التحفيز مهارة تربوية ناجحةٌ ناجعةٌ، وأبخل المعلِّمين من بخل على طلابه بالثناء والتحفيز، لا تحفيز المتميِّزين فقط، وإنما كل مَن يتعلَّم ويقرأ على يديه، فإنَّه لا يدري أي كلمةٍ توقد عزمًا، أو تشعل همَّةً، أو تبعث مَوَاتًا، وكم من كلماتٍ محفِّزاتٍ وثناء
التحفيز مهارة
تربوية ناجحةٌ ناجعةٌ، وأبخل المعلِّمين من بخل على طلابه بالثناء والتحفيز، لا
تحفيز المتميِّزين فقط، وإنما كل مَن يتعلَّم ويقرأ على يديه، فإنَّه لا يدري أي
كلمةٍ توقد عزمًا، أو تشعل همَّةً، أو تبعث مَوَاتًا، وكم من كلماتٍ محفِّزاتٍ وثناءٍ
صادقٍ من معلّمٍ ربَّانيٍّ غيَّر مسيرة طالبٍ، فنفع الله تعالى به.
تقع الكلمة منك -معلِّم
القرآن- موقعها في نفوس طلابك إن خرجت مفعمة بالصدق، مزيَّنة بالثناء، محبِّبة نحو
الإنجاز؛ ستجد صورًا من الهمة والتنافس المحمود يتزاحم عليها طلابك، ولذلك
التحفيز صورٌ متعددةٌ، من أهمِّها:
·
التحفيز
لتعلُّم القرآن: بأن يلتزم الطالب بوردٍ يوميٍّ من الحفظ والمراجعة، لا
بدافع الخوف من والديه أو معلّمه، وإنما رغبة وحبًّا، يدفعه ذلك للمداومة على ورده
في حلِّه وترحالهِ، وُجِد الرقيب أم غاب، لقد كان هذا التحفيز دأبه ﷺ مع صحابته
الكرام مِمَّن لازم التعلُّم بين يديه، أو جلس إليه بضع أوقاتٍ، فعن عقبة بن عامر
الجهني رضي الله عنه قال: خرج رسول الله ﷺ ونحن في الصُّفَّة، فقال: «أيّكم يحب أن
يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه
بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك. قال:
«أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير
له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل». (مسلم وأحمد وأبو داوود وفي
روايتهما (فيتعلم آيتين من كتاب الله)، وأحاديث الخيرية التي جاءت
في تفضيل متعلِّم القرآن ومعلِّمه هي من هذا التحفيز، في رواية في صحيح البخاري من
طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان مرفوعاً: "إنَّ
أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه".
·
التحفيز نحو ديمومة
مصاحبة القرآن: لذا جاء التوجيه النبوي بالمداومة على تعاهد القرآن،
كما في حديث أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:
«تَعَاهَدُواْ هَذَا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ
أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا» متفقٌ عَلَيْهِ،
وعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ:
«إِنَّمَا مَثَلُ صَاحبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إنْ
عَاهَدَ عَلَيْهَا أمْسَكَهَا، وَإنْ أطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» متفقٌ
عَلَيْهِ.
·
التحفيز نحو العمل بالقرآن: من
خلال حث المتعلِّم على تمثُّل سلوك القرآن في واقع الممارسات اليومية، بدءًا
بالعبادات فالمعاملات وهكذا، وما لم يَسْعَ المربي في ترميم علاقة المتعلم بربه
تعالى، وإصلاح قصده له سبحانه؛ سيكون التعليم مجرد صفحات تحفظ وتُسمَّع دون كبير
تأثير على سلوك المتعلم وأفعاله.
يمتدح رسول الله ﷺ الأشعريِّين قوم أبي موسى
الأشعري -رضي الله عنه- بقيامهم بالليل بالقرآن، فيقول: "إني
لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن
بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" (البخاري). مع هذا
المديح تودُّ -وأنت قارئٌ- أن تكون أحد أفراد تلك الرفقة؛ لتشهد تلك الصلاة التي
أثنى ﷺ عليهم بها. "نعم الرجل عبد الله، لو كان يقوم من الليل" تحفيز
دفع بابن عمر رضي الله عنه ألا يترك قيام الليل الذي هو مظنَّةٌ خالصة لتلاوة
القرآن الكريم، كما خبَّر ابنه سالم فقال: "كان عبد الله بعد ذلك لا ينام من
الليل إلا قليلاً"، كلمة قالها النبي ﷺ أثرت غاية التأثير، وغيَّرت مسار
إنسان نحو العبادة والارتباط والعمل بالقرآن.
ذلك هو التحفيز يشحذ الهمم، ويشعل العزائم، لك أن تتخيَّل يوم أن تصلك البشارة كما
وصلت ابن مسعود رضي الله عنه: "من أراد أن يقرأ القرآن غضًّا طريا كما أنزل؛
فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبدٍ" (أحمد)،
تُرى ما أثر
هذه الكلمات على نفسك! أو يبلغك زخَّاتٌ من التحفيز كالتي بلغت أبا موسى الأشعري
رضي الله عنه حين قال له ﷺ: "لو رأيتُني وأنا أستمِعُ قراءَتَك البارحةَ، لقد
أُوتيتَ مِزمارًا من مزاميرِ آلِ داودَ" (البخاري)،
ما وقعها على
سمعك! ألن تحدث فيك نشوة وهمة للمزيد.
كلمات التحفيز،
وعبارات الثناء التي كان يكيلها ﷺ لأصحابه من حملة القرآن تحفيزًا صادقًا، وثناءً
عاطرًا هي مَنْ أخرجت للدنيا ابن مسعود، وَفَتَّقت عن أبيِّ بن كعب، وابن عباس،
ومعاذٍ وزيدٍ وغيرهم الكثير والكثير، في (البخاري)
قالت عائشة رضي الله عنها: تهجَّد النبي ﷺ في بيتي، فسمع صوت عبّادٍ يصلي في
المسجد، فقال: «يا عائشة أصوت عبَّاد هذا؟» قلت: نعم. قال: «اللهم ارحم عبَّادا»، وعن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «خذوا القرآن من أربعة
من عبد الله بن مسعود، وسالم، مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب». (متفق
عليه).
أخي معلِّم
القرآن:
في الوقت الذي اعتاد فيه بعض المربين والمعلمين على التعنيف والتثبيط للهمم، وقتل
المواهب، ووأد القدرات المكنونة في النفوس، وإشاعة جوٍّ من التشاؤم واليأس
والقنوط، تذكَّر أن التحفيز والتشجيع هو الأصل في مجال التربية والتعليم
.(عامر الهوشان، التحفيز النبوي مصدر للاقتداء، مقال على شبكة
المسلم). حفِّز
ما استطعت إليه سبيلًا، ولا تكن بارد المشاعر ثلج الأحاسيس، يُحسن مَنْ يُحسن؛ فلا
يجد منك ثناءً، ويسيء مَنْ يسيء؛ فلا يرى منك توجيهًا، اُنثر باقاتِ مدحك، ورُشَّ
عطر تحفيزك بين طلابك، فالدور مناطٌ بك، معقودٌ عليك أن تحبِّب المتعلِّمين في
القرآن الكريم، وثِقْ متى ما أحبُّوك؛ أحبُّوا كل ما توجِّهُهم إليه.
إضافة تعليق