لقد كان التدريس من أهم الوسائل التربوية منذ القدم، ولا يزال يتسع نطاقه، وتتجدد مناهجه التي تَدخُل عليها بعض التحسينات والتغييرات على مر الزمن،
لقد كان التدريس من أهم الوسائل التربوية منذ القدم، ولا
يزال يتسع نطاقه، وتتجدد مناهجه التي تَدخُل عليها بعض التحسينات والتغييرات على
مر الزمن، وفي الحقيقة إننا في القرن الواحد والعشرين نشهد تطورًا ملحوظًا في
أساليب ومهارات واستراتيجيات التدريس التي تُعد جزءًا أساسيًا من التربية الحديثة
وأصبحت مطلبًا؛ والتي تجعل التعليم يتحلق حول اهتمامات المتعلم؛ ما يساهم في تكوين
عادات ومهارات وقيم وتحسين للبيئة التعليمية المحفزة ورفع دافعية المتعلمين للتعلم.
إن التدريس ينتقل من هدف تحقيق النموّ المعرفي فقط إلى
تحقيق النمو المعرفي والمهاري القيّمي، ولا شك أن التنويع في طرق التدريس يُعد محط
اهتمام المتعلمين ويلفت انتباههم ويجذبهم إلى الحصة الدراسية.
أهمية توظيف الأنشطة التعليمية:
ومن بين الطرق التي يحتاجها المعلمون داخل الصفوف
الدراسية أو في المحاضن التربوية والدعوية: توظيف الأنشطة التعليمية أو بالمصطلح العصري (التعليم باللعب)، والتي
تربط بين النشاط الفكري واليدوي للطالب؛ فالأنشطة التعليمية عبارة عن وسيلة تهدف
إلى رفع مستوى فهم المتعلم، وتساهم في زيادة دافعيته للتعلم من خلال كسر جمود
وروتين الحصة بما يخدم المادة العلمية وأهدافها؛ حيث تعد هذه الأنشطة مهمة في هذا
الزمن ولهذا الجيل؛ نظرًا للتقدم والتطور الحاصل، بالإضافة إلى توفر الموارد والإمكانيات؛ حيث
تكمن أهميتها في الإجابة على سؤال (لماذا الأنشطة مهمة؟!).
الأنشطة تساعد المتعلم على استخلاص المعلومة، وتزيد من
استيعابه لها، وتثبت المعلومة في ذهنه، وأيضًا تتولد القدرة لديه على اكتشاف أخطائه
وتصحيحها بالطريقة المناسبة، كما تساهم الأنشطة في زرع وتعزيز كثير من القيّم
والمفاهيم التربوية مثل: العمل الجماعي والقيادة والتخطيط ومهارات التواصل... وغيرها.
وعليه تقوم الأنشطة بدور ربط المادة العلمية بالحياة اليومية المحيطة بالمتعلم؛ ما
يزيد من قناعته بأهمية العلم الذي يتعلمه، كما تراعي الأنشطة أنماط التعلم
المختلفة (السمعي، البصري، الحركي) لدى المتعلمين وتراعي فروقاتهم الفردية.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد أنشطة المعلم على إيصال
المعلومة للمتعلم بطريقة سهلة ومبتكرة؛ ما يساعد على ترسيخ المعلومة، وخلق أجواء
ممتعة غير مملة داخل القاعة الدراسية؛ ما يُحبِب المادة العلمية في نفوس
المتعلمين.
لقد أثبتت الدراسات بأن الألعاب التدريبية والتعليمية تجعل المتعلم يعيش التجربة بكافة حواسه ويشارك فيها -قولًا- من خلال إبداء رأيه ومناقشة وجهات النظر الأخرى المطروحه من زملائه في المجموعة، وفعلًا من خلال المشاركة الجسدية والذهنية مع أفراد المجموعة لإيجاد الحل الصحيح والمناسب للمسألة أو المشكلة. وهذا يساهم في رفع نسبة التعليم وتذكر النشاط إلى أعلى مستويات الاستيعاب والتذكر والفهم. وقد وضح ذلك هرم (إيدجار ديلي) للتعلم والخبرة؛ حيث يحتل التعليم بمحاكاة الخبرات الحقيقية وتجربة الأعمال الحقيقية نسبة 90% من إمكانية تذكر المعلومة.
ولا يخفى علينا أن التعليم باللعب يخاطب أكثر من حاسة
لدى الإنسان، فالشرح بالطريقة التقليدية كإلقاء المحاضرة يعتمد على حاسة السمع
لاستقبال المعلومة، ويجعل المتعلم بمثابة جهاز استقبال للمعلومة، بينما تستخدم
الألعاب التعليمية السمع والبصر واللمس، وفي أحيان أخرى الشم والتذوق، وكلما تمت
مخاطبة أكثر من حاسة خلال عملية التعلم كانت المعلومة أو السلوك أكثر ثباتًا وفهمًا
لدى المتعلم.
وعلى جانب آخر فإن الألعاب والأنشطة هي أقرب أسلوب تعلُم
يحاكي الواقع، فالسلوك الصادر من المتعلم خلال اللعب ما هو إلا انعكاس الأسلوب
الأكثر احتمالًا من الفرد والمتعلم في الواقع الميداني؛ ما يساعد المعلم على تحليل
شخصيات المتعلمين وفهمها ومعرفة الطريقة المثلى للتعامل والتواصل معها.
والتعلم باللعب ينقل المتعلم من كونه متلقيًا ومستقبِل
معلومات إلى مشارك في تشكيل المعلومة واستنتاج الدروس المستفادة من النشاط، وهذا
ما يطلق عليه بـ(التعلم المتمحور حول المتعلم).
معايير اختيار الأنشطة التعليمية:
ونظرًا لتعدد وتنوع الأنشطة فقد تعددت الآراء حول
المعايير التي يمكن في ضوئها اختيار أنشطة المنهج، وعلى الرغم من تعدد الآراء إلا
أنها تتفق على أن يتم الاختيار وفق المعايير التالية:
1. أن يتم مراعاة تحقيق
أهداف المنهج في المقام الأول، ولا يتم تطبيق النشاط قبل التحقق من فهم المتعلمين
لأهداف الدرس.
2. أن تكون الأنشطة مناسبة
لمستوى نضج المتعلمين، ويكونوا قادرين على القيام به، ويساعدهم على تعلم الجديد،
ويتيح لهم الفرصة لتطبيق ما تعلموه.
3. أن يلامس النشاط اهتمام
وحاجات المتعلمين الشخصية والنفسية والاجتماعية؛ فهذا يجعل التعلم أكثر فعالية.
4. أن يتم تحقيق التنوع بين
النشاط المختار والأنشطة الأخرى، فيساهم في النمو الشامل للمتعلم والتوازن في
تنمية شخصيته.
5. أن يكون النشاط هادفًا
وتنعكس فائدته على المتعلمين.
6. أن يكون التنفيذ ممكنًا
في حدود الإمكانيات المادية وغيرها لدى المعلم ولا تشكل عليه أي عبء، وهنا يكمن
إبداع المعلم.
7. أن يكون للنشاط دور في
تحقيق التوازن بين احتياجات نمو الفرد ومتطلبات المجتمع، ومرتبطًا بواقع حياة
المتعلم؛ ما يحقق استفادة أكبر لديه.
مراحل إعداد الأنشطة التعليمية:
ولا شك أن النجاح في تقديم النشاط الصفي وتحقيق الأهداف
المرسومة له يكون بالإعداد والتحضير المسبق، فالنشاط يمُر في عدة مراحل قبل
التطبيق يمكن تقسيمها على مرحلتين رئيستين:
المرحلة الأولى: التخطيط:
يقوم المعلم فيها بإعداد خطة النشاط، ويتم تحديد
المعايير والأهداف والطرق والأساليب والاستراتيجيات المختلفة لتطبيق النشاط، بالإضافة
إلى تحديد نوع النشاط والاحتياجات المادية ومعرفة الظروف المحيطة.
المرحلة الثانية: البناء:
يتم من خلالها بناء النشاط، من خلال توفير الاحتياجات
والمواد المطلوبة، وتصميم وسائل النشاط، وكتابة شرح خطوات تطبيق النشاط ليتم شرحه
للطلاب، وأيضًا يتم تحديد الوقت المطلوب لتطبيق النشاط.
وبعد تخطيط وبناء النشاط يجب
على المعلم أن يراعي المرتكزات الأساسية وقت تطبيق النشاط داخل القاعة الدراسية حتى
يخرج بأحسن صورة، وتتحق أهدافه، بالإضافة إلى كسر جمود الحصة وتحقق المتعة،
فمرتكزات النشاط تتمثل في النقاط التالية:
1. الإعداد والتحضير الجيد: على المعلم أن يكون على استعداد
تام من خلال مرحلة التخطيط من حيث وضوح تفاصيل تطبيق النشاط، ويجب عليه توفير جميع
الاحتياجات بالكمية المطلوبة، ويتم أخذ جميع الاحتياطات اللازمة، ويراعي في النشاط
سلامة المتعلمين.
2. الإرشادات
الواضحة:
يجب على المعلم قبل بداية النشاط أن تكون إرشاداته واضحة وسهلة الفهم للمتعلمين،
والتي تتمثل في قوانين النشاط وكيفية تطبيقه، ولا يمنع أن يقوم المعلم بالتطبيق عن
طريق الإجابة على سؤال واحد كمثال حتى يستوعب المتعلمون ذلك، ويجب على المعلم أن لا
يقوم بإعطاء أية تعليمات عامة أثناء تطبيق النشاط؛ حيث إن المتعلمين منشغلون بأداء
النشاط.
3.
وضوح
الأهداف: يجب
أن تكون الأهداف المطلوبة من النشاط واضحة لدى المعلم حتى تكون واضحة للمتعلمين
ويتم تحقيقها من خلال النشاط.
4. قوة
المعلم وحماسه: حضور المعلم القوي وقت تطبيق النشاط من خلال ضبط الصف وحماسه ينعكس على
حماس المتعلمين وتفاعلهم، بالإضافة إلى قدرته على السيطرة على المتعلمين ولفت
انتباههم بعد تأدية النشاط.
5.
ضبط
الوقت:
يتم ضبط وقت للنشاط، وعلى المعلم الحرص على زيادة وقت إضافي للنشاط على الوقت
الأصلي له، مع مراعاة وضوح مؤشر التوقيت أمام نظر المتعلمين، على سبيل المثال إذا
كان النشاط يحتاج إلى 10 دقائق فيقوم المعلم بإضافة دقائق إضافية بسيطة.
6.
التحفيز: يجب العلم أن النشاط لا قيمة له
في نظر المتعلمين إذا لم يكن هناك دافع وحافز لهم لتطبيق النشاط، فيجب أن يكون
هناك نظام واضح للتقييم كجمع النقاط أو غيرها من الطرق والحوافز حتى يتم تشجيع المتعلمين
على تطبيق النشاط.
وأخيرًا.. فإن الخروج عن النمط
التقليدي وتطبيق الأنشطة في البيئة الصفية التي تكتظ بأعداد كبيرة من الطلاب
الحركيين يُعد مخاطرة، وستكون هناك صعوبات وتحديات، وقد يفشل المعلم في التجارب
الأولى، لكن يجب على المعلم ألا يستسلم من البداية، وعليه بتقييم النشاط، وأن يجد
الحلول لتفادي تلك التحديات في الأنشطة الأخرى ليحقق أكبر قدر من الفائدة والاستفادة،
وكما قيل في المَثَل الصيني: (قل لي وسوف أنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسوف
أحفظ).
إضافة تعليق