فإنه لا بدّ لكل شيء عند إعطائه من مقدماتٍ تزينه؛ حتى تنشرح النّفس لقبوله، فلا بدّ عند الحديث للنّاس من السّلام، والثّناء العطر، وذكر ما يحبه النّاس قبل الدّخول فيما تحب أن يسمعوه منك
الحمد لله، والصلاة والسلام على معلِّم
الخير، وبعد:
فإنه لا بدّ لكل شيء عند إعطائه من مقدماتٍ
تزينه؛ حتى تنشرح النّفس لقبوله، فلا بدّ عند الحديث للنّاس من السّلام، والثّناء العطر،
وذكر ما يحبه النّاس قبل الدّخول فيما تحب أن يسمعوه منك، فالتّجار يتخذون وسائل الدّعاية
للتّرغيب، وتحبيب منتجاتهم، وتسهيل معرفة الغرض منها، والعرب كانوا يستخدمون ضرب الأمثال،
والحكم للإيضاح، والتقريب، واختصار الشرح، وإفهام المتكلّم.
والأحق في هذا الباب هم المعلِّمون والمدربون
والأساتذة؛ اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم، بالوسائل الممكنة؛ لإيضاح قصد الشارع،
ووصول العلم.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يكرّر الكلام
ثلاثًا؛ ليسمعه من لم يسمعه، ويعقله من لم يعقله، وكان صلى الله عليه وسلم في تعليمه
الصّلاةَ للصّحابة يصعد درجات المنبر؛ ليراه الصّحابة الكرام، ويقتدوا به، في وسيلةٍ
جمعت بين العلم، والتّطبيق، والنّظر للقدوة صلى الله عليه وسلم؛ وبهذا ذهب اللَّبس،
وحلّ محله وصول المعلومة، مع استخدام جميع الحواسّ في استقبالها، فهل يحتاج المتلقّي
لسؤالٍ بعد ذلك؟!
فحياته صلى الله عليه وسلم كلّها للتّعليم، ونقل العلم والمهارات
للصّحابة -رضي الله عنهم-.
ومَن دَرَس سيرته صلى الله عليه وسلم علم
أنه المعلِّم والمدرِّب الأول، الذي يهتم بأدقّ التّفاصيل في التّعليم والتّدريب، ونقل
المهارات.
ولنا في النقاط الآتية استنارة بهديه صلى
الله عليه وسلم في التّعليم، والتّدريب، المقترن بالوسائل التّدريبية التّعليمية:
الوسيلة التّعليمية الأولى: اهتمامه بالجوّ المصاحب للعبادة، والتّعليم
والتّدريب، فعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه - قال : كنّا مع النبي صلى الله عليه
وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: "أبرد"، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: "أبرد"؛ حتى رأينا فيئ التّلول. رواه البخاري.
يستفيد المدرّب والمعلّم من هذا التّوجيه
النّبوي الاهتمام بالمتدربين والمتعلمين، وبغرفة الصّف والتّدريب، واختيار الوقت للتدريب،
وإبعاد ما يعكّر صفو العلم.
الوسيلة التعليمية الثانية: قَرْن كلامه صلى الله عليه وسلم بالرسوم
التّوضيحية، فقد قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه –: (خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا
مربعًا، وخط خطًّا خارجًا منه، وخط خطوطًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط، من جانبه
الذي في الوسط، فقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي خارج (أي: عن الخط)
أمله، وهذه الخطوط الصغار والأعراض، هي الحوادث
والنّوائب المفاجئة، فإن أخطأ هذا، نهشه هذا، وإن أخطأه كلها، أصابه الهرم)
رواه البخاري.
استخدم
الرسول صلى الله عليه وسلم الأرض للرسم، وتوضيح الفكرة، فاحتسب هذه السُّنة -أيها المعلّم
والمدرّب- باستخدام القلم، وكل وسيلة ممكنة متطورة.
الوسيلة التعليمية الثالثة: (التدريب بالظل)، كحال القضاة قبل تولي
القضاء، والطبيب قبل ممارسة الطب، فعن جابر بن عامر قال: "أسر رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيرًا، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون،
وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء، دفع إليه عشرة من غلمان المدينة، فعلّمهم،
فإذا حذقوا، فهو فداؤه"، فطبق صلى الله عليه وسلم هنا أسلوب التّدريب
بالظل؛ بالاستعانة بأهل الخبرة، وفي هذا لفتة منه صلى الله عليه وسلم بأهمية التعليم
والتدريب المستمر، والتدريب والتعليم الجمعي، المقتصر على عدد محدد، مع قياس طاقة المدرب،
وزمن النتيجة - متى تكون المخرجات-.
الوسيلة التّعليمية الرابعة: استخدام المنبر للتّعليم والتّدريب، الذي
لا تخلو منه قاعة في هذا العصر، وهو الصورة التّطبيقية للمهارة الحية؛ فعن سهل بن سعد
-رضي الله عنه- وقد سئل: من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى
فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسم، وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عمل
ووضع، فاستقبل القبلة، كبّر، وقام الناس خلفه، فقرأ، وركع، وركع الناس خلفه، ثم رفع
رأسه، ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه،
ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه)، فهنا طبق صلى الله عليه وسلم الصّلاة عمليًّا،
والصّحابة يشاهدون ويطبقون خلفه تبعًا - التّطبيق العملي-، والوسيلة هي المنبر.
الوسيلة التعليمية الخامسة: استخدام المثال لتقريب التّصور، فعن أبي
موسى – رضي الله عنه – عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن
المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)، وشبّك بين أصابعه. رواه البخاري.
فهنا وضح النّبي صلى الله عليه وسلم زيادة
على التّوضيح الأول بالبنيان، بتطبيق يوضح أكثر للمتلقي، فشبّك بين أصابعه، أليس المستمِع
-حتى في هذا العصر- عرف أهمية تماسك المسلمين فيما بينهم بسبب اتضاح الصّورة بالمثال
القولي والتّطبيقي، بتشبيك أصابعه صلى الله عليه وسلم.
الوسيلة التعليمية السادسة: التّخطيط للدرس والتّدريب، وعدم الارتجال،
فتحضير المعلِّمِ الدّرسَ، والمدرّبِ الدورةَ، أولُ خطوة في نجاح الدرس والتدريب، وإفهام الطلاب، وكذا تحضير المادة العلمية،
والوسائل وما يحتاجه الدرس، وهذا نأخذه منه صلى الله عليه وسلم في تخطيطه الدائم لأعماله
الكثيرة، ومنها غزوة تبوك، وقصة هجرته صلى الله عليه وسلم.
فالوسائل تعددت وتنوعت في العصر الحاضر،
ويكفينا لانبعاث النّفس في جودة
التّعليم والتّدريب: النّية الصّالحة في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في اتخاذ الوسائل
التّعليمية والتّدريبية المناسبة.
الوسيلة التعليمية السابعة: ضرب الأمثال للتقريب، فعن جابر- رضي الله
عنهما– قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة، فقال:
"إنكم
سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامّون
في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا"، ثم قرأ: "وسبح بحمد ربك قبل طلوع
الشمس وقبل غروبها". رواه البخاري
هذا ما تيسر إيراده من الوسائل -رزقنا الله
الاقتداء به، وتقبل منا ومنكم-.
إضافة تعليق