تمثل الألعاب الإلكترونية، مع انتشارها وتنوعها، أكبر تحدٍّ أمام المربين؛ وذلك لسيطرتها على عقول وسلوك الأطفال والمراهقين، وتوجيهها لنمط حياتهم، أو بالأحرى تغييبها لهم عن الواقع وممارسة حياتهم بصورة طبيعية.

تمثل الألعاب الإلكترونية، مع انتشارها وتنوعها، أكبر تحدٍّ أمام المربين؛ وذلك لسيطرتها على عقول وسلوك الأطفال والمراهقين، وتوجيهها لنمط حياتهم، أو بالأحرى تغييبها لهم عن الواقع وممارسة حياتهم بصورة طبيعية.

وهذا ما يدعونا لوضع معايير اختيار لهذه الألعاب؛ حماية لأبنائنا؛ وذلك لما صاحب هذه الألعاب من مخالفات تصل أحيانًا إلى لب العقيدة والهوية.

فممارسة تلك الألعاب سلاح ذو حدين، فكما أن لها أضرارًا، فلها فوائد ومميزات، والتحدي الأكبر هو تعميق فوائدها واستغلالها بما يخدم العملية التربوية، وفي الوقت نفسه التقليل من أضرارها وتأثيراتها السلبية.


فمن أهم فوائد هذه الألعاب:

- اكتشاف مقومات شخصية الطفل ومواهبه الخاصة التي تنعكس على حياته في المستقبل.

- إثراء لغة الطفل، وتحسين أدائه اللغوي، وإغناء قاموسه اللفظي.

- استهلاك طاقة الطفل الزائدة، وإعطاؤه الفرصة للحركة أو الجري، ما يعمل على فتح شهيته، ويشجّعه على النوم السريع بعد مجهود اللعب، وبذلك ينمو نموًّا طبيعيًّا وسلسًا.

- تساهم في تنمية التعلم الذاتي، والتعلم بالاكتشاف، والمحاولة والخطأ، والتعزيز الفوري لاستجابات الأطفال، وغيرها من أمور ينبغي أن تتوفر في محتوى أيّ لعبة.

- تختصر الألعاب التعليمية الإلكترونية وقت وجهد المعلم، وتساعده على القيام بوظيفته كمساعد وموجّه ومرشد وملاحظ لتقدم الأطفال، وتعطي البرمجية التعليمية صورة دقيقة عن مستوى نمو الأطفال وقدراتهم.

- كما أنها تُعطي الطفل إحساسًا باللون والشكل، والإيقاع الصوتي الجميل، وتناسق الحركة، وملاءمة أجزاء الصورة بعضها لبعض.

- كما أنها تُعدّ الطفل للتعامل مع الظروف المفاجئة والطارئة، كما تجعل الطفل مسؤولاً عن نفسه أثناء اللعب، ولا يحتاج لمراقبة الآخرين، وهذا الأمر ينطوي على فوائد مهمة تتعلق بالنمو النفسي للطفل من النواحي الوجدانية، والاجتماعية، والنفسية، وتعويده على تحمل المسؤولية، وحسن التصرف في المواقف الصعبة.

- ومن فوائدها أيضًا: تنمية فكرة التجربة والخطأ التي يتعلم منها الصغار والكبار على حد سواء.

- ومنها كذلك: التدرب على حل المشكلات بطرق ابتكارية، فأثناء اللعب وبسبب خطأ في الحركة، أو الاختيار، يتعرض اللاعب للخسارة، وهو ما يدفعه للتفكير في طرق بديلة تجنّبه الخسارة، ويضمن عدم الوقوع في الخطأ نفسه مرتين. وهذا ينمّي الميول الابتكارية في التفكير، ويشجع على الابتعاد عن الأفكار النمطية والمستهلَكة.

- كذلك من فوائد الألعاب الإلكترونية: أنها تدرّب اللاعب على كيفية استيعاب أكبر كمّ ممكن من المعلومات، ومن ثَم اتخاذ قرار سريع مبني على المعطيات.

- كما أن الكثير من الألعاب الإلكترونية تنمّي سعة ذاكرة اللاعب؛ «إذ تكون أشبه بالتمرينات الرياضية التي تعمل على تقوية العضلات وزيادة حجمها بكثرة الممارسة»؛ ما يجعلها تحافظ على الصحة الذهنية، وتقوّي الإدراك وتؤخر الشيخوخة، وتساعد على السيطرة على القلق والمخاوف والصراعات النفسية البسيطة التي قد يعاني منها الطفل.

 

أما عن أضرار الألعاب الإلكترونية فيمكن إجمال أهمها فيما يلي:

- تصميم ألعاب تحوي آلهة (باطلة)، ثم تكريس فكرة الصراع بين الإنسان والإله، وتغلُّب الإنسان عليه.

- بث مقاطع تحث على قتل المسلمين، والجرأة على إطلاق الرصاص والقذائف على المساجد كما في بعض الألعاب، وتمزيق المصاحف، أو رمي الكتب والمخطوطات العربية والمشي عليها، وكل ذلك بتصوير دقيق ومحاكاة واضحة.

- وجود الصلبان في كثير من الألعاب، بل جُعل جمع الصليب والبحث عنه في بعضها زيادة في قوة اللاعب واستمراره في اللعبة، كذلك وجود التماثيل والأصنام كصنم بوذا وغيره، في عدد من الألعاب.

- محبة غير المسلمين، والتشبه بهم، وتعظيمهم، والتسمي بأسمائهم.

- تصوير العرب والمسلمين ورجال المقاومة بأنهم إرهابيون ومتخلفون كما في بعض الألعاب.

- قيام فكرة كثير من الألعاب على القتل بجميع أنواعه وأشكاله، وتقطيع الأجساد بشكل واضح بجميع الأسلحة؛ ما يزيد من العنف والاعتداء وحب الانتقام والمشاجرات لدى اللاعب في حياته اليومية.

- ومنها: الانفصام عن الواقع، والعزلة الشعورية والعقلية التي تسيطر على الأطفال والمراهقين أثناء اللعب، وزيادة الشقاق والانفصال والتباعد بين أفراد الأسرة، فضلاً عن الآخرين.

- كذلك ما صاحب كثيرًا من الألعاب من ظواهر ومناظر ومخالفات شرعية صريحة مثل: الدعوة إلى السرقة، والتعري، واعتياد مشاهدة البارات والمراقص، وتعاطي المخدرات ولعب القمار والسباب والشتائم والحركات الجنسية، وتعليم التهور في قيادة السيارات، والحث على التمرد على الأنظمة، وقطع الإشارات، والهروب من الشرطة، بل وإطلاق النار عليهم، والكتابة على الجدران، والتحرش بالنساء، وتدمير المحلات والزجاج، والضرب بلا سبب. كل هذا يتشكل في اللاوعي لدى اللاعب ويترسب في نفسيته بمرور الوقت.

- كذلك ما ترتب على انتشارها من تنامي روح العزلة والانطواء لدى الطفل والمراهق، ونحن نشاهد أفراد الأسرة الواحدة يمسك كل منهم بهاتفه، ولا يشعر بمن حوله.

 

كل ذلك يحثنا على تحديد معايير لاختيار الألعاب المفيدة للأطفال والمراهقين:

ويمكن تقسيم هذه المعايير إلى:

أولاً: معايير في اللعبة نفسها؛ منها:

1- أن تخلو اللعبة من أي من المخالفات التي أشرنا إليها، فلا تصادم قيمنا وأخلاقنا وعقيدتنا، حفاظًا على ديننا وهويتنا.

2- أن تخلو من أية دعوة للإضرار بالإنسان أو الحيوان، أو البيئة المحيطة بنا.

3- أن تكون اللعبة مفيدة وتضيف جديدًا لشخصية الطفل وتطورها ونموها، كالألعاب التي تعتمد على الذكاء والابتكار والإبداع ووضع الحلول، وأن يتمركز محتواها حول اهتمامات الأطفال وميولهم، وإشباع حاجاتهم ومطالبهم البيولوجية والنفسية.

4- أن تكون مصممة بطريقة شيقة، وتعتمد على الأسئلة، والأمثلة، والمحاكاة، والدعابة، وأن تستخدم المثيرات البصرية، كالصور، والأشكال، والرسوم بطريقة إبداعية، وتقدم المعاني الهادفة بشكل ملموس، وتحاكي الأحداث شكل واقعي.

5- سهولة استخدام اللعبة؛ من حيث تشغيلها من قِبل الطفل، وإمكانية دخوله وخروجه منها بسرعة وسهولة، وأن تكون الأيقونات والصور كبيرة وواضحة يختار منها الطفل بسهولة وسرعة.

ثانيًا: معايير في ممارسة اللعبة:

1-    تحديد أوقات محددة لممارسة هذه الألعاب، من حيث التوقيت، ومقدار الوقت.

2-    ألا تشغل عن العبادات كالصلاة وصلة الأرحام، وباقي الفرائض، أو تعطل عن القيام بواجبات الأوقات، مثل المذاكرة مثلاً، أو القيام بالعمل والتأثير على العلاقات الاجتماعية.

3-    تنظيم وقت الطفل والمراهق بين ممارسة اللعب، وأداء واجباته، وتناول غذائه بطريقة صحية وفي أوقاتها المحددة.

 

مسؤولية الأسرة في تطبيق هذه المعايير:

- بما أن الأسرة تشكّل خط الدفاع الأول في الحفاظ على فلذات أكبادنا، وعلى تقاليدنا المستمدة من القيم الإسلامية السمحة، فلا بد أن يكون للوالدين الدور الأساس في اختيار الألعاب الإلكترونية، وفحص محتوياتها والتحكم في عرضها، مع قيامهم قبل كل شيء بزرع القيم والمبادئ في نفوس وعقول أبنائهم؛ من خلال تربيتهم تربية واعية ومراقبة مستمرة.

- كما ينبغي للأهل أن يراعوا الموازنة بين أوقات الجد واللعب لأطفالهم، وأن يعلّموهم التوسط والاعتدال والتعود، وعلى أن لكل شيء وقتًا محددًا خاصًّا به.

-  كذلك على الأسرة أن تشارك طفلها في الألعاب كوسيلة أساسية للحد من أثر عنف الألعاب على سلوك الطفل، وأن تنمّي الأسرة لدى أبنائها حب القراءة، وخاصة القصص الهادفة التي تربط الأطفال بتاريخهم وقضايا أمتهم، ومن ثَم تشجيعهم على ممارسة هواياتهم كالرسم والخط، والأشغال اليدوية، والرياضة، وألعاب التراكيب والصور المقطعة وغيرها، وأن تخصص أوقاتًا محددة للأبناء للتسلية والترفيه، كزيارة الحدائق والمنتزهات العامة، أو زيارة الأقارب والأصدقاء.

-  وأيضًا أن يتم توجيه الطفل للمشاركة في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو الاشتراك في مركز اجتماعي أو رياضي، أو زيارة قريب أو صديق أو مريض، أو خدمة الأهل في البيت والسوق، أو أي نشاط مفيد له؛ حتى لا تضيع فترة تربيته في إتقان اللعب واللهو فقط، ويفقد مهارات حياتية كثيرة سوف يحتاجها في المستقبل.

- كذلك العمل على بناء الحصانة الذاتية في نفوس أولادنا؛ بحيث تنتج عنها طبيعة رافضة لكل ما هو ضارّ أو محرّم؛ دون تدخل منا.

- كذلك ينبغي على الأسرة أن تحدد ساعات معينة للعب؛ بحيث لا تزيد عن ساعة أو ساعتين على الأكثر متقطعتين غير متواصلتين، حتى لا تضيع أوقات الأطفال في غير فائدة؛ حيث ينبغي قضاء 75% من وقت فراغ الطفل في أنشطة حركية، وقضاء 25% فقط في أنشطة غير حركية.

-ومن ناحية أخرى نوجّه أولادنا ونرغّبهم في شراء الألعاب المربية للذوق، والمنمية للذاكرة، ونوجههم إلى الألعاب ذات الطبيعية التركيبية والتفكيرية، وإلى ألعاب الذكاء، والبناء، والمسابقات الثقافية في برامج الحاسب، والألعاب التعليمية.

- على الأم أن تخصص من وقت طفلها ووقتها ما يمكّنها من أن تقرأ له بعض القصص، وتتيح له الفرصة للتعبير عنها لغويًّا أو فنيًّا بالرسم، وأن تعوّد طفلها على تناول الكتب وتصفحها، وخاصة الكتب المصوّرة جذابة اللون، حتى تساعد طفلها لتقبل الكتب والاعتياد على استخدامها.  

إذا أردنا الخروج من مشكلة الوقت الطويل الذي يقضيه الأطفال مع الألعاب الإلكترونية، فإن ذلك لا يكون بفرض القيود على حرية الطفل في اللعب، وإنما يكون بالقضاء على الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة، والتي تتمثل في أن بيئة الطفل لا توفر له الانطلاق الكافي لممارسة أنشطته المختلفة؛ بسبب عدم وجود مكان مناسب للعب الطفل داخلها، وإذا استطاع الوالدان أن يهيئا لطفلهما في المنزل المكان المناسب الذي يجد فيه مرح الطفولة، وحرية الحركة، ومتعة اللعب، والرسم والقراءة؛ فإن الطفل قد يكون على استعداد لأن يرتبط بهذه الأنشطة، محاولاً إشباعها على حساب الوقت الطويل المخصص للعب الإلكتروني.

الخلاصة أن الألعاب الإلكترونية سلاح ذو حدين، فكما أن فيها سلبيات، فإنها لها كثيرًا من الإيجابيات؛ وإذا رُوعيت الضوابط الرقابية عند تنفيذها، وتوفر الإشراف التربوي عليها لكانت أكثر إيجابية، بحيث يستطيع الطفل أن يقضي فيها جزءًا من وقت فراغه دون خوف أو قلق عليه.

لكن الطموح الأكبر لنا كمسلمين -نختلف عن الغرب من ناحية التفكير في الأهداف- في تصميم ألعاب إسلامية مفيدة للناشئة، تحافظ على عقيدتنا وهويتنا وأخلاقنا، ومستمدة من تراثنا وأهدافنا، مثل لعبة عن استرداد المسجد الأقصى مثلاً؛ بحيث تساعد في إيقاد شعلة المقاومة في نفوس الشباب.

كما ينبغي تشجيع المبرمجين المسلمين على القيام بتصميم وكتابة برمجيات لألعاب تركز على الجوانب التعليمية والتثقيفية، مع الحفاظ على عنصري التشويق والتسلية، وقد يكون ذلك بالتعاون مع الشركات الأجنبية ذات الخبرة في هذا المجال، ويشترط في هذه الألعاب أن تخدم الثقافة العربية والإسلامية.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة