"ازرع فكرة، وسوف تحصد فعلاً؛ ازرع فعلاً، وسوف تحصد عادة؛ ازرع عادة، وسوف تحصد شخصية؛ ازرع شخصية، وسوف تحصد مصيرًا." شين كوفي
إن تربية ابن مراهق ليس أمرًا يسيرًا، قد تشعر أنها معركة مليئة باللحظات التي تختبر صبرك، و تجعلك تتساءل هل أنت على الطريق الصحيح، وهل تتخذ قرارات صحيحة في التربية أم لا؟!
ضرورة فهم طبيعة مرحلة المراهقة وخصائصها:
تُعد مرحلة
المراهقة من أخطر المراحل التي تواجه المربي أثناء رحلة التربية؛ لأنها مرحلة
انتقال جسمي وعقلي وانفعالي واجتماعي، بين مرحلتين متميزتين هما: مرحلة الطفولة
الوادعة، الساذجة الهادئة، ومرحلة الشباب التي تُسلم المراهق إلى الرشد والنضوج
والتكامل والرجولة الكاملة.
ومرحلة المراهقة هي مرحلة طبيعية في النمو، يمر بها الابن المراهق كما يمر بغيرها من مراحل العمر المختلفة. حيث لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو، مادام هذا النمو يجري في مجراه الطبيعي.[1]
وإذا فهم المربي طبيعة وخصائص تلك المرحلة سوف تمر بسلام. أما إذا حدث أزمة في تلك المرحلة سوف يكون بسبب عوامل مؤثرة أخرى كعدم فهم خصائص تلك المرحلة و تغيراتها أو بسبب انعدام لغة الحوار بينهم، أو بسبب أخطاء المربي في التعامل مع مشكلات المراهقة.
وتذكر أن
طريقة تواصلك مع طفلك وتفاعلك معه وزيادة الروابط بينكم من أهم الأمور في الطفولة،
والتي سوف تحصدها و تحدث فارقًا في فترة المراهقة، وأن الرسائل التي نرسلها
لأطفالنا في مرحلة الطفولة من خلال تعاملاتنا معهم، تترك أثرًا في نفوسهم يستمر
معهم حتى فترة المراهقة. وتأكيدًا على ذلك تشير إحدى الدراسات التي أجريت عام ٢٠١٤
في جامعة فيرجينيا إلى أن أحد الأسباب التي تجعل بعض المراهقين يرغبون في
الاستقلال ويستسلمون لضغط أقرانهم بهذا الشأن هو السيطرة النفسية التي مارسها
آبائهم عليهم في الطفولة. لذا إن فهم طبيعة المرحلة وخصائصها وإيجاد أسلوب تربية
متوازن مع الحفاظ على التواصل الفعال مع الأبناء، قد يحمي من الكثير من المشاكل
المستقبلية.[2]
مدمرات الحوار مع الابن المراهق:
تعرفنا من قبل عن أهمية الحوار الأسري ودوره في توطيد العلاقات بين أفراد الأسرة، لذا من الضروري معرفة ما قد ينفر أفراد الأسرة من الحوار بين بعضهم البعض حتى يتجنب الآباء فعله.
إليك بعض الأخطاء التي يقع فيها المربي أثناء التحدث مع المراهق:
1- عدم فهم المربي لطبيعة المرحلة وخصائصها:
نتيجة للتغييرات التي تطرأ على سلوك المراهق في هذه المرحلة- نظرًا لانتقال المراهق من مرحلة الطفولة إلى مرحلة أخرى مليئة بالتغيرات- يعاني أغلب الآباء من القلق والخوف على الأبناء، ويشعرون بعدم القدرة على التعامل السليم مع الأبناء في مرحلة المراهقة، مما يزيد من الفجوة ما بين الآباء والأبناء وتزداد المشكلات السلوكية وتصبح لغة الحوار أكثر تعقيدًا بينهم.
2- اعتقاد بعض الآباء أن الحوار الأسري لا يتناسب مع صفته
كأب:
كثير من
الأسر لا يجري فيها حوار جيد؛ لأن الآباء متأثرون بطريقة تربية آبائهم لهم؛ حيث
الحوار في الماضي كان شبه معدوم. وذلك اعتقادًا منهم أن
-
الحوار مع الأبناء به تنازل، وفقدان
للهيبة المتعارف عليها عند الآباء.
- وأن الأب هو المسيطر وغير مسموح بمعارضة أوامره.
3- استخدام لغة التحقيق مع الابن المراهق أثناء الحوار:
هل تحاور ابنك أم تحقق معه؟! من مدمرات الحوار مع الابن المراهق استخدام لغة التحقيق معه، مما يجعله ينفر من الحديث ويتجنبه؛ حتى لا يتعرض للانتقاد واللوم. فالحوار هدفه التشاور والتعبير عن المشاعر وليس التحقيق مع الابن المراهق.
4- الحديث بنبرة تشاؤمية مع الابن المراهق:
مع كثرة
الضغوطات الخارجية التي تقع على كل فرد من أفراد الأسرة، انعكس ذلك على أسلوب
الحوار بينهم، فأصبح يميل إلى التشاؤم و بث الطاقة السلبية؛ فيلجأ الأبناء
للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة تنفيس عن الضغوطات بدلًا من
التحدث مع أفراد الأسرة.
من مدمرات
الحوار مع الابن المراهق استخدام التوبيخ ولغة التهديد، وعدم استخدام الحوار
كوسيلة تربية وإقناع للابن المراهق. بينما لغة الحوار والإقناع وسيلة تربوية
ناجحة، وأكبر مثال على ذلك عندما
أتى شاب
يستأذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الزنا، فنهره الصحابة، ولكن الرسول حاوره
ولم ينتقده ولم يحقق معه… كان حوار الرسول له قائم على الإقناع لا التهديد، لم
يخوفه الرسول بالعقوبة، ولكنه خاطب عقله وقال له أترضاه لأمك؟؟ لأبنتك؟! لخالاتك؟!
لعماتك؟! فقال في كل مرة يسأله الرسول، لا والله يا رسول الله. فوضع يده عليه
وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه؛ فالنبي عبر له عن حبه عندما
وضع يده على صدره ودعا له. وكذلك ابنك/ابنتك حاورهم بالعقل وبالرفق، ولا تهددهم بل
اقنعهم.
من الأخطاء
الشائعة ومدمرات الحوار مع الابن المراهق استخدام ألفاظ غير محببة و التحدث بأسلوب
حاد في في حالة صدور الخطأ من الأبناء.
بينما نجد أن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال "يا غلام"، و لقمان الحكيم قال لابنه وهو
يعظه"يا بني" وهو أسلوب محبب على أذن السامع، ويجعله يرغب في الاستماع.
فاختر أحب الألقاب لقلبه وناده به أثناء الحوار؛ لما له من تأثير كالسحر يجعله
مستعدًا لتلقي منك الكلام ويستوعبه.
يقع أغلب
الآباء في هذا الخطأ وهو اختيار أوقاتًا غير مناسبة للحوار مع الأبناء كوقت مشاهدة
الأبن للتلفاز أو أثناء استخدام الألعاب الإلكترونية، أو وقت الطعام للتحدث عن
مشكلة تواجه ابنك المراهق أو عن سلوك ما يزعجك؛ فلا يبدي المراهق اهتمامًا للحديث،
وينتهي الأمر بصراخ المربي و توبيخ الابن، فيتجنب الابن التجمع الأسري خاصة وقت
الطعام ويأكل بمفرده، بل و ينفر من الحوار الأسري ككل.
من مدمرات و منفرات الحوار تحوله إلى جدال لا فائدة منه، و محاولة كل طرف إلى خصومة الطرف الآخر والانتصار عليه. بينما يتحول الحوار إلى جدال عندما لا يملك المتحاورون المعرفة، والتهذيب، والصبر. وفي النهاية ينتهي الأمر بمقاتلة كلامية وصياح وارتفاع الأصوات، و مقاطعة وتجريح بعضهم البعض، والبعد عن موضوع الحوار الأساسي. ويصبح الحوار الأسري حربًا تتراشق بها الألفاظ، فينفر منه الأبناء والآباء.
9- الاستهزاء والسخرية من أخطاء الابن:
من مدمرات
الحوار ( السخرية من أخطاء الابن أثناء الحوار، وعدم الاعتراف بأن الأخطاء هي فرص
للتعلم). بينما مناقشة الأخطاء وطرحها أثناء الحوار هي وسيلة فعالة لتقويمها
وللبحث عن حلول لها معًا، خاصة إذا كان الحوار يسير بشكل موضوعي وهادف. مما يتيح
له تقبل الخطأ والاعتراف به والرغبة الحقيقية في إيجاد حل له.
بعض الآباء
يقعون في هذا الخطأ، وهو أن يكون نفسهم قصيرًا في حوارهم مع أبنائهم، فتجد أن
الآباء ينهون الحوار بعبارة: انتهى الحديث/ كلامي صحيح ولا جدال في ذلك/ هذا يكفي،
لا أريد أن أسمع شيئًا الآن. بينما المراهق لديه نمو لغوي في تلك المرحلة ونضج،
فلديه نفس طويل لأن يحاور في قضية واحدة وقتًا طويلًا، فعلينا إقناعه ومحاورته
بدلًا من صده عن الحديث.
11- استخدام اسئلة المقارنة:
من مدمرات
الحوار مع الابن المراهق، استخدام الأسئلة التي تقارنه بغيره وتشعره بالنقص و
الدونية و تزعزع ثقته بنفسه مثل مقارنة بالمراهقين في نفس العائلة أو بأصدقائه.
ومن الأخطاء الأكثر شيوعًا هي مقارنة الطفل بوالديه؛ على سبيل المثال(عندما كنت في
مثل عمرك، لم أكن أفعل ذلك، بل كنت أفعل كذا وكذا).
لن تؤتي تلك
المقارنة ثمارها، فسوف يقول المراهق في قرارة نفسه ( لماذا لم تفعل مثلي! فرأيي هو
الأصح، وحياتي غير حياتك، وزماني غير زمانك).
إن إصدار الأحكام أثناء الحوار من منفرات
الحوار، فإذا أدرك ابنك المراهق أنك تستنكر عليه حديثه، سوف ينسحب من المحادثة.
حاول الحفاظ على هدوئك عندما يخبرك أنه ارتكب خطأ واستمع إليه وافهم مشاعره قبل أن
تقرر أن تتحدث. وابتعد عن إصدار الأحكام عليه وإلقاء المحاضرات حتى لا يشعر بعدم
الانتماء داخل المنزل وخارجه.
الإنسان الذي
يحترم الآخرين هو إنسان تعود على تلقي الاحترام من الآخرين. إن عدم اظهار احترامك
لابنك وعدم تقديرك له ولمشاعره و لآراءه و لرغباته؛ يتسبب ذلك في إيذاء مشاعره
أثناء الحديث معه، مما يجعله ينهي الصراخ بصراخ وينهي التجاهل بتجاهل وينهي
التهديد بتهديد.
14- عدم السماح له بالتعبير عما بخاطره:
السماح للابن
بالتعبير بحرية عما يجول بخاطره؛ سواء كان مشاعر، أو اعتراض على شيء من قوانين
الأسرة بتهذيب وأدب؛ فهي فرصة رائعة لعرض أفكاره واختلافه مع الآخرين بطريقة مهذبة
مهما اختلف معه غيره. و تذكر مثال الشاب الذي أتى للرسول يستأذنه في السماح له
بالزنا! لم ينظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ذلك الشاب على أنه فقد الحياء
والخير، بل تفهم حقيقة ما بداخله من شهوة، فطلبات المراهقين طلبات يراها الوالدين
مستفزة، بينما يراها المراهق غير ذلك. لذا حاول الهدوء وألا تُستفز، بل اسمع منه
واجعله يتحدث عما بداخله وحاوره بالإقناع وليس الإجبار. فاستخدم الرسول (صلى الله
عليه وسلم) الأسلوب العاطفي في الدعوة والتربية، وظهر ذلك في حديث الشاب الذي أتى
يستأذن الرسول في الزنا عندما قال الرسول: ( ادنه )، ( فدنا منه قريبا )، (فجلس )،
( فوضع يده عليه )، ودعا له بقوله: ( اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه )،
ولا شك أن الحديث العاطفي في مواطن ومواقف كثيرة يكون مفتاحا مهما للإقناع و لبيان
سوء عاقبة هذا الطلب. فكان حوار الرسول مع هذا الشاب به مزيج من الإقناع العقلي
والشفقة والحب، فأثابه إلى رشده، وأرجعه إلى طريق العفة والاستقامة، حتى أصبح
رافضا للرذيلة، كارها لها. فهكذا أيها المربي تعامل مع شهوات ابنك وطلباته.
15-إظهار الخوف الزائد والقلق المفرط:
يظهر خوف الأهل الزائد على الأبناء في تلك المرحلة؛ نظرًا لعدم الوعي الكافي بطبيعة المرحلة وخصائصها. فيقلق الأهل من مشاكل الأبناء السلوكية؛ ويعتقدون محاولة الابن لإثبات ذاته والتصميم على الرأي عِنادًا.
16- عدم الاستماع لهم والتقليل من مشاكلهم وأفكارهم ومشاعرهم:
يختلف تصور
المراهقين عن الآباء؛ لأن أدمغتهم مازالت تنمو فلم تنضج بشكل كلي، وأيضًا بسبب قلة
تجاربهم الحياتية.
غالبًا لا يتمتع المراهق بالمرونة لتبني وجهات نظر الآخرين، ولم يكتسبوا بعد خبرات
حياتية لفهم الحياة جيدًا مثل البالغين. والمراهق لديه حساسية مفرطة في تلك
المرحلة، قد تبدو لك غير واقعية أو منطقية، بينما قد يتأثر بمواقف عادية لا يعبأ
بها الآخرون. فإذا شعر ابنك المراهق بالرفض أو أنك تعتبر وجهة نظره غير مهمة ، فقد
يترجم ذلك إلى "أنا غير مهم". بينما قد يكون منظور الشخص البالغ أكثر
واقعية ، فإن التقليل من أهمية قضية ابنك المراهق يمكن أن يؤدي إلى الشعور بسوء
الفهم وعدم الانتماء إلى الجماعة والرغبة في الانعزال والوحدة.
وفي النهاية، السلوكيات التي تزعجك من ابنك المراهق كثيرًا ما تدل على القلق والضغط والحساسية الزائدة التي يعاني منها المراهق في تلك المرحلة؛ لذا فإن من الضروري الحفاظ على جو أسري متماسك، به مربين داعمين للأبن في تلك المرحلة، و مدركين لطبيعة مرحلة المراهقة وخصائصها ومتعاونين معه، ويوفرون له بيئة داعمة لنموه في تلك المرحلة؛ مما يزيد من شعوره بالانتماء والحب والاهتمام ويجعله يمر تلك المرحلة بسلام.
المصادر:
موقع middleearthnj مقال بعنوان
8
communication mistakes parents make with teens.
https://middleearthnj.org/2014/10/20/8-communication-mistakes-parents-
موقع reedleyschool
Mistakes
avoid talking children.
https://reedleyschool.edu.ph/blog/mistakes-avoid-talking-children/
موقع fallonpsych
Three
mistakes to avoid as the patent of a teen.
https://www.fallonpsych.com/blog/three-mistakes-to-avoid-as-the-parent-
موقع psychologytoday
Communication
success keys handling difficult teenagers.
إضافة تعليق