اهتم برهان الدين الزرنوجي وهو أحد علماء القرن السادس الهجري بكتابة مؤلفاتٍ مستقلةٍ في التربية الإسلامية، وركّز في كتابه “تعليم المتعلم طريق التعلم” على هذه التربية في بناء الشخصية المسلمة، ودعا إلى ضرورة غرس القيم الإسلامية في نفوس الطلاب، مثل: الإيمان بالله تعالى، وحبّ الرسول- صلى الله عليه وسلم-، والصدق، والأمانة، والعدل، والإحسان.

وأكّد “الزرنوجي” أهمية دور المعلم في عملية التربية، وبيّن صفاته وواجباته، وقدّم نصائح قيّمة للطلاب عن كيفية تحصيل العلم، مثل: الاجتهاد، والمثابرة، والصبر، وكان لكتابه في هذا الميدان تأثيرٌ كبيرٌ على الفكر التربوي الإسلامي، حيث اعتُبر مرجعًا أساسيًّا للعلماء والمُربّين في القرون اللاحقة، وتُرجم إلى العديد من اللغات، ونُشِرَ في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

من هو برهان الدين الزرنوجي؟

ولقد نشأ برهان الدين الزرنوجي في بلدة زرنج وهي مدينة في بلاد فارس والعاصمة المقدسة السابقة لإقليم سجستان، وعلى الرغم من أنّ كُتب التاريخ والطبقات والتراجم لم تذكر سنة ولادته؛ حيث اختلف المؤرخون في تحديدها، فقد ذكرت بعض المراجع الحديثة أنّ وفاته كانت سنة 591هـ.

وطلب الزرنوجي العلم أول ما طلبه في الكتّاب؛ شأنه شأن ما كان يتبعه سواد الناس في تعليم أولادهم، وكانت الكتاتيب شائعة ومنتشرة في عصره، لا يكاد يخلو منها إقليم من أقاليم الدولة الإسلامية، وكان معظم ما يفيد الصغير في هذا الكتّاب تعلم القرآن الكريم والخط العربي وأمور الدين الرئيسية وشيء من الحساب ومبادئ اللغة والنحو، وقليل من الشعر والأدب.

وأخذ الزرنوجي العلم على أستاذه برهان الدين المرغيناني في سمرقند وبخارى، حيث عقدت في مساجدهما مجالس العلم لهذا الأستاذ الكبير، وقد شملت ثقافة الزرنوجي حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه- وخاصة الفقه الحنفي- واللغة والشعر والأدب بجانب الثقافة الفارسية بما فيها من أدب وحكمة وفلسفة ومنطق وفلك ونجم.

وبخلاف المرغيناني، أخذ الزرنوجي العلم عن عددٍ من المشايخ وعلماء عصره المشهورين أمثال: محمد بن أبي بكر الجوغي، المتوفى سنة 573هـ وصاحب مؤلف (شرعة الإسلام)، وحماد بن إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن إسحاق بن شبيب قوام الدين ابن الإمام ركن الدين إبراهيم الصفار المتوفى سنة 576هـ، وهو من أهل بخارى، ومسعود بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الكشتاني الملقب بركن الدين صاحب المختصر السعودي، المتوفى سنة 573هـ، والحسن قاضي خان المتوفى سنة 592هـ.

الفكر التربوي عند برهان الدين الزرنوجي

ويمكن أن تلمس الفكر التربوي عند برهان الدين الزرنوجي من خلال كتابه “تعليم المتعلم طريق التعلم”، وذلك على النحو التالي:

  • أهمية العلم: تنبه الزرنوجي لأهمية العلم كوسيلة بناء وقوة، فكان تصنيفه لهذا الكتاب عن التعلم استجابة لحاجة أحسها في مجتمعه وعلاجا لصعوبات لمسها من قبل المتعلمين. ويرى نوجي أن العلم هو الذي يميز الإنسان، ذلك أن سائر الخصال الأخرى من قوة وشجاعة وجرأة وغيرها يشترك فيها الإنسان والحيوان، أما العلم فهو يختص به الإنسان وحده، لما يتميز به من عقل. قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة: 30–33].
  • التعلم المستمر ووجوب إخلاص النية لله: فالتعليم والمعرفة عملية نامية متراكمة عبر القرون والأزمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي ليست محددة، ولا يمكن أن يتوصل إلى نهايتها بشر. قال تعالى : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء:76].
  • التدرج في التعليم: حيث إن تعاليم الدين الإسلامي لم تأتِ دفعة واحدة وإنما نزلت بالتدرج؛ فبدأت أولا بالشهادة ووحدانية الله فإن فعل المسلم ذلك يتعلم الصلاة فإن أداها يتعلم الصيام فإن استجاب يتعلم الزكاة وإن نفذ يتعلم الحج ومن ثم يتفقه في الدين. قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
  • مراعاة الفروق الفردية: الأفراد تتفاوت قدراتهم العقلية واستعداداتهم وميولهم وذكائهم. وقد نبه القرآن إلى ذلك قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة 286] . فالإسلام يراعي ويأخذ بعين الاعتبار طاقة الفرد وتحمله لأن الطاقات والقدرات تختلف من فرد لآخر، قال صلى الله عليه وسلم : “أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم” (مسلم).
  • التكرار: وهو أسلوب تعليمي تربوي والتربية الإسلامية أكدت أهميته. قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين) [الذاريات: 55] .
  • الاتصال بمصادر العلوم أو الرحلة في طلب العلم: يقول تعالى في قصة موسى والخضر: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف: 60-66].
  • المظهر اللائق للمعلم: يؤكد الزرنوجي في كتابه ضرورة المظهر الحسن للمعلم أمام متعلميه مستشهدا بقول أبي حنيفة- رحمه الله- لأصحابه: “عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم” ، إنما قال ذلك لئلا يستخف بالعلم وأهله.
  • صفات المعلم: ومن أهم صفات المعلم عند الزرنوحي: الورع، والتواضع، والحلم والصبر.
  • آداب المعلم: وهي تتلخص في إرشاد المتعلم وتوجيهه إلى العلوم المناسبة، ومراعاة التدرج والفروق الفردية، والشفقة والنصيحة.
  • آداب المتعلم: أما آداب المتعلم فهي تتخلص في النية، والتوكل على الله، والورع، والإكثار من الصلاة والسنن، والشكر والذكر، والدعاء، وأما مع نفسه فلا بد من أن يشغل نفسه بأعمال الخير، ويحترز من الأخلاق الذميمة، ويقلل من العلائق الدنيوية، وألا يجهد نفسه حتى لا ينقطع العمل.
  • طرائق وأساليب التعلم: المناظرة والمطارحة، والمذاكرة والسؤال، والفهم والتأمل والتفكير والتكرار، والرحلة في طلب العلم، والكتابة. 

هكذا أسهم برهان الدين الزرنوجي في إغناء الفكر التربوي العربي الإسلامي، واضطلعت آراؤه التربوية بدور مهم في ظهور المدارس التربوية اللاحقة التي لا تقل شأنًا عن النظريات التربوية الحديثة، إذا ما قيست بالظروف والمعطيات التي وجدت فيها.

مصادر ومراجع:

  1. عيسى علي: عالم التربية برهان الإسلام الزرنوجي.
  2. البغدادي: معجم البلدان، ص 138.
  3. الزرنوجي: تعليم المتعلم طريق التعلم، ص 25.
  4. برهان الدين المرغيناني: الهداية في بداية المبتدئ، ص 2.
  5. الزركلي: الأعلام، ص 54.
  6. تقي الدين عبد القادر التميمي: الطبقات السنية في تراجم الحنفية، ص182.
  7. محمد عبد الحي اللكنوي: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص 213.
  8. عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين، ص 297.

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة