أرأيت زرعا نبت في غير بيئته وعاش حتى اكتملت دورة حياته ، أو رأيت زرعا نبتَ دون رعاية وسقاية وعاش حتى كمل نضجه وآتى ثمره ، قلما يكون ذلك ، وكذلك هي المحاضن التربوية بيئة ورعاية للمتربي
ثلاثيات
النجاح في المحاضن التربوية
أرأيت زرعا نبت في غير بيئته وعاش حتى اكتملت
دورة حياته ، أو رأيت زرعا نبتَ دون رعاية وسقاية وعاش حتى كمل نضجه وآتى ثمره ،
قلما يكون ذلك ، وكذلك هي المحاضن التربوية بيئة ورعاية للمتربي حتى يؤتي ثمره
بإذن ربه فالمحضن التربوي هو أحد أهم أماكن التربية الجماعية التي تحقق فيها أهداف
التربية المنشودة من خلال برامج وأنشطة مركزة ومخطط لها بحيث يتميز المحضن بتوفير
البيئة المناسبة وتفريغ المستهدف وتوفير الاحتياجات البشرية والمادية لتقديم
الخدمات التربوية مباشرة وفي المحاضن تسهل عملية التربية وتتوفر كثير من الجهود
والأوقات باعتبار اجتماع المربي والمتربي في مكان أو بيئة واحدة لوقت كافٍ إلى حدٍ
ما " فالمحضن هو الموقع والموضع الذي ينال فيه الفرد الحفظ والعناية،
والتربية والرعاية، والإعداد والتهيئة للقيام بمتطلبات التكوين، ومقتضيات الوجود،
ومقومات الاستخلاف"
والمحاضن التربوية تتكون من أركان رئيسة يقوم عليها أساسه ويتم به
بنيانه وهي :
1-
المربي
.
2-
المتربي
.
3-
البرامج
.
4-
الإدارة
.
وهذه الأركان
يقوم عليها نجاح العملية التربوية وكل
واحد منها يؤثر في مستوى النجاح وتحقيق الأهداف ، ولذا سنقف عند كل ركن منها ننظر
كيف يمكن أن يساهم في تفعيل ونجاح المحضن التربوي ويؤثر في تحقيق الأهداف :
أولا :ثلاثيات المربي :
إذا كان من نافلة القول أن المربي هو السبب الرئيس والعمود الفقري لنجاح العملية التربوية على أي مستوى فمن فرضية القول أن المحضن التربوي الناجح يقوم على المربي الناجح ، وحتى يتحقق دور المربي المنشود ينبغي أن يجد المتربي عنده ما يلي :
1- التمكن : تمكن المربي يعطي انطباعا يصعب تغييره
عند المتربي ، ويعتبر سببا رئيسا لاقتناع المتربي وتأثره بالمربي والاقتداء به
واحترامه ، فالمربي الذي يملأ العين والعقل والقلب يستحوذ على أفئدة المتربين ويسهّل
عليه مهمته ، ولذا كلما كان المربي متمكنا علميا وتربويا ومهاريا ؛ كانت علاقته
بالمتربين أمتن وولوجه إلى قلوبهم أسهل فجدير بالمربي أن يعدّ نفسه ويوسع مداركه
ويتقوى في معارفه ، كما ينبغي أن تقوم الجهات المختصة بتأهيل المربي وتطويره
باستمرار لتساعده على التمكن ما أمكن .
2- الحرص : حرص المربي على من يقوم بتربيتهم يظهر في
تصرفاته وحركاته وسكناته وهو دليل على شعور المربي المرهف نحو المتربي فيحرص عليهم
علميا وتربويا وأخلاقيا ونفسيا وصحيا ويكون قريبا منهم يتفقد غائبهم ويعين محتاجهم
ويؤنس خائفهم ويواسي حزينهم ويتألم لآلامهم ويفرح لفرحهم ، يحمل قضية تربيتهم في
قلبه وعقله وقيامه وقعوده ، وتكون قضيته ورسالته ، ومهمته وهمته ، فيقوم بمهمته
التربوية بدافع الحب لهم والحرص عليهم وليس كموظف يؤدي عمله ضمن ساعات دوام أو
مهام عملية محددة سلفا بل هو الأب والأخ والمستشار والطبيب النفسي والمدرس والصديق
لهم .
3- الأسلوب : لو وجد المتربي مربيا فاضلا ومتدينا
ومتمكنا علميا ويَعرف من النظريات التربوية ويُجيد استخدام وسائل التقنية ، بل
ووجده يحمل من العاطفة الجياشة نحو المتربين ويحرص عليهم بشكل كبير ؛ لكنه لا يملك
مهارات التعامل واسلوب تقديم المعلومة وممارسة التربية فإن تلك الصفات التي يملكها
تفقد حيويتها مع الأيام فطريقة التنفيذ وأسلوب التعامل ومهارات توصيل المعلومات وتنفيذ
المهام التربوية لها لأثر البالغ في تقبل المتربي للمربي وتفاعله معه واستمراره
بنفس الروح والناشط والإقبال .
فاجتماع هذه الثلاثة ( التمكن والحرص والأسلوب )
في المربي يعني تقديم نموذج عالي وتوفير عامل جذب للمتربين وسبب رئيس في نجاح
المحضن .
ثانيا :ثلاثيات الإدارة :
مهما
كان العمل تربويا خالصا إلا أنه لا بد له من إدارة تقوم عليه وتسعى إلى توجيه كل
المدخلات لتحقيق الأهداف وتوجيه المسار والمحافظة على السير العام ، والإدارة
الحقيقة لا تمثل عبأ بل عونا ولا تعني تحكما بل تحسنا في العمل وتطويرا للجميع ، وحتى
تكون إدارة المحضن عامل بناء وتطوير يتطلب منها :
1- المتابعة : تعتبر المتابعة أحد أهم عناصر الإدارة
الناجحة إذا كانت قائمة على معايير ويتم الاستفادة من نتائجها بشكل جيد ومستمر فما
من جهد ولا عمل جماعي إلا ويحتاج إلى متابعة واطلاع عن قرب ، لا أن تتحول المتابعة
إلى تتبع العورات ورصد الزلات والبحث عن الأخطاء بل عملية إدارية تبحث عن المواطن
الإيجابية فتنميها وتشجعها والمواطن السلبية فتسعى إلى إصلاحها والتخلص منها بطرق
تربوية وعلمية راقية وحتى تثمر لا بد أن تكون هادفة ومستمرة وشاملة .
2- التحفيز : مثلما أن تحفيز المتربي يرفع فاعليته
ومشاركته فكذلك المربي يحتاج إلى تحفيز ليستمر عطاؤه وتبقى حيويته ولا تخفت طاقته ،
وتحفيزها بما يناسب مقامه ومهمته .
3- التطوير : مهما كان الإنسان مبدعا وقادرا القيام
بالمهام على أفضل وجه إلا أن القدرة البشرية لها حدود ولن يكمل أحد فالمرء بحاجة
إلى تطوير مستمر وخاصة في عصر تتسارع فيه الأحداث والعلوم وتتجدد فيه النظريات
وتتطور الوسائل ولذا كانت مواكبة كل جديد والاستفادة منه من لوازم التطوير وبالذات
في المجال التربوي فالمربي والمتربي يتأثرون ولا شك بما حولهم من جديد وكذا لا
ثمرة من المتابعة إذا لم تكن سببا للتطوير والتحسين ولا يوجد من لا يحتاج إلى
تطوير ولو كان متميزا فالتجديد والتطوير عملية مستمرة لا تتوقف ، فينبغي أن تحرص
إدارة المحاضن عليها وتوليها اهتماما يناسب الأهمية ، وبقيام إدارة المحاضن
بالمتابعة الحقيقية والتربوية وتحفيزها وتطويرها للمربي والمحضن فإن ذلك يساهم
بشكل كبير وفعال في نجاح المحضن تميزه بإذن الله تعالى .
ثالثا : ثلاثيات البرامج :
البرامج التي تقدم للمتربي لا تأتي ثمارها بمجرد
سردها وتقديمها دون معايير وضوابط ولا مراعاة لما يناسب منها مما لا يناسب ، فليس
كل ما يقدم يكون نافعا ؛ وليس كل ما يعتبر نافعا يكون وقته مناسبا وليس ما كان
وقته مناسبا كان طرحه مناسبا وهكذا فحتى تؤدي برنامج غرضها وتحقق هدفها فلا ينبغي
أن تخلو من هذه الثلاث :
1- الحاجة : من أقوى الدوافع للمشاركة وتفاعل المربي
مع البرامج أن تلبي حاجته وتحقق لها رغبة في نفسه سواء علمية أو نفسية أو فكرية أو
حتى اجتماعية وبدنية ، فعند وضع البرامج وفق حاجات المستهدف بعد دراسة الحاجات ومعرفتها
، يكون لها الأثر الأقوى في نفوس المتربين واختلاف الحاجات حاصل ولا شك لكن هناك
حاجات مشتركة يتفق فيها الأغلب خاصة إذا اشتركوا في المستول العمري والعلمي وكانت
البيئة واحدة أو متقاربة .
2- الإمكانية : ما لا يمكن تنفيذه لا يصح وضعه ولا
التخطيط له فالبرامج وإن كانت تلبي الحاجة ومناسبة للزمان والمكان لكن هناك ما
يمنع تنفيذها لسبب أو لآخر فينتقل إلى غيرها ، وسواء الإمكانية المادية أو
النظامية أو الزمانية أو المكانية وعليه يراعى في البرامج أن تكون ممكنة حتى تحقق
هدفها فلا يقدم في محضن برنامج غير مناسب لوقت المتربين أو لسنهم فهو غير ممكن
بالنسبة لهم كذلك قد تكون تكاليف البرنامج أكبر من قدرة الإدارة المالية وعليه
ينبغي المرونة ووضع خيارات وبدائل في التخطيط حتى تقدم البرامج بحسب الممكن .
3- المشروعية : عندما يتعارض البرنامج مع القوانين
والتشريعات بما قد يعرض المحضن إلى المسألة القانونية فلا داعي لتنفيذه ، وإن
احتاط القائمون لأنفسهم فالحفاظ على المحضن أولى من مصلحة تنفيذ برنامج يمكن أن
يعوض عنه بآخر إلى جانب ما سيولد لدى المتربين من تساؤلات أو استفسارات أو ربما
يسبب لهم شعور نفسي حيال ما يعرفون منعه أو يشكون في مشروعيته وربما يرسخ في
أذهانهم نظرة سلبية عن المحضن والقائمين عليه ، وقبل ذلك وبعده مراعاة عدم مخالفة
البرامج والأنشطة للشرع الحنيف ، بحيث لا
يكون فيه ما يتعارض معه وخاصة في الأمور المتفق عليها أو ما فيه خلاف لكن عدم
مراعاتها يؤثر سلبا على سلوك وافكار المتربين فالأصل في المحضن أنه يربي على
الجدية والأخذ بمعالي الأمور ويحقق الاستقرار والاطمئنان النفسي
وعليه فكلما كانت البرامج ملبية للحاجة وممكن
تنفيذها ولا مخالفة فيها للشرع ولا للأنظمة كانت القناعة بها والتفاعل معها كبيرة
وثمارها يانعة بإذن الله تعالى وتحقيقها لنسبة كبيرة من الأهداف متوقعة .
وتبقى المحاضن التربوية هي الرافد الصافي والمنبع
النقي لتخريج جيل محافظ على قيمه ومبادئه قائما بواجبه واثقا بنفسه حاملا هم أمته
واعيا بما حوله فلا بد من الاهتمام بالمحاضن والعمل على توفيرها ورعايتها رسميا
وشعبيا والبذل لأجلها والصبر على قيامها .
سدد الله الجميع لما يحب ويرضى
وصلى الله على نبيه وآله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
[1] ) المحاضن التربوية - موقع
الألوكة – رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/100743/#ixzz4cVq5MBGe
إضافة تعليق