إذا كانت الدراسات العلمية قد أثبتت وجود تأثيرات للحياة العصرية في تكوين أدمغة الكبار فمن باب أولى أن تكون هذه الحياة قد أثرت في النمو النفسي والعقلي للأطفال، ومن المفارقات العجيبة في موضوع الحياة العصرية على نفسيات أبنائنا استنتاج بعض الباحثين من زيارتهم لمعرض "أطفال العصر الحجري" في متحف إنسان نياندرتال في بلدة ماتمان الألمانية أن أطفال العصر الحجري كانوا أكثر سعادة من أطفال العصر الحديث، ويتمتعون بنمط حياة صحي بنظام غذائي أكثر فائدة، ووقت أفضل للعب، وحياة أكثر استقلالية مع التجول بصورة أكثر حرية واستكشاف الطبيعية واللعب بالمحار والاستمتاع بالمغامرات، ولو انطلقنا من هذا الاستنتاج للتأمل في واقع أطفالنا اليوم في المدن الاسمنتية والشوارع المزدحمة والبيئة الملوثة وعالم الوجبات السريعة وعالم الألعاب الإلكترونية والشاشات الذكية والنوافذ المفتوحة على دهاليز الإباحية والعنف، والترويج الدعائي للقيم المنحرفة والأنماط السلوكية التي تتناقض مع محددات السواء النفسي والقيم السامية والأخلاق الحميدة، لو تأملنا في كل ذلك لوجدنا أن الفارق ما يزال يتسع لحساب أطفال العصر الحجري، ولتبين لنا ضرورة استنفار طاقات البحث العلمي والطاقات التربوية والاقتصادية لدراسات التأثيرات الضارة والإيجابية في الحياة العصرية لتعزيز الإيجابيات وتجنب السلبيات. 

ينطوي كل تغيير في حياة المجتمعات على وعد وتهديد، والتغيير الإيجابي والمخطط له يهدف إلى زيادة الوعد وتعظيم الفائدة مقابل توقي التهديد وتجنب أو تقليل المخاطر قدر المستطاع، ولا شك أن الثورات الصناعية المتعاقبة والثورات الجديدة في عالم الاتصال والتواصل والإعلام، فضلاً عن أنماط التعليم والتعلم الحديث قد تركت بصماتها في واقع حياة الكبار والصغار، ويمكن أن نضيف إلى ذلك المؤثرات الثقافية التي حاول الاستعمار وعملاؤه فرضها على أنماط الحياة الاجتماعية والأسرية والثقافية والاقتصادية لفرض نمط التحديث الغربي، وما نتج عن ذلك في عالمنا الإسلامي والعربي من صراع هوياتي وصراع نفسي بين محاولة التمسك بالقيم الأصلية، وضغوط الواقع والقيم والأنماط السلوكية المدعومة بقوة الإعلام والدعاية والموضات العابرة للقارات والترويج من خلال الدراما والأفلام ومختلف أنواع الإنتاج الفني والثقافي والفكري لثقافة يتعامل معها الجيل الجديد بعقدة الدونية أمام ثقافة المستعمر، والاستسلام أمام مركزية الحضارة الوافدة، في ظل غياب مشروع استنهاض الذات واستئناف الدورة الحضارية العربية والإسلامية، ووجود أنظمة تمارس وظيفة كلاب الحراسة لنشر سلبيات الثقافة الوافدة والحيلولة دون الاستفادة من الإيجابيات، ومحاربة تيارات الوسطية والأصالة والتجديد الحضاري.  

ثمة فرصة في ظل تغول العالم الرقمي وعلى أبواب الثورة الصناعية الرابعة للتوقف ومرجعة الذات والبحث عن كيفية تجنب تأثيرات التطورات الضارة على نفسيات الأبناء والابتداء بتوصيف هذه الأضرار أولاً.

ومن هذه الأضرار التي تشير إليها بعض الدراسات عدم قدرة الأطفال على الانفراد بأنفسهم ومحاولة التفكير بالذات واستكشاف أنفسهم باعتبار ذلك من أهم متطلبات النمو النفسي والعقلي، فقد أصبح الأطفال شديدي التعلق بالأجهزة الإلكترونية، يقتنصون كل لحظة فراغ  للانهماك في الألعاب والتواصل، وربما يتعرضون لما هو أسوأ؛ كالتعرض للمواد الإباحية ومواد العنف ومواد تنطوي على قيم مبطنة وترويج لأنماط استهلاكية وسلوكية تخدم أهداف شركات صناعة المحتوى، ولكل ذلك انعكاسات سلبية على النمو النفسي للأبناء والنمو الأخلاقي والقيمي، وعلى سعادة الأبناء الحقيقية، بل وحتى صحتهم الجسدية؛ كقلة الحركة، والإصابة بالسمنة، والحرمان من استكشاف الحياة الواقعية، واللعب الحر، وتمزيق الروابط الأسرية.

وما زالت التكنولوجيا تحمل الكثير من التعقيدات؛ فقد بدأت ظاهرة التفاعلات مع الشخصيات الآلية والروبوتات، وفي ظل هذه التعقيدات تأتي أهمية التربية الأسرية على التعامل مع العالم الرقمي وتعقيدات الحياة العصرية والتفكير بكيفية ترشيد التعامل مع التكنولوجيا ومع مختلف ضغوط الحياة العصرية.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة