صناعة
العظمة، وصنعة العظماء، سبيل الوصول لكل مأمول.. القراءة، وما أدراك ما فيها من
سمو ورِفعة.. لو جعلناها هواية لمجرد المتعة فلن تؤتي ثمارها المرجوة، بل علينا أن
نعرف كيف نوظّف هذه الهواية، وكيف نجعلها هواية مَن لم تكن له بها هواية.. وهذا
الأمر لا يعرفه إلا من أراد لحياته أن يكون لها منهجًا تسير عليه.. لذا فلن أقف
عند أهمية القراءة وما لها من أثر على حياة الإنسان، لأن هذا يمكن إدراكه باختصار
بأن أول أمر جاء للرسول محمد e هو قول الروح الأمين له: (اقرأ)
لذا،
فلو تخطينا مرحلة (أهمية القراءة) والتي لا ينكرها عاقل فضلا من أن نخصص لها
مقالًا؛ وانتقلنا إلى القراءة نفسها؛ فلا بد قبل بدء أي قراءة أن نجيب أوّلًا عن
أسئلةٍ عشرة:
أولًا:
لماذا نقرأ؟
ثانيًا:
ماذا نقرأ؟
ثالثًا:
لأيّ كُتّابٍ نقرأ؟
رابعًا:
هل نُصَدّق كل ما نقرأ؟
خامسا:
كيف ننتقي ما نقرأ؟
سادسا:
كيف نحافظ على ما نقرأ؟
سابعًا:
كيف نختار الوقت الذي فيه نقرأ؟
ثامنًا:
هل نعيد ونكرر ما نقرأ؟
تاسعًا:
متى يمكننا نقل معلومات ما نقرأ؟
عاشرًا:
إلى كم قسم تنقسم علوم القراءة؟
أرجو منك يا أختاه القارئة أن تمسكي
بيدك ورقة وقلم، ثم تجيبي عن كل سؤال بسطر أو سطرين قبل أن تكملي هذا المقال، ثم
قارني بين أجوبتك وما ستقرئينه هنا، وأضيفي ما لم يدوّنه قلمك، ولكنني سأجيب عن
خمسة في هذا المقال وأكمل الخمسة في العدد القادم.. وسيكون لك مساحة كافية من
الوقت لتفكري وتستجمعي معلوماتك عن أجوبة الخمسة الثانية.
أما قولنا: لماذا نقرأ؟
لنتعلم مالم نعلم، لنغتنم أوقاتنا بما
يمكن أن يفيد، ولكن لا ليُقال عني قارئة.. بل لنفتح آفاقًا رحبة لم يكن لدماغنا
معرفتها دون سابق إمرارٍ عليها..
وأما قولنا: ماذا نقرأ؟
لكل مرحلة عمرية يمر بها الإنسان ما
يقرؤه.. فلن نقول للطفل القارئ الصغير أن يقرأ رواية مثلا؛ بل نضع بين يديه ما يجب
أن يعلمه عن قصص الأبطال من الصحابة مثلا..
لذا فالجواب عن هذا السؤال يكمن بأهمية
ما يحتاجه الإنسان، وإن لم تعرفي يا أختاه تحديد احتياجك فما عليك إلا أن تتوجهي
لمن هو أعلم منك من أهل التقى والصلاح وتناقشيه عن أمورك واحتياجاتك فيوجهك لما
يفيدك.
والسؤال الثالث: لأي كُتّابٍ نقرأ؟ هنا
مفصل الأمر، فإن كُنتِ تريدي القراءة في علوم الدين، فاسألي عن سليم العقيدة، وإن
كُنتِ تريدين قراءة في الثقافة العامة، فهذا أمر مفتوح، ولذا فلكل تخصص كُتّابه،
ولا يمكننا تحديد الصواب من الخطأ ما لم نكن مطلعين على كافة العلوم وما لم تكن
لدينا دراية واسعة بالكُتّاب، لذا فأيضًا يُستحسن لنا أن نسأل من هم أعلم منا،
فاختيار الكاتب أمر مهم، فكم من كتابات معسولة دُسّ فيها سموم قاتلة، وكم من
كتاباتٍ مؤثّرة تأخذ بلبّ العقل، أمالت القُرّاء عن جادة الصواب ووصلت بتفكيرهم
إلى الهاوية، لذا أردتُ في مقالي هذا أن أحذّرك أختاه، ولا يكن عنوان الكتاب هو ما
يشدّك، فانتبهي لكل معلومةٍ تَرِد إليك، فعندما تكبر معرفتك ستصلين لمرحلة تميزين
فيها السقيم من السليم وتكون قاعدتك: (خذ ما صفا واترك ما كدر).
أما الجواب عن السؤال الرابع: فهل
نُصدِّق كل ما نقرأ؟ بالطبع لا، فلا بد لك وأنت تقرئين أن تضعي أمامك ميزانا تزنين
به الكلام، وليس أعدل ولا أحكم من ميزان الكتاب والسنة، فما وافق الشرع أخذنا به،
وما لم يوافق نبذناه، فلعلك تقرئين لكاتب أجنبي يتحدث عن كسب الأصدقاء مثلا، وقد
تمت ترجمة كتابه، بلغةٍ قوية تشدك نحو كلامه، فيأتي بعبارة تقول أن الصديق الجيد
هو من يساعدك في تحقيق كل أمنياتك حتى ولو خالفت معتقدك، فأنت هنا عليك أن تعلّقي
بقلمك الرصاص عند هذه العبارة، وتصححي خطأ هذا الكاتب، ويكون لك رأي يوافق الشرع،
فعند ذلك تكونين ضمن تصنيف (القارئ الجيد) لا القارئ المقلّد. وضعي حلقة بأذنك:
(كل كتاب يؤخذ منه ويُردّ عليه إلا كتاب ربنا، ذلك الكتاب لا ريب فيه).
أما السؤال الخامس: فكيف تنتقين ما تقرئينه؟ لا بد أن تنظري أولا للدار الناشرة، وتسألي عنها، فهناك دور معروفة بمصداقيتها بين أهل الدراية، وهناك دور ينبغي الحذر منها لما تضعه بين أيدي القُرّاء من تحريف وتزوير بهدف التجارة أو أهداف أخرى، وهذا يحتاج حذر وانتباه، لذا فليكن في حسبانك هو السؤال عن موثوقية الدار، ثم انتقلي لاختيار الكاتب كما حدّثتِك آنفًا، ثم اختاري ما يناسب احتياجك، ولكنني أنصحك بوضع خطة منهجية للقراءة، وأن تدوني أهم معلومات تقرئينها، وتدوني أسماء الكتب التي قرأتيها، فإذا ما فعلتِ ذلك، صار بإمكانك أن تقيسي لنفسك مدى تطورك، وأكتفي عند هذا كي لا أطيل أكثر، ولقاؤنا يتجدد في العدد القادم إن شاء الله تعالى، فانتظري تتمة الأجوبة، والحمد لله على ما يسّر وألهم.
كيف تحافظين على ما قرأته..
أنصحك أختي أن تخصصي دفترًا تدوني عليه الآتي:
أولا: ارسمي جدولًا وضعي في الخانات: اسم الكتاب واسم مؤلفه والدار الناشرة ليسهل الرجوع إلى الكتب التي أنجزتيها لو أردت.. ولكن اجعلي لكل كتاب قسمًا لا بأس به، تضعي فيه الملاحظات مع رقم الصفحات
ثانيًا: يجب أن تقتنعي بأن العلم صيد والكتابة قيده، ويمكنك استخدام ألوان التلوين لإبراز أهم العبارات التي تقفين عليها..
ثالثًا: لا بد أن تعتريك أسئلة بين الحين والآخر، فخصصي قسمًا للأسئلة لتطرحيها على من هو أعلم منك.
وأخيرًا: أنصحك أن تقرئي بعين الناقد لا بعين المنبطح لكل ما يقرأ، فكل كتاب يؤخذ منه ويُرد عليه إلا كتاب الله لا ريب فيه ولا شك.
ومن الجميل إن مرّ معك خطأ مطبعي أن تخصصي جدولًا لذلك، فيستفيد منه القارئ من بعدك، ولو تيسر لك التواصل مع دار النشر – وعادة ما يضعون بريد التواصل أو الهاتف- فاجعلي لك سهمًا من الخير يكون على يديك لتدليهم على الأخطاء المطبعية ليصححوها في الطبعة اللاحقة.
- أما عن الوقت الذي تختارينه عند القراءة، فاعلمي أن القراءة تتطلّب نفسًا متشوِّفة ومتشوقة، وتواقة للاطلاع وحب العلم، ومن يملكون هذه النفس، تجدينهم يقرؤون في كل وقت، فلا تعرف أعينهم التجوال بالنظر هنا وهناك، بل هناك دافع من القلب يجعلهم لا ينتظرون الوقت، بل يصنعونه بأنفسهم.
- هل نعيد ونكرر ما نقرأ؟ الجواب باختصار بقاعدة مهمة، ولا تنس أن لكل قاعدة شواذ، ولكن الأصل: أنّ كتابًا تقرئينه ثلاث مرات، خير لك من قراءة ثلاث كتب جديدة.
- ولكن متى يمكننا نقل معلومات ما نقرأ؟ ننقلها بعد التيقن من صحتها، ولا نضعها في غير موضعها كي لا نظلمها.
- وما هي أقسام علوم القراءة؟ سؤال غريب نوعًا ما، أليس كذلك! نعم ولكن القراءة تحوي الغث والسمين، والنافع والضار، والهابط والرافع، وفي كل قسم من أقسام علوم القراءة تجدين هذا كله، فمثلا: القصة، فيها قصص نافعة وفيها غير ذلك، وكذلك الرواية، وكذلك، كافة القراءات التي تخدم أهدافًا يغلب عليها طابع القصص، أما لو ذهبتِ للقراءات العلمية، فهي ليست كالقراءات الأدبية، وليست كقراءات الغناء..
هل فهمتِ الآن ما هي علوم القراءة.. باختصار: إنها القراءة في كل علم من العلوم، فلك أن تختاري ما تقرئينه حسب العلم الذي تتعلمينه، واسئلي المولى التوفيق، فلو قرأت مليون كتاب دون توفيق، فربما لن تستفيدي شيئا، وكم من أناس هضموا ما لا يزيد عن عشرة كتب ونراهم قد أوتوا من الفهم والعلم ما لم يؤته المنكب على الكتب. والله ولي التوفيق.
إضافة تعليق