يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- من كبار العلماء في عصره والعصور التي تلت عصره؛ حيث بلغ من العلم والتقى والصلاح ما بلغ، قبل انتشار وسائل التواصل والمراسلات؛ لما له من قوةٍ في قول الحق، ولما له من حُجَّةٍ عند الاستدلال. 

ويقول الفيلسوف العربي، الدكتور أبو يعرب المرزوقي: إن الهجوم على ابن تيمية في وسائل الإعلام المصرية، لأنه من أهم موضوعات البحث العلمي في الجامعات الغربية الأمريكية والأوربية وبخاصة الألمانية، واصفًا شيخ الإسلام أنه لم يعد ذلك الفقيه مؤسس الوهابية، بل أصبح من أكبر فلاسفة العالم في فلسفة الدين والعلم. 

وأوضح المرزوقي أنه من الصعب على مَن أرادوا أن يلصقوا به تهمة الإرهاب أن يقبلوا هذا التكريم العالمي لأكبر مبدع في الفكر الإسلامي، وأنه من الطبيعي الهجوم عليه، لأنه عندما يعترف به الغرب فمعنى ذلك أن كل هذه الادعاءات تسقط.​​​​​​​ 

من هو ابن تيمية؟ 

هو أبو العباس أحمد بن تقي الدين بن شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام مجد الدين أبي البركات بن عبد الله بن تيمية، والمعروف بشيخ الإسلام ابن تيمية الذي وُلد بحرّان يوم الإثنين، العاشر، وقيل الثاني عشر من شهر ربيع الأول من سنة ستمائة وواحد وستين من بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. 

أمّا أبوه فهو الشيخ شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية، قرأ المذهب الحنبلي على أبيه، وكان إمامًا محقّقًا في كثير من الفنون، ومتواضعًا وجوادًا، وشيخًا لدار الحديث السكّرية بدمشق، أما جدّه فهو الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرّاني، فقيه حنبلي، وإمام مقرئ، ومحدّث ومفسّر وأصولي ونحوي. 

وجدّته لأبيه بدرة بنت فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الخضر، وتُكنّى بأم البدر، كانت تروي وتُحدّث بالإجازة عن ضياء الدين بن خريف، أمّا سبب تسمية عائلته بابن تَيمِية فقد اختلف العلماء فيه؛ فقيل إن جدّه محمد بن الخضر حجّ البيت على درب تيماء، فرأى طفلة اسمها تيمية، ثم رجع فوجد امرأته ولدت بنتًا فسمّاها تيمية، وقيل إنّ جدّه محمد كانت أمه واعظة اسمها تيمية وبها سمّيت العائلة. 

نشأة ابن تيمية وعلمه وجهاده 

نشأ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- في حرّان حتى بلغ سنّ السابعة، ثم هاجر مع والده وإخوته إلى دمشق، ونشأ في أسرة عريقة معروفة بعلمها، واتجّه بدايةً إلى حفظ القرآن الكريم، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة، وبرع في النحو، والتفسير، وأصول الفقه وعمره لم يتجاوز بضع عشرة سنة، عُرِف بالذّكاء، وقوّة الحفظ، والنّجابة، وسرعة الإدراك منذ صغره، كان فريد عصره في الزهد، والعلم، والشجاعة، والسّخاء، وكثرة التصانيف. 

وتأهّل شيخ الإسلام للتدريس والفتوى وهو ابن سبعة عشر سنة، وكان قويّ التوكّل على الله دائم الذكر، وأوّل كتاب حفظه في الحديث كتاب الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي، ثمّ توسَّع – رحمه الله- في دراسة العلوم وتبحّر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد وشروط الاجتهاد منذ شبابه، فصار إمامًا يعترف له الجهابذة بالعلم، والفضل، والإمامة، أثنى عليه شيوخ عصره وتلاميذه. 

وقد وُلِدَ رحمه الله ونشأ في مرحلة كانت فيها الدولة والأمة الإسلامية في حالة من التمزق والضعف، وقت ظهر فيه التتار؛ فقتلوا العباد، ونهبوا الديار، فلم يمنعه طلبه للعلم من المشاركة في الأحداث في عصره، بل شارك رحمه الله في ذلك مشاركة العالم المجاهد؛ شارك بسيفه ولسانه وقلمه في محاربتهم. 

وجمع شيخ الإسلام – رحمه الله- في جهاده بين السيف والقلم، ومن مواقفه في ذلك: 

عندما جاء التتار بجموعهم إلى الشام سنة 702هـ، أخذ البعض ينشر الفزع، والهزيمة في قلوب العباد، أما شيخ الاسلام فأخذ يدعو المسلمين إلى الجهاد، ويثبّت قلوبهم، ويعدهم بالنصر والغلبة على عدوّهم؛ حتى إنّه كان يحلف بالله: “إنكم لمنصورون”، فيقول له بعض الأمراء: “قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقـًا لا تعليقـًا”، فاطمأنت النفوس والقلوب.

وذهب رحمه الله إلى مكان قريب من دمشق يُدعى مرج الصفر، ووقف وِقفة العالم المجاهد في قتال المغول في موقعة حربيّة عُرفت في التاريخ بموقعة شَقحَب، وكان ذلك في شهر رمضان من سنة 702هـ، وكان قد اجتمع بالسلطان قبل هذه الموقعة يحثّه على الجهاد والقتال، واستمرّ القتال طوال اليوم الرابع من شهر رمضان حتى أذن الله بالنصر، وزال خطر التتار. 

أهم مبادئه التربوية

وتفرّد ابن تيمية بمبادئ تربوية من يطبقها يجني أفضل الثمار من النشء الذي يتعهده التربية والتعليم، وهي:

1- كل مولود يُولد على الفطرة (مبدأ الفطرة): فالمعنى الأول للفطرة هو الإسلام “بمعنى الاستعداد الغريزي”، والمعنى الثاني “السلامة”، والمولود يولد على الفطرة سليما من الانحراف والنقص والاعتقاد وغيره، لذلك كانت التربية الإسلامية لجميع الأجيال حتمًا واجبًا على كل المُربين لإحياء فطرة هذه الأجيال.

2- مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين وتفاوتهم فيما بينهم بالتّحصيل والقدرات والمهارات والاستعداد العقلي والذكاء وصفاء الفطرة وسلامتها، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس في مجال التعلم والتكليف الشرعي.

3- وجوب طلب العلم والحق حتى يبلغ درجة اليقين، تحقيقًا لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”.

4- تصديق العلم بالعمل: فلا يتم الإيمان إلا إذا صدّقه العمل، والعلم النافع هو أساس الحياة الرشيدة الصالحة والعمل بهذا العلم هو الذي يقيم هذه الحياة ويمنحها البقاء والاستمرار ودون ذلك تطبع حياة الإنسان بالضلال الذي هو العمل بغير علم وبالغي الذي هو اتباع الهوى.

5- إلزامية نشر التعليم واستمرارية التعلم: فيجب على أهل العلم أن يبلغوه وينشروه ولا يضيعوا شيئًا منه لأن ذلك من أعظم الظلم للناس، لهذا يقول الله عزوجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة:159].

6- تكامل التربية النظرية والعملية: فلا يجوز أن يقتصر التعليم على تقديم المعلومات والأفكار دون توفير فرص التطبيق والممارسة أو العكس، ومن هذا المبدأ كان التشديد على التمسك بالقرآن والسنة معا كما يرى شيخ الإسلام، لأن القرآن يتضمن المعلومات الصحيحة والسنة هي التطبيق الصائب لهذه المعلومات.

7- تكامل العلوم الشرعية والعقلية: فقد قسّم شيخ الإسلام العلوم إلى نوعين، عقلية كالحساب والطب والصناعة والتجارب وفيها يستلزم استعمال الحواس العقل، ودينية ومنها ما يُفيد الأدلة العقلية، وما يستلزم التصديق لعدالة الأنبياء وصدقهم ومعجزات ما جاءوا به.

مؤلفات شيخ الإسلام 

لشيخ الإسلام ابن تيمية مؤلفات ومصنفات كثيرة، من أبرزها ما يلي: 

  • كتاب الاستقامة، مطبوع في جزأين، وحققه الدكتور محمد رشاد سالم.
  • كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، مطبوع في جزأين، وحققه الدكتور ناصر العقل.
  • كتاب بيان تلبيس الجهمية، حُقّقَ في ثمانية رسائل دكتوراة.
  • كتاب الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح.
  • كتاب درء تعارض العقل والنقل.
  • كتاب الصفدية.
  • كتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية.
  • كتاب النبوات.

 شيوخه وتلاميذه 

من أبرز شيوخ ابن تيمية كل من أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي، أبو العباس، زين الدين، المولود في عام 575هـ، وهو من شيوخ المذهب الحنبلي، تلقّى عنه شيخ الإسلام علوم الحديث.

وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، المولود في عام 597هـ، وكان شيخ الإمام في الفقه والحديث والأصول. 

وشرف الدين أبو العباس، أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي الشافعي، الذي كان برعًا في الفقه والأصول والعربية. 

أما تلاميذ شيخ الإسلام فهم كُثُر، ومنهم: ابن قيّم الجوزية، وابن قدامة المقدسي، والحافظ الذهبي، والحافظ إسماعيل بن كثير. 

دراسات على منهج شيخ الإسلام 

تناولت كثير من الأبحاث والدراسات والرسائل العلمية منهج ابن تيمية في التربية، وخلصت إلى أنه يهدف إلى: 

1. تنمية العقيدة والولاء لله سبحانه وتعالى بحيث يصبح جزءا من تكوينه الكلي، وجعل كل الأعمال خالصة لوجهه ومستقيمة في كافة جوانبها على شرعه. 

2. تزويد المسلم بالمفاهيم الإسلامية الضرورية التي تجعله معتزًا بالإسلام قادرا على الدعوة إليه والدفاع عنه أمام كل مذهب أو شعار يعارض الإسلام.

3. تنمية الصفات الاجتماعية التي تحتاج إليها الأمة المسلمة من التعاون والبذل والتضحية في سبيل الله بالنفس والمال ابتغاء رضوانه والصبر على ذلك. 

4. إعداد المعلم المسلم إعدادًا صالحًا فكرًا وسلوكًا. 

5. مساعدة المتعلمين على تبني اللغة العربية والإلمام بقواعدها وآدابها، والتمرس على استعمالها فقد تحقق بها إعجاز القرآن الكريم. 

6. حماية الشباب من عوامل الانحراف والانحلال بجعل القرآن إماما وحكما وضابطا لتوجيه السلوك الشخصي والجماعي. 

وفاة شيخ الإسلام 

تُوفي شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- في ليلة الإثنين الموافق العشرين من شهر ذي القعدة من سنة (728هـ) بقلعة دمشق التي كان محبوسًا فيها، وأُذِن للناس بالدخول فيها عند وفاته، فغُسّل فيها، وصُلّي عليه بالقلعة، ثم وُضِعَت جنازته في الجامع؛ حيث حفظها الجند من الناس لشدة الزحام، وصُلّيَ عليه صلاة الجنازة بعد الظهر، ثم حُمِلَت الجنازة واشتد الزحام، فلم يتخلّف عن تشييع جنازته إلا القليل، وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام. 

المصادر

  • محمد بن سعيد بن رسلان: حول حياة شيخ الإسلام ابن تيمية صـ 6-13.
  • العلماء والجهاد (4) أحمد بن تيمية: https://bit.ly/3oziHO7
  • أحمد نافذ المحتسب: شخصيات إسلامية عرفها التاريخ ولن ينساها، صـ 295-296.
  • عبد الله بن صالح الغصن: ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة