يُعدّ الاستقراء عملية الوصول إلى التعميمات من خلال دراسة عددٍ كافٍ من الحالات أو المواقف الفردية واستخراج الخاصية التي تشترك فيها هذه الحالات أو المواقف ثم صياغتها في صورة تعميم أو قاعدة عامة تنطبق على الحالات الفردية السابقة والحالات المشابهة أيضا، ومثالًا لذلك: في تعلم قواعد النحو يُمكن للمعلم أن يُعطى التلميذ عددًا من الأمثلة على قاعدة معينة، ويطلب منه التوصل إلى هذه القاعدة.
ويتميز المنهج الاستقرائي بقدرته على التّعريف بالظاهرة أو الحدث وتفاصيله وصولًا لمسببات الظاهرة الرئيسية، ويعد من أفضل مناهج البحث العلمي والأكثر تماشيًا مع الأبحاث الاجتماعية، وطريقته وأسلوبه هي التي تُساعد الباحثين على الملاحظة والتفسير والتحليل وما ينعكس عنه من مهارات أخرى، كما يضمن الخروج ببحثٍ متميز.
مفهوم الاستقراء وأهم معاييره
ويُعرف منهج الاستقراء في اللغة بأنه تتبع الجزئيات للتوصل إلى حكم كلي، وهو أسلوب من أساليب الحكم المنطقي، ويتشكل بفضل قراءة عدة حالات، ومن ثم التعميم، ويستخدم هذا الأسلوب عندما تتم دراسة حقائق جديدة أو يتم اكتشافها، لذا فإن التعميم يجري على هذا الأساس.
وفي أصول الفقه يعد المنهج الاستقرائي، هو أحد طرق الاستدلال على الأحكام الشرعيّة، وهو: استنتاج حكم كلي من تتبع جزئياته، فإن كان الاستدلال على الكلي بكل جزئياته؛ فهو استقراء تام، وهو قليل الوقوع، وإن كان الاستدلال على الكلي ببعض جزئياته؛ فهو استقراء ناقص وهو الأكثر وقوعًا.
أما في المفهوم العام فهو نوع من الاستدلال في الأحكام، وضابطه هو: الحصول على حكم كلي من تتبع جزئياته، وهو أحد الطرق المستخدمة في مناهج البحث العلمي، وفي منهج أصول الفقه يعد أحد طرق الاستدلال المفيدة للأحكام، ويستدل به في الأحكام الشرعية، التي تحتاج إلى معرفة الحكم بدليل الاستِقْراء.
وهناك معايير يجب مراعاتها عند استخدام المنهج الاستقرائي، هي:
- يجب أن تكون الملاحظة دقيقة ومسجلة، وكذلك الحال بالنسبة للبيانات المجمعة.
- أن تُغطّي الملاحظات الحالات الممثلة لمجتمع الدراسة.
- يشترط في الملاحظات أن تغطي العدد الكافي من الحالات.
- وأن تُبنى النتائج وتعمم على الحالات المدروسة.
خطوات منهج الاستقراء وأهم الأمثلة
ويعتمد منهج الاستقراء على التفكير وهو من أهم أنواع مناهج البحث العلمي، ويرتقي هذا المنهج بالعمل البحثي من الخاص إلى العام، كما أنه يعتمد في تطبيقه على ثلاث خطوات تربوية رئيسية وهي:
- الملاحظة: ويُقصد بها قيام الباحث بجمع المعلومات والبيانات، وتحليلها وتصنيفها، كي يتمكن من فهم وإدراك المنهج الاستقرائي، مع العلم بأن الملاحظة تنقسم إلى نوعان: الملاحظة المقصودة، وهي اهتمام الباحث بمعلومة معينة بغرض المساهمة في توفير البيانات الدقيقة التي تُساعد على وصف منهج البحث وصفًا دقيقًا مناسبًا. والملاحظة البسيطة، أي التي يحصل عليها الباحث بشكل مُفاجئ، ودون التخطيط لها أو التفكير فيها، فيحصل الباحث عليها خلال قراءته لموضوع جزئي مرتبط بموضوع كلي.
- الفرضيات: تُعد الفرضيات بمثابة مجموعة أفكار يتوقعها الباحث، بغرض أن تُسهم في الوصول إلى تفسير للمنهج الاستقرائي. ويكون هذا التفسير قابلًا للتطبيق أو يُرفض تطبيقه، لذا يطرح الباحث مجموعة فرضيات ويقارن بينها ليختار الأنسب من بينها للتطبيق ضمن نطاق المنهج الاستقرائي.
- التجارب: حيث يجري الباحث اختبارًا يُساعده على تحديد مدى نجاح تطبيق المنهج الاستقرائي في النطاق المخصص له، وقد ترتبط هذه التجربة بالتفاعلات الكيميائية والتطبيقات الرياضية والمعادلات الخاصة بها.
وهناك خطوات يُمكن للمعلم أن يتبعها لاستخدام المنهج الاستقرائي مع الطلاب، وهي:
- أن يُقدم عددًا مناسبًا من الحالات الفردية أو المواقف التي تشترك في خاصية أو صفة معينة.
- أن يساعد الطلاب على اكتشاف هذه الخاصية لتوجيه نظرهم إليها.
- أن يساعد الطلاب على صياغة عبارة عامة تصف هذه الخاصية، وأن توضع في صورة قاعدة أو نظرية حسب الحالة.
- أن يختبر الطلاب ما توصلوا إليه من قاعدة عامة أو نظرية على مزيد من الحالات الفردية.
- وتستخدم هذه الطريقة عندما يكون الهدف المراد الوصول إليه هو تدريب الطلاب على اكتشاف تعميمات أو قاعدة أو نظرية من دراسة عدد من الحالات الفردية.
ويمكن توضيح هذا الأسلوب من خلال ضرب المثال، فإذا حصل الطلاب على مجموعة مصطلحات مثل الصقيع والمطر والثلج وغيرها، فيمكن للطلاب تجميعها تحت فئات ومصطلحات مثل هطول الأمطار وغيرها. فنجد أن الفكرة الأساسية في التعليم أو في العملية الاستقرائية أن الطلاب يبحثون عن مجموعة أنماط حتى يستخدمونها في تحديد المعاني والدلالات بشكل أوسع.
ولكن على الجانب الآخر، ورغم أن هذه الاستراتيجية مميزة لكنها تكون فعالة عندما يريد المعلم التأكد من أن الطلاب يتحكمون في عملية التفكير، وبالإضافة- أيضًا- إلى أن يقوم المعلم بعملية تدريس لقاعدة نحوية بسيطة قابلة للتطبيق حتى يسهل على الطلاب الفهم، بالإضافة- كذلك- إلى عمل الطلاب في مجموعات والاستكشاف في الدرس.
ويُمكن تمثيل هذه الطريقة عن طريق محاولة قياس طول ضلع ومعرفة الزوايا الخاصة به على سبيل المثال، وذلك على النحو التالي:
- يعطي المعلم الطلاب بعض الأوراق المرسوم فيها مربعات.
- يطلب منهم قياس الأطوال وقياس الزوايا وتدوين النتائج في الجدول المرسوم داخل الورقة.
- تحديد الخصائص التي تكون مشتركة فيما بين الأشكال المرسومة، بما في ذلك تساوي الأضلاع وجميع الزوايا القائمة وعدد الأضلاع الأربعة.
- يساعد المعلم المتعلمين ليتمكنوا من معرفة المفهوم من خلال فكرتهم الخاصة.
- تطبيق على مفهوم مربع من خلال عرض مجموعة أشكال، بعضها يعبر عن المربع والآخر لا يعبر عن المربع، ومن ثم يطلب منهم معرفة أي منهم يكون مربع ومعرفة السبب.
- يطلب المعلم من الطلاب رسم مربع، وإعطاء أطوال الأضلاع فقط.
- يطلب المعلم التعرف إلى المربعات في الفصل والخارج.
مميزات وعيوب المنهج الاستقرائي في التعلم
ويشمل منهج الاستقراء في عملية التعلم والتدريس على عدد من المميزات، أبرزها:
- يجعل التّعليم أسهل وبطريقة ممتعة ودائمة.
- يعمل على تطوير مهارات المتعلم.
- يعمل على تطوير التّفكير والملاحظة عند المتعلم.
- طريقة لتوفير فرصة لمُشاركة الطّالب في العملية التّعليمية، وتعزيز الدّراسة الذّاتية لديه.
- يساعد المعلم على فهم الطالب بصورة أكبر.
كما يشتمل منهج الاستقراء كذلك على عدد من العيوب، منها:
- لا يمكن استخدامه لجميع المواضيع المختصة في العلوم.
- يأخذ كثيرًا من الوقت في بعض الأحيان.
- قد لا يعد طريقة تناسب الجميع، فهو ليس الطريقة الأفضل للموهوبين.
- قد يصبح التعليم ميكانيكيّا إذا جرى استخدامه بشكل متكرر.
- من الممكن أن تتغير المعطيات الخاصة بالبحث مستقبلًا.
- لا تتماثل كافة الجزئيات الخاصة بالصفات.
إن منهج الاستقراء يعد من الطرق المهمة في عملية التعلم الجيد، وهو يستخدم لإعطاء المتعلم فرصة أكبر للتفكير وفهم ما يلاحظه، ثم القدرة على تحليل المعلومات ومعالجتها، كما يتيح هذا المنهج للطلاب الفرصة للتواصل والتفاعل مع بعضهم البعض، ما يُؤدّي إلى تحسين مهاراتهم الشخصية والاجتماعية، فهو يعد طريقة تجعل من التعليم أكثر متعة وفعالية وفائدة.
المصادر والمراجع:
- هبة النجار: الفرق بين الاستقراء والاستنباط في البحث العلمي.
- موقع تربية سليمة: مفهوم الطريقة الاستقرائية مميزاتها وعيوبها.
- موقع مكتبة هنداوي: الاستقراء.
- موقع فركوس: معيار التفرقة بين الاستقراء التام والناقص.
- موقع طور نفسك: استراتيجية الاستقراء.
إضافة تعليق