يعد الشيخ عبد الرحمن السعدي أحد العلماء العاملين والدعاة المربين الذين تمثلوا بأفعالهم ما يقولونه بأفواههم من توجيهات إسلامية وآداب تربوية، لذا كان بالغ الأثر في تلاميذه وأبناء مجتمعه.
ولم يكن السعدي، عالمًا فقط في الفقه والعقيدة، أو النحو واللغة، بل إن له من الأفكار التربوية التي ينبغي أن تظهر للقراء عامة، وطلاب التربية على وجه الخصوص، حتى يفيدوا منها في التربية والتعليم.
من هو عبد الرحمن السعدي؟
هو الشيخ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي من آل سعدي في تميم بالمملكة العربية السعودية، حيث وُلِدَ في بلدة عنيزة بالقصيم عام 1889م الموافق 12 محرم 1307هـ. وتوفيت والدته وله من العمر أربع سنوات ثم تُوفي والده عام 1313هـ وله سبع سنوات وكان والده واعظا إماما في مسجد المسوكف، فكَفَلته زوجة أبيه وأحبته أكثر من أولادها فصار عندها موضع العناية والرعاية.
وقرأ عبد الرحمن السعدي القرآن الكريم بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده وعلى من قدم بلده من العلماء، فاجتهد وجدّ حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم. ولما بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويُعلّم، ويقضي جميع أوقاته في ذلك حتى أنه في عام 1350هـ، صار التدريس ببلده راجعًا إليه.
وتميّز السعدي بمعرفته التّامة لأصول الفقه وفروعه، وكان في أول أمره متمسكا بالمذهب الحنبلي تبعًا لمشايخه، وحفظ بعض المتون، وكان له مصنّف في أول أمره في الفقه. وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد والتفسير والفقه وغيرها من العلوم النافعة، وبسبب استنارته بكتب الشيخين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي.
والسعدي له باع في التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيها وألّف كتابا في التفسير في عدة مجلدات، حيث كان يقرأ والتلاميذ في القرآن الكريم ويفسره ارتجالاً، ويستطرد ويبين من معاني القرآن وفوائده ويستنبط منه الفوائد والمعاني حتى أن سامعه يود أن لا يسكت لفصاحته وجزالة لفظه وتوسعه في سياق الأدلة والقصص ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته في المعلومات، كذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.
ومن أبرز مؤلفات السعدي في التفسير والفقه والثقافة الإسلامية والخطب:
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
- القواعد الحسان في تفسير القرآن.
- تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن.
- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخيار.
- توضيح الكافية الشافية.
- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.
- الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
- الدرة البهية شرح القصيدة في المشكلة القدرية.
- القول السديد في مقاصد التوحيد.
- الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
- منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
- رسالة في القواعد الفقهية.
- رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
- القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعية النافعة.
- الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
- تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.
- الجهاد في سبيل الله أو واجب المسلمين.
- الدرة المختصرة في محاسن الإسلام.
- الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.
- الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.
- الرياض النضرة والحدائق الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.
- وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني.
- الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
- الخطب المنبرية في المناسبات.
- الفواكه النهجية في الخطب المنبرية.
- في الفتاوى مجموعة خطب في موضوعات مختلفة.
- الفتاوى السعدية (جمعت بعد وفاته).
- حكم شرب الدخان.
وتُوفّي السعدي عام 23/6/1376هـ وله من العمر 69 عامًا.
جهود تربوية للعلامة عبد الرحمن السعدي
وترك عبد الرحمن السعدي- رحمه الله- إرثًا عظيمًا في التربية والتعليم، ومن أبرز أفكاره في هذا المجال:
- التربية تقوم على نظرة الإسلام للإنسان، وذلك من حيث فطرته، وحقيقة هذه الفطرة أنّ جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذه حقيقة الفطرة.
- معرفة أحكام الشريعة على وجهها يزيد العقل وينمو به اللب لكون معانيها أجل المعاني وآدابها أجل الأداب ولأن الجزاء من جنس العمل؛ فكلما استعمل عقله للعقل عن ربه وللتفكر في آياته التي دعاه إليها زاده من ذلك.
- ويعلل السعدي أهمية التفكر في حياة المسلم بأنه من عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في السماوات والأرض وما يتتبعهما فلا بد من أن تترقى أفكاره وتتسع دائرة عقله وينشحذ ذهنه.
- ويرى أن الأخلاق الإسلامية تتميز بأن مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، قال- صلى الله عليه وسلم-: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح).
- وتُعرّف الأخلاق في رأي السعدي بأنها المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يُحدّدها الوحي لتنظيم حياة الإنسان تنظيمًا خيرًا على نحو يُحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه.
- وشدد السعدي على أهمية بناء الأخلاق في النفس الإنسانية وعبّر عنها بأنها الدين فقال “كل سعي لا يصلح الأخلاق فهو سفه وخسار وإذا ذهب الدين فبأي شيء تفرح وإذا خسرت الأخلاق الفاضلة فبأي سلعة تربح”.
- وركز السعدي على ضرورة العناية بالمحتوى للمواد الدراسية وأن تكون مأخوذة من الكتاب والسنة فتحيي في قلوب التلاميذ جذوة الأخلاق الإسلامية الحميدة مثل الحزم والقوة والصبر.
- وقال إن على المعلمين أن يربوا التلاميذ تربية عالية ويعلموهم روح الدين وأخلاقه الجميلة والحزم والعزم وجميع مبادئ الرجولة والفتوة والمروءة وأن يدربوهم على الصبر وتحمل المشاق الذي يفضي إلى النجاح والمثابرة في كل عمل نافع ويحذروهم من الجبن والكسل والسير وراء الطمع والمادة والانطلاق في المجون والهزل والدعة فإن ذلك مدعاة للتأخر الخطير.
- ويقول السعدي إن دين الإسلام هو الحق وما سواه باطل وإن تعاليمه العالية وشريعته السامية في أقصر مدة قد جمعت بين أمم متباينة وطوائف متعادية وألّف بين قلوبهم وجمعت قاصيهم ودانيهم حتى صاروا إخوانا متحابين وقرناء وأصفياء متعاونين فحملوا بهذا الدين وبهذه الروح العظيمة المعنوية التي نفخ فيها الروح هذا القرآن على الأمم الضخمة والدول الكبرى والملوك الجبابرة فمزّقوا الجميع شر ممزق واحتلوا ممالكهم المملوءة بالظلم والعدوان والشرور وملأوها بالعدل والرحمة والخير فهذا من أعظم براهين القرآن المشاهدة.
- والعقيدة هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، وبالتالي الأساس الاعتقادي يقوم على أركان وهذه الأركان مذكورة في حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما قال جبريل أخبرني عن الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره” (مسلم).
- والإيمان بالله يقتضي تمام الاعتراف بتوحيد الباري بكل صفة كمال وجمال ومجد وحمد وعظمة وكبرياء، والعمل بمقتضى هذا من التعظيم الكامل لله والحب التام والخضوع له وإخلاص العمل له.
- والإيمان آثار تربوية على نفس المسلم منها: تقدير الله حق قدرة وزيادة محبته، والشكر الدائم لله على نعمة العقل حتى يرى فيه نعم الله وفضائله على عبده، وإدراك سعة رحمة الله على عباده، وأن هذا الإيمان سبب لحفظ صاحبه من المكاره والشرور.
- والتربية الاجتماعية في الإسلام تقوم على مبدأ النصح لكل مسلم كما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- قال: “بايعت رسول الله على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم” (البخاري).
- ويرى السعدي أن الناصح يجب أن يحب الخير لمن ينصحهم ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويعلم جاهلهم وينصح من يراه مخلاً بواجب أو متجرئا على محرم ويرشد الناس على اختلاف طبقاتهم إلى ما فيه صلاح لهم في أمر دينهم وأمر دنياهم والدعوة إلى ذلك كله ومجانبة غشهم في الأقوال والأفعال والمعاملات وأداء الحقوق لمن له حق على الإنسان.
- ويرى أنّ معرفة طبيعة الإنسان من جميع الأشياء يجب أن تكون دقيقة ومؤكدة، وفي التربية الإسلامية يعتمد المعرفة للنفس الإنسانية على المعرفة النظرية عن النّفس بما ورد في القرآن والسنة، والمعرفة العلمية عن النفس بما كانت عليه تربية الرسول لصحابته.
- وأما عن صفات المعلم الناجح، فيلخصها السعدي في الإخلاص وحسن النية بأن يجعل عمله لوجه الله تعالى؛ والنصح للمتعلم بنصحه وتوجيهه إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ومراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ.
- وعلى المعلم اختيار الطريقة المناسبة في التعليم: فإذا شرع المعلم في مسألة وضحها وأوصلها إلى أفهام المتعلمين بكل ما يقدر عليه من التعبير وضرب الأمثال والتصوير والتحرير ثم لا ينتقل منها إلى غيرها قبل تفهيمها للمتعلمين ولا يدع المتعلمين يخرجون عن الموضوع الذي لم يتم تعليمه وتقريره إلى موضوع آخر حتى يحكموه ويفهموه فإن الخروج من الموضوع إلى غيره قبل الانتهاء منه يحرم الفائدة.
- ويجب على المعلم التنويع في طرائق التدريس التي يستخدمها حتى لا يُصاب الطالب بالملل وبالتالي لا يستفيد الاستفادة الكاملة التي يسعى إليها.
هكذا كان فكر العلامة عبد الرحمن السعدي في ميدان التربية والتعليم، وهو فكر لا شك يمكن الاستفادة منه في تطوير العملية التعليمية وأساليب التعليم، وهو ما يعكس شخصية السعدي الفذة التي دفعت العديد من الباحثين إلى دراستها وكتابة المؤلفات حولها.
مصادر ومراجع:
- عبد الله بن عبد الرحمن البسام: علماء نجد خلال ثمانية قرون، ص 220.
- عبد العزيز الرشودي: الفكر التربوي عند السعدي، ص 459.
- عبد الحميد الصيد الزنتاني: أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص 777.
- سيد سعيد عبد الغني: العقيدة الصافية للفرق الناجية، ص 19.
- محمد بن عثمان القاضي: روضة الناضرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين، ص 239.
- صيد الفوائد: ترجمة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
إضافة تعليق