فإن رأس مال الأمم والشعوب، وثروتها الحقيقة هي شبابها ذكورًا وإناثًا، فهم الطاقة الفاعلة في أي مجتمع، وتعد شريحة المراهقين من أهم شرائح الشباب؛ لأنهم يتهيؤون عبر مرحلة المراهقة للانتقال إلى المستوى الذي يؤهلهم لأن يكونوا شبابًا قادرين على العطاء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله
وصحبه ومن والاه.. وبعد..
فإن رأس مال الأمم والشعوب، وثروتها الحقيقة، هي شبابها ذكورًا
وإناثًا؛ فهم الطاقة الفاعلة في أي مجتمع، وتعد شريحة المراهقين من أهم شرائح
الشباب؛ لأنهم يتهيؤون عبر مرحلة المراهقة للانتقال إلى المستوى الذي يؤهلهم لأن
يكونوا شبابًا قادرين على العطاء والإبداع والنجاح والنفع لمجتمعاتهم وأمتهم.
تبدأ مرحلة المراهقة عندما يقترب المراهقون من البلوغ، وحينها
تبدأ علاماته بالظهور عليهم، كما يطرأ عليهم فيها تحولات نفسية وعقلية وعاطفية؛ ويتميزون فيها بصفات وخصائص معينة، يحتاجون معها إلى
الرعاية والاهتمام، والاستماع لهم، والتعرف على ما يدور في أذهانهم، حتى يتكامل
وعيهم وإدراكهم.
فهم يشعرون في هذه المرحلة بحاجة ملحةٍ إلى اعتراف من حولهم
بأنهم أصبحوا كبارًا، يستطيعون التمييز بين الخطأ والصواب، ورعاية مصالحهم بشكل
مستقل، وأن لديهم آراءً مهمة تفوق أحيانًا ما عند الكبار، ويجب أن تكون محل تقدير
واحترام؛ ولذلك فهم يحبون من ينصت إليهم، ويقدر كلامهم، ويثني عليهم وعلى إنجازاتهم،
وينفرون ممن لا يعطيهم ذلك الاهتمام، ويرونه غير مدركٍ لحقائق الأمور، ويعرضون عنه
وعن نصائحه، وفي أحسن الأحوال قد يظهرون موافقتهم له في الظاهر فقط، أما في حقيقة
الأمر فقناعاتهم ومواقفهم مختلفة؛ لافتقادهم الشعور بالتقدير والاهتمام معه.
كما أن الاستماع إليهم يقوّي شخصيتهم ليتمكنوا من التعبير
عما في نفوسهم دون تردد أو حرج، ويساعدهم على امتلاك أدوات التفكير الصحيح، وإدراك
الصواب، وتمييزه عن الخطأ.
كما أن المراهقين يحتاجون لمن يسمعهم ويتعرف على القضايا
التي تشغلهم، ورأيهم حولها، وطرائقهم في التفكير وتكوين قناعاتهم وآرائهم.
وفي الوقت نفسه فإن المربين يتمكنون من التعرف على جوانب
القصور لديهم؛ فالمراهقون لديهم آراء مهمة في كثير من الأحيان حول المربين والآباء
والأمهات، والتي قد يغفلون عنها.
كما أن تقوية العلاقة بين المربين وبين المراهقين، وبناء
الثقة المتبادلة، تتحقق عندما يشعر المراهقون بحب المربي لهم، وأنه حريص على
الاستماع لهم ومصلحتهم، وأنه يتقبل ما يطرحونه ويتفهم آراءهم، فيعزِّز ذلك الشعور لديهم
صفة الصدق ومراقبة الله تعالى، ويغنيهم عن اللجوء للكذب.
كما أن الاستماع لهم ينمي لديهم الشعور بالطمأنينة والانضباط العاطفي، ويمنح المربين القدرة على حماية المراهقين من الانحراف، فأسئلتهم وانفعالاتهم وهمومهم، والإشكالات التي تطرأ لهم تجد حينها من يسمعها، ويحل إشكالها، ويفك عقدها، وإهمال ذلك يجعلهم عرضة للانحراف نتيجة التصورات الخاطئة التي يبنونها لأنفسهم، أو بسبب أشخاص يملؤون هذا النقص لديهم، ويستغلون بساطتهم، ويستميلونهم إلى فسادهم.
أهم ما يشغل المراهق ويؤرق حياته شعوره المتنامي بعدم استماع الآخرين إليه، ووجود فجوة كبيرة بين ما يفكر به وما يفكر به الآخرون..
كيف نستمع؟!
وبعد أن عرفنا جملةً من الآثار الإيجابية، الحاصلة من الاستماع للمراهقين، هذه مجموعةٌ من الوسائل العملية المعينة على ذلك:
1- حسن الإنصات إليهم، وإظهار الاهتمام بالقضايا التي يطرحونها، وإعطاؤهم المجال ليعبروا عنها دون مقاطعة، أو مصادرة لآرائهم.
وهو استماع يخرج عن الطابع التقليدي الذي يشعر فيه المراهقون أنهم رهن الاعتقال، أو أن ما سيقولونه محكوم عليه بالإهمال والرد والتخطئة ابتداءً، أو أن من يستمع لهم إنما يستمع إليهم مجاملة، وليس لأجل أنه يقدرهم ويريد أن يشاركهم مشاركة حقيقية في أفكارهم وآرائهم.
2- الثناء عليهم ومدحهم بما فيهم من صفات إيجابية، وزرع الثقة في نفوسهم، وإتاحة الفرصة لهم لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم أمام الآخرين.
3- احترام هواياتهم وطموحاتهم التي يريدون أن يصبحوا عليها، مادامت مباحة، والابتعاد عن فرض مجالٍ آخر عليهم، أو المبالغة في محاولة إقناعهم به.
4- مشاركتهم المعلومات، وعرضها عليهم، مع مراعاة سهولة الخطاب، ووضوح العبارة، وإشعارهم أنهم في مستوى الكبار.
5- البناء المعرفي والوجداني عند محاولة إقناعهم، أو بيان خطئهم في قضية ما، واجتناب فرض القناعات عليهم دون تبيين وجه الخطأ أو الصواب؛ لأن في هذا وأدًا لشخصيتهم، وعقولهم، وآرائهم.
6- مشاورتهم وإشراكهم، وأخذ رأيهم عند اتخاذ بعض القرارات التي لهم علاقة بها، وخاصة فيما يتعلق بالشؤون الدعوية أو الأسرية.
7- استيعابهم عندما يريدون أن يعبروا عن أنفسهم، وإظهار الاهتمام بما يشغلهم، والاستعداد لمناقشة القضايا التي يريدون الحديث عنها.
8- الفصل بين المخطئ والخطأ الصادر منه عند التنبيه على خطئه، والابتعاد عن النقد الجارح، وذلك بالتفريق بين الخطأ وبين المخطئ، وأنهما ليسا شيئًا واحدًا، وأن المتربي يستطيع التخلص من عاداته السلبية، ويستبدلها بالسلوك الحسن.
9- الرفق في التعامل مع أخطائهم، والابتعاد عن الغلظة ورفع الصوت عليهم، أو تخطئتهم مباشرةً قبل الاستماع لهم، أو تعنيفهم ونقدهم على أخطائهم أمام الآخرين.
وختامًا؛ فإن أهم ما يشغل المراهق ويؤرق حياته شعوره المتنامي بعدم استماع الآخرين إليه، ووجود فجوة كبيرة بين ما يفكر به وما يفكر به الآخرون، ولتجسير هذه الفجوة ينبغي على المربين أن يبذلوا مزيدًا من الجهد في الاستماع لمشكلات المراهقين واستيعابها والتفنن في تلطيف الأجواء الحادة التي يخلقها عنفوان المراهق، والتي تؤثر تأثيرًا سلبيًا أحيانًا في عملية الاستماع لا سيما إذا لم يتمكن المربي من ضبطها والتعامل معها بحكمة..
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق