مشكلة الانطواء قد تظهر في فترات متفرقة من عمر الطفل وبشكل متدرج؛ فمن الممكن أن تبدأ من سن السنتين، وتتوهج في مرحلة المراهقة، وفي حالة تركها بلا علاج فعال قد تستمر مع الطفل مدى الحياة..
يشكو الكثر من المربين
من سلبية أو انطواء أطفالهم وعزوفهم عن المشاركة الاجتماعية مع أقرانهم، والانطواء
بالتأكيد مشكلة متشابكة ومعقدة، ولكن علاجها يبدأ من عندك أنت كمربٍّ، وذلك
بالتعرف على أسبابها والبواعث المؤدية لها، ووضع خطة علاج والالتزام بها مع طفلك
مهما كانت طويلة ومرهقة.
بداية، مشكلة الانطواء قد
تظهر في فترات متفرقة من عمر الطفل وبشكل متدرج؛ فمن الممكن أن تبدأ من سن
السنتين، وتتوهج في مرحلة المراهقة، وفي حالة تركها بلا علاج فعال قد تستمر مع
الطفل مدى الحياة، وتصبح العزلة والانطواء سمة ملازمة للفرد طوال عمره، وهي مشكلة
نسبتها أعلى بين الإناث قياسًا بانتشارها بين الذكور؛ نتيجة لاختلاف الطبيعة
النفسية لكل منهم، وحساسية المرأة ورهافة نفسيتها.
ولابد للمربي أن يلاحظ
سلوك طفله للتعرف على وجود تلك المشكلة من عدمها، فالانطواء قد يظهر على شكل نفور
من الزملاء أو الأقارب، والامتناع أو تجنب الدخول في محاورات أو حديث، وهي مشكلة
تسبب خللاً في التفاعل الاجتماعي للفرد مع من حوله، ما يؤثر على سلوكه العام، بل
ونموه العقلي أيضًا.
ويمكن تعريف
"الانطواء" أو العزلة والانسحاب المجتمعي، بأنه "شكل متطرف من
الاضطراب في العلاقة مع الآخرين، فالفرد يميل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي، نتيجة
لافتقاره لأساليب التواصل المجتمعي". وبذلك ينفصل عن رفاقه ويبقى منفردًا
معظم الوقت، ولا يشارك أقرانه بالنشاطات الاجتماعية المختلفة.
ويختلف هذا الاضطراب في
السلوك من فرد لآخر، فقد يتراوح هذا السلوك بين عدم إقامة علاقات اجتماعية وبناء
صداقة مع الأقران؛ إلى كراهية الاتصال بالآخرين والانعزال عن الناس والبيئة
المحيطة وعدم الاكتراث بما يحدث فيها.
أسباب
الانطواء:
وللانطواء أسباب عدة،
لابد للمربي أن يتعرف عليها، حتى يستطيع معرفة السبب وراء انطواء طفله ويعمل على
علاجه، فكما يقال: "معرفة السبب أولى خطوات حل المشكلة".
أولاً: أسباب جسمية:
فالتكوين البيولوجي
للفرد، والوظائف الفسيولوجية للقشرة الدماغية؛ تسهم في ظهور مثل تلك المشكلة؛
فالفرد الذي يتمتع بدرجة استثارة سريعة وقوية نسبيًا، وبكف رجعي ضعيف بطيء الزوال،
غالبًا ما ينزع إلى ممارسة سلوكيات ذات صبغة انطوائية.
وهذا التفسير يفند الظن
لدى الكثير من المربين بأن السبب الأساسي للانطواء هو الأسباب الاجتماعية الخاصة
بالمجتمع، أو التربوية التي قد تتمثل في طريقة تعامل الأسرة مع الطفل المنطوي فقط،
ولكنها ترجع أيضًا لعوامل بيولوجية؛ فهي مشكلة مرتبطة بعوامل وراثية
وقد ترجع أسباب الانطواء
والعزلة إلى شعور الفرد بالنقص، نتيجة لوجود عاهة أو مرض مزمن لديه، مثل إصابته
بمرض من الأمراض التي تغير من شكل الطفل، وتؤثر على تفاعل الأطفال الآخرين معه
نتيجة لشكله، أو قد ترجع العزلة لوجود عيب في النطق أو التحدث يمنع من تواصل الطفل
الفعال مع من حوله من أقرانه.
ثانيًا: أسباب تربوية:
وهي -بلا شك- من أهم
العوامل التي تؤثر في نفسية الطفل وتدفعه للانطواء على ذاته، فداخل الأسرة يكتسب
الطفل ثقافته وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، كما أنه يتعلم من خلالها طرق التعبير
عن نفسه، وتبنى فيها اللبنات اللغوية الأولى والخبرات المجتمعية التي تتيح له دخول
المجتمع الذي يعيش فيه والتفاعل معه.
فالأسرة هي عامل الوصل
بين الطفل والمجتمع، حيث يكتسب الطفل من خلالها أنماطًا اجتماعية مشتركة مع
الأطفال الآخرين، ما يتيح وجود نوع من أنواع الثقافة المشتركة بين أفراد المجتمع
ككل، تتيح لهم التفاعل مع بعضهم وفقًا لتلك الثقافة والعوامل المشتركة، فينتج نوع
من أنواع التوافق الفكري والعقلي –إلى حد ما– بين الأفراد، ما يسهل عملية التواصل
والتفاعل.
ولكن قد تظهر داخل
الأسرة بعض العوامل التي تمنع وجود ذلك النوع من التوافق، فالبعد العاطفي
والاجتماعي بين أفراد الأسرة، وأيضًا بين الأسرة ككل والمجتمع المحيط بها؛ ووجود
خلل في العلاقات الأسرية، بحيث إن العلاقات السائدة داخل الأسرة لا يسودها الود
والألفة، بل العراك والمشاحنات، يساهم بشكل مباشر في ظهور الانطواء عند الطفل.
والأسوأ من ذلك هو تعرض
الطفل للعنف المعنوي، الذي يعد أخطر بكثير من العنف الجسدي، وتوجيه كلمات قاسية
وجارحة للطفل كعقاب له، وهذه الكلمات يكون لها تأثير حد السيف في نفس الطفل، فهي
تفقده ثقته بنفسه وتجعله أكثر ضعفًا، وتدفعه ليس للعزلة وحسب، بل تدفعه إلى الكبت
النفسي والعاطفي وكبت المهارات.
وكذلك الحال مع الرقابة
الصارمة من الأسرة على سلوكيات وأفعال أطفالهم، فالنقد والتعنيف الشديد لأخطائهم،
تجعلهم يتجنبون التفاعل الاجتماعي مع من حولهم، تجنبًا للوقوع تحت طائلة العقاب
كما ذكرنا من قبل. وكذلك التفريق بين الأطفال داخل الأسرة يسبب لهم نوعًا من
الانطواء والعزلة.
ثالثًا: أسباب مجتمعية:
فالمجتمع الذي يتيح
للطفل فرصًا للتفاعل المجتمعي مع أقرانه، بل ومع من هم أكبر منه سنًا (لنقل
الخبرات)، هو مجتمع يشعر من خلاله الطفل بمتنفس يستطيع من خلاله التفاعل بشكل سليم
وفعال، وتحت رعاية مجتمعية تعمل على حمايته من أخطار قد يتعرض لها.
أما حين يشعر الطفل بأنه
مهمش وسط المجتمع الذي يعيش فيه ولا رأي له، يفقده ذلك الثقة في نفسه، ما يفقده
الشعور بالأمان، ويدفعه ذلك للعزلة والانطواء بعيدًا عن أقرانه، هربًا من العقاب
أو التجاهل. وقد يؤدي تغيير الموطن إلى مثل تلك العزلة، والتي يجب أن تعالج وفورًا
حتى لا تتفاقم.
خطة العلاج:
تبدأ خطوات العلاج
بالتعرف على السبب الرئيس لانطوائه ومحاولة علاجه وبشكل فعال:
1- التربية
الاستقلالية هي الحل الفعال، فكما قلنا: كما أن لعامل الحب داخل الأسرة دورًا مهمًا
في علاج الانطواء لدى الأطفال، وأنه بدون الحب والمودة في الأسرة تزيد نسبة تعرض
الطفل للانطواء، إلا أن زيادة الحب والتدليل الزائد عن الحد يؤدي لجعل الطفل معتمدًا
على والديه، عاجزًا عن الاعتماد على الذات، فيقف ذلك العجز حاجزًا بينه وبين
التفاعل مع أقرانه، لهذا على الوالدين حماية أبنائهما من التدليل وتربيتهم تربية
استقلالية؛ ما يفتح لهم أبواب المجتمع كافة ليدخلوا من أيها شاؤوا، مع مراعاة أن
يكون ذلك بالتدريج.
2-
يعمل الوالدان على إعادة الثقة للطفل المنطوي في نفسه،
فالطفل المنطوي حساس لدرجة كبيرة؛ لذا يجب على الوالدين تهيئة الجو الأسري المناسب
لنخرجه من حالة الانطواء وفقدان الثقة تلك، فيبدأ الوالدان بالتأكيد على حريته في
التعبير عما يجيش في صدره دون خوف أو تردد، مع إعادة تعريفه بنفسه وبنقاط القوة
لديه والتأكيد عليها، ومحاولة الإعلاء من نقاط الضعف لديه أو تجاوزها. وكذلك ينبغي
على الوالدين الاهتمام بميول واهتمامات طفلهما، والعمل على أن يمارسها وهو يشعر
بالأمان بعدم خوفه من العقاب في حالة ما أخطأ أو فشل، والتهدئة من انفعالاتنا نحوه
في حالة إن أخطا، وبهذا يتحول الوالدان إلى عامل دفع ايجابي لثقة طفلهما في نفسه
وفيمن حوله، فيبدأ في التفاعل معهم.
3-
فتح الباب له لتكوين صداقات جديدة، فتواصل طفلك مع من
حوله وفي سنه له فوائد نفسية وعقلية وجسمية وروحية، تنعكس على توازن نمو شخصياتهم
وهم في طور النمو، لذا حاول أن تشجع أطفالك على عقد صداقات مع من حولكم من الأقارب
والمعارف حتى تكون مطمئنًا على نوعية وطبيعة تلك الصداقات، مع ترك الحرية للطفل
لكي يختار صديقه، مع ضرورة الاطمئنان علي حسن اختيار الطفل للصديق.
4-
تعليم الطفل لمهارات اجتماعية محددة مثل تعليمه مهارة
الاتصال، وخاصة كيفية الإصغاء والاستماع، وكيفية إقامة صداقات مع الزملاء، وكيفية
توجيه التحية والسلام والسؤال عن المعلومات، ومن ثم تعليمه مهارة تقبل الرفاق
والزملاء.
5-
على الوالدين الاهتمام بميول طفلهم الرياضية بالتحديد؛
لأنه معروف أن الرياضي اجتماعي بطبعه، ومحاولة جعله ينتمي إلى إحدى فرق الألعاب
الجماعية (ككرة القدم، أو اليد...)، لكي يتعلم روح الفريق والتعاون.
6-
عدم تحميل الطفل فوق طاقته أو تكليفه بأعمال تفوق
قدراته؛ وذلك حتى لا يشعر بالعجز؛ ما يجعله يستكين ويزداد عزلة عن الناس، بل ننمي
قدراته وقيامه بالأعمال التي تناسب قدراته وعمره الزمني.
7-
إذا كان سبب شعور الطفل بالنقص اعتلال أحد أعضاء جسمه
فينبغي تدريب العضو المعتل؛ لأن التدريب يزيد من قوة العضو المعتل، وبذلك يتخلص من
شعوره بالنقص وتتحقق سعادته.
8-
الاعتماد على اللعب التعبيري (التمثيلي) لتوصيل كيفية
أن العضو الفعال في المجتمع محبوب ومحترم لدى الآخرين، وكذلك الاهتمام بالألعاب
الجماعية التي يشترك فيها مجموعة من الأطفال، حتى يحتك مع أطفال آخرين من ثقافات
مختلفة.
9- في بعض الحالات تكون
تربية الحيوانات الأليفة المنزلية لها عامل كبير على تحسن التفاعل والنمو
الاجتماعي لدى الطفل، فقد نشرت إحدى الصحف البريطانية كيف أن ببغاءً صغيرًا نجح في
كسر عزلة طفل بريطاني يعاني صعوبة في النطق؛ حيث لقنه أول كلمات يتفوه بها بعد
بلوغه من العمر أربع سنوات! وحسب الصحيفة فإن الأطباء يتوقعون أن يبدأ الطفل في
تعلم كلمات من مقطعين من الببغاء، وترجع هذه الظاهرة إلى شعور الطفل بالسعادة في
وجود الببغاء، فالببغاء نجح في لفت انتباه الطفل إليه، والذي حاول بدوره تقليد
أصوات الببغاء.
إضافة تعليق