رفيقة دخان

* يتأثر الأطفال بالأحداث والظروف التي تقع حولهم بل قد يقودهم عقلهم الصغير للاعتقاد بأنهم هم سبب ما يحصل وهذا عائد لما يسمعونه ويشاهدونه من الكبار حولهم. غير أن طريقة تعبيرهم عن ذلك تختلف عن الكبار؛ ما جعل كثيرين يعتقدون أن الاطفال لا يتأثرون بما يحصل حولهم من أزمات وكوارث، الأمر الذي قاد –ويقود- الى عدم تلقيهم دعما ورعاية مناسبين.
وأرى أنه من الأهمية بمكان الإشارة للظروف والآثار النفسية الصعبة على الأطفال؛ بهدف الانتباه إليها والتعامل معها مبكرا قبل أن تتفاقم وتزداد سوءاً.
وتشتد الحاجة في بلادنا وفي ظل الظروف القاسية والأحداث المهددة التي تمر بها إلى توعية الأسرة والمربين لكيفية بث الطمأنينة في نفوس هؤلاء الأطفال، وتسعى هذه المقالات الى تقديم المعلومات والطرق التي تساعد في التدخل في هذه الظروف الصعبة. ليستفيد منها أكبر قدر ممكن من الأهل والمهتمين والمربين  ليمتلكوا عددا من الوسائل التي تؤهلهم وترشدهم للتعامل الصحيح مع الأطفال خلال الظروف الصعبة وحالات الطوارئ.


* ينضج الأطفال وينمون انفعاليا من خلال التفاعلات الاجتماعية الناجحة مع الآخرين؛ وتبين أن فاعلية وتأثير أي علاقة ناجحة مع الطفل تتطلب تواصلاً يتسم بالثقة والتقبل والاحترام من الراشدين نحو الاطفال.
فإذا اردنا مساعدة الطفل في اجتياز تجربة توتر حادة، فعلينا التعامل مع آرائهم وأفكارهم على أنها مصادر تعلم وقوة، حيث إن أكثر ما يوتر الأطفال ويشغلهم هو المجهول، أي عدم وجود تصورات وتوقعات واضحة لما سيأتي بالمستقبل القريب والبعيد، كما أن تسارع الأحداث وشدتها يزيد من خوفهم وتوترهم وقلقهم.
الأطفال لم تتكون لديهم المفاهيم بعد _كالحرية والعدالة/ والابتلاء من الله / الجهاد في سبيل الله_ كما أنهم عاجزون عن الوصول لقيم سامية في حياتهم، وهذا هو الذي يفرق الأطفال عن الكبار الذين تهون عليهم مصائبهم أو يستطيعون حملها والتأقلم معها في سبيل تحقيق هذه المعاني.
لكن الله -عز وجل- ميّز الأطفال بالقدرة على التعافي بأقل الآثار النفسية. وذلك من خلال توفير بيئة مناسبة لهم تتسم بالعلاقات الدافئة التي تتميز بالقبول والتقدير والاحترام لهم. كذلك منحهم الثقة بقدراتهم ومنحهم الحرية للتعبير والانفعال في نطاق مريح يكون الكبار قدوات لهم في هذه البيئة يتقبلونهم ويقدمون لهم المعلومات بطرق مبسطة تساعدهم في فهم ما يجري.

التجارب التي يمر بها الطفل خلال نموه تحدد الطبيعة التي سيكون عليها عند البلوغ، فهو ينمو ويتطور على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والروحية ولتحقيق نمو متوازن على جميع هذه الأصعدة لابد من أن يعيش الطفل ضمن عائلة ترعاه وتقدم له جميع الحاجات الفسيولوجية اللازمة لحياته ونموه وتحيطه بالرعاية والحب وتولي أهمية لتعليمه وتدريبه شؤون الحياة.
 
لكن تعرض الطفل لصدمات يؤثر في حاجاتهم الفسيولوجية والنفسية؛ ما يؤدي لزعزعة النمو المتجانس لديه، وقد يؤثر -نتيجة ذلك وبشكل مباشر- في تطوره ونمو وظائفه العقلية والنفسية مدى الحياة.
يعاني الطفل لدى تعرضه لأي شكل من أشكل الصدمة النفسية سواء ما نتج لأسباب طبيعية، كالزلازل، أو ما كان من صنع الإنسان كالاعتداء والعنف والحروب والحوادث بجميع أشكالها ونتائجها من فقد أحد أفراد الأسرة أو التهجير والتشرد، أو فقد أحد الاطراف. كما قد تكون الصدمة مباشرة، بمعنى: تعرضه للحدث بشخصه، أو غير مباشرة، بمعنى: تعرض الطفل للصدمة نتيجة سماعه قصصاً حدثت لآخرين. ويُظهر الأطفال أنواعاً متعددة من ردود الفعل التي قد تظهر مباشرة أو بعد أيام أو شهور أو حتى سنين.
 
ويعبر الأطفال عن صعوباتهم وردود أفعالهم تجاه الضغوطات والصعوبات التي تعرضوا لها نتيجة الكوارث والحروب بطرق مباشرة بالشكوى من: الخوف، التوتر، الضيق، طرح التساؤلات بشكل مفرط. كما يعبرون بشكل غير مباشر عن طريق سلوكيات مختلفة وغير ملائمة للطفل فقد تظهر التأتأة والتلعثم، كما قد يزداد لمسهم لأعضائهم التناسلية أو فقدان السيطرة على التبول والبراز؛ حيث قد يحصل لهم إما إمساك أو عدم تحكم بالإفرازات؛ كما قد يصاب الطفل بالنكوص والتراجع إلى سلوكيات طفولية غير ملائمة لمرحلته العمرية الموجود بها، والتوقف أو الإقلال من الأكل وفقد الشهية أو الإفراط في تناول الطعام يعد من الأشكال البارزة للتعبير عن الاضطرابات، كما قد نلحظ اضطرابات في النوم من صعوبة في الدخول بالنوم أو الكوابيس والمخاوف وبالتالي الاستيقاظ المتكرر أو الإفراط بالنوم وصعوبة الاستيقاظ والشعور بالتعب والنوم لساعات طويلة أو في الاوقات الغير معتادة للنوم.
 
غالبية الآلام التي يُعبّر بها الاطفال عن توترهم ومشاكلهم الضاغطة هي آلام في البطن والرأس وأحيانا يشكون من آلام بالأطراف، وهذه الأعراض –غالباً- ناشئة عن تشنج العضلات الضاغطة.
التعلق بشخص واللصوق به، أو التعلق بلعبة أو غرض معين، أو بطانية أو حذاء أو أي شيء يعطي الطفل الشعور بالأمان، وهذه الأمور – كذلك- من صور التعبير غير المباشر عن الضغوط والصعوبات التي يشعرون بها. وهذا يوجب على المربين ملاحظة هذه السلوكيات والتنبه لها لمعرفة من هو الطفل الذي يقع في دائرة الخطر.
 
وقد ساعدت الأبحاث في معرفة من الطفل الذي يمكن وضعه في خانة الخطر انطلاقا من السلوك الذي يظهره. ومن المعروف أن ردود الأفعال الحادة تظهر لدى الاطفال الذين كانوا في مكان الكارثة. أو اختبروا تهديدا مباشرا لحياتهم أو حياة من يحبون، أو تعرضوا لإصابة جسدية خطرة، أو سمعوا صراخاً واستغاثة ولم يتمكنوا من المساعدة، أو فقدوا الدعم من الكبار أثناء الكارثة. ويجب أن نلاحظ أن الصدمات التي تكون من فعل الإنسان -كالاغتصاب والاعتداء والتعذيب- تكون أكثر ضررا من الصدمات الناتجة عن الحوادث والكوارث التي لا مفر منها.
فأثناء الصدمة وبعدها يعاني الطفل مشاعر الذعر والعجز والرعب؛ ما يؤدي الى اضطراب عاطفي حاد ومزمن. وهذا يؤدي عادة إلى ظهور اضطرابات على ثلاثة أنواع: 
اضطراب ما بعد الصدمة / القلق / اليأس / نوبات الغضب المفاجئ / محاولات الانتحار / مشاكل دراسية / مشكلات بالذاكرة / نقص في الانتباه والتركيز /مشكلات في العلاقات مع الآخرين/ أشكال النكوص.
اضطراب الضغط الحاد.
اضطراب التكيف.
وهذه الاضطرابات تحتاج لمساعدة أخصائي نفسي ليؤازر دور الأسرة والمربين. 
 المهمة الاساسية في تقديم الدعم للأطفال الذين شهدوا ظروفًا صعبة هي توفير الدعم اللازم، بحيث يشعرون بأنهم ذوو قيمة، وأصحاب قدرات إيجابية، تسمح لهم بالتفاؤل بأنّ المستقبل سيكون أفضل. فتأمين الحاجات المادية الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى وملبس. وتوفير جو عائلي يكسبهم الثقة والأمان باتصالهم ولعبهم مع الأشخاص المقربين، وإثارة خبرات جديدة، وتعليمهم من خلال التواصل واللعب مع الآخرين بأمان، وإسناد مسؤوليات داخل وخارج البيت تشعرهم بالأهمية وتكسبهم الثقة، وتتقبَّل أخطائهم، وتثني عليهم بتوازن، وتسمح لهم بالنشاط واللعب والحوار والتفاعل، كل هذا يعيد التوازن النفسي والعاطفي للطفل. 
 
ونُنبِّه على وجوب مؤازرة الكبار الذين يتعاطون معهم عن قرب؛ ليتمكنوا من استعادة التفاعل مع هؤلاء الأطفال ثانية، وأخص من بين الكبار هؤلاء: الأم إن وجدت أو الأم البديلة؛ حيث إن أسواء ما يمكن أن يحصل لهؤلاء الأطفال هو غياب أو فقد الأم، حيث إنها تشكل المصدر الأساسي لأمان وتوازن الأسرة برمتها.
- إنَّ تكوين المعرفة عن نمو الطفل وتطوره الطبيعي هي شيء لا يمكن الاستغناء عنه؛ ليفهم الراشدون طريقة تفكير وإحساس وتصرف الأطفال، ومساعدتهم خلال الأوقات العصيبة، لذلك لابد من الإحاطة بمراحل نمو وتطور الأطفال الطبيعي. ونجد اختلاف الأطفال المتضررين من الحروب والكوارث عن المتضررين من الكبار.  
- كما أن من المهم لأي فرد يريد توفير المساندة النفسية الاجتماعية للأطفال في حالات الطوارئ أن يتمتع بمعرفة واضحة عن مراحل تطور الطفل النفسي الاجتماعي. 
- ولنتذكر أن مهمة الداعمين الرئيسية في تقديم الدعم لهؤلاء الأطفال، هو إشعارهم بأنهم ذوو قيمة، وأصحاب قدرات إيجابية، تسمح لهم بالنظر للمستقبل بعين متفائلة.
في النمو النفسي الاجتماعي يمرُّ الإنسان بمراحل عدة، إذا تمَّ التعامل معها بشكل سليم، يستطيع أن يبلغ المرحلة التالية بسلاسة وأمان، أما إن لم تتوافر هذه العوامل الملائمة فسيؤثِّر ذلك سلبًا على تطور شخصية الطفل؛ فعملية التطور والنمو عملية مستمرة لا تنتهي، وأي إشكالية في أي مرحلة عمرية للطفل قد تسبب الكثير من المعاناة في المراحل التالية. 
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة