تُعدّ الطهارة ركنًا أساسيًّا في الإسلام، وتربية الأطفال عليها مُنذ الصغر تزرع فيهم قِيَم النظافة، وتقربهم إلى الله- سبحانه تعالى-، الذي حثّ المسلم على نظافته ونظافة كل ما حوله حتى شاع بين المسلمين جميعًا جملة “النظافة من الإيمان”.
والأطفال يتعلمون النّظافة من خلال تدريبهم على الوضوء الذي هو عادة يومية عائلية، وقراءة القصص التي تتحدث عن النظافة واستعمال المياه في تطهير الجسم وتنظيفه، واستخدام الألوان والصور الملونة والرسوم التوضيحية لشرح أجزاء الجسم التي يجب غسلها، هذا بخلاف الاستحمام وإزالة الأوساخ من الجسم.
مفهوم الطهارة في الإسلام
وتُعرَّف الطهارة في اللغة بأنها النَّزاهةُ والنَّظافةُ مِنَ الأدناسِ والأوساخِ، وفي الاصطلاح تعني: ارتفاع وزوال الحَدَث، أو الخَبَث، أو النجاسة؛ بواسطة الماء، أو التراب، وهما: الطَهوران المُبَاحان، وتُعرَّف- أيضًا- بأنّها: زوال الصفة المانعة من الصلاة، الواقعة في الجسم.
وقد وردت العديد من الأدلّة التي تُبيّن ضرورة الطّهارة، ومنها: قَوْله- عزّ وجلّ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:22]. وأثنى- جل وعلا- على أهل مسجد قباء فقال: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة:108].
والطّهارة واجبة، لقول الله- سبحانه وتعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]. وقال تعالى: ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125].
وهي شرط لصحة الصلاة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6].
وعنْ أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: “لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ” (البخاري).
بل إن التقصير في التطهر من النجاسات سبب من أسباب التعذيب في القبر، روى البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ…”.
وأخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه-، أنّ النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- قال: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ”.
كيف نعلم أبناءنا الطهارة؟
وتعليم الطفل فقه الطهارة يتطلب من الوالدين والمربين الالتزام بالآتي:
- القدوة الحسنة: فلا بُد من أن يُشاهد الأطفال والديهم أثناء الوضوء وغسل اليديْن عند حصول النجاسة وغيرها.
- التدريب العملي والممارسة التدريجية: حيث كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يُعلم الصحابة الوضوء والصلاة عن طريق التطبيق العملي أمامهم.
- التشجيع: فالتعليم يبدأ من خلال ترغيب الطفل وتشجيعه وليس ترهيبه وتخويفه بالضرب أو وغيره من الأساليب التي تنعكس سلبًا على الطفل.
- التذكير بفضل الطهارة: ومن الأساليب التي تعلم الطفل النظافة، التذكير بفضلها، بعرض الأدلة الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
- التكرار: فمن الضروري أن تكرر تعليم الطّهارة أمام الطفل، حتى تصبح عادة لديه طفلك.
- الثواب: نقدم للطفل مكافآت بسيطة عند التزامه بالطّهارة، مثل اللعب أو الحلوى.
- الربط بالدين: بأن نشرح للطفل أهمية الطّهارة في الدين، وأنها تقربنا من الله سبحانه وتعالى.
- القصص: نروي له قصصًا عن الأنبياء الذين كانوا يهتمون بالطهارة.
- التعامل مع النسيان: ويكون بالتسامح وعدم التوبيخ إذا نسي الوضوء، بل التذكير بلطف.
- الوقت المناسب: نختار الوقت المناسب لتعليم الطفل الطّهارة، عندما يكون مسترخيًا ومستعدًا للاستماع.
- الصبر والهدوء: نتعامل مع الطفل بالصبر والهدوء، وتجنب العصبية.
- اللعب والمرح: نجعل عملية التعلم ممتعة ومليئة باللعب والمرح.
- كتب الأطفال: يمكن الاستفادة من الكتب المصورة التي تشرح الطّهارة للأطفال بلغة بسيطة ومناسبة لأعمارهم.
- الفيديوهات التعليمية: ويمكن الاستفادة من فيديوهات تعليمية على الإنترنت تشرح كيفية الوضوء والغسل بطريقة ممتعة.
فوائد النظافة للطفل
وتتمثل أبرز فوائد النظافة للطفل في الآتي:
- شعور الطّفل بمحبة الله تعالى وعظمة الوقوف بين يديه.
- يُجدد فقه الطهارة من حيوية الطفل ونشاطه.
- يُدرك الطفل من أنّ عباداته لا تصحّ إلا بالطهارة؛ كالوضوء شرطًا رئيسًا لصحّة الصلاة ومسّ المصحف، وغيرها من الأمثلة.
- يُدرك الطّفل أن الطّهارة من الأدلّة على صحة الإيمان وسبب لدخول الجنّة.
- تمنع من انتقال الميكروبات والجراثيم من العين أو اليد وغيرها إلى بقية أعضاء الجسم.
- تحافظ على الأسنان وتقيهم من التسوّس والالتهابات.
- تحافظ على العلاقات الاجتماعية للطّفل.
- تمنع الإصابة بالعديد من الأمراض، ومنها: الجرب والإسهال.
- الوقاية من الآثار السلبيّة المترتبة على نفسية الطفل؛ كرائحة الجسد والبشرة الدهنيّة.
إنّ تعليم الطفل الطهارة يبدأ منذ الصغر من خلال التطبيق العملي والقدوة الحسنة، ولا بد من تعليمه الأثر الشرعي والصّحي المترتب على عدم النظافة الشخصية، وغرس الأدلة الشرعية التي تدلّ على وجوب طهارة البدن، وأن الله- سبحانه تعالى- يحبّ عبده الطّاهر والنّظيف.
مصادر ومراجع:
- ابن منظور: لسان العرب 4/506.
- القونوي: أنيس الفقهاء 1/5.
- الحطاب: مواهب الجليل 1/60.
- ابن مفلح: الفروع 1/56.
- إسلام أون لاين: مفهوم الطهارة في الإسلام.
- سعيد القحطاني: طهور المسلم في ضوء الكتاب والسنة، ص 8.
إضافة تعليق