حريٌّ بالدعاة والتربويين اغتنام الفرص للدعوة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان على تنوع البيئات واختلافها، فالدعوة لا تقتصر على المساجد والمراكز الإسلامية؛ لذا كان من الجميل أن نخصص مقالًا للمهتمين بشؤون الدعوة من النساء في الجامعة
حريٌّ
بالدعاة والتربويين اغتنام الفرص للدعوة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان على تنوع
البيئات واختلافها، فالدعوة لا تقتصر على المساجد والمراكز الإسلامية؛ لذا كان من
الجميل أن نخصص مقالًا للمهتمين بشؤون الدعوة من النساء في الجامعة، فأقدم بين
أيديهنّ أسسًا يبنين عليها طرقًا في خدمة الدعوة دون إفراط ولا تفريط.
وقبل
البدء لا بد من استجلاب الفكر للوقوف على بعض الأمور المهمة التي إن أُغفِلت أدت
إلى كوارث لا تُحمد عقباها؛ وأهمها:
أولًا:
أمر الدعوة ليس شيئًا يُستهان به فيتصدر له كل أحد، فلا يظنّنّ ظانّ أن من حفظ
حديثين أو تلا آيتين أو استشهد ببيتين فقد حاز قصب السبق وصار من المتكلمين
الأفاضل! نعم كل مسلم من واجبه التبليغ ولو بآية، غير أنني أتكلم عمن يرى في نفسه
أنه داعية ويحمل همّ الدعوة، فالداعي له صفات كثيرة تميزه، ومقومات تؤهله لأن يحمل
هذا الهمّ العظيم، ليس هذا محلّ تفصيلها.
ثانيًا:
فشل الداعية في ترتيب وتنظيم أمور حياته هو فشل في دعوته من بابٍ أولى، فالداعية
يعرف الأولويات؛ فلا يمكن لعمل دعوي ناجح في بيئة ما أن يطغى على العمل الأساسي
المخصص لتلك البيئة!
ثالثًا:
البدء بأعمال الدعوة دون متابعتها أو التوقف عنها دون إيجاد البديل ما لم يعرض
للداعية مانع عن المتابعة؛ قد يُوْدِي ببعض الناس إلى الهاوية، فليحذر الداعية من
تقمص شخصية المنقذ الذي ما أن يمسك بيد الغريق إلا ويفلته!
رابعًا:
الحذر من التشدد لدرجة تنفير الآخرين من الدين، فإنما المسلم مبشر لا منفر.
وإذا
أردنا أن نفصّل في أساسيات تكوين العمل الدعوي النسوي في الجامعة فينبغي الانتباه
أولًا إلى قوانين الجامعة والالتزام بها، وعلى سبيل المثال أننا في قسم كلية
الشريعة من أي جامعة كانت، فتأسيس العمل الدعوي فيها أمره سهل، إذ تجد التوجه
العام هو توجه ديني، والطلبة حريصون على تنفيذ ما يتعلمون وينهلون من علوم الشريعة،
ولعلنا نجد من الطلاب والطالبات من يقوموا بأعمال الدعوة أكثر من بعض المدرّسين
والمدرّسات، فهنا الأمر هيّن، ولكن لو ذهبنا إلى كلية الطب مثلًا، فالسؤال الذي
يطرح نفسه: أَمع صعوبة الدراسة وكثافتها نلتفت لتكوين عمل دعوي؟! والجواب: لمَ لا؟
ولا ضير في الأمر إن زرعنا في عقول الطلبة أن الدين لا ينفصل عن باقي العلوم، وإذا
ما فصلنا الطب عن الدين، فتهيأ -يا أخي- لضياع الأخلاق عند البعض، واستغلال فرصة
تعلم الطب في غير أغراض التداوي، وما إلى ذلك من مصائب ابتليت المجتمعات بها إِثْر
تقصير الدعاة بتبليغ الدعوة على وجهٍ سليم، وكل ما أشرت إليه ما هو إلا مقدمة
أردتُ التعريف من خلالها بأهمية العمل الدعوي في أي قسم من أقسام كليات الجامعة.
أما
إذا دخلنا إلى صلب الموضوع والقضية الأهم فيه وهو كيف لنا بناء عمل دعوي متكامل
وخاصة لدى النساء؟!
إنّ
من آكد الأمور:
أولًا:
أن تكون الداعيات مجتمعات على كلمة واحدة، فإذا ما رأت الداعية من طالباتها حضورًا
عند داعية أخرى فعليها التشجيع في هذا، وذلك من بابِ أن من الأئمة من كان عدد
شيوخهم بالمئات، فلا تقف الداعية عند مثل هذه الأمور فتكون قد حقّرت من صفتها
كداعية، وأتاحت للطالبة أن تهوي في الهاوية.
ثانيًا:
أن يكون لدى الداعية فراسة تستقطب بها الطالبات اللواتي ترى فيهنّ حاجة ماسّة
لتقريبهنّ من الدين، فيمكن أن تُعقَد اجتماعات نسوية بهدف التعرف إلى البعض،
ويتخللها إنشاد وطعام وفرح وسرور، ففتح العقول لا يأتي إلا بعد فتح القلوب.
ثالثًا:
ألا تنظر الداعية إلى الطالبات المقصرات على أنهنّ سيئات لا يُرجى منهنّ خيرًا!
فوالله ما سفور البعض واعوجاجهنّ إلا من اعوجاجٍ وتقصيرٍ في تبليغهنّ حقيقة
السعادة التي ما أن تذوّقْنها لوجدن حلاوة تعلو على ما يفعلن من أمور ظانين بأنفسهنّ
أنهنّ يعشن السعادة.
رابعًا:
هناك فرص جميلة في كل جامعة وهي النشاطات التي تقام في مسرح الجامعة، فيمكن
استثمار بعض النشاطات في تكليف مجموعة من الطالبات بعمل برنامج هادف بمناسبةٍ ما،
يتكون من كلمة وشعر مثلاً، ويمكن البدء بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ولعل الأقرب
إلى قلوب النساء ما خالطه الإنشاد الديني الملتزم، فهذا أدعى لإيصال بعض الأمور
الدينية بهذه الطرق، فليست الدعوة أن تجلس الداعية على كرسي وراء طاولة ويحيط بها
ذاك العدد من الطالبات، فترى في نفسها أنها تقوم بعملها الدعوي على أكمل وجه! بل
هناك أساليب ووسائل لو أحسنّا استخدامها ستؤتي الثمار المرجوة -بإذن الله تعالى-.
خامسًا:
كثير من الجامعات يقمن برحلات لكل قسم من أقسام كليات الجامعة، وهذه الرحلات ما لم
تكن ممنهجة فإنها مجرد ترفيه وضياع للأوقات بما لا ينفع، وهنا يأتي دور الداعية في
استغلال الفرصة لتجعل مع المتعة والتنزه شيئًا من بثّ الحقائق حول الدين، سواء أكان
ذلك بعمل مسابقة أو عن طريق اللعب، أو في وقت الطعام، فكل أمر فيه منفذ للدعوة لا
ينبغي إهماله.
سادسًا:
إذا أرادت الداعية لعملها الدعوي أن يستمر فلا يمكن أن يكون مؤقتًا، أو مجرد طرح
نظري بمناسبة ما ثم تنقطع! فهذا غير جدير للنفع الكبير، لذا يستحسن أن تتدرّج
الداعية ومن معها من الدعاة في تأسيس أعمال دعوية، فبعد أن يفتحن القلوب، ويتودّدن
إلى طالباتهنّ، فعليهنّ تكوين فرقة من الطالبات اللواتي يكملن ما بدأ به
أستاذاتهنّ، فلا تقتصر المتابعة في سنة واحدة مثلًا، بل تمتد إلى الأربع أو الخمس
سنوات حسب كل تخصص، ولا تقتصر المتابعة على أوقات الدوام، بل يتعقّبن الطالبات
بمتابعة زميلاتهنّ في العطل وفي الصيف حتى تتوسع دائرة الملتزمات، ولا يتخرجن إلا
وقد تمت مرحلة الزرع والسقي، أما الثمار فليس هذا هدف الداعية، (إنْ عليك إلا
البلاغ).
سابعًا:
قضاء أوقات مخصصة للداعيات مع الطالبات في مكتبة الجامعة، فهذه فرصة عظيمة للتعرف
إلى كتب دينية لربما لا يخطر في بال الطالبة أن تفتحها يومًا ما! كما أن نشاطات
المكتبة من مناقشة كتاب أو حوار حول موضوع معين، يثري الداعية حول تفكير الطالبات
وما يدور في خلدهنّ.
ثامنًا:
بوفيه الجامعة: نعم هو مكان استراحة وأكل وشرب، ولكن من الجميل أن يضاف إليه جلسة
هادئة للداعية مع الطالبات أثناء الاستراحة لتجاذب أطايب الكلام حول الدين كما يتم
فيه تناول أطايب الطعام.
تاسعًا:
لا تخلو أية جامعة من عباراتٍ إرشاديّة في الممرات والمداخل، فلو وُضِع بجانبها
ومضات سريعة لعلها تترك أثرًا في نفس من يقرؤها، كالتذكير ببعض القيم عند لوحة
برنامج الامتحانات مثلًا، كأن يُكتب شيء عن التوكل على الله تعالى وعدم الاغترار
بالجهد الذاتي، ومثلًا لو زُيّنت الممرات بذكر المولى وما إلى ذلك من أفكار معينة
على جعل الدعوة أيسر.
عاشرًا:
نلحظ في أقسام الكليات ضمن الجامعة شيئًا من التنافس الذي لا يقتصر على طلاب
المراحل الأولى والمتوسطة، وهذا دأب المؤمنين؛ إذ في التنافس تشجيع رباني بآية
كريمة: (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، فيمكن تخصيص مكافأة أو
فوز بأمر رمزي كوسام شرف وتميز لمن يبدع أكثر بلوحة حائط تشرف على مواضيعها بعض
الداعيات، فعمل الدعاة في الجامعة يستلزم اغتنام كل فرصة وكل وقت لتفعيل عملهم،
ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة.
حادي
عشر: هناك نشاطات خارجية تقام في الجامعات، ومنها كتابة حلقة بحث حول موضوع ما،
وهو أمر اختياري لا إلزامي، على أن يتم منح المتميزة جائزة مشجعة ومرضية، فالدعوة
تحتاج إلى إنفاق مال لا مجرد بث كلام.
ثاني
عشر: لا بد من مشاركة لداعية واحدة على الأقل بالندوات العلمية التي تقام في
الجامعة، على أن تخصص موضوعًا يتناسب مع الطرح، فلا يخلو مكان من بصمة الدعاة.
ثالث
عشر: إقامة مسابقات دينية على تنوع أساليبها وأشكالها، وذلك في العطلة الانتصافية
من السنة، تحفّز الطالبات على التعمق أكثر نحو أسئلة الدين.
رابع
عشر: بعض الجامعات تسمح بإقامة محاضرات إضافية للمواد، فلو كان للداعية نصيب منها ولو
محاضرة واحدة، فيكفي أن تكون الداعية قد بذلت الأسباب واغتنمت الأوقات.
خامس
عشر: انتهاز المواقف المؤثرة بتحويلها إلى مشربٍ دعويّ، كأن تجد الداعية طالبتين
قد اختصمتا، فلها أن تأخذ من وقت محاضرتها لتحل الإشكال بكلام عام، كتذكيرهنّ بآية
أو حديث أو ذكر قصة تفيدهنّ في استعادة جمال الأرواح وترك النزاع.
وبعد؛
فهذه بعض الأمور التي تعين التربويين في تكوين أعمالهم الدعوية، وكلها تتخذ طابع
الاقتراح، ولكن وجب التنبيه لأمر تحذيري وهو عدم استخدام الداعية لأساليب غير
شرعية في استقطاب الطالبات وتقريبهن من الدين، كأن تعِدُهنّ بزيادةٍ في المعدل أو
في درجات مادة ما، إن هنّ أطعن الأمر وحضرن المجلس مثلًا، فهذا أدلّ ما يكون على
ضعف روح الدعوة عند من تُقدِم على هكذا عمل.
وأخيرًا
وليس آخرًا: لا بد من سؤال المولى التوفيق والإخلاص في كل آنٍ وحين، والاستعاذة من
الرياء والنفاق، واجتناب الخطأ قدر المستطاع، فخطأ الداعية ليس كخطأ غيره، وخاصة
عند صغار العقول ممن ينظر إلى الداعية بوجه الكمال، فلتضع كل داعية نصب عينيها
أنها قدوة في كل شيء؛ قدوة في لباسها، ومأكلها ومشربها، وتحركاتها وتصرفاتها،
ونظراتها وكلامها. كما يجب أن تتسلح بمخزون شرعي وفقهي يفي بمسؤوليتها الدعوية،
ويتوج الأمر كله صلتها بباريها والعناية بالروح قبل العناية بالجسد والمظهر، فسرّ
القبول هو في سر الصلة بالله تعالى، والله تعالى أعلم.
ونسأل الله تعالى أن يرزقنا كمال التوفيق، وأن
يجعله لنا خير رفيق، إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه، وما أبديتُ من صواب فمن نعمة
المولى سبحانه، وما كان من خطأ فأطلب التجاوز والدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين.
إضافة تعليق