حبيبتي في الله، قد تجتمعين يومًا مع أختٍ لكِ في زيارة، أو قد تكونين أنتِ صاحبة البيت وهي ضيفتك، أو قد تجتمعان في بيت من بيوت الله، وقد تختلفين معها في الرأي، وربما لا تقبلين هذا الاختلاف لأن لديك قناعة بحرمته ..

حبيبتي في الله، قد تجتمعين يومًا مع أختٍ لكِ في زيارة، أو قد تكونين أنتِ صاحبة البيت وهي ضيفتك، أو قد تجتمعان في بيت من بيوت الله، وقد تختلفين معها في الرأي، وربما لا تقبلين هذا الاختلاف لأن لديك قناعة بحرمته، أو لأنّه أمر عام لا يختصّ بالدّين لكنّه غير لائق، فكيف يكون ردّ فعلك لو أصرّت على رأيها وتمسّكت به؟!

في الحقيقة؛ ردود الأفعال تختلف، وأسوؤها ارتفاع الصوت وعبوس الوجه والتباغض عند الجدال، وأحسنها أن يكون لديك مهارة اكتساب القلوب أوّلاً، ثمّ ترك بصمة عميقة فيها، وقبل هذا أن تكوني على صواب من البداية، ويكون رأيك هو الرأي السليم. وقد تكونين أنتِ الضحيّة، وقد انهالت عليك الاتهامات بتمييع الدين، والتهاون في الحجاب، أو أحكام الشرع، وقد تنظر إليك إحداهن نظرة ينسحق لها قلبك؛ لأنّها أشعرتك أنّك على ضلال مبين!

وقد يكون هذا اللقاء هو الأخير، وتلك الزّيارة هي الزيارة الأخيرة، نظرًا لأثرها السيئ في النفوس.

والسبب هو هؤلاء اللاتي يعاقبنك على جرائم لم تفعليها، وقد يضعنك في خانة التقصير لأنك لم تلتزمي بفكرة ما تبلورت في أذهانهن، وقد يستقبلنك بنظرات تشبه ضربات البرق الخاطفة، يقيِّمْنك في كل مرة تلتقين بهن وكأنك في لجنة اختبار هيئة، ينتقدن ملابسك، وتصرفاتك، وقد يقِسْن حالتك الإيمانية حسب لون وطول حجابك، وقد تحظين بنظرة ينخلع لها قلبك فتكرهين اللقاء بهن ولا تعودين لزيارتهن أبدًا؛ لأنهن بكل بساطة أشعرنك أنك ناقصة ومقصرة رغم ما تحملينه في قلبك من شوق لمجلس يذكر فيه اسم الله، وقد يكون قلبك يرجف من خشية الله أكثر منهن، لكنهن فجأة وبأسلوب هجومي يصعقنك فتموت بعض خلاياك الإيمانية فتهربين لبيئة أخرى غير صالحة قد يتبسّط أهلها لك، ويهشّون لرؤيتك، ويعاملونك بأريحية فتحبينهن وتبتعدين، فتأخذك الصحبة لوادٍ آخر رغم أنفك!

لماذا بيننا منفرات؟!

لهذا أسباب عامة تخصّ الجميع رجالاً ونساءً، وأسباب أخرى تختصّ بطبيعة المرأة، فنحن البشر نكره أن يواجهنا الآخرون بأخطائنا، ونكره أن يشعرنا من أمامنا أننا على خطأ، بل ونبغض من يختلف معنا، ولأننا بشر فقد تغلب الغيرة على تصرفاتنا، وكلّنا نعلم عن غيرة "قابيل" من "هابيل" وهما من الرّجال، فما بالكن بالنساء وهنّ أكثر عاطفة وغيرة!! وقد تغار المرأة من المرأة فتكثر الانتقاد، والتلميح، وتتمسّك برأي وتهاجم الآخر، وقد تنضم إليها رفيقاتها ويستهدفن امرأة بعينها، لهذا لا بدّ أن نتعلّم فن الاختلاف، والحوار، وتقبّل وجهة النظر المختلفة برحابة صدر، وأن ندرك أن واجبنا النصيحة فقط، لنترك التطبيق للطرف الآخر.

يحكي أنّ شابًا دخل أحد المقاهي فاصطدم بطاولة فيها، فكسر العديد من أكواب الشاي، فهشّ له صاحب المقهى البسيط عندما رأى علامات الفزع على وجهه، وقال له: لا عليك، فداك ألف كوب، فصار هذا الشّاب زبونًا دائمًا لديه، يذهب حبًا في المكان وصاحبه، ويطيل البقاء.

هكذا الكثير من الرجال والنساء في مجتمعاتنا، لكننا هنا نتحدّث عن النساء، فمجالسنا أقلّ، ولو نفرت منها الزائرات لن نجد البديل الصالح بسهولة، أمّا الرّجال بحرهم أوسع، ويستطيعون الانتقال من مكان لآخر، ومن صحبة لأخرى.

حدث قريبًا أن ذهبت فتاة لتصلّي في أحد المساجد، فاستقبلتها امرأة على الباب، وصدّتها ومنعتها من الصلاة لأنّ ملابسها ضيقة وكانت ترتدي بنطالاً على غطاء رأسها! ولم تكتفِ بهذا بل عنّفتها وأسمعتها ما جعلها تكره هيئتها وكل من يشبهنها. فوقعت مع الأسف في فخ التعميم، فالحسنة تخصّ، والسيئة تعمّ، بعضهم ينفرنا فنبتعد إلى الأبد، وبعضهم يجذبنا إليه فنبقى بالقرب على الدّوام، وكان الأولى الترحيب بها والثناء على حرصها على الصلاة، وقد تعود الفتاة فتتذكّر اللقاء، وهيئة وحجاب من لاطفتها فتحبّه، وتظلّ صورة هذا الرداء مرتبطة بالرفق واللين في مخيلتها.

نحتاج لوقفة، ولنراجع أنفسنا ولنكن كصاحب المقهى، نوزّع السعادة، ونحبب الآخرين في طاعة الله، وفعل الخيرات، والتمسّك بالقيم والمبادئ، والأخلاق الحسنة التي لا بدّ أن يتحلّى بها العبد الطائع لله، والأمة المحبّة لربها، فالنصح ثقيل، ومن اعتاد على أمر يستثقل الامتناع عنه.

الأمر يُشبه صناعة الدواء، مرّ هو، لكن صانع الدواء يغلّفه بطبقة سكرية سميكة تحجب المذاق المرّ عن لسان المريض، فيبتلعها بسهولة، لكنها سرعان ما تتفتت في معدته ويصل الدواء دون أن يشعر المريض بمرارته ويشفى بفضل الله، فلنغلّف النصيحة بقول ليّن رقيق بعيد عن التغليظ والتعنيف ليحجب المرارة والقسوة عن قلب من ننصحه، فتمرّ الكلمات وتتخلل روحه، ويصل الدواء للعلّة فيها فتشفى.

ولا بدّ أن تكون النصيحة في الخفاء، بعيدًا عن أعين النّاس، حتى لا يشعر المنصوح بالإهانة والحرج؛ فيكون حرجه سببًا في عناده ورفضه للكلام مهما كان صوابًا، وتمسّكه بالخطأ فقط لأنّ كرامته قد أُهدرت، يقول الشّافعي -رحمه الله-:

تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي

وجنِّبني النصيحةَ في الجماعهْ

فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ

من التوبيخِ لا أرضى استماعه

وَإنْ خَالَفْتنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي

فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَه

إضاءات لا بد منها:

- لا بدّ أن نعلم أنّ لكل شخصية ما يناسبها من أسلوب وطريقة للنصح، قد يسمع الواحد منا عن طاعة فيفعلها، ويراها سهلة ويكثر منها، بينما يجدها غيره ثقيلة فيفعل منها القليل، أما الثالث فيجتهد تارة ويكثر منها، وتارة يفعلها على نحو خفيف، كصيام التطوع مثلاً.

- نحن نختلف عن بعضنا البعض، ولا يوجد قالب واحد نطبع عليه فنتطابق في كلّ شيء؛ فعند النهي عن أمر ما، بعضنا ينتهي في الحال، ولا يجد غضاضة في هذا، والبعض الآخر لا يستطيع التوقف؛ لأنه يحب هذا الأمر وألفه ونشأ عليه، أو لأنه أضعف من رفاقه، أو لأنه لا يملك العزيمة التي تدفعه للتوقف، وقد يحتاج وقتًا طويلًا لكي يستجيب.

- علينا أن نتخيّر الكلمة، واللفظ، والأسلوب، ودرجة الصوت، ولنبحث عن علوم تلك الفنون والمهارات لندرسها إن صدقنا في الحرص على دعوة الآخرين إلى الخير، لنربي أنفسنا أوّلاً لنكون أهلاً للنصيحة، يقول الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].

- لن يفهم النساء إلّا النساء، ولن يعبر عنهن بصدق إلا النساء، لو تحدث رجل ألف مرّة عن قضيّة تخصّهن ثُمّ جاءت من بعده امرأة وتحدّثت لأفصحت عمّا يعتمل في صدورهنّ؛ فالحالة النفسية للمرأة تختلف عن الرّجل، وطبيعتها تختلف عن الرّجل، وطريقة تناولها للأمور تختلف عنه.

- ضرورة وجود معلّمات وفقيهات يوكل إليهن مهمّة إفتاء النساء.

- التوضيح والتبسيط في أمور الدين والدنيا وفي الحقوق والواجبات حتى الوصول إلى الهدف، وضرورة شرح الاختلافات الفقهية وتقبلها حتى لا تحاكم امرأة أختها على شكل حجابها ولونه، فمن اختارت النقاب عن قناعة أنّه فرض مثلاً لابد أن تدرك أنّ هناك رأيًا آخر، ولا يصحّ أن تتهم غيرها بالتقصير لمجرّد أنّها تتبع هذا الرّأي، وكذلك من ترتدي السّواد وترى أنّ أي لون آخر لا يصح، فالاختلاف رحمة، وديننا فيه سعة.

- الاعتراف بدور النساء الفعّال في البيت والمجتمع، وضرورة تشجيع الرجال لهن ليقمن بدورهن المجتمعي بجانب دورهن في البيوت.

- لا بدّ أن تسترد النساء الثقة في أنفسهن وفي غيرهن؛ فمن الأسباب الأساسية للنديّة والاختلاف هي فقدان النساء الثقة في دين وفقه وفهم بعضهن البعض للدين وحتى في علوم الحياة، فهي لا تثق بشيختها ومعلمتها 100%، ولا تثق في طبيبتها 100%، لسوء الحديث عن النساء عامة، ولسوء بعض الخطاب الموجه لهن وعنهن، فباتت الواحدة منهن دومًا تنقص من قدر وعلم أختها وتجادلها محاولة إثبات أنّها على خطأ؛ لأنّها نشأت على جمل تكرَّر باستمرار على ألسنة عامّة النّاس، ومع الأسف على ألسنة بعض المنسوبين للدين، وهي أنّ المرأة مهما بلغت من علمها فهي ضئيلة وناقصة ولا تصلح للفقه ولا للتدريس، ولا للطبّ، وليس لها إلّا المطبخ، ولهذا أثر سلبي على نظرة الرجال للنساء، ونظرة النساء للنساء في مجتمعاتنا العربية.

ننسى التاريخ، وننسى أمهات المؤمنين، وننسى تاريخ الصحابيات الجليلات العالمات، لقد نبغت في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات البارزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة»، لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات. وذكر كل من الإمام النووي في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات»، والخطيب البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد»، والسخاوي في كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»، وعمر رضا كحالة في «معجم أعلام النساء»، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم؛ تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير، وأديبات وشاعرات.

ولقد تفوقت المرأة المسلمة في علوم الحضارة الإسلامية، وفي علم الحديث ومعرفة رواته، ويسجل تلك الشهادة أئمة علم الحديث والمصطلح، فيقول الإمام الذهبي: «وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها». ويؤكد هذا الحكم على تزكية النساء في علم الحديث الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حيث يقول: «لا أعلم في النساء من اتهمت ولا تركت».

فلنعد ترتيب الصفوف، ولنهتمّ بتأهيل بناتنا وأخواتنا لتلك الأمور، ولنوكّل للنساء مهامهن التي تلائمهن، فنحن نحتاجهن بشدّة، وهن يحتجن بعضهن البعض، ولنتبع هدي النبي -صلى الله عليه وسلّم- في النّصح والإرشاد، ولنحترم خصوصيات الأخريات، واختلافهن عنّا، فكلّ شخصيّة تختلف عن الأخرى، ولكلّ منّا مفتاح وباب لنفسها نرد عليها منه لتتعانق الأرواح، وحتى يتكرر اللقاء، وتتكرر الزيارات والاجتماعات، ولا تكون زيارتنا لإحداهن أو زيارتها لنا أو زيارتنا معًا لمسجد أو مكان ما هي (الزيارة الأخيرة).

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة