إنّ تربية الأولاد على عقيدة التوحيد منذ الصغر استثمار في مستقبلهم الديني والدنيوي، فهي تُرسّخ في نفوسهم الإيمان القوي بالله وتحميهم من الضلال والانحراف والوقوع في الشرك بالله، وهو من أخطر الكبائر، وفي الوقت نفسه فإنّ هذه التربية تُنتج شخصياتٍ متوازنة وقوية ومستقلة، حيث يُصبح الطفل قادرًا على التفكير النقدي واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على إيمانه بالله، إضافة إلى ذلك فإنه يشعر دائمًا بالسعادة والطمأنينة، حتى في أصعب الظروف.
معالم تربية الأولاد على عقيدة التوحيد
وتتلخص معالم تربية الأولاد على عقيدة التوحيد في النقاط التالية:
- تصحيح النية: فالنية الصالحة بداية كل خير وسبب كل رشد بعد توفيق الله- سبحانه وتعالى-، وطلب الذرية الصالحة التي توحد الله تعالى مطلب يتوخاه المسلمون بالإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى كما في دعوة عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
- الاجتهاد في الدعاء: وذلك بأن يهدي الله الولد إلى صراطه المستقيم وهديه القويم، فيوحد الله ولا يشرك له شيئا، وهذا منهح النبيين، فهذا إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام- قال الله تعالى عنه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35].
- تلقين الولد مبادئ التوحيد: وذلك إذا بلغ سن التمييز، بتدريبه على نطق الشهادتين، وإفهامه معناهما بحسب مداركه العقلية وقدراته الفكرية، ويبصر بالأصول الثلاثة وهي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه- صلى الله عليه وسلم- في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب الملائم إلى عقله ونفسه، وتكرار ذلك بغير إملال، كي ينطبع ذلك في فؤاده وينغرس في قلبه الغض فيشب سليم الفطرة قويم العقيدة.
- القدوة الحسنة: الأب والأم هما القدوة الأولى للأبناء، لذلك يجب عليهما أن يكونا قدوة حسنة في تطبيق أحكام الدين والالتزام بتعاليمه وتوحيد الخالق سبحانه.
- البدء مبكرًا: يجب البدء في تربية الأبناء على عقيدة الإسلام الصحيح منذ الصغر، بأسلوب مبسط ومناسب لفهمهم.
- القصص القرآني: وقصص الأنبياء والصحابة وسيلة فعالة لترسيخ العقيدة في نفوس الأطفال، فهي تحفز خيالهم وتقربهم من الدين.
- التشجيع على القراءة: فتشجيع الأطفال على قراءة الكتب الدينية المخصصة للأطفال يساعدهم على زيادة معلوماتهم الدينية وحبهم لله جل وعلا.
- الإجابة عن أسئلتهم: يجب على الأهل الإجابة عن أسئلة الأطفال حول الدين بصراحة وشفافية، مع مراعاة مستوى فهمهم.
- الصلاة في جماعة: وتعويد الأطفال على الصلاة في جماعة مع الأهل يعزز لديهم الشعور بالانتماء إلى مجتمع المؤمنين.
- الاجتماعات الدينية: وحضور الدروس الدينية والمحاضرات يُساعد الأطفال على فَهم الدّين بشكل أعمق.
نماذج من التربية على عقيدة التوحيد
وترك لنا النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام العديد من النماذج التي توضح كيفية تربية الأبناء على عقيدة التوحيد وعبادة الله وحده، من ذلك:
- عن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- قال: علَّمني رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كلماتٍ أقولُهنَّ في قُنوتِ الوِترِ اللهمَّ اهدِني فيمَن هدَيتَ وعافِني فيمَن عافَيتَ وتولَّني فيمَن تولَّيتَ وبارِكْ لي فيما أعطَيتَ وقِني شرَّ ما قضَيتَ فإنك تَقضي ولا يُقضَى عليك إنه لا يَذِلُّ مَن والَيتَ تبارَكتَ ربَّنا وتعالَيتَ” (البخاري ومسلم).
- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ (البخاري).
- عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، قال: كانَ النَّبيُّ- صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يعوِّذُ الحسنَ، والحُسَيْنَ، يقولُ: أَعوذ بِكَلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، من كلِّ شيطانٍ وَهامَّةٍ، ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ، قالَ: وَكانَ أبونا إبراهيمُ يعوِّذُ بِها إسماعيلَ، وإسحاقَ أو قالَ: إسماعيلَ، ويعقوبَ (البخاري).
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أَخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهمَا تَمْرَةً مِن تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كِخْ كِخْ. لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قالَ: أَمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ (البخاري).
- عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: وُلِدَ لي غُلَامٌ فأتَيْتُ به النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بتَمْرَةٍ (البخاري).
- عن جابر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ؛ فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، ولو أنْ تَعْرُضُوا عليها شَيئًا، وأَطْفِئُوا مَصابِيحَكُمْ” (البخاري).
- عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه – يقول: كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ (البخاري).
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: “يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ” (الترمذي).
- عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان لا يدع يهوديا ولا نصرانيا ينصر ولده ولا يهوده في ملك العرب.
- عن كردوس التغلبي قال قدم على عمر- رضي الله عنه- رجل من تغلب فقال له عمر إنه قد كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من الإسلام فصالحه على أن أضعف عليهم الجزية ولا ينصروا الأبناء.
- عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال موضع التميمة من الإنسان والطفل شرك.
- عن جندب البجلي- رضي الله عنه- قال كنا فتيانا حزاورة (جمْعُ حَزْوَرٍ، والحَزْورُ: الغلامُ إذا اشتَدَّ وقوِيَ وخدَمَ، وقاربَ البُلوغَ) مع نبينا- صلى الله عليه وسلم- فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان.
- وهذه أم سليم الرميصاء أم أنس بن مالك- رضي الله عنهم أجمعين- أسلمت وكان أنس صغيرا، لم يفطم بعد، فجعلت تلقن أنساً قل: لا إله إلا الله، قل أشهد أن لا إله إلا الله، ففعل، فيقول لها أبوه: لا تفسدي على ابني فتقول: إني لا أفسده.
إنّ تربية الأبناء على عقيدة التوحيد مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الأسرة، وهي استثمار في مستقبل الأمة، لأنّ بتربية أجيال مؤمنة ومتمسكة بدينها، نضمن مستقبلاً زاهراً لأمتنا.
مصادر ومراجع:
- الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/305.
- عبد الرزاق: المصنف 6 /48-50.
- إسلام ويب: غرس العقيدة في نفوس الأبناء.
- طريق الإسلام: كيف تربي طفلًا سليم العقيدة؟
- بندر بن محمد الرباح: ضرورة تعليم العقيدة للناشئة.
- أحمد بن ناصر آل عبدالله: تربية النشء على التوحيد.
إضافة تعليق