، وتسمية خوفنا عقلًا، فلو صادفنا شخصًا شجاعًا، فنحن نعتبره على الفور
بطلاً ونوليه أعظم أمورنا.! .. وهذا ربما يخصنا نحن ويخص حاضرنا ..
وأما ما يخص تزييف
المستقبل، فهو يخص أولادنا، ولذا يتحول الخطأ إلى الخطيئة.. كيف ذلك؟
نحن- شئنا أم أبينا-
قدوة لأبنائنا، هم يتشربون ويتعلمون حقائق الحياة مِنَّا. فإذا شاهدونا نسمي تلك
الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، سيصدقون بكل براءتهم ذلك التدليس، ويمارسون
تطبيقاتنا المزيفة على أنها حقيقية، ونكون بذلك قد أسهمنا في إرباك مستقبلهم.
لا شك أن مواجهة
أبنائنا بأننا خائفون من شيء ما هو أمر صعب، ولكنه بالتأكيد أهون من أن نزيف مستقبل
أولادنا. لأننا حين نعترف بخوفنا أمام أولادنا، فقد تركنا لهم حرية الاختيار في
مواجهة ما لم نستطع مواجهته، وبدأنا تحررنا نحن أيضاً من الزيف ولجأنا بخوفنا إلى
الله نطلب منه أن يقوينا، نطلب منه أن يعيننا على أنفسنا، وبغض النظر عن النتيجة،
أنت هنا لم تنسَ الله، حتى لو ظللت ضعيفًا مكسورًا.. أمّا حين تزيف واقعك؛ فإنك
نعيش حياة الارتباك والإرباك وتتحرك نحو السقوط في ..
· مستنقع الضحية ..
مضى
الشيطان إلى طريق اللاعودة واللاتوبة، لأنه لم يراجع نفسه، ولم يعترف بالخطأ، بل نسب
خطأه إلى الرب فقال { بما أغويتني }، بينا عصى أبونا وأمنا من قبل آدم وحواء فاعترفا بأن سبب المشكلة
من عند أنفسهم "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا".
ونسب
مشركو الجزيرة العربية شركهم إلى الله "لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا
حرمنا من شيء" وبالتحلل من المسئولية وإعادة
الأمور إلى الإرادة الإلهية يتعطل كل جهد ويرسل الوعي إلى إجازة مفتوحة.
وهذا
ما يحدث منا حين نتعرض لمحنة ما..
نصرخ
بأعلى صوتنا: لقد تعرضنا لظلم وتم اضطهادنا ولم يتحرك أحد لرفع الظلم عنا، وهذا
الظلم والاضطهاد يتكرر معنا.!
نعم
.. ما نقوله من كلمات تعبّر عن واقع ما حدث ويحدث، فما الخطأ في هذا؟
ليس
هناك خطأ ما، لكن دعنا نتعمق قليلًا ونحاول أن نتلمَّس طريقًا، يمنح الفرصة
للانتقال من حالة الضحايا إلى حالة الحكماء.
كي
تستمر حالة "نحن الضحايا"، لا بُدَّ أن تصاحبها حالة "إياكم
والنسيان"، التي تؤدي إلى بقاء شعلة "نحن الضحايا" متأججة ومستمرة،
ويتم استخدام كل الوسائل المتاحة حتى تبقى الأحداث التي حدثت من عشرات أو مئات
السنين حية كأنها حدثت بالأمس، محتفَلًا بها كلما سنحت الظروف، محتفظًا بها في كل
وسائل الحفظ كلما أمكن هذا.
وإحقاقًا
للحق، لا بُدَّ أن نقر أن تبني حالة "إياكم والنسيان" يؤدي إلى مكاسب،
لكننا لا بُدَّ أن نلاحظ أيضًا أنها مكاسب على المدى القصير، لكنها لا تمنع تكرار
المحنة لأن "الانزلاق" إلى مستنقع "الضحية" لا يعلمنا شيئاً مما
حدث لنا، ولا يضيف إلى خبراتنا جديداً نافعاً ..
يا صديقي ..
إن ما يحدث لك من محنة هو فرصة أن تخرج بعلاقة
وصل بالله، فتزيد علماً وحكمة، و تكون المنارة التي يسترشد بها كل من يحاول أن
ينهض من عثرته، و يتجاوز محنته..
فهل تبدأ ـ يا صديقي ـ رحلة استكشاف داخلك للتأكد من أنك لا تعيش في مستنقع الضحية في مناحي حياتك
المختلفة، وفي حالة اكتشافك دور ضحية واضح أو مُختبئ، تبدأ بمساعدة الآخرين في
التَّحرُّر منه، تبدأ في مغادرته ووضع حد له، وثم تتخلص من حالة "إياك
والنسيان" التي تحفظ لك البقاء داخل دور الضحية من خلال تذكير كل من حولك بأنك
ما زلت مظلوماً، وكأنك تكرر عليهم إياكم أن تنسوا ما حدث لي.!
أنا أعرف أن التحرُّر
من هذه الحالة ومواجهتها هو تحدٍّ حقيقي، ولكن هذا الجهد يستحق، لأن حياتك بعد
التَّحرُّر منها مختلفة تمامًا عمَّا قبلها، فهي تعيد إليك قُدرتك على التسامح مع
الآخرين؛ وقُدرتك على القرب والتواصل مع رحمة الله- سبحانه وبحمده الذي يعصمك قربه
من ..
· تجارب الفشل..
· تجارب الفشل..
كلمة الفشل مُقترنة دائمًا بشيءٍ سلبيٍّ.. تجربة
سلبية.. إحساس سلبي.. نتيجة سلبية، وهذا صحيح، وكلمة النجاح مُقترنة دائمًا بشيءٍ
إيجابي، سواء التجربة، أو الإحساس، أو النتيجة، فالدنيا تأخذ و تعطي، والعقبات لا
تحول دون النجاح بل قد تكون هي الدافع القوي له ..
ولذلك فإن المهم دائما أن نشترك في مباراة
الحياة بكل طاقتنا لكي نكون من الفائزين لأنك لن تفوز بأي مباراة إلا إذا كنت من اللاعبين أما
الانسحاب قبل أن يبدأ اللعب فلا يحقق سوى الحسرة، أقول ذلك وأؤمن به أنظر إلى
الحياة دائما بقلب يخفق بالأمل فلا أدع لحظة النجاح الجميلة تمر دون احتفاء
واحتفال مع استعداد لنجاح قادم ..
وأمّا تجارب الفشل فنقوم بفصل الألم المُصاحب
لها عن أسباب الفشل، ثم تبحث عمَّا يمكن أن تتعلمه من هذه الأسباب.. بل إن الفرصة متاحة لك أن تخرج من تجربة فشل ، بعلاقة وصل
بالله من خلال التساؤل :
هل سلكت الطريق الخطأ ؟
لماذا تعثرت في تحقيق
مرادك مني يا الله ؟
أنا موقن أن { بيدك
الخير } ، فساعدني يا الله على فهم رسالتك لي !!
وعندما يحدث هذا ، لن
تزيد علماً وحكمة فقط، وإنما ستكون المنارة التي يسترشد بها كل من يحاول أن ينهض
من عثرته، و يتجاوز ألمه، ويبني نجاحاً من تجربة فشل..
ولا شك أن من أكبر ما
يكسبك مناعة ضد الإحباط ، مباشرة الممكن وعدم تضييعه فى طلب العسير والمستحيل وهذا
ما أوصانا به ربنا حين أمرنا بقوله : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن16 .
إننا " كثيراً ما
تختلط علينا القدرة بالإرادة ، حيث نظن ، أو نعتقد أننا لا نستطيع فعل كذا وكذا ،
وتكون الحقيقة أننا نستطيع فعلاً القيام بذلك لكن لا نريد أن نفعله ..!!
نعم .. إننا
فى أحيان كثيرة لا نحاول ، ولا نهتم ، ولا نتهيأ .. ومع ذلك نقول إننا لا نستطيع !!
بل ربما تحوّل ذلك
لدينا إلى لون من ألوان الكذب " {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ
لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ
مَعَ الْقَاعِدِينَ }التوبة46 .
يا صديقي..
الصلة بين العبد وربه ليست حسابا بنكيا تضع فيه
اليوم لتسحب منه غداً، فقد يزيد الله فى ابتلائك بعد حفظ نفسك؛ لأن عبودية
"الصبر" التي ستظهر منك عند هذا الابتلاء الجديد والابتهال والشعور
بالافتقار هو خير لك في دنياك وآخرتك مما لو أجابك الله لمبتغاك، وقد يرزق غيرك ما
تراه أنت سعادة ليكون ذلك ابتلاء جديداً لهم هل سيوجد منهم عبودية
"الشكر" على نعمته وأنه لم يعاقبهم بذنوبهم فى الدنيا، أم سيستمرون فى
الغفلة والإعراض لتكون سعادتهم حجة عليهم.
فإذا كنت على يقين من ذلك؛ فلن يكسرك ..
· الخوف والحزن ..
الخوف
و الحزن من أشد العواطف تأثيراً وزعزعة
لكيان النفس الداخلي؛ ولذلك يؤكد القرآن أنها عينات اختبارية في مدى أهمية الإيمان
وجدواه لحقن الروح بالثبات والاستقرار (لاخوف عليهم ولاهم يحزنون).
فأما الحزن فهو عاطفة تستولي على
الانسان في شيء مرَّ عليه وانقضى { ماأصاب من مصيبة في الأرض ولافي أنفسكم الا في
كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير . لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا
بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور } سورة الحديد رقم 22 - 23 ..
وأمّا الخوف فهو عاطفة مدمرة مربكة
معيقة للتفكير السليم، مما سيحدث ويأتي مع لحظات الزمن الزاحفة باتجاهنا { الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل} سورة آل عمران 172، ومن هنا فإن زحف الروح في اتجاه الخوف والحزن
يجعلها تدخل الحالة المرضية، كما في صورة "الكوبي" عندما تتعرض الصفحة
للتصوير باتجاه التغميق فلا تعود صالحة للقراءة. وهذا ما يحدث حين يعيش الفرد خوفاً مرعباً أو يغرق في لجة حزن سوداء بالعشي
والإشراق ..
حين ينفجر
خوفك حزنًا، أو ينفجر ألمك غضبًا؛ يتأذى قلبك، وقلبك هذا هو وسيلة تواصلك مع حبيبك
.. مع ربك وإذا تأثر تواصلك معه؛ ارتبك سير حياتك.
ومن هنا
فأنت في أمس الحاجة إلى إخراج هذه المشاعر المتفجرة من قلبك، والإسراع باستعادة
حيوية روحك ومحاولة مصاحبة مشاعرك.!
وهذا يعني
ألا تسمح لمشاعرك أن تستحوذ عليك من خلال انفجارها..
استعن
بالله على خوفك وحزنك وألمك وغضبك، وحاول البحث عن طرق مختلفة لمواجهة المواقف
الضاغطة، من خلال اكتساب صفة "الصلابة النفسية" التي تتطابق كثيرًا مع
مفهوم الإيمان بالله تعالى وقضائه وقدره، والصبر على الشدائد، ومن أجمل الأحاديث
النبوية الشريفة التي تعبر عن ذلك المفهوم هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ
ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ
خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ)) ، وليس
الصبر أن تتحمل المصاعب سلبًا، بل أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية ؛
فترى الوردة في الشوك، وترى الفجر في الظلمة..
ولذلك فإن
الصلابة النفسية تقع في معادلة البلاء والصبر عليه، والتي قال الله تعالى في
القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ
مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [سورة البقرة: 155-157]، وقال تعالى:
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر: 10].
وكما ينضج
الخبز بالنار، تنضج النفس بالألم ..
فإن زارك
الألم؛ فتأمل السبب الذي زارك لأجله؟..
فإذا عرفت
السبب ووجدت أن بإمكانك علاجه؛ فافعل.
وإذا عرفت
السبب وكان خارج قدرتك؛ فعليك التسليم والصبر.
يا
صديقي..
لقد علمتني تجاربي أن أحسن استقبال الحزن
وألاطفه حتى يرحل عني بسلام..
ومن وسائلي في ذلك ألا أسأله لماذا جاء.. ولا
متى سيرحل إذ ليس من حسن الأدب أن تسأل ضيفا حتى ولو كرهته لماذا جاء يزورك؟، وإنما
عليك أن ترحب به وأن تكرم وفادته وأن تتجاهل السؤال عن موعد رحيله إلى أن يهم بالانصراف
فتلح عليه بالرجاء بأن يبقى حتى موعد الغداء.. فيعتذر .. وترجو فيعتذر ثم تضطر آسفا إلى قبول اعتذاره. ([4])..
· غياب ثقافة الاعتذار..
حينما نكون مُبادرين ومُبدعين، فلابد أن يصاحب
هذا عدداً من المحاولات الفاشلة، ومن الأخطاء. قد تؤثر تلك الأخطاء أو المحاولات
الفاشلة على بعض من حولنا. كما أنه من الممكن جدًّا أن نُخطئ في حق بعض من حولنا
دون قصد.
وتجربتي أيضًا علَّمتني أن ممارسة ثقافة
الاعتذار توفر علينا كثيرًا من المتاعب، كما تحفظ لنا كثيرًا من العلاقات.
ولكي تطبق ثقافة الاعتذار، فأنت بحاجة أن تفصح
بعبارات واضحة أنك أخطأت، ثم تعتذر لمن أخطأت في حقه، وتخبره ماذا يعني لك وقدره
عندك.. ثم تسأله: كيف تصلح ما تسببت فيه دون قصد؟
فإن فعلت هذا، فأنت ترسخ فيمن حولك قيم القوة
والمسئولية والود.
ربما وجدت بداخلك صوتًا يحثك على عدم الاعتذار،
محتجًا بأن الطرف الآخر لن يمارسه لو أخطأ هو في حقك. وأنا أقول لك: قد يكون هذا
الصوت مُحقًّا، ولكنني أؤكد لك أنك حينما تمارس ثقافة الاعتذار في مجتمع لا يعرفها
ولا يمارسها، فأنت تضيف للآخرين شيئًا جديدًا ومهمًّا، فتكون لهم معلمًا.
وأعتقد مخلصًا أن اختيارك وتبنيك ممارسة ثقافة
الاعتذار، سيحررك من عدد كبير من ملفات الإحساس بالذنب التي تثقل كاهلك، وتقلل من
لياقتك الروحية، وبالتالي لياقتك الجسدية والعقلية، كما سيحررك من ..
· أسر تقييم الآخر..
ما رأي الناس في حالي
وفيما أفعله؟
أظن أن عليك أن تتخلص
من هذا التساؤل.. فتحرُّرك من تأثُّرك برأي الناس ليس المقصود منه ألَّا تعبأ
بمَنْ حولك ولا لآرائهم، فالتعلم من الغير مطلوب، والنصح من الغير محبوب، ولكن
المقصود منه ألَّا تكون مجرد صدى لرأي مَنْ حولك.. المقصود به ألَّا تستدرجك نفسك
كي تتعامل مع ذاتك على أنك سهم مطروح في البورصة تتغير قيمته انخفاضاً وارتفاعاً
حسب حركة الشراء والبيع.!
تخيَّل أن يكون تقديرك
لذاتك كل يوم متوقفًا على رأي "الآخرين". ففي يوم يكونون راضين عنك،
فترتفع قيمتك في عين نفسك، ويومًا آخر لا يكونون راضين عنك، فتنخفض قيمتك في عين
نفسك. وحين يكونون راضين تحاول جاهدًا أن تبحث عن أسباب رضاهم لتحافظ عليها
وتزيدها، وفي حال أن يكونوا غير راضين عنك، تغير من حالك حتى يرضوا عنك.
حالك هذا يبدأ من
مظهرك، وينتهي بكينونتك، مرورًا بأفكارك وقيمك ومعتقداتك .. فمتى تتحرر من أسر
تقييم الناس؟، ومتى تكف عن قياس قدرها بمقدار تقديرهم؟ .. ومتى يكون تقديرها حسب
تحقيقك مراد الله منك؟
يا صديقي
..
تحررك من عائق تقييم
الناس لك هو طريقك إليك لأنه يجعلك حراً بالله، ويجعل تساؤلك الأوحد: كيف يرى الله
حالي؟ .. وهل يرضى عما أفعل؟
أنت لم تغير السؤال،
ولكنك غيرت المُخاطَب، ووعيك وتغييرك للمُخاطَب يغير حياتك.
· وختاماً يا صديقي ..
لكي تتعامل مع كل "العوائق "التى تواجهك فى الحياة على أنها "تحديات
" عليك أن تتجاوزها بالمبادرة الإيجابية بدلاً من الهروب إلى تمثل دور الضحية
..
ومن ثم تكون أنت
المتمكن من التعامل مع المواقف التى تسبب لك الألم أثناء مشوار حياتك بدلاً من
تمكن الألم منك ..
وعندها .. لن يكون همك
أن تخرج فقط من دائرة الألم، وإنما سيكون همك كيف تحيي الأمل فى قلوب من حولك ممن
يشعرون بالألم !!
اليأس هنا ليس من
الاختيارات ، فأنت تنير للآخرين وتبعث فيهم الأمل والقوة .. تجذبهم من أيديهم كي
يحققوا ما يحلمون به من خلال التحرر من العوائق..
إضافة تعليق