أرى
سؤالا يدور في خلدك.. واستفسارا حول عنواني.. كيف جمعت بين متناقضين: الحرية
والعبودية..
دعينا
أختاه أبين لك كيف ينتقل العبد من سجن العبودية إلى فلاء الحرية..
تعلمين
وأعلم أن الله سبحانه قال لنا: (وما خلقت الجن والإنس إلا لعبدون) وأن أول أمر
أتانا في سورة البقرة هو قوله جل شأنه: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم) ثم بين لنا الغاية الكبرى من هذه العبادة فقال جل في علاه:
(لعلكم تتقون).
فاعلمي
يا حاملة راية الدين، أننا نعيش أزمة حقيقية في فهم العبودية، فلو سألك سائل: من
أنت وما عملك في هذه الدنيا؟ ولماذا تعيشين فيها.. ربما يكون أكثر جوابًا مختصرًا
(أنا أمة لله) ولكن لو سألك ما هي العبادة، فربما أول ما يتبادر إلى ذهنك أن
تجيبي.. أن نصلي ونصوم ونقرأ القرآن..
أختاه:
ليست العبودية بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة، هناك سوء تصوّر بين العبودية الحقّة،
وبين مظاهر العبودية.. وبالتالي.. فإن الغبش في فهم العبودية يعني نحن لم نحقق
الغاية التي خُلِقنا لأجلها.
فأصل
العبودية أنني عبد أو أمة لله ولست أمة لغير الله.. فلو كنت كذلك، سيكون هذا صعبا
جدا، سأقول لك أين تكمن الصعوبة.. هناك أشخاص هم عبيد للمال، وقد أخذ المال بمجامع
قلوبهم، فصار السعي في الحياة لطلبه لذاته، وغاب عنهم أنه وسيلة وليس غاية، فتقيدت
حياتهم في السعي لأجله، أما عابد الله، فإنه يعلم أن الغاية الحقيقية هي عبادة
الله، وكل سعي في الحياة لتحقيقها ما هو إلا وسائل، لذا ارتبطت عبادتنا بالاستعانة
بالله، فصار الأمر سهلا، لأننا نستعين بقوي قدير، فعند ذلك صار المال في اليد لا
في القلب، والإنسان عليه أن يدعو الله أن يجعل المال في يده لا في قلبه، فلو تعلق
قلبه به لصار عبدًا للمال.. وقيسي عليها ما تشائين.. فنجد أن نتيجة العبودية لله:
هي حقيقة الحرية، وأنه لا غنى للعبد عن الله.. فالغنى غنى القلب بالله، وبالتالي..
تغنى النفس عما سواه، ويقول أحدهم: كيف أخشى الفقر وانا عبد الغني..
ولكن
لو سألتك.. لماذا
شرعت العبادات الظاهرة؟ إن هذه العبادات عبارة عن وعاء لما في القلب، وما كان في
القلب فاض على الجوارح، وكلّ إناء بما فيه ينضح.
ومولانا
سبحانه أذن لنا بالخضوع إليه من خلال شرعه لنا، فلا يحق لنا أن نأتي بغير هذا
الطريق أو أن نتجاوزه. وهذا الطريق عرفناه من خلال الرسل.. ونحن علينا الاتباع لا
الابتداع..
ومن
الخلل أن نجتهد بأعمال الجوارح من غير التفات لأعمال القلب من الصدق والإخلاص وعدم
الرياء ومعالجة النوايا، فالإكثار من الركعات والختمات والصدقات لن ينفع ما لم يكن
معه تذلل واستسلام وخضوع لله. ..
فالعبودية الحقة هي مزيج أمرين: المحبة والخضوع..
والخضوع
هو التطامن.. أي الدنوّ والانكسار، وهو بوابة لأعمال كبرى:
1- التصديق
2- التسليم
3- الانقياد والإذعان
4- الالتزام والعزم
وخلاصة
الكلام في حريتك وأنت أمة: هو شعورك وإحساسك بأنك في قبضة الله وملكه، وتحت سلطانه
وتصرّفه..
وليس
لك أن تقولي سأفعل ما يحلو لي، وأنا حرة لا يمكن لأحد أن يمنعني، فالمرء يجب أن
يكون لديه رادع من قلبه، ولا يأتي هذا الرادع إلا بعد معرفته بشرع ربه، وطالما
تسيري بالمنهج الرباني وعلى الصراط المستقيم، فليس لأحد أن يتعالى على ما أتاحه
الله سبحانه لك.. وعند ذلك حزتِ أعلى مراتب الحرية بعبوديتك لله وحده.
إضافة تعليق