القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على نبيه المصطفى للعالم أجمع؛ ليكون لهم دستورًا وهاديًا ومرشدًا في أمور الدنيا والدين، وقد حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تعلم القرآن وتعليمه في قوله: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"

القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على نبيه المصطفى للعالم أجمع؛ ليكون لهم دستورًا وهاديًا ومرشدًا في أمور الدنيا والدين، وقد حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تعلم القرآن وتعليمه في قوله: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" [رواه البخاري برقم 5027].

حفظ القرآن الكريم وأثره:

إن حفظ القرآن الكريم هو نظام علمي قائم بذاته باستخدام عمليات متتالية من الترميز والتخزين، ومن ثم الحفظ في الذاكرة. ولحفظ القرآن الكريم فوائد وآثار عدة تناولتها العديد من الدراسات حول العالم، وأثبتت مدى تأثير حفظ القرآن على مختلف قدرات الطلاب خاصة والمسلمون عامة من نواح عدة؛ نتناول منها:

أولاً: تأثير حفظ القرآن الكريم على الوظائف المعرفية:

يتطلب حفظ القرآن الكريم حفظ عدد متزايد من الكلمات يومًا بعد يوم، وخلال هذه العملية يتم أولاً تخزين النصوص في الذاكرة الحسية من خلال الحواس السمعية والبصرية، ثم تنتقل هذه النصوص إلى الذاكرة قصيرة المدى، ومن ثم تنتقل للذاكرة طويلة المدى.

ومن خلال القراءة المستمرة والمنتظمة لما يتم حفظه من القرآن تصبح الاتصالات الشبكية أقوى في الدماغ، وهكذا تحدث تغيرات فعلية في خلايا ودوائر المخ. وأثبتت الدراسات العلمية أن حفظ القرآن يؤدي إلى زيادة المادة الرمادية في مناطق معينة من الدماغ، وترتبط هذه المناطق بالحواس واتخاذ القرارات والذاكرة والقراءة والنطق.

كذلك أظهرت الدراسات زيادة عالية في قدرة ومهارات الطلاب أكاديميًا بسبب تنشيط العديد من وظائف المخ في نفس الوقت من خلال حفظ النصوص؛ فإن حفظ المزيد والمزيد من الكلمات كل يوم يؤدي إلى تجهيز وتطوير الذاكرة من خلال زيادة قدراتها(1).

تأثير حفظ القرآن الكريم على التحصيل الدراسي:

توصلت العديد من الدراسات أن لحفظ القرآن الكريم أثرًا إيجابيًا على التحصيل الدراسي للطلاب في بعض المواد:

أولاً: التفسير:

أشار الدكتور عبد الله أحمد الغميطي الغامدي في دراسته (أثر الالتحاق بجماعة تحفيظ القرآن الكريم على التحصيل الدراسي في مادة التفسير لدى تلاميذ الصف الثالث المتوسط بمدينة جدة، وهي دراسة تكميلية لنيل الماجستير بكلية التربية جامعة أم القرى، مكة المكرمة)؛ أشار إلى وجود علاقة وثيقة بين زيادة قدرة الطلاب على استنتاج أحكام القرآن الكريم والاستنباط، وكذلك القدرة على استيضاح الصلة بين آيات القرآن الكريم، وذكر أيضًا أثر ذلك على قدرة الطلاب على التعبير واتساع ثقافتهم وفصاحة أسلوبهم.

ثانيًا: اللغة العربية للناطقين وغير الناطقين بها:

أثبتت دراسة الدكتور سعيد فالح المغامسي المعنونة بـ(العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها - مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – العدد (11)، ص 98-127؛ أثبتت وجود علاقة طردية بين حفظ القرآن الكريم وبين زيادة قدرة الطلاب غير الناطقين بالعربية على تعلم اللغة العربية.

و هو ما أكده حمد إبراهيم الصليفيح في دراسته (دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية)، أنه ثبت بالتجربة أسبقية قدرة طلاب مدارس تحفيظ القرآن الكريم في فك الحروف والتعامل مع الكلمات بفارق يوازي عامًا دراسيًا كاملاً عن زملائهم الملتحقين بالتعليم العام.

ثالثًا: القراءة الجهرية والصامتة:

وفي دراسته المعنونة بـ (دراسة استطلاعية للعلاقة بين مدى حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي) أثبت محمد موسى عقيلان وجود علاقة وثيقة بين حفظ القرآن الكريم وتلاوته وبين زيادة قدرة الطلاب وارتفاع مستواهم في مهارات القراءة الجهرية وكذلك الصامتة وفهم ما يقرؤون.

بينما أشارت وضحة السويدي في دراستها (العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة الجهرية والكتابة لدى عينة من تلاميذ وتلميذات الصف الرابع الابتدائي بدولة قطر)، إلى أن أثر حفظ القرآن يمتد أيضًا لكي يؤثر إيجابيًا على قدرة الطلاب على الكتابة العربية الصحيحة.

وهو ما أثبته المغامسي كذلك إحصائيًا في دراسته (دور القرآن الكريم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بالمدينة المنورة)، بوجود فروق بين متوسط درجات اختبار الكتابة والقراءة بين طلاب التعليم العام والطلاب الملتحقين بمدارس تحفيظ القرآن.

رابعًا: الإملاء:

أشارت هانم محمد ياكندري في دراستها (الفروق في مهارات القراءة والإملاء والحساب بين طالبات تحفيظ القرآن الكريم والمدارس العادية في الصف الرابع الابتدائي بمكة المكرمة)، إلى أن طالبات مدارس حفظ القرآن الكريم يصبحن أكثر قدرة وإتقانًا في قراءة القرآن، وبالتالي غيره من المواد باللغة العربية، وبالطبع هناك علاقة وطيدة بين القدرة على القراءة السليمة والكتابة والإملاء؛ لأنه في الأغلب من صحت قراءته صحت كتابته.

خامسًا: النحو:

ويمتد الأثر الإيجابي لحفظ القرآن الكريم الى قواعد النحو، وهذا ما أشار اليه د. يوسف عبد الله العريفي في دراسته (أثر حفظ القرآن الكريم في التحصيل اللغوي في مجال القواعد النحوية لدى تلاميذ الصف الثالث المتوسط - دراسة تكميلية لنيل درجة الماجستير)، بما في ذلك الطلاب الحافظون للقرآن الكريم في مدارس القرآن، والطلاب الحافظون للقرآن الكريم في حلقات المساجد.

تأثير حفظ القرآن الكريم على الذاكرة:

يشبه الدماغ البشري إلى حد كبير العضلة التي كلما زاد تدريبها أصبحت أقوى وأكثر قدرة على تذكر المزيد، ويمكن فهم ذلك من خلال مجموعة النقاط التالية:

1- أثبتت الدراسات العلمية أن حفظ كميات كبيرة من النصوص في سن مبكر يقوي ويعزز الذاكرة العاملة لدى الطفل، وكذلك قدرات التعلم ومهاراته.

2- تُعد الذاكرة العاملة جزءًا من الذاكرة قصيرة المدى، وهي المكان حيث يقوم الفرد بحفظ المعلومات فترة تكفي لإعادة استخدامها، ولهذا عادة ما يكون لحفظها حد زمني.

3- عادة ما يتم حفظ المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى بشكل سريع، بينما يخزنها العقل في الذاكرة طويلة المدى عندما يشعر أنه في حاجة لها على المدى الطويل.

4- من أهم العناصر التي يتم التركيز عليها عند إجراء اختبارات الذكاء (IQ) هي الذاكرة العاملة؛ لأنها تعطي قياسًا مؤكدًا عن مدى سرعة الفرد في التعلم.

5- إن الطريقة المتبعة لتحسين وظائف الذاكرة العاملة هي الحفظ؛ ولهذا ينصح الأطباء الأشخاص الأكثر احتمالية للإصابة بالزهايمر في مراحل عمرية متقدمة بالحرص على حل الكلمات المتقاطعة.

6- كلما احتفظت الذاكرة العاملة بمقدار أكبر من المعلومات؛ زادت قدرة الفرد على تعلم معلومات جديدة.

7- أن حفظ القرآن الكريم في مراحل الطفولة المبكرة يساعد على تدريب الأطفال على الاحتفاظ بالمعلومات بشكل أكثر فاعلية، ويمتد ذلك الأثر حتى مرحلة الشيخوخة(3).

تأثير حفظ القرآن الكريم على تنمية العقل البشري:

يحث ديننا الإسلامي الحنيف المسلم بشكل صريح ومباشر على إعمال عقله والتأمل في كتاب الله العزيز؛ فقد قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد:24]، ويذم القرآن الكريم صراحة المتكاسلين عن الفهم والتدبر والعمل بكتاب الله في قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الأنفال :22].

وقد أثبتت الدراسة التي أجراها د. يوسف بن سعد الثبيتي (أثر حفظ القرآن الكريم على تنمية قدرات التفكير الابتكاري لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي بمحافظة الطائف - دراسة تكميلية لنيل درجة الماجستير)، على متوسط درجات الطلاب الحافظين وغير الحافظين للقرآن الكريم؛ على وجود فارق مثبت إحصائيًا من حيث قدراتهم العقلية على التفكير الابتكاري (الأصالة والمرونة والطلاقة).

وبعد التفصيل العلمي الذي تم طرحه ينبغي أن نُذكر كل أب وأم بفضل الحرص على تشجيع أبنائهم، وإعانتهم على حفظ كتاب الله فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن حافظ القرآن: "يوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، ويُكسى والداهُ حُلَّتيْنِ لا يقومُ لهما أهلُ الدُّنيا، فيقولانِ: بِمَ كُسينا هذه؟! فيقالُ لهما: بأخذِ ولدِكُما القرآنَ".

فالقرآن خير مُعلم ومُربٍّ للأطفال؛ يحفظ للطفل نقاء سريرته، وطيب نفسه، وفي حفظ القرآن في سن صغيرة تعزيز للعقيدة الإسلامية في نفوس أطفالنا، وهداية وإرشاد لهم، وخير إعانة على اكتساب العلم النافع في شتى المجالات بإذن الله.

-----------

المصادر:

1-   The effect of memorizing the Quran on cognitive functions by Sri Slamet: Lecturer at the Department of Early Childhood Teacher Education, Universitas Muhammadiyah Surakarta, Indonesia.y

2-     دراسة أثر حلقات تحفيظ القرآن الكريم على التحصيل الدراسي والقيم الأخلاقية (عماد سيف عبد الرحمن العبد اللطيف).

3-     كيف يساعد حفظ القرآن على تنمية القدرات العقلية. حنين دجاني.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة