إيمان المحمدي

العاطفة المفقودة:

خصيصاً في هذا اليوم لم أكن أنوي الذهاب إلى عملي، لكن شيئاً خفياً دفعني للذهاب رغماً عني. فاجأتني إحدى زميلاتي بأن أهل صديقتها يبحثون عن ابنتهم لانقطاع التواصل معها بعد انتهاء موعد درسها - فقد كانت في المرحلة الثانوية. لم يمر الكثير من الوقت حتى تواصلت زميلتي مع صديقتها وأقنعتها، بعد معرفتها نيتها بترك المنزل، أن تُعرِّج على مكان عملنا للتفكير معها بعقلانية عن خطتها في الهروب من المنزل.


فلما وصلت هذه الصديقة إلى مكان العمل، استأذنتني زميلتي في الحديث مع صديقتها، علَّها تتراجع عن نيتها. لم أتحدث مع هذه الشابة لوقت طويل حتى أدركت سبب مشكلتها، وهو فقدانها لمشاعر العطف والعناية الأبوية بها. وإن كان اعتناء أبيها بها ظاهراً جلياً على لباسها وزينتها وشكلها العام، إلا أنها كانت تشعر بخواء روحها من الحب والعاطفة، وهو ما دفعها للبحث عنه بالتعرف على شاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الشاب تبنى سذاجتها واستغلها بامتياز.


الحل بين يديك ولا تراه:

لم يطل حديثي معها، وذلك لطيبة معدنها، حتى اقتنعت بمدى سوء ما ستقدم عليه وتراجعت بالفعل عن خطتها. فما كان مني سوى الحديث مع والدها بشكل خاص عما تفتقده ابنته في منزله، رغم إحسانه وإشباعه لها من كل شيء إلا أهم شيء، وهو الإشباع العاطفي. لا أخفيكم سراً، فقد كان صوته مليئاً بإجهاد المسؤولية المثقلة كاهله ناحية بيته وأسرته. فكانت كلماتي له أن ما تفقده ابنته لن يكلفه جهداً أو مالاً كي تستقر مشاعرها وروحها، إنما هي بعض الأحضان الدافئة، وبعض الكلمات الحانية، والقليل من التمشية معها حتى ولو مرة أسبوعياً لتخصه بحديثها عن يومها وعما يدور في خاطرها. وبهذا ستشعر أنها أميرته وملكته المتوجة، ولن يفقدها أبداً، بل ستبذل قصارى جهدها لتجعله فخوراً بها.


أنهيت مكالمتي معه بعد أن خصني بكثير من الدعاء والشكر. وما هي إلا أيام حتى جاءتني زميلتي لتوصل لي رسالة شكر من صديقتها بعد اختلاف معاملة أبيها لها وعنايته بها. حمدت الله كثيراً أن وفقني للذهاب للعمل في هذا اليوم تحديداً، وأنني كنت سبباً في تغيير حياة هذه الشابة، بل هذه الأسرة.

ازرع اليوم لتحصد غداً:

كثير من الأطفال يعيشون حالة اليتم العاطفي رغم حياة والديهم. كان الله في عون الآباء والأمهات، فقد كثرت عليهم متاعب الدنيا ومشاغلها حتى يستطيعوا توفير حياة كريمة لأولادهم. ولكن الحقيقة أن هؤلاء الأطفال، إن فقدوا الحنان والعطف والاحتواء، فلن يستطيع المال واللباس والزينة تعويض ما فقدوا، فينشؤون غير أسوياء عاطفياً.


إن إشعار الطفل بالمحبة والحنان ليس رفاهية، إنما ضرورة لتنمية الصحة العقلية لديه، ولتعزيز تقديره لذاته، وتعزيز إمكانيته في النجاح، وحتى في تطوير قدرته على تكوين علاقات صحية في المستقبل.


فالطفل لا بد وأن يُمنح بيئة تتسم بالأمان والاستقرار والسكينة، وبهذا تكون قد ساهمت في وضع بداية مستقرة لحياته. وكما يحرص الآباء على بذل كل الجهد لتوفير احتياجات أطفالهم المادية، لا بد من بذل الجهد في قضاء وقت ممتع معهم، ومشاركتهم أحداث يومهم. وكل هذا يترجمه الطفل بأن والديه يحبانه لذلك يمضيان أوقاتهما معه. فينشأ الطفل نشأة سوية، مقدراً لذاته ولوجوده. والعكس تماماً، حيث نجد الأطفال الذين يتعرضون للشدائد والإهمال العاطفي في صغرهم أكثر عرضة للمشاكل الصحية والعقلية. وبمرور الوقت يواجهون صعوبات في حياتهم العاطفية والعملية والأسرية والاجتماعية.


فخُصَّ طفلك ببعض من وقتك وكثير من عطفك، فما تغمره به اليوم سيدخره ويغمرك به في الغد.


المراجع:

1- موقع اليونسيف الأردن

2- McCrory et al

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة