الإعلام -ووسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا- بحر تموج فيه الأفكار والمعتقدات، وهي التي تربي أولادنا الآن؛ لأنهم يخوضون بحرها أكثر مما يجلسون معنا، وهي العالم الذي يعيشون فيه على الحقيقة لا عالم الواقع
الإعلام -ووسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا- بحر تموج فيه الأفكار
والمعتقدات، وهي التي تربي أولادنا الآن؛ لأنهم يخوضون بحرها أكثر مما يجلسون معنا،
وهي العالم الذي يعيشون فيه على الحقيقة لا عالم الواقع، ولا يمكن حبسهم عنها، لكن
واجبنا صناعة السفينة المثلى التي يخوضون بها غمار تلك الأمواج، وتعليمهم ما
يصيدون من أسماك ذلك البحر وما يتركون، وهذه السفينة هي سفينة (النقد)، الذي هو في
معناه اللغوي تفحُّص الشيء وتمييز جيده من رديئه.
فعلى أي شيء ينبني النقد؟! إنه ينبني على معرفة واعية بـ(نموذج الصواب)
وبأشكال هذا النموذج، وفق اختلاف الثقافات التي قد تتباين عن بعضها تباين قراءات
القرآن في النطق لا في المفهوم الأساسي، وكذلك معرفة واعية بالشر وطرائقه المختلفة
في الدخول إلى النفس، ومن ثم الظهور في السلوك:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر يقع فيه
فالنقد سفينة نعم، لكنه سفينة حربية مسلّحة، فما هي مجالات التسليح
الواجب تزويد سفينة الناشئة بها ليخوضوا غمار هذا البحر؟! دعونا نرى:
1- سلاح الترشيد لا المنع:
ربما يظن المربي أن العزلة عن المجتمعات هي الحل، وأن سحب الأجهزة
اللوحية هو العلاج الناجع، لكن (العزلة) وهم لا يمكن تطبيقه، ومحاولة تطبيقها تأتي
بأضرار أكبر من الاندماج في الواقع كسائر محاولات الجري وراء الأساطير، حتى مجتمع
المدينة في عهد النبوة لم يكن منعزلاً، بل كان فيه من كل صنف ولون، فماذا كان
العلاج النبوي لواقع الأطياف المتباينة هذا؟! كان سلاح الوعي أو ما نص عليه القرآن
أنه (البصيرة): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: 108]، فهي: بصيرة بالحق وطريقه، وبصيرة في
الباطل وطرائقه، وبصيرة بكيفية العيش بالحق وسط الحق والباطل.
وعليه فإنه يمكننا تقليل ساعات البقاء على وسائل التواصل، سواء
باستخدام تطبيقات تغلق اتصال الهاتف بالشبكة بعد ساعات استخدام معينة، أو عبر نظام
اتفاق مع الفتى والفتاة، وتنمية لقيمة الأمانة ومراقبة الذات في التزام عدد
الساعات المتفق عليه يوميًا دون زيادة منهم ولا نقصان منا.
لأنه في الحقيقة وسائل التواصل ليست شرًا كلها، بل هي سلاح ذو حدين
ينبغي لنا استعمالها فيما يرضي الله وينفعنا، فربما تقرأ مقالتي هذه عبر رابط على وسائل
التواصل، أو ربما تقرؤها وتنفذ منها إلى صفحات ومواقع أخرى نافعة على الوسيلة
نفسها.
فالترشيد انتقاء للخير من بين الشر، وإعطاء وقت متوازن لهذا الاستخدام
على كل حال.
2- درع الحوار المفتوح بلا حرج:
القناعات هي أساس السلوك؛ ولذلك فإن الفتى والفتاة والطفل والطفلة لا
ينبغي أن تكون علاقتنا معهم أوامر ينبغي عليهم تنفيذها؛ ذلك أن (الأمر) عمره قصير
في السلوك، فلو علم الله أن الأمر هو شأن التغيير لأنزل كتبه بلا أنبياء، لكنه -تبارك
وتعالى- أنزلها على أنبياء، وأنزل أوامره نجومًا تباعًا، وجعل الأنبياء -عليهم
الصلاة والسلام- للحوار والإقناع والتبيين والتفهيم، وكذلك لضرب المثل البشري على
الطاعة والعمل.
والحوار هو النقد الجماعي، وهو الدرع الذي يدافع به بعد أن يكون وحده؛
لأنه ينبغي له أن يتعلم الحوار معنا ومع غيرنا، وأن ينقد فكرة وسلوكًا معنا، أو مع
أقرانه أو حتى مخالفيه؛ فالحوار: تدريب هو الآخر على ملكة النقد جماعيًا والوصول
في النهاية للمشتركات للتمسك بها، ومن ثم تمييز الاختلافات للدوران حولها.
فحوارنا مع الطفل على قدر عقله لازم لغرس المفهوم، والذي سيثمر
بالتبعية التزام بالاتفاق بيننا وبينه على الوقت والانتقاء.
والحوار ينمي عقل الطفل ويفتح مداركه، وكذلك يكسب الثقة للمراهق ويعينه
على نفسه، وهذا درع حماية نفسية قوي قويم بلا شك، تنمية العقل وتوثيق الذات، ونرى
في قصة حوار يعقوب مع يوسف -عليهما السلام- حول منام الكواكب، نرى في ذلك الحوار
نموذجًا جليلاً جميلاً في ثقة يوسف الطفل أولاً أن يحكي لأبيه (يَا أَبَتِ إِنِّي
رَأَيْتُ)، فهو يعلم أن باب الحوار مفتوح على الدوام لأي شيء يخطر بباله، ثم نرى
جمال النموذج يتألق في التأسيس للسر بينهما: (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ
عَلَى إِخْوَتِكَ) [يوسف: 5]، فهذا حوار خاص جدًا داخل الأسرة، يكون فيه الوالد سر
ولده، وهكذا ينبغي أن يكون الحوار.
فندير نحن الحوار في عصرنا مثلاً حول خطورة ما يبثه الغرب والشرق، وما
يستهدفون به ديننا، ومدى الاختلاف بين عقائدنا وعقائدهم، ومدى التباعد بين
سلوكياتنا في القضايا المختلفة وسلوكياتهم، وكيف ينبغي للمسلم أن يكون متميزًا
بدينه في الواقع على وسائل التواصل، فكما أنهم يعلنون دعمهم لقضاياهم؛ ينبغي أن
تكون حساباتنا وصفحاتنا وقنواتنا بل وألعابنا: واضحة الإسلام معلنة أخلاقياته، إذا
رآها غير المسلم أصبح بين اختيارين: الأول أن يتعامل معنا باحترام عقائدنا ولا
يؤذينا بما يخالفها، والآخر: ألا يتعامل معنا. واختياره حسب تحمله هو للاختلاف
ورضاه بالتعاون في الخيرات ليس إلا.
3- وسائل اتصال الصداقة مع
الاحترام:
هنا يتجلى نموذج إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- في الملازمة بينهما
والمصاحبة ودوام ركوب إبراهيم البراق من الشام إلى مكة ليكون مع ابنه (فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات: 102]، وإشراك الوالد لولده في الأمور العظيمة:
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة: 127]، وهذا فيه أنها مصاحبة لم تلغِ هيبة
الابن لأبيه ولا طاعته له، ولم تذهب بما بينهما من الاحترام والتبجيل: (يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
[الصافات: 102]، فما أجمل هذا الاتصال المثمر لكل خير!!
الأب المؤمن الناجح يجعل أولاده أقرب أصحابه إلى نفسه، ويدمجهم في
حياته وأعماله، فينجح في نقل المسؤوليات إليهم بسلاسة، أفلا ينجح في الاتفاق معهم
على أن تتعامل في كذا ولا تتعامل في كذا؟! تشاهد ذلك ولا تشاهد ذاك؟! أن تقطع
صداقتك الافتراضية بهؤلاء ولا تقطعها بأولئك؟! لابد سينجح؛ لأن الوسيلة هنا
المستخدمة في الطاعة ليست الرهبة ولا الإلزام، ولكنها الاستثمار والتنمية، سيطيعه
ولده لأنه يرى النمو في هذه الطاعة، لن يراها حجرًا ولا تضييقًا.
4- الوصايا العملية (الذكريات):
جاوزتُ الأربعين، لكنني أذكر دومًا كلمة واحدة ثابتة كان أبي -رحمه
الله- يكررها كلما عُرض عليه أمر لا يرضي الله في شأن العمل أو في شؤون الأسرة،
كان يقول: (حرام، شرع ودين ربنا)، وهكذا طوال حياتي كلما وقفتُ أمام اختيار فيه
الحلال والحرام أذكر هذه الكلمة تلقائيًا، بل أرى والدي بخيالي أمامي يجلس جلسته
المعهودة جوار النافذة ويقولها في رسوخ! وهذا هو نوع الذكريات الذي ينبغي أن نتركه
لأولادنا، يحميهم وهم في خلوتهم لا يراهم إلا الله، فقد قيل في الآية: (لَوْلَا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) [يوسف: 24]، حين عصم الله نبيه يوسف من الفاحشة أنه
رأى أباه يعقوب ماثلاً أمامه، فهذه الذكرى: ذكرى الأب الصالح والعمل الصالح يعصم
الله بها الأبناء في مواقف يكونون فيها وحدهم؛ لأننا نموت ونفنى وتبقى الأعمال
والذكريات.
وهذا بلا شك من آثار قوله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا
مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ
وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9]، فالقول السديد لا يكون مجرد كلام
نكرره على مسامع أولادنا، وإلا ما أسماه الله (سَدِيدًا)؛ فسداد القول أن يكون
مسددًا كالسهم يصيب موضعه، وأعني أن الآية تشير إلى أن القول الذي يحفظ الله به
الأبناء ليس مجرد (النصيحة) التي نكررها عليهم، ولكنها (القول الفصل) الذي نقوله
في موقف، فيعلق في أذهانهم القول بموقفه، فيحاكونه طوال حياتهم وإن كنا نحن قد
رحلنا عن الحياة.
فها هو الطفل تأتيه رسالة تطلب منه أن يرى هذه الصورة المخلة، أو تغريه
فتاة أن يرى بعض جسدها فيقول دون تفكير: (معاذ الله)، فيغلق المحادثة ويلغي طلب
الصداقة، وربما قام عن الجهاز الذي هو بين يديه، أو اندفع ليستمع إلى القرآن أو إلى
محاضرة مفيدة، كل هذا لأنه شهد مشهدًا قلنا نحن لله فيه مقالاً، فتربى خليفتنا على
الرسوخ والثبات أمام الفتن ولو كان وحيدًا بعيدًا كيوسف -عليه السلام-.
وهذا الباب كله نشأ في ظلال: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، يعظمها بالفعل الذي
ينغرس في النفس لا بالقول الذي يذهب أدراج الرياح، فهو إن شهد الذكرى معك تتحرى
الحلال وتتجنب الحرام، تتحرى الحقيقة بعيدًا عن التطرف والتفريط، بل ربما شهدك
تصمت عند الأذان، فربما كان صدوح الأذان عند الفجر وهو سهران على الإنترنت يفيقه
من غفلة ربما كانت لتسحبه في أمواج الضلال أو الفاحشة بعيدًا بعيدًا.
5- بناء القدرة على تمييز المصادر الموثوقة:
هنا نبدأ تبعًا لتعظيم شعائر الله، فأول المصادر والمراجع: كتاب الله
وسنة رسوله، أما بعد ذلك فكل ما تابعهما أخذناه، وكل ما خالفهما تركناه، وهذا في
كل مسألة مطروحة على الإنترنت وفي الواقع، فطفلك يشاهد في الأنمي والكرتون مشاهد
مبهرة لأبطال يقومون بدور آلهة قوية قاهرة، ويشاهد مقاطع أخرى فيها علاقات بين
ذكور وإناث، وأخرى فيها علاقات بين إناث وإناث أو ذكور وذكور، كل هذا في مادة
الأصل فيها أنها موجهة للطفل، لكنهم في الغرب يفتحون أعين أبنائهم مبكرًا، ويدسون
ما يخالف الفطرة باكرًا على منوال ما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كل
مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)، فهما كذلك
يشذّذانه أو يفحّشانه... وهكذا.
ونحن نعلّم أبناءنا أن الصواب ما وافق الله ورسوله، وأن الفساد ما خالف
الله ورسوله، فهذا هو الحصن المتين، حتى إنه حصن يواجه الانحراف الفكري والتطرف، فكل
فكرة متطرفة أو منحرفة مبنية على قول بشر، انتشر هذا القول وانتشر واعتنقه أتباعه،
فهم يقنعون به الناس، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن حين نحصن أبناءنا
بأنه (كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله)؛ فهم في حصن من تفسير منحرف لآية
يدسها متطرف، أو تفسير فاسد لحديث يروجه منحرف، وهكذا، ولا تستصغر عقل طفلك!
فالفطرة طريق لقلوبهم، والبساطة عنوان الحوار، فحتى طفل السنوات الثلاث
حين تخاطبه بكل بساطة: (أنا أحب الله؛ لذلك أترك ما في يدي ساعة الأذان لألبي
موعده)، هكذا ببساطة، يظل يفعلها طوال حياته، فإذا شاهد معك الكرتون والأنمي فوجد
وجهك محمرًا غضبًا لمشهد لا يجوز، ثم تقول له: إنه عيب لا يرضي الله ولا يناسبنا،
وتحوّل القناة إلى كرتون آخر أو أنمي آخر يناسبنا؛ سيفعل مثلك سواء بسواء، والأشبال
من الأسود، والزهرات من الفروع الناضرة.
وحتى في الأخبار العلمية والاكتشافات كما في نظرية التطور واكتشاف
الحفريات: لقد خلقنا الله يا بني، والله قال: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف: 51]، وفي استكشاف الفضاء وانتظار مخلوقاته: يا بني
حقًا هناك مخلوقات في الفضاء ويزوروننا باستمرار هم الملائكة والجن، كذلك يسافرون
إلى الفضاء القريب، وهناك أيضًا في السماء سيدنا عيسى سينزل في آخر الزمان، والأرض
يا ولدي ليست مسطحة لأنه تعالى قال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)
[النازعات" 30] أي جعلها على شكل البيضة... وهكذا نضع أساسات الحقائق ليحيا
بها ويواجه بها كل شيء.
وعمليًا قبل أن يقرأ يميز المصدر ذاته وطريقة عرضه، فيجب أن يكون اسم
الكاتب واضحًا، ومصادره مذكورة في آخر مقالته، وأين تم نشر هذه المعلومة، ومن قام
بإجازتها قبل نشرها، لينشأ ناشئ الفتيان منا على طرائق قبول المعلومات أولاً قبل
استيعابها، فلا يقرأ أصلاً أي شيء، بل لا يقرأ ولا يشاهد إلا الثابت السليم.
6- تنمية القدرة على ربط المعلومات بطريقة سليمة:
يكتسب الإنسان القدرة على الربط المنطقي بداهةً من غياب ما يعيق
الترابط المنطقي، فالأصل -وهو الفطرة- أن المعلومات السليمة مترابطة بطبعها، يقود
بعضها إلى بعض في تسلسل سلس، لكن قد يعيق ذلك عوائق مثل (اضطراب فرط الحركة وتشتت
التركيز والانتباه)، وهذا تسببه وتزيد فيه ألعاب الفيديو وقضاء الساعات أمام
الشاشات المضيئة؛ ما يتطلب -كما قلنا في أول واجب- ترشيد استخدام وسائل التواصل، وهنا
نزيد ترشيد استخدام الأجهزة المضيئة عمومًا؛ حيث تؤثر مباشرة على الجهاز العصبي،
وترفع انتباهه لدرجة مبالغ فيها؛ ما يؤدي لانهياره، ومن ثم تشتت الانتباه.
ويمكن إجراء تمرينات (التدريب البصري) لتفادي حدوث ذلك، وتجري هذه
التمرينات من عمر يوم واحد وحتى عمر ستة أشهر باستخدام أشكال متباينة بين اللونين
الأبيض والأسود، ثم أشكال من ثلاثة ألوان متباينة هي الأبيض والأسود والأحمر، وذلك
على مسافات متباعدة من عين الرضيع كلما ازداد في العمر وازدادت قدرته على الإبصار،
وكذلك تقنية (الشمعة الحمراء) التي تنقط شمعها المنصهر رويدًا على ورقة بيضاء في
غرفة تامة الإظلام في حالة تأهيل طفل جرى له بالفعل تشتت الانتباه، بالإضافة لكثير
من التقنيات الأخرى، لكن المهم هنا أن نرعى (التركيز والانتباه).
ومما يرعى الربط السليم للمعلومات في ذهن الطفل أن نمتنع تمامًا عن
أساطير الجدات وعن أفلام كرتون المبالغات التي يطير فيها البشر أو يضيئون أو تتكلم
فيها الجمادات وهكذا، هذه أشياء تزرع مفاهيم مغلوطة عن المنطق، وتدمر قدرة الطفل
على الربط السليم بين ما يراه -سواء على الشاشات أو في الواقع- وبين ما ينبغي أن
يفكر فيه ويتخذه من أفعال تجاه ما رآه وسمعه.
وهكذا فنحن في هذا الواجب نتكلم عن (رعاية المنطق وصيانته)، نرعاه
ونصونه مما يُدخل عليه اللامنطق والخيال الموغل في البعد عن الحقيقة.
وتقول القاعدة: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، فلكي يكون حكم الطفل
والمراهق سليمًا على ما يراه ويسمعه، وما يرسل إليه عبر وسائل التواصل؛ ينبغي أن
يكون تصوره عن الأشياء سليمًا، وما من تصور سليم ينبني على معلومات مغلوطة، ولا
تصور سليم يمكن تكوينه في ذهن انقلب فيه المنطق وانحرفت فيه البديهة عن مسارها.
فينبغي تصحيح التصور لضمان سلامة الحكم.
وختامًا..
فإنه من المعلوم لدى المربين أن الأطفال والمراهقين يأخذون وينفذون
كلمات مدرسيهم ومرشديهم الأكاديميين، لكنهم غالبًا لا يأخذون ولا ينفذون كلمات
آبائهم، بل يأخذون ويقتفون سلوكهم، فينبغي على الأب والأم ألا يشاهدا ما ينهيان
الأطفال عنه، ولا يكون لهما وقت خاص يتابعان فيه مواد مرئية أو مسموعة أو مقروءة
يمنعان منها الأطفال والمراهقين، اللهم إلا إذا كان هذا المنع من باب الترتيب
الزمني للتعليم، أو أن المادة التي يتابعونها مثلاً فيها نوع من العنف لايزال غير
مناسب لسن الطفل، لكن الواجب الحتمي ألا يشاهدا شيئًا ممنوعًا منعًا باتًا كمواد
محرمة أو كتابات منحرفة، فإنما القدوة أساس التربية.
وعلى كل حال فنحن في زمان تعم به بلوى المعلومات المضللة من كل لون
وصنف، ونحن نريد لأولادنا النجاح والفلاح في هذا الزمان والمرور إلى الذي يليه، فعلينا
تسليحهم بذلك السلاح الذي ذكرت مكوناته في مقالتي تلك، سلاح النقد، عليهم أن
يخوضوا بحر المعلومات بسفينة نقد مسلحة تامة التسليح ومدرعة تمام التدريع، فكما
علّمناهم التمييز بين ما يأكلون وما لا يأكلون، ما يلبسون وما لا يلبسون، فالواجب
الأولى هو: تعليمهم التمييز بين ما يعتنقون وما يرفضون، وبين ما يؤيدون وما
يعارضون، فغذاء العقل والروح أخطر ولا شك من غذاء البطون، وما انستر في العقل أقوى
إغراءً مما تستره الثياب، وفق الله الجميع لتربية ذرية تثقل الموازين.
إضافة تعليق