أصبحت حياتنا تمر بوتيرة متسارعة، وروتين يومي يحرمنا من الاستمتاع بها، لذا نادراً ما نقوم بأي عمل مستخدمين انتباهنا الكامل، فأذهاننا تتجول طيلة الوقت بين التفكير في الماضي أو التخطيط للمستقبل

تلعب الأسرة دورًا أساسيًا ومهمًا في تكوين شخصية الطفل، والحفاظ على فطرته وتشكيل سلوكياته، وحمايته من الانحرافات السلوكية والأخلاقية.

كما أن للأسرة دورًا تربويًا مهمًا؛ فهي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، حيث يكتسب الإنسان معارفه و خبراته و سلوكياته من الأسرة، من خلال ما يتعرض له من مؤثرات تربوية إيجابية أو سلبية. فيولد الطفل كالإسفنجة يمتص كل ما يراه من البيئة المحيطة من أقوال وأفعال.

فتخيل أن الأسرة التي يولد الطفل بها غير داعمة وغير آمنة، ولا تهتم بغرس القيم عند الطفل، ولا تهتم بتعليمه احترام الغير وغيرها من المهارات اللازمة ليتكيف مع المجتمع و يسايره. ولأن الطفل يقضي سنواته الأولى مع والديه وأخوته، فعالمه الصغير يقتصر عليهم؛ يتعلم منهم اللغة وطريقة التعامل مع الغير ويكتسب منهم القيم، كما يساعده التفاعل مع أفراد الأسرة على اكتساب مهارات هامة في سنواته الأولى.

لذا فإن للتنشئة الاجتماعية للأسرة في حياة الطفل دورًا مؤثرًا على سلوكه وتكوين شخصيته في المستقبل.

أهمية التنشئة الاجتماعية وسمات شخصية الطفل:

التنشئة الاجتماعية تهدف إلى إكساب الفرد أنماط وسلوكيات ومعايير واتجاهات مناسبة لأداء أدوار اجتماعية تمكنه من مسايرة الآخرين وتحقق له التوافق الاجتماعي، والاستقرار والنجاح، و تمكنه من الاندماج في الحياة الاجتماعية بما يتناسب مع ثقافة المجتمع. كما تهدف التنشئة الاجتماعية إلى:

     تعلم الانضباط الذاتي للسلوك، و جعل ضمير الفرد في حالة نشاط دائم. ويحدث هذا من خلال مراقبة أفعال وأقوال الوالدين، وألا يأتي إحداهما بسلوك مخالف للقيم الدينية ومنافي للآداب الاجتماعية. 

     تحقيق الصحة النفسية للفرد، من خلال تفهم الوالدين احتياجات الطفل النفسية والعاطفية لكل مرحلة، وتعليمه المهارات اللازمة للاندماج مع المجتمع ومعرفة أدواره داخل المجتمع، ومهارات الاستقلال، والمهارات التي تواكب العصر.

ما العوامل التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه؟!

ولعل من أهم العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية للطفل هي الأسرة، وأفراد العائلة والمؤسسات مثل المدرسة ودور العبادة وغيرها.

العوامل التي تؤثر في شخصية الفرد:

العوامل الداخلية: ومنها الدين والأسرة ونوع العلاقات الأسرية.

     الدين: يؤثر بشكل كبير في تكوين شخصية الطفل، فتتشكل شخصية الطفل وفقًا لأوامر دينه. لذا يحرص ديننا الحنيف على القدوة الحسنة، وتنشئة أفراد تتبع مبادئه وتطبيقها مع الآخرين. 

     الأسرة ونوعية العلاقات داخلها: التفاعل والعلاقات بين أفراد الأسرة لها دور مؤثر في التنشئة الاجتماعية للفرد. كما أن السعادة الزوجية والتفاهم بين الزوجين يؤثر على شخصية الطفل وسلوكه.

العوامل الخارجية: ومنها المؤسسات والمدرسة والنادي والأصدقاء ودور العبادة ووسائل الإعلام.

     المؤسسات: مثل المدرسة أو الحضانة، فالمعلم والمدير والموظفون لهم دور في تكوين شخصية الطفل.

     الأصدقاء: في المدرسة و داخل النادي وبين الجيران، كل هؤلاء يؤثرون في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه.

     المسجد: دور العبادة لها تأثير كبير على شخصية الطفل وتقدم له بيئة دينية وأخلاقية ضرورية لتشكيل شخصيته.

     وسائل الإعلام: من أخطر الوسائل التي قد تؤثر على تشكيل شخصية الطفل، فقد تؤثر بالسلب نظرًا للغزو الثقافي لوسائل الإعلام على الطفل، فقد تشوه قيمًا اكتسبها الطفل وتبث العنف وعدم التعاطف مع الغير وغيرها. 

     ثقافة المجتمع: لكل مجتمع ثقافة محددة، والتي تؤثر على ثقافة الأفراد التي يعيشون بهذا المجتمع. 

أخطاء في التربية وتنشئة الطفل، وكيف تؤثر على تشكيل سلوك الطفل:

إن تنشئة الأسرة للطفل هدف سامٍ، خاصة إذا كان هدف الوالدين تنشئة أطفال على الإيمان وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه. و لذا لزم على أولياء الأمور التأني والتدقيق في اختيار أزواج وزوجات يلتزمون بتعاليم الدين، و ينتمون إلى بيئة صالحة تناسب الأجيال الناشئة.

وبينما يسعى الأهل إلى تربية أبنائهم بالفطرة يقعون في بعض الأخطاء، كالتالي:

أخطاء في التربية تؤثر على تشكيل سلوك الطفل:

التسلط:

تسلط الأبوين وفرض سيطرتهم على الأبناء؛ ما يسلبهم حريتهم في التعبير عن آرائهم، فينتج عن ذلك ضعف في شخصية الأبناء.

الحماية والتدليل المفرط:

ما يخلق طفلًا لا يتحمل المسؤولية، ومهملًا واتكاليًا يعتمد على الآخرين دائمًا.

الإهمال:

إهمال احتياجات الطفل النفسية، وعدم تشجيعه وتصحيح سلوكياته الخطأ.

العنف:

استخدام أساليب العقاب البدني واللفظي، ما يترك آثرًا سلبياً على نفسية الطفل.

عدم مشاركة الأب في التربية:

انشغال الأب عن تربية الأبناء، واقتصار دوره على توفير المال. ما يخلق فجوة بين الأبناء والآباء.

عدم دراية الأهل بالتربية:

انشغال الأهل نظرًا للتطور السريع، وعدم الاستعداد الجيد لتربية الأبناء من خلال معرفة بعض الأساليب البسيطة التي تساعد في التربية وتجنب بعض الأخطاء، ووضوح رؤيتهم في التربية.

تلبية أوامر الطفل بشكل مفرط:

 سرعة تلبية أوامر الطفل ورغباته بغض النظر عن ظروف الأسرة الحالية، ما يجعل الطفل يصبح أنانيًا لا يفكر إلا في متطلباته.

التذبذب:

التذبذب في أسلوب تربية الطفل، والتساهل في قواعد المنزل، وعدم الاستقرار على عقاب، وتحديد العقاب وفقًا للحالة النفسية للأب أو الأم. بمعنى أن الطفل قد يثاب على فعل، ويعاقب على نفس الفعل لاحقًا، ما يشعر الطفل بالتذبذب.

التفرقة بين الإخوة: من الأخطاء التي يقع بها الآباء هي التفرقة بين الأبناء، وتفضيل أحدهما على الآخر.

المقارنة بين الطفل وغيره: احذر مقارنة طفلك بغيره من أخوته، أو أقرانه؛ ظنًا منك بأنك تثير الحماس بداخله ليصبح أفضل. و لكن هذا يولد الغيرة السيئة بداخل طفلك تجاه الآخرين، ويجعله لا يحب الخير لغيره، ويتمنى زوال النعم من الآخرين.

عدم احترام مشاعر الطفل: عدم الاهتمام بتعبير الطفل عن مشاعره، وعدم إظهار الاهتمام عند تحدث الطفل عن مشاعره والتقليل من مشاعره. فيكون رد بعض الآباء والأمهات (لا تحزن على هذا الأمر، أو إنها ليست مشكلة كبيرة). وبذلك يرسل الآباء رسالة إلى الأبناء تخبرهم بأن مشاعرهم غير هامة وعليهم قمعها.

مواجهة التحديات بدلًا من الأبناء: من الأخطاء الشائعة في تربية الأبناء، هي إنقاذهم من الفشل دائمًا. بداية من مساعدتهم في حل الواجبات المنزلية بشكل كلي، وصولًا إلى اتخاذ اختيارات دائمًا لهم لحمايتهم من الفشل، مما يحرمهم من لذة تجربة الأشياء ومعرفة عيوب كل اختيار وتحمل عواقبه.

الإفراط في تناول الطعام:

يحب الأطفال تناول أنواع محددة من الطعام، ويحب الآباء إعطائها لهم. لكن تظهر الأبحاث أنه عندما تمنح أطفالك كل ما يريدونه، فإنهم يفقدون مهارات الانضباط الذاتي. وهذا ما علمنا ديننا الحنيف إياه، حيث أن الإسراف مذموم في الأكل وغيره. (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ولما في ذلك من منافع لحفظ البدن أولًا وعدم التخمة، وأيضًا تهذيبًا للنفس. ولذا علينا أن نجعل ثلثا لطعامنا، وثلثا لشرابنا، وثلثا لنفَسنا.

السعي للكمال:

بعض الآباء في الوقت الحالي يضعون أبنائهم تحت ضغط للسعي نحو الكمال، وأن يكونوا الأفضل في كل شيء. لكن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الأشياء. فقد يؤدي ذلك إلى تدني ثقة طفلك بنفسه وشعوره بالإحباط.

التأكد من أنهم يشعرون دائمًا بالراحة:

يسعى الآباء إلى توفير كل سبل الراحة لأبنائهم، فيخافون على الأبناء من عناء تجربة أي شيء جديد قد يشعر أطفالهم بعدم الراحة. على سبيل المثال، تجربة أطعمة جديدة، أو تكوين صداقات جديدة، أو ممارسة رياضة جديدة أو الانتقال من منزل إلى منزل والالتحاق بمدرسة جديدة. بينما تلك التجارب التي قد تبدو غير مريحة للطفل تصقل من مهارات الطفل وتعزز من صحته العقلية ويتعلمون من تلك التجارب أن الخطوة الأولى هي الخطوة الأكثر صعوبة.

عدم الاعتناء بنفسك:

إن التركيز على الاهتمام بأطفالنا بشكل مبالغ به، وعدم الاهتمام بأنفسنا، يعلم الطفل الأنانية و أن له الأولوية في كل شيء. ولكن عندما يعلم أن لك حقوق مثله. و يرى حفاظك على تناول طعام صحي وممارسة الرياضة وقضاء بعض الوقت لنفسك. كل ذلك يرسل لطفلك رسالة بأن نفسك لها حقوق ينبغي عدم تجاهلها. أيضًا طريقة تفريغ غضبك وتعاملك مع الضغوطات يتعلمه طفلك من خلالك. فإذا كنت متوتراً بشأن العمل، ففكر في إخبار طفلك: "لقد قضيت يومًا متعبًا جدًا في العمل، وسأستريح مع كوب من الشاي وكتاب".

عدم الاتساق بين الأب والأم:

 إن عدم الاتساق ما بين أسلوب الأب والأم في التربية قد يضر بأطفالك. خاصة إذا كنت في بعض الأحيان صارمًا للغاية، ولكنك تستسلم في أوقات أخرى لنفس السلوك أو ببساطة لا يبدو أنك تهتم بما يفعله أطفالك، فسيواجهون صعوبة بالغة في معرفة ما هو متوقع منهم وكيفية التصرف.

عدم محاولة إصلاح المشكلات:

بعض الآباء لا يلجأون إلى البحث عن حل لمشكلة ما تواجههم مع أطفالهم؛ بحجة أن هذه المشكلة لا حل لها، أو لأنهم ببساطة يتقبلونها فيتحملون شهورًا أو سنوات من المعاناة والإحباط. على سبيل المثال مشكلات معارك الواجب المدرسي والنوم، ونوبات الغضب وبعض المشكلات السلوكية الأخرى. بينما الأمر قد يتطلب بعض الجهد، إلا أن معظم المشكلات التي تواجهك كوالد للطفل يمكن حلها وتغييرها أو إصلاحها. وقد تحتاج إلى مساعدة إحدى المختصين بالسلوك والتربية أو قراءة بعض المقالات أو الكتب عن هذا الأمر.

تغيير بعض أساليب التربية التي لا تجدي نفعًا:

إن عدم التعرف على أساليب التربية التي لا تجدي نفعًا مع أبنائك أو لا تناسبهم تُعد مشكلة كبيرة.

 على سبيل المثال، قد تعتقد أن الضرب هو شكل فعال من أشكال التأديب، ولكن إذا كان عليك استخدامه كل يوم لتصحيح نفس المشكلة أو السلوك ولا يحدث نتيجة. فيجب أن يكون الأمر واضحًا لك أن هذا الأسلوب غير فعال. بغض النظر عن أن هذا الأسلوب مرفوض تمامًا في التعامل مع الطفل. ولكن ينطبق ذلك على أساليب التربية الخاطئة الأخرى أو التقليدية كالعنف اللفظي أو المعنوي. لذا تعلم أساليب أخرى لتتمكن من ضبط سلوك طفلك بطريقة إيجابية.

صفات الأسرة التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل بشكل إيجابي:

إن الحرص على بناء وتنمية الذكاء الوجداني للطفل يبدأ بإشباع حاجاته النفسية من الأمن والاستقرار وحاجاته الاجتماعية. فإن الحرمان العاطفي يؤثر على محبة الطفل للآخرين. وهذا من خلال الأحضان وتقبيل الطفل واحترامه والاستماع باهتمام لما يقوله.

و هناك بعض الصفات التي إذا توافرت في الأسرة، فإنها تساهم في تشكيل سلوكياته بشكل إيجابي، منها التالي:

الحب غير المشروط:

 لا تقل لطفلك أحبك لأن علاماتك كاملة، فهذا خطأ.. عليك أن تحب طفلك رغم عيوبه.. تحبه دون إبداء أسباب، تحبه حب غير مقترن بشروط.

الحوار:

مع انتشار التكنولوجيا، و انشغال الأهل. وحتى إن اجتمعت الأسرة يكون كل منهم مشغول بهاتفه. مما جعل الحوار بين الأسرة يقل ويكاد يختفي، فتزداد الفجوة بين الآباء للأبناء ويلجأ الأطفال لاستخدام الانترنت بكثرة فتظهر المشكلات

فن الاستماع إلى طفلك:

مع انشغال الأهل والسعي لجلب المال لتلبية احتياجات الأسرة، وبعد يوم عمل طويل متعب ومرهق. لا يجد الآباء متسع من الوقت لسماع أطفالهم، فيفضل بعض الآباء تصفح الانترنت عن الجلوس مع أبنائهم. بينما الاستماع إلى طفلك باهتمام قد يحمي طفلك مستقبلا من الوقوع في بعض المشكلات. و من الضروري الاستماع والتفاعل مع طفلك على الأحداث التي قد تبدو لك غير هامة؛ فهي بالنسبة له هامة جدا وتعني له الكثير. وعند استماعك لطفلك فأنت ترسل له رسالة تخبره بأنك تهتم بتفاصيله الصغيرة.

الانضباط الداخلي:

من المهارات اللازمة للطفل حتى لا يعاني عندما يكبر، هي الانضباط الداخلي من خلال وضع قواعد واضحة لأشياء مثل إنهاء الواجب المنزلي قبل مشاهدة الكارتون.

اجعل توقعات طفلك واقعية:

لا تجعل طفلك يعيش في عالم غير واقعي داخل ذهنه، قم ببناء القوة العقلية لطفلك من خلال التأكد من أن توقعات طفلك واقعية. وأن يتعلم أن التحديات التي سوف يواجهها ستظل تعلمه دروسًا قيّمة في الحياة و تعلمه طريقًا جديدًا للنجاح.

--------------

المصادر:

     Parents' Effect on Child Behavior.

     A therapist shares the 7 biggest parenting mistakes that destroy kids’ mental strength.

     7 Most Common Parenting Mistakes

 

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة