طفلك لا يبذل إلا جهدًا قليلًا في فترة الدراسة، ويؤدي واجباته المدرسية بكسل وتراخي وانعدام رغبة!


 تذكره دائمًا بمواعيد الاختبارات، ولكنه في الأغلب لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، ولا يريد بذل أي جهد للدراسة أو التفوق.

 لم يتعلق الأمر بالدراسة فقط بل إنه يرفض أيضًا المساعدة في شراء أغراض البقالة أو المساهمة في الأعمال المنزلية البسيطة أو ترتيب غرفته، يمسك الهاتف بيديه فقط ليلًا ونهارًا؛ ولا يتذكر مواعيد الدروس الخصوصية ومواعيد التمرينات وتسليم المشاريع، كأنه لايبالي.


 أنت من يذكره باستمرار بما ينبغي عليه فعله! ولا يوجد لديه دافعية لإنجاز أي شيء ولا يرغب في النجاح أو التمييز.


 بينما عرضت عليه الكثير من المكافآت كنوع من التحفيز، ووفرت له كل التيسيرات والرفاهية، وأحيانًا منعت عنه أشياء كعقاب له ليتغير. إلا أنه غير راغب في فعل شيء ولا يبالي، ولا يريد بذل أي جهد لأداء أي مهام موكلة إليه!


الحقيقة هو أن طفلك يعاني من غياب الدافعية. فما هي الدافعية؟!


غياب الدافع هو الذي يدفع هذا الطفل بعدم الرغبة في النجاح وعدم الرغبة في أداء أي مهام وعدم المبادرة بأخذ أي خطوات تخص حياته أو بذل أي جهد تجاه أي مهام تخصه.


 فالدافع هو المحرك الأساسي للطفل نحو التعلم واستكشاف البيئة من حوله. والأطفال منخفضي الدافعية لا يبذلون جهدًا يتناسب مع إمكانياتهم؛ مما يؤثر على أدائهم للمهام داخل المنزل ويزداد الأمر سوءًا وينعكس على أداء الطفل الدراسي إن لم يتم التدخل بشكل سليم. فما هي الدافعية؟ وما الفرق بينها وبين الحافز؟


تعريف الدافعية :


 عرف جيانكارلو واوردان (2001) الدافعية بأنها هي" التحفيز العقلي داخليًا للفرد للانخراط والمشاركة في الأنشطة المعرفية التي تتطلب الاستعمال الواسع للعمليات العقلية لإيجاد حل للمشكلات أو اتخاذ القرارات أو تقييم المواقف. وأن الدافعية العقلية لا تعني مهارات التفكير الناقد أو القابلية الإبداعية بل هي بمثابة تقرير ذاتي يشير إلى رغبة الفرد القوية و نزوعه نحو استعمال مهاراته في التفكير وقدراته الإبداعية".


الفرق ما بين الدافع والحافز:

الدافعية هي محرك داخلي للسلوك الإنساني، وتنبع من ذات الفرد لإشباع حاجة محددة. في حين أن الحوافز هي المحركات والمؤثرات الخارجية التي تستخدمها (الأفراد كالأم أو الأب/ أو المؤسسات كالمدرسة) لإثارة دافع الإنجاز لدى الطفل.


 فالحوافز عوامل خارج الفرد، أما الدوافع عوامل داخل الفرد.


أهمية الدافعية :

الدافعية هي أساس إثارة وتحفيز الأفراد إلى الفعل والعمل؛ فيحتاج الفرد إلى دافع داخلي يدفعه لتنفيذ بعض الأهداف وإتمام بعض المهام لتحقيق أهدافه. وهو بمثابة القوة الداخلية المحركة للإنسان، وكثير من المربين وعلماء النفس يعتبرون أن الدافعية هي أحد المتغيرات بالغة الأهمية التي تحكم عملية التعلم.


 كما أثبتت إحدى الدراسات تأثير الدافعية على التفكير الإبداعي عند الطفل؛ تم اختيار عينة عشوائية من 90 طفل وطفلة من تلاميذ الروضة الأولى بالمدينة المنورة، وقد تم تقسيم العينة إلى 3 مجموعات ( مجموعة قُدمت لها استثارات سلبية/ ومجموعة قُدم لها استثارات إيجابية/ ومجموعة لم يقدم لها أي استثارات).

وجد أن: للدافعية تأثير جوهري على التفكير الابتكاري للأطفال.


أسباب نقص الدافعية عند الطفل:

يتميز الشخص الذي يعاني من نقص الدافعية بانخفاض الرغبة في أداء المهام الموكلة إليه؛ مما يؤثر على جوانب حياته بما فيها المدرسة وعلاقاته مع الآخرين. 


و قد يكون السبب وراء ذلك ما يلي:


الأسرة:

للأسرة دور كبير في انتشار سلوكيات خاطئة تدعم نقص الدافعية عند الطفل. على سبيل المثال:


التوقعات المثالية للأهل:

توقعات الأهل الغير منطقية والمثالية تشكل ضغطًا نفسيًا على الأبناء، مما يدفع بعض الأبناء إلى العزوف عن الأمر ككل؛ خوفًا من الفشل، أو لأن توقعات الأهل تفوق إمكانياته وقدراته.


إجبار الطفل وارغامه على أداء المهام:

شعور الطفل بالإجبار وسلب الحرية فقد يكون سبب نقصان دافعيته ناتج عن رفضه إرغامه على عمل الواجبات المدرسية من أجل الفوز ببعض الدرجات أو إتمام الأعمال المنزلية من أجل إرضائك.


الحب المشروط:

قد تكون أرسلت لطفلك رسالة أن حبك له مشروط بالنجاح الدراسي و مرتبط بحصوله على بعض الدرجات ليس إلا.


المقارنة:

قد تقارني طفلك بأقرانه أو أخوته، فيرغب في الشعور بالاختلاف عنهم من خلال تقصيره ليحظى على الانتباه والاهتمام.


فالمقارنة تجلب الغيرة التي تشعل نفوس الأبناء للمزيد: مقال العدل بين الأبناء من هنا.


قلة الثقة في قدرات الطفل:

توقعات الأهل المنخفضة للطفل؛ بأن يتوقع الأهل دائمًا عدم إجادته لهذا الفعل أو العمل؛ مما يشعره بعدم الثقة بقدراته و نتيجة لذلك تتدنى دافعيته.


توتر الطفل وخوفه:

شعور الطفل بالتوتر والخوف يجعل الطفل ينسحب من أي موقف دون أن يفعل شيئًا، فيظهر على سلوكه اللامبالاة وتدني الدافعية نحو أداء المهام الموكلة إليه.


كثرة النقد وعدم الاهتمام بالطفل:

الانشغال عن الطفل وعدم منحه الوقت الكافي للاستماع إليه باهتمام وللحديث عما يخصه، وكثرة نقده وتوبيخه عند الحديث.


التساهل والتسيب:

غياب المسائلة والمحاسبة وعدم اهتمام الأهل بوضع قوانين للمنزل وتوضيح نظام للبيت، وترك الأطفال يفعلون ما يحلو لهم؛ مما يؤدي إلى غياب الدافعية عند الطفل.

 

الاعتمادية الكاملة والتدليل المفرط:

خوف الأم المفرط وتدليلها للطفل يصنع طفلًا اعتماديًا، لا يوجد لديه دافعية لفعل أبسط المهام؛ فبعض الأمهات تفعل كل شيء بدلًا عن الطفل بدءا من الاستيقاظ صباحا وتحضير الشنطة والكتب المدرسية والاعتذار للمدرب بدلًا منه، وتنظيف الغرفة، بل و تطعمه بنفسها حتى تتأكد أنه أنهى طعامه أو حتى لا تتسخ يديه أو يبذل أي جهد في تناول الطعام.


المدرسة:

يعتبر المناخ المدرسي الذي يتسم بالتسلط والنقص في أغلب الأنشطة المدرسية هو السبب في انخفاض الدافعية لدى الطفل و انعدام الرغبة في النجاح، حيث لا تربط الأشخاص داخل المدرسة علاقة تقدير ومودة وروح تعاون؛ فيصبح جو مشجع للعزلة والانطواء وغياب الدافعية.


المشكلات النمائية:

بعض المشكلات النمائية كاضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه التي قد تؤثر على ثقة الطفل بنفسه وتحصيله الدراسي؛ مما ينعكس على أدائه الأكاديمي ودافعيته نحو النجاح.


  وبغض النظر عن السبب، فطفلك يحتاج إلى التدخل السليم، فلا يُجدي أسلوب الضغط العصبي على طفلك ليغير من سلوكه أو تعمد احراجه أمام الآخرين.


أهم الحلول لتحفيز طفلك وحل مشكلة نقص الدافعية لديه:


تقديم الحب والعطف للطفل:

انظر إلى سلوكك مع طفلك، هل تمنحه الحب والعطف الكافيين وتمنحه من وقتك للاستماع إليه و تشعره بالاهتمام بأموره.

 فإن بناء علاقة إيجابية مع الطفل تجعله يشعر بالتحفيز والدافعية لتحقيق أهدافه.


أظهر لطفلك مشاعرك الصادقة:

عندما يماطل طفلك في أداء الواجبات المدرسية ويكرس الوقت لكل شيء ماعدا الواجبات المدرسية، أظهر له مشاعرك.

على سبيل المثال، أنا أشعر بالحزن لأنك لا تضع الواجبات المنزلية في مقدمة أولوياتك.


اجعل طفلك يشارك في صنع القرارات:

بعدما اظهرت لطفلك مشاعرك الصادقة، ساعده من خلال الحوار معه والمناقشة بالبحث عن حل للمشكلة والمشاركة بوجهة نظره عما يحدث؛ عندما يشارك في القرار يشعر بالمسؤولية تجاهه ويدفعه إلى الالتزام خاصة عندما يفهم توابع ذلك القرار.


توقعات الأهل المنطقية:

التوقعات المنطقية من الأهل التي تتناسب مع قدرات الطفل وإمكانياته تمنح الطفل الثقة بنفسه وتزيد من دافعيته نحو النجاح.

 

كن حازمًا وعطوفًا في آن واحد:

استخدم كلمة واحدة للإشارة إلى ما تود طفلك القيام به. على سبيل المثال ( الواجب المنزلي، غرفتك).

 إذا قاوم طفلك، تجنب الصراع معه بالكلمات وكن حازمًا.


احترام الطفل ومنحه حرية الاختيار:

امنح الطفل حرية الاختيار، وتحمل العواقب المنطقية لاختيارته؛ دع العواقب تكون هي مُعلم طفلك؛ حتى وإن كنت ترى أن في هذا الاختيار ضياع للوقت والجهد والمال، فلا تحكم من خلال خبراتك وسنك، فينبغى على الطفل أن يخوض التجربة ويختار ويُكون خبراته ويتعلم من خلال المحاولة والخطأ.


توكيل بعض المهام والمسؤوليات للطفل:

 من خلال تدريب الطفل على تحمل المسؤولية والتعرض لمختلف الخبرات.

فالمخ يتغير على أساس الخبرة التي يتعرض لها.


عدم الإسراف و توفير كل الكماليات و الرفاهيات للطفل بشكل مفرط:

 إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ....بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ…..الإسرافُ يجُرُّ إلى مذَمَّاتٍ كثيرةٍ. فعلينا تعليم الأطفال عدم الإسراف حتى وإن كنا نملك المال الكافي.

قال ابنُ عاشورٍ: (والإسرافُ إذا اعتاده المرءُ حمَلَه على التَّوسُّعِ في تحصيلِ المرغوباتِ، فيرتَكِبُ لذلك مذَمَّاتٍ كثيرةً، وينتَقِلُ من مَلذَّةٍ إلى مَلذَّةٍ، فلا يَقِفُ عِندَ حَدٍّ) .


زرع الخصال الحميدة في نفس الطفل:

الاهتمام بغرس الصفات الحميدة في الطفل كالصبر والعَزمُ والجِدُّ والنَّشاطُ. وتعليم الطفل قيمةِ الوقتِ، واغتِنامُ العُمرِ قَبلَ حُلولِ الأجَلِ، والحَذَرُ مِن تَضييعِه بالكَسَلِ والبَطالةِ.


تعليم الطفل مجاهدة النفس والبعد عن الكسل وقطع جميع أسبابه:

عن أنَسِ بنِ مالكٍ قال: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن العَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والهَرَمِ والبُخلِ، وأعوذُ بك مِن عَذابِ القَبرِ، ومِن فِتنةِ المَحيا والمَماتِ)).

وقال ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (الكُسالى أكثَرُ النَّاسِ همًّا وغَمًّا وحُزنًا، ليس لهم فرَحٌ ولا سُرورٌ، بخِلافِ أربابِ النَّشاطِ والجِدِّ في العَمَلِ أيَّ عَمَلٍ كان؛ فإن كان النَّشاطُ في عَمَلٍ هم عالِمونَ بحُسنِ عَواقِبِه وحَلاوةِ غايتِه كان التِذاذُهم بحُبِّه ونَشاطُهم فيه أقوى).


تدريب الطفل على تحديد الأولويات:

قد يتم اختزال الأهل مفهوم الرعاية بتقديم للطفل كل التيسيرات و أقصى الرفاهيات بشكل مبالغ به، وذلك بدافع عدم الرغبة في حرمان الطفل من أي شيء يطلبه.


بينما على العكس، فإنه من الضروري تعليم الطفل كيفية تهذيب النفس وضبطها، والتفرقة ما بين الأولويات و الرفاهيات، وتحديد مدى احتياجه للشيء والتفكير جيدًا قبل اتخاذ قرار الشراء.


العنف ونعت الطفل بصفات سلبية:

الابتعاد عن الإهانة والتوبيخ للطفل وقلة تقدير الطفل واحترامه كل ذلك يجعله يفقد الثقة بنفسه وبقدراته وينظر لذاته نظرة دونية تفقده الدافعية للنجاح.

كما أن كثرة نعت الطفل بصفات سلبية كالفاشل والخايب وعديم المسؤولية، تفقده الدافعية نحو أي مهام؛ فكيف للأسرة التي هي مصدر الأمان للطفل أن تراه بهذه الصورة! كيف لمن لا يعرفونه!

نتيجة لذلك سوف يبحث خارج المنزل عن المكانة المتدنية ولن يطمح لأي مكانة عالية.


   في النهاية، الدافعية هي المحرك الذي يُمكن الطفل من السعي نحو هدف محدد ويعمل على تحقيقه بكل السبل. وعندما تنشط داخل الإنسان تقوده وتحافظ على فاعلية سلوكه مع مرور الوقت.







المصادر:

https://www.verywellmind.com/what-is-motivation-2795378


https://messyyetlovely.com/how-develop-intrinsic-motivation-in-kids/



https://nurtureandthriveblog.com/intrinsic-motivation-in-kids/


https://www.bbc.com/worklife/article/20191203-the-things-that-do-and-dont-motivate-kids-to-succeed


https://www.parentingforbrain.com/intrinsic-motivation/

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة