اهتم علماء النفس والتربية بدراسة السلوك الإنساني دراسة علمية؛ وذلك من أجل فهم أفضل لخصائص هذا السلوك وتوجيهه لخير الإنسان ورفاهية مجتمعه، وفي هذا الصدد طور العلماء والباحثون أدوات دقيقة لقياس الجوانب المختلفة من شخصية الإنسان
اهتم علماء النفس والتربية بدراسة السلوك
الإنساني دراسة علمية؛ وذلك من أجل فهم أفضل لخصائص هذا السلوك وتوجيهه لخير
الإنسان ورفاهية مجتمعه، وفي هذا الصدد طور العلماء والباحثون أدوات دقيقة لقياس
الجوانب المختلفة من شخصية الإنسان، سواء أكانت جسمية أم عقلية أم انفعالية،
والحقيقة أنه كلما كانت وسائل وأساليب وأدوات القياس دقيقة استطعنا أن نحدد
الجوانب الإيجابية في شخصية الفرد لغرض دعمها وإنمائها وتعزيزها، وكذلك تحديد الجوانب
السلبية أو الضعف في شخصية الفرد من أجل مساعدته على تجاوزها وتحقيق التوافق
والاتزان مع نفسه ومجتمعه.
وعندما
يقوم المربي بأداء مهامه المهنية، وأثناء تعامله مع طلابه؛ يهتم بسلوكهم وميولهم
وتوجهاتهم وإنجازاتهم وكل ما يمكنهم إنجازه مستقبلاً؛ لكي يحقق أهداف العملية
التربوية والتعليمية المرجوة، وفي هذه الحالة ينبغي على المربي اتخاذ قرارات لا
يشوبها الحدس أو الذاتية أو التحيز بالاعتماد على الملاحظة الشخصية غير الدقيقة، وإنما
يجب أن يستند الى الأساليب العلمية في انتقاء الطلاب وتصنيفهم وتشخيص سلوكياتهم
وترقيتهم، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية أن يكتسب المعنيون بالعملية التربوية
والتعليمية المعارف الأساسية والمهارات الإجرائية والكفايات اللازمة المتعلقة بالقياس
والتقويم التربوي والنفسي.
ونظرًا
لما للاختبارات والمقاييس التربوية والنفسية من أهمية كأداة وتقنية حديثة لقياس
وتقويم الطلاب في المحاضن التربوية والمؤسسات التعليمية، من خلال الكشف عن اتجاهاتهم
وميولهم وسمات شخصياتهم وقياس درجات ذكاءاتهم، سنوضح في هذا المقال مفهوم
الاختبارات والمقاييس النفسية وأهميتها وأنواعها ومواصفاتها ومبادئها، وما يمكن أن
تضيفه للمربين في الجانبين المعرفي والمهارى.
مفهوم
الاختبار التربوي والنفسي:
باستخدام عملية القياس التربوي والنفسي يمكننا أن
نقيس سمات الفرد بصورة كمية طبقًا لقواعد محددة تحديدًا دقيقًا وباستخدام الأرقام
أو الرموز، ولكن سمات الفرد لا يمكن قياسها مباشرة، وإنما نستدل عليها من أنماط
السلوك الملاحظ، فنحن بالطبع لا نستطيع قياس الفرد ككل، وإنما نهتم بقياس بعض
سماته التي تسهم في اتخاذ قرار معين بشأنه، وهذه السمات قد تتعلق بالجوانب الجسمية
العضوية والفسيولوجية أو الجوانب النفسية والعقلية والوجدانية.
ويعرف
الاختبار التربوي والنفسي بأنه: إجراء منظم يحتوي على مجموعة من المثيرات (أسئلة
أو عبارات) وضعت لتقيس عينة من السلوك وبعض المعطيات العقلية والخصائص النفسية
بطريقة كمية أو كيفية، وتؤدي هذه المثيرات إلى إحداث استجابات يمنح على أساسها
الفرد درجة معينة، أو هو أداة قياس مقننة يصمم للحصول على قياس موضوعي لعينة من
السلوك بهدف موازنة أداء الفرد بمعيار أو بمستوى أداء محدد.
أهداف الاختبارات والمقاييس النفسية:
1. الوصف
(المسح): تعني حصر الإمكانيات لدى فرد أو عينة
من الأفراد من أجل توظيفها بصورة أفضل.
2.التشخيص:
بناءً على درجات الطلاب في الاختبارات والمقاييس نتعرف على جوانب القوة والضعف لدى
كل منهم، والعمل عل تعزيز جوانب القوة ومعالجة جوانب الضعف.
3.التنبؤ:
بناءً على فهم قدرات الأفراد نستطيع توجيههم نحو الدراسة أو المهنة التي يكون
احتمال نجاحهم فيها مرتفعًا، أو التنبؤ بكيفية تصرف الأفراد في الموقف المختلفة.
أهمية
الاختبارات والمقاييس النفسية:
1. اكتشاف حالات المتفوقين والمبدعين والعباقرة
والموهوبين في الذكاء والقدرات العقلية الخاصة؛ فهؤلاء يعدون ثروة بشرية ينبغي
الاهتمام بهم ورعايتهم واستثمار طاقاتهم وقدراتهم لتطوير وتنمية المجتمع، بما يضمن
استمرار تفوقهم والانتفاع بطاقتهم العقلية إلى أقصى حد ممكن.
2. اكتشاف حالات التأخر الدراسي وبحث عوامله
وأسبابه العقلية أو التحصيلية، وفي هذه الحالات يتم التعرف على مواطن الضعف عند كل
تلميذ، وإعطاؤه الخطة العلاجية المناسبة؛ ما يساعد التلاميذ الضعفاء على استرداد
الثقة بأنفسهم.
3. التوجيه والإرشاد النفسي للتلاميذ أثناء سيرهم
الدراسي، وذلك ببحث الأسباب التي أدت إلى حدوث المشكلات التي يعانون منها،
ومساعدتهم على حلها والتغلب عليها مستقبلًا، وتوجيههم إلى التخصصات والمهن التي
تتناسب مع قدراتهم وميولهم واستعداداتهم وأنماط شخصياتهم.
4. مساعدة المدرسين والقائمين على العملية
التعليمية في تصنيف الطلبة إلى مجموعات متجانسة وفق قدراتهم العقلية وميولهم
النفسية؛ حتى يتم مراعاة الفروق الفردية فيما بينهم، ومن أجل تقسيمهم إلى فصول أو
مجموعات متجانسة، تخصص بعضها للمتفوقين وأخرى للمتوسطين وأخرى للضعفاء، بحيث تسير
كل مجموعة في الدراسة بالسرعة المناسبة لها.
5. المفاضلة بين التلاميذ عند الالتحاق بالمدارس،
حيث تجرى بعض الاختبارات والمقاييس للتأكد من صلاحية التلاميذ للسير بنجاح في
المراحل الدراسية التالية؛ الأمر الذي يعتمد على القيمة التنبؤية للاختبارات
والمقاييس النفسية.
مبادئ
أساسية للاختبارات النفسية:
- لا
يمكن للاختبارات النفسية أن تقدم إجابة عن كل شيء، وإنما تقدم معلومات حول مجالات
جزئية من الشخصية كالسمات والمهارات والقدرات وأنماط السلوك.
- لا
يتم استخدام الاختبار النفسي إلا بعد خضوعه للتجريب والتأكد من صلاحيته.
- لا
يقوم بعملية الاختبار النفسي وتصحيحه وتفسير نتائجه إلا متخصص في نفس المجال.
- نتائج
الاختبارات والمقاييس النفسية يجب أن تحاط بسرية تامة ولا يطلع عليها إلا المعنيون
بها.
- يستحسن
دومًا الاعتماد على أكثر من اختبار لضمان مصداقية النتائج.
- عند
الاستجابة لأية اختبارات نفسية بعيدًا عن المختصين يجب قراءة الدليل الذي يشرح
هدفها وكيفية استعمالها ومفتاح التصحيح وكيفية تفسير النتائج.
مواصفات
الاختبارات والمقاييس النفسية الجيدة:
- التقنين: ويعني
أن يكون بناء الاختبار وتصحيحه وتفسير نتائجه مستندًا إلى قواعد محددة بحيث يكون
قابلاً للتكرار.
- الموضوعية
(Objectivity): وتعني عدم تعلق تطبيق الاختبار واستخدامه وتفسير نتائجه بالشخص
الفاحص.
-الموثوقية
(Reliability): وتعني الثبات أو الدقة في النتائج.
- الصدق
(Validity): أن يقيس الاختبار ما وضع لقياسه فقط ولا يقيس أي شيء آخر.
- الشمول
(Extensive): أن تكون فقرات الاختبار شاملة لجميع مكونات السلوك الذي نريد
قياسه.
أنواع
المقاييس والاختبارات النفسية:
1. اختبارات الذكاء والقدرة العقلية العامة(IQ) Intelligence Tests : تهدف
إلى معرفة درجة ذكاء الفرد ومستوى قدرته العقلية العامة، التي تنعكس على سرعة
الفهم والقدرة على التعلم وسرعة إدراك المواقف والمشكلات والقدرة على التكيف، ومن
أهمها مقاييس: ستانفورد - بينيه، ووكسلر – بلفيو، والمصفوفات المتتابعة لرافن، والذكاء
العام (IQ).
2. اختبارات الاستعدادات والقدرات العقلية الخاصةAptitudes Tests : تستخدم
للتنبؤ بالنجاح الدراسي والنجاح المهني، حيث تقيس مدى قدرة الفرد على التعلم أو التدريب
والوصول إلى مستوى متقدم في مجال معين، كاختبار الاستعداد الأكاديمي (APT)، واختبار (ثرستون) للقدرات العقلية الذي يقيس القدرات اللغوية
والعددية والإدراك المكاني.
3.اختبارات الشخصية Personality Tests: تقيس
هذه الاختبارات الجوانب الانفعالية من السلوك كمقياس التوافق الانفعالي ومقاييس
السمات، كالخضوع والسيطرة والانطواء والانبساط، مثل اختبار تحليل الشخصية (MBTI).
4. اختبارات الميول Interest Tests: تقيس
هذه الاختبارات مدى إقبال أو تفضيل أو انجذاب الطلبة لنوع معين من الأنشطة أو
الموضوعات، وتستخدم في الإرشاد المهني لقدرتها على تحديد ميول الفرد نحو المهنة
التي تناسبه، مثل اختباري: (سترونج)، و(كيودر) للميول المهنية، ومقياس اختيار
التخصص الجامعي.
5. مقاييس
الاتجاهات Attitude
Tests: تستخدم
للتنبؤ بالسلوك من أجل تحديد أو تغيير الاتجاهات والمواقف مثل مقياسي: (ليكرت)، و(ثيرستون).
6. اختبارات القيم Values
Tests: تهدف
إلى قياس القيم المختلفة التي تؤدي إلى توافق الفرد مع نفسه أو مع المجتمع: مثل اختبار
مخزون الدافعية والقيم (VMI)، ومقياس قيم العمل.
أصناف
الاختبارات النفسية:
1. اختبارات فردية في مقابل اختبارات جماعية: فالاختبارات
الفردية يتم تطبيقها في مقابلة شخصية بين المختص والمستجيب من أجل تقديم التعليمات
اللازمة، أما الاختبارات الجماعية فتطبق على مجموعة كبيرة من الأفراد في وقت واحد،
وتكون تعليماتها واضحة مثل اختبارات التحصيل.
2. اختبارات لفظية في مقابل اختبارات الأداء: فالاختبار
اللفظي يعتمد على استخدام الرمز اللفظي، سواء أكان حرفًا أم رقمًا، أما اختبارات الأداء
فتتطلب القيام بعمل ما لحل مشكلة معينة، مثل اختبارات القدرات الميكانيكية
والهندسية والموسيقية.
3. اختبارات السرعة في مقابل اختبارات القوة: فاختبارات
السرعة يكون المطلوب فيها معرفة أكبر عدد ممكن من الإجابات الصحيحة في زمن معين،
بينما اختبارات القوة تهتم بقياس القدرة بغض النظر عن الزمن.
4. اختبارات معرفية في مقابل اختبارات وجدانية: فالاختبارات المعرفية لقياس القدرات العقلية والتحصيل مثل اختبار الاستعداد اللغوي، أما الاختبارات الوجدانية فتقيس سلوك الفرد في المواقف الانفعالية مثل اختبار أنماط الشخصية.
قائمة الاختبارات والمقاييس النفسية للمربي:
تنتشر الاختبارات والمقاييس النفسية والتربوية على نطاق واسع، وتم تحديد أهم الاختبارات التي يمكن للمربين الإفادة منها باستخدامها وتوظيفها في المجال التربوي والتعليمي، وهي مقاييس: المهارات الاجتماعية، فاعلية الذات، المعاملة الوالدية، أنماط التفكير، الدافعية للتعلم، تنظيم الوقت، عادة القراءة، الاتجاه نحو العبادة، الغضب للمراهقين، إدمان الإنترنت، الذكاءات المتعددة، الموهبة، أنماط الشخصية، تحديد التخصص الجامعي، الميول المهنية، قلق الامتحان، تقدير الذات، التعصب، السلوك العدواني، الذكاء العاطفي، التفكير الابتكاري، الذكاء الوجداني، التنمر، الشخصية القيادية، الحاجات النفسية، الاتجاه نحو الحياة، الصلابة النفسية، المهارات الدراسية، الدافع للإنجاز، الطموح، التواصل... وغيرها.
ما الذي ستضيفه الاختبارات والمقاييس النفسية
للمربين:
استخدام المقاييس والاختبارات النفسية يعد إضافة
نوعية وقيمة تنافسية لأي مؤسسة تعليمية تتبناها، حيث سيعمل على تعزيز الصورة
الذهنية للمؤسسة لدى المجتمع، باعتبار هذه المقاييس من الطرق الحديثة التي تقلل من
الهدر في الوقت والجهد والتكلفة، وتعمل على ضبط عملية القياس والتقويم.
كما أن تبني المربين للاختبارات والمقاييس
النفسية في عملهم التربوي سيحقق لهم نموًا مهنيًا وشخصيًا سريعًا على المدى
القصير، فنتائج الاختبارات تعد مؤشرًا لقياس كمية الجهود التي يبذلها المربون في
عملهم ونحو طلابهم، كما أنها تقنيات حديثة تسهل على المربين عملية القياس والتقويم
لطلابهم في الوقت المحدد بالخطة.
ومن واقع المسؤولية الملقاة على عاتق المربي
فإنه لا يستطيع الاعتماد على الملاحظة الشخصية غير الدقيقة لمعرفة طلابه، وتجنبًا للذاتية
والعوامل المؤثرة على عملية القياس، يحتم على المربي اتباع الأسلوب العلمي في
الحصول على ما يريد من بيانات عن طلابه، وبالتالي فالمقاييس والاختبارات النفسية
تقوم بهذا الدور؛ حيث تقيس بدقة عالية وبجهد أقل مقارنة بالوسائل التقليدية القديمة؛
ما يسهم في زيادة الثقة لدى المربي ورفع مستوى أدائه ورضاه عن عمله وعن المؤسسة
التي يعمل فيها، بالإضافة إلى أن مهارات إعداد المقاييس والاختبارات النفسية
وتطبيقها وتفسير نتائجها وتوظيفها في المجال التربوي والتعليمي تعد خبرة إضافية
ستضاف إلى سجل كل مربٍّ اهتم بها وأتقنها وأبدع فيها، وهذه الخبرة ستمكن المربي من
إجراء البحوث والدراسات الميدانية التي تعتمد بدرجة أساس على المقاييس والاختبارات
كأدوات للبحث، سواء في مجال عمله المهني أم عند التحاقه بالدراسات العليا.
أما
الطلاب وأولياء أمورهم فسيشعرون بدرجة عالية من الأمان نحو المربين والمؤسسة
التعليمية والتربوية، لا سيما عندما يشعرون بأن هذه الاختبارات والمقاييس تسهم في
حل مشكلاتهم ومساعدتهم في التعرف على قدراتهم واتجاهاتهم وميولهم، واتخاذ قرارات
مهمة في حياتهم مثل اختيار التخصص أو المهنة.
إضافة تعليق