د. محمد حامد عليوة

لا شك أن متابعة الراعي للرعية وتفقد القائد لأتباعه والمربي لمريديه من الأمور اللازمة بالضرورة في الأداء التربوي والقيادي، ومن متطلبات المسؤولية ومقتضيات أداء واجب القيادة نحو الرعية والأتباع والمريدين.

ولقد ضرب الخليفة عمر بن الخطاب أروع الأمثلة في هذا الجانب الحيويفي القيادة والمسؤولية، مقتديًا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي عاش بين أصحابه متفقدًا لأحوالهم، ومتابعًا لشؤونهم، ومراعيًا لمشاعرهم، ومعالجًا لمشكلاتهم، وناصحًا أمينا لهم، وملمًا بجوانب تميزهم ونقاط ضعفهم، وموظفًا لطاقاتهم ومواهبهم وقدراتهم؛ فكان نعم القائد القدوة ونعم المربي الأسوة.

ولعل في اهتمام سيدنا عمر بن الخطاب بهذا الجانب في القيادة وهو خليفة المسلمين ما يفسر لنا قوة الدولة في عهده الذي امتد عشر سنوات، فكثرت الفتوحات وقلت المشكلات وتحسنت أحوال الرعية، وساد النظام وكان لدولة الإسلام هيبة في داخلها وخارجها.

فقد وضع من الأنظمة ما يؤكد على سياسته في المتابعة وتفقد الأحوال، فكان يتابع الولاة بنفسه، ووضع نظام شهرياً لمتابعة الأمصار فيكون هذا الشهر لمتابعة مصر وهذا لمتابعة العراق وهذا للشام وهكذا، إلى جانب المتابعة العامة لبقية الأمصار طوال العام سواء من خلال إرسال عماله للمتابعة أو استدعاء الولاة إلى المدينة لذات السبب.
وكذلك نراه قد وضع نظاماً الحسبة ونظاماً للعسس الليلي لضبط معاملات الناس وسلوكياتهم وفق منهج الإسلام والحفاظ على أمن البلاد والعباد.

ونقف هنا أمام موقفين لسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه وأرضاه) في متابعة الأعمال وتفقد الأحوال:
الموقف الأول: حين بعث الخليفة عمر بن الخطاب برسالة إلى سعد بن أبي وقاص قائد جيش المسلمين في العراق قبل أن يتوجه إلى القادسية قال له فيها:
«اكتب إليَّ بجميع أحوالكم وتفاصيلها، وكيف تنزلون، وأين يكون منكم عدوكم، واجعلني بكتبك إليَّ كأني أنظر إليكم، واجعلني من أمركم على الجلية». (البداية والنهاية لإبن كثير ج7).

الموقف الثاني: يروى عن عمر بن الخطاب (رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) أنه ذات يوم وهو خليفة قال في جمع من أصحابه:
«أرأيتم لو أن أمير المؤمنين أراد أن يولي رجلًا على أمر من أمور المسلمين، فاجتهد في ذلك رأيه ما استطاع، أيكون قد أدى ما عليه؟ قالوا: نعم، قال عمر: لا، حتى أنظر أعمل فيما أمرته به كما أمرته أم لا».

والمتأمل في هذين الموقفين تتبدى له طبيعة وشخصية القائد الفذ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، الذي يليق أن نطلق عليه (سيد المتابعين).
وهي الصفة التي يجب أن يحرص عليها كل مربٍ وقائد ومسؤول، فعلى مستوى 
(الأفراد) لا بد للقائد والمربي أن يُعايش أتباعه ومريديه ويتفقد أحوالهم، لأنه لا يمكنه أن يحسن تربيتهم دون أن يعايشهم ويتفقد أحوالهم (فالمعايشة والتفقد من لوازم التربية)، وعلى مستوى (الأعمال) لا بد من المتابعة والتقويم المستمر للعمل، لأن نجاح العمل ليس مرهونًا بالتخطيط الجيد له ولكن بمدى متابعة ما خطط من أعمال وما أنجز من مهام، فالمتابعة أساس نجاح العمل، والتفقد والمعايشة أساس نجاح التربية.
والحمد لله رب العالمين.


ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة