الأسرة هي الدّعامة الأساسيّة في بناء المجتمع، وكلما كانت تلك الدعامة قوية ومتماسكة، زادت قوة هذا البناء، وكلما كانت ضعيفة، تهاوى هذا البناء مع أول مشكلة تواجهه. وإن ما يجعل هذه الأسر مترابطة هي حفاظها على رباط المحبة فيما بينهم، والحوار الفعال، والمرونة في مواجهة الصعاب. وللأسرة دور هام في وضع الركائز الفكرية والنفسية في شخصية الطفل، ولمعرفة كيف تؤثر الأسرة على تشكيل شخصية الفرد، اقرأ: هنا.
لكن كيف تكون الأسرة مترابطة فيما بينها؟! وكيف يعرف المربي ما يدور في أذهان أطفاله، خاصة مع انشغال أفراد الأسرة الدائم، وكثرة المُلهيات، والمشتتات التي تواجههم يوميًا؟. فحينما نتحدث عن الحوار الفعال مع الأبناء، نجد أن كثير من الأسر يجزمون بأنهم يتحاورون يوميًا! هل ما يحدث يوميًا هو حوار أم جدال! وما الفرق بينهم؟!
الحوار والجدال كلمتان تدلان على شيء مشترك، وهو دوران الكلام بين فردين، ولكن الجدال يميل إلى الخصومة الكلامية. كما ينطوي على حرص كل طرف من المتجادلين على غلبة الطرف الآخر وإفحامه وإلزامه بالحجة. لذا وجهنا الله تعالى للمجادلة المفيدة بالحسنى في قوله تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: ١٢٥). وبالأدب الرفيع، والمجادلة بالحق الساعية إليه. و قد قال الله جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) (الحج:8).
أما الحوار فهو لا يحمل صفة الخصومة، وإنما يحمل صفة الحرص على الفهم والمعرفة والاطلاع. وقد ينقلب الحوار إلى جدال عقيم إن لم نُحسن فن الحوار.[1]
أهمية الحوار بين الأبناء
والآباء:
الحوار مع الأبناء له دور هام في تجنب الكثير من المشاكل خاصة في مرحلة المراهقة، بالإضافة إلى أنه يزيد من التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، ويخلق جو من المحبة داخل الأسرة، ويعزز من ثقة الطفل بنفسه.
وفيما يلى، سوف نتعرف بالتفصيل على أهمية الحوار مع الأبناء
والاجتماعات الأسرية للآباء والأبناء:
أهمية الحوار للآباء:
●
الحوار وسيلة توضح للآباء حقيقة
الصورة التي كونها الأبناء عن أفراد الأسرة:
والتي قد تكون انطباعات مغلوطة وتحتاج إلى التصحيح. على سبيل
المثال، قد يعتقد الطفل أن والده بخيل. لأنه لا ينفق مثلما ينفق والد صديقه.[2]
●
وسيلة توضح للآباء ما يفكر به
الأبناء؛ مشاعرهم وطموحاتهم ومشاكلهم وأفكارهم.
"إن التربية الصحيحة تتطلب معرفة المربي
بنفسيات وعقليات وهموم من يقوم على تربيتهم، وأفضل طريقة لذلك هي إقامة علاقة
منفتحة معهم، يتمكنون من خلالها من البوح بما لديهم بمنتهى السهولة."[3]
●
الحوار وسيلة لتقويم السلوك ولترويض
النفوس:
الحوار من الأساليب المتنوعة التي استخدمها القرآن الكريم
لبيان منهجه، وتصحيح للعقيدة، وتقويم للسلوك، وتهذيب للأخلاق. لما في أسلوب الحوار
من إقناع للعقل وتأثير على الروح. وتنوعت أشكال الحوار في القرآن الكريم، ما بين
الأسلوب التذكيري الوعظي، والوصفي، والقصصي، و الجدلي المعتمد على إقامة الدليل
والحجة. فالحوار مع الأبناء وسيلة لتقويم سلوكهم.
●
وسيلة تربوية مناسبة في كل وقت:
الحوار وسيلة تربوية فعالة لإقناع الطفل والتقرب إلى الأبناء
وتقويمهم، وتوجيههم، وإرشادهم ، وزيادة الترابط الأسري بينكم.
●
وسيلة لتوجيه طفلك وإرشاده:
من خلال الحوار مع الأبناء، يمكنك توجيه الطفل وإرشاده، خاصة
إذا كان الحوار إيجابي وتُحسن الاستماع له باهتمام دون تقليل من شأنه.
أهمية الحوار للأبناء:
الحوار مع الأبناء ينمي من مهارات الطفل وقدرته على التعبير عن
مشاعره، ويتعلم منه الهدوء قبل حل المشكلات، وتقبل الرأي الآخر، وغيرها من
المهارات الأخرى.
إليك ٨ فوائد للحوار مع الأبناء:
تعزيز ثقة الأبناء:
الحوار الأسري هو وسيلة للتواصل والتعبير عن النفس، مما يُشعر
الطفل بأنه جزء مؤثر في الأسرة، وأنه مشارك في قرارات الأسرة، كما يطور من مهارات
الاستماع للآخرين، والقدرة على إيجاد حلول
للمشكلات، وغيرها من المهارات التي تعزز من ثقته بنفسه.
وسيلة للتعلم من الأخطاء:
من خلال طرح ومناقشة الأخطاء يتعلم الطفل طرق
مختلفة لحل المشكلة وتعد تلك الطريقة فرصة رائعة للتعلم.
وسيلة لحماية طفلك من أصدقاء السوء:
الحوار وسيلة لمواجهة أصدقاء السوء الذين قد يواجههم طفلك في
المجتمع، فكن صديقًا جيدًا له، يشاركه تفاصيله، ومشاعره، وأحلامه، ولا يخاف أن
يتكلم معه عما يحدث في يومه.
مهارة يجب تعلمها:
الحوار مهارة ينبغي تعلمها، نظرًا لفاعليتها. وأكبر دليل على
ذلك هو أن الحوار هو الأصل في تربية الناس وإقناع الصغار والكبار، ولذلك القرآن
الكريم يذكر حوارات كثيرة بين الله وملائكته، وبين الله ورسله، وبين الرسل وقومهم.
وهو وسيلة للتربية بالإقناع، ومحفز داخلي للطفل أن يُحسن التصرف رغبة في ذلك وعن
اقتناع بدلًا من فعل ذلك إرضاءًا لك أو خوفًا منك.
ينمي قدرة الطفل على حل المشكلات:
الحوار ينمي قدرة الطفل على الهدوء قبل التفكير في حل المشكلة،
و إيجاد حلول مختلفة والبحث عن الحل المناسب. وفي حالة الخلافات يساعده ذلك على
تسوية الأمور بشكل ودي، واحترام الرأي المخالف والمحاورة بالإقناع.
وسيلة علاجية لتخفيف التوتر:
الحوار وسيلة لتخفيف مشاعر القلق والتوتر وتحرير النفس من
الصراعات والمشاعر السلبية. و إن لم يجد الطفل متنفس لتلك الصراعات والمشاعر، فسوف
يبحث عن صديق أو يذهب إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
يعزز من مهارات الطفل الاجتماعية:
يعزز المبادرة عند الطفل وينمي مهاراته
الاجتماعية وقدرته على التواصل والتخلص من الخجل الاجتماعي.
ينعكس على أدائه الدراسي:
ينعكس على العملية التعليمية، فيمكنه ذلك من استخدام مهارات
التواصل في محاورة زملائه ومعلميه. مع مراعاة الاحترام المتبادل بينه وبين زملائه
في المدرسة وقدرته على تقبل النقد ونقد الصراعات واحترام الرأي الآخر.
هل كل حوار يؤدي إلى تربية جيدة؟!
ليس كل حوار يؤدي إلى تربية جيدة، ويهدف لزرع
قيمة أو عادة صحيحة!
يتربى أفراد الأسرة في بيت واحد، وقد يختلفون في آرائهم، وفي
شخصياتهم، وقد تنقلب الاجتماعات الأسرية والمناقشات لنزاعات بين أفراد الأسرة،
وتنتهي بتشبث كل طرف برأيه.
بينما السبب وراء ذلك هو عدم إدارة الحوار بشكل جيد، وعدم
معرفة أساسيات الحوار المثمر، فكيف تجعل النقاشات الأسرية أكثر فاعلية؟!
إليك ١٢ خطوة لإضفاء الفاعلية على الحوار مع الأبناء؟!
تحديد الوقت المناسب:
لاحظ مزاج طفلك أثناء اليوم، واختر الأوقات التي يكون بها
الطفل أكثر هدوءًا، ورغبة في التحدث. لا تختار وقت غضبه أو تشاجره مع أخيه لإجراء
اجتماع طاريء لفض النزاع.
مراعاة المرحلة العمرية للطفل:
الواقع يفرض نزول الآباء إلى مستوى ابنائهم حتى يسهل التقارب
بينهم في إجراء حوار ناجح. لذا فإن تحديد المرحلة العمرية للطفل ومتطلباتها وفهمها
ضروري قبل بدء الحوار مع الطفل؛ للتأكد من فهمهم للحوار ولرفع كفاءة تفكيرهم.
ابتعد عن المشتتات:
ابتعد عما قد يشتت انتباه طفلك أثناء الحوار. اغلق التلفاز،
ولا تجيب على الهاتف أثناء الحوار.
توفير بيئة للحوار:
الحوار احتكاك روح بروح قبل أن يكون اتصل عقل بعقل، وفي داخل
الأسرة يكون الحوار أصعب بكثير من الحوار مع الزملاء، لأن المنزل مكان للحركة
الطليقة والتصرف التلقائي، والمتحاورون في المنزل يعرفون بعضهم البعض، وشَكَل كل
منهم صورة نهائية عن الآخر، فقد يشعر البعض بالنفور من التحاور مع الأبناء لأن لا
فائدة من ذلك، أو لأنهم أعلم منهم بكل شيء فلماذا يشاركون أبنائهم الرأي؟! بينما
ضرورة الحوار في المقام الأول هو زيادة التلاحم بينهم ثم بعد ذلك عرض المشكلات
والعمل على حلها. [4]
استخدم عبارات المدح والتقدير:
ابدأ الاجتماع الأسري أو الحوار بعبارات المدح والتقدير لكل أفراد الأسرة، ثم
اجعل الأطفال يفعلون الشيء مثله.
جعل
اجتماعات الأسرة مرحة:
من الطبيعي أن ينفر الطفل من الاجتماعات الأسرية والحوار، إذا
كانت تأخذ طابع تقليدي وممل ولغة الحوار لغة تحقيق وأمر. من الأفضل أن تفاجيء الأم
أفراد الأسرة بوجبة لطيفة أو كعكة أو مشروب يحبه الأطفال في بداية أو نهاية
الاجتماع الأسري؛ مما سيرسخ عند الأطفال حب الاجتماعات الأسرية.
أنشئ روتيناً للحوار الأسري:
خصص
وقتًا ثابتًا لاجتماع الأسرة وليكن في نهاية الأسبوع، ولكن الحوار اليومي يمكنك
تخصيص وقت للحوار أثناء القيام بنشاط محدد يتيح وقتًا منفردًا مع الطفل، على سبيل
المثال، في السيارة أثناء الذهاب إلى التمرين، حيث تتدفق الكلمات سريعًا عندما
نبدأ المحادثة بنشاط يحبه أطفالنا، أو أثناء الرسم أو اللعب بالليجو، أو لعب كرة
السلة.
حسن الإنصات إلى الطفل:
أنصت إلى الطفل أثناء الحوار بكل اهتمام، ولا تقاطع حديثه.
الاعتراف بمشاعر الطفل واحترامها:
ينبغي أن يبدأ الحديث بإظهار مشاعر ود تجاه الأبناء فإن الاعتراف بمشاعر الود وإظهار التعاطف مع الأبناء يجعل الحوار مثمر ودافئ ويساعد على النمو النفسي الصحي للطفل.
استخدم السرد القصصي:
هي وسيلة ممتعة لبدء المحادثات، حيث استخدم القرآن حوارات
متنوعة بين الله عز وجل والملائكة وإبليس وآدم، وبين الرسل وقومهم، ومع المؤمنين
والمشركين.
كما أنها تساعد طفلك على التعبير عن مشاعره، وأفكاره، وعواطفه. بأن تسأله عن رأيه في بطل القصة؟! ماذا لو كان مكانه؟! لماذا تصرف البطل بهذه الطريقة؟! وهل هناك حل آخر للمشكلة إن كنت مكانه. وقد ثبت فعالية الأسلوب القصصي في توصيل الأفكار والمشاعر بطريقة تناسب كل الأعمار. على سبيل المثال، اسرد لطفلك قصة تشابه التجربة الحقيقية التي يمر بها الطفل، أو يمكنك سرد يومك بطريقة درامية مرحة، لتشجيع طفلك على سرد يومه أيضًا.
تشجيع الطفل على الاستدلال
والاستنتاج:
تشجيع الطفل على الاستدلال والاستنتاج أثناء الحوار، من خلال الأسلوب القصصي، فالقصص تساعد الطفل على التفكير المجرد، و تصنيف الخبرات وتحديد المشاعر، واستخلاص النتائج بناء على المعطيات( المعلومات المقدمة في القصة)، وإيجاد حل للمشكلة، وتحديد تسلسل الأحداث وربطهم معًا. كما تشجع طفلك على الخيال والابتكار والتفكير؛ يحدث ذلك من خلال طرحك الأسئلة بعد سماع القصة والمناقشة معه.
اظهار التقدير والاحترام لمقترحات الطفل يرعى اثناء النقاشات الاسرية الاحترام لآراء الطفل وعدم التقليل من آرائه، والثناء لأفكار الطفل المقدمة. على سبيل المثال، إنها فكرة جيدة، اقتراح جيد، أنت مميز قدرتك على عرض أفكارك هائلة. و لا تقل لطفلك اقتراحك سخيف، الحوار معك غير مفيد، أو كن مهذبًا في ألفاظك.
استخدم لغة الود في الحوار:
النبرة التي تطرح بها السؤال قد تشجع طفلك على
الحديث أو تنفره!
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا
يُعطى على العنف، ومالا يعطى على سواه"[5].
"والكلمة الطيبة صدقة" [6]، لذا اختر كلماتك بعناية مع طفلك، وابتعد عن
الكلام السلبي والتوبيخ والتهديد.
تقدير اهتمامات الطفل وهواياته:
إن مشاركة الطفل في اهتماماته من خلال الحديث،
يزيد من روابط الأسرية بين الطفل ووالديه، ويساعد على بناء جسر من الثقة بين
الآباء والأبناء.
عصا التحدث:
شخصًا واحدًا يمكنه التحدث، وعلى الجميع أن ينصتوا له. و كل شخص يأتي دوره في الحديث، حتى تتاح الفرصة للجميع للتحدث، ويصبح الأمر أكثر تنظيمًا وتتاح الفرصة للجميع للحوار.
التركيز على الحلول:
تدوين كل المقترحات عن الحلول، ثم تقييم الحلول بأن تكون (ذات صلة، معقولة، تتسم بالاحترام، مفيدة). واختيار الحل، من خلال التصويت، و يمكنكم تقييم مدى صلاحية الحل خلال الاجتماع المقبل.
وفي النهاية، إن أقصر طريق لدخول عالم طفلك، والسباحة في عقله
هو الإنصات باهتمام له، وبناء جسر من المحبة والثقة من خلال الحوار الدافئ اللين.
فإذا كنت تنصت باهتمام إلى صديقك في العمل وتستمع إلى مشاكله اليومية وأحاديثه
التي لا تنتهي ومواضيعه عن أشياء قد تكون لا تحبها، ولكنك تستمع له باهتمام!
فهل تستطيع أن تعتبر طفلك هو صديقك، مهما صغر حجمه وعمره فقدم له بعض الاهتمام مثلما تقدمه للآخرين، وتعرف أكثر عن دراسته واهتماماته وأفكاره ومشاعره وأحلامه وآلامه. كن صديقه الجيد في زمن مليء بأصدقاء السوء والكثير من التحديات التي تهدف إلى تفكك وإضعاف الترابط الأسري.
المصادر:
Everyday ways to reap the benefits of talking with your kids
مقال
من موقع fineparent
https://afineparent.com/positive-parenting-faq/purposeful-conversations.html
How to hold a successful family meeting من موقع verywellmama.
https://www.verywellfamily.com/how-to-hold-a-successful-family-meeting-4155312
إضافة تعليق