يفرض علينا المشهد في غزة؛ من مقاومة باسلة لمجاهدين متمرسين ومعدّين عقلياً، وفكرياً، وروحياً، وجسدياً، ومهارياً، أن نتأمل ونحلل الخبرات التربوية التي صاغتهم وأخرجتهم بهذه الصورة البهية، كما أن المشهد امتد ليشمل أهل غزة المجاهدة من آباء وأمهات وشباب وشيب وأطفال وما أظهروه للعالم من ثبات وصبر وتضحية وعطاء والتفاف حول المجاهدين. نحن أمام فئة تمت صياغتها وتربيتها تربية مختلفة، طائفة منصورة بإذن الله تمت صناعتها صناعة ربانية، على عين الله سبحانه وتعالى.

ولعل حصار غزة كان في باطنه الرحمة، وإن كان في ظاهره من قبله العذاب؛ فاكتفى الناس ببعضهم، واعتمدوا بعد الله على أنفسهم فكانوا أحراراً في مناهجهم ووسائلهم وطرائقهم التربوية بعيدين عن المخططات الدولية التي صُممت لإفساد الجيل وتعطيل إمكاناته وإهدار طاقاته. كما كثرت المحاضن التربوية المختلفة من مؤسسات ومراكز يتربى فيها الأطفال والشباب ويتلقون المعارف والعلوم الدنيوية والأخروية، وتشكلت قيم المجتمع الربانية كما أرادها الله سبحانه وتعالى، أضف إلى ذلك الإعلام النظيف والموجه نحو تشكيل إنسان مؤمن بربه ومؤمن بقدراته وإمكاناته، فتمت إعادة تشكيل الوعي السليم بقيمة الإنسان المسلم المرتبط بأمته والعزيز بدينه القوي بأخلاقه، حيث لا يقبل الدنية ولا الضيم على نفسه والآخرين.

تستوقفنا الأحدث فنرى نوعاً جديداً من الممارسات التربوية أخرجت لنا جيلاً مميزاً مختلفاً عن غيره أهّلهم ليكونوا طليعة الأمة في معركة التحرير؛ فنشأت "والِدية" من نوع جديد، والِدية لم نتعلمها في الجامعات ولا قرأناها بالكتب، والِدية "رسالية" تتجاوز حدود الأنا أو الدوائر القريبة منها إلى العالمية والأمة جمعاء، والِدية تعمل على أهداف بعيدة المدى واختيار كل ما هو متاح من وسائل وطرائق لتحقيقها. ترعى الأطفال ليكبروا وليصبحوا مجاهدين أو عاملين لهذه الأمة؛ إنها "الوالِدية المقاومة". آباء وأمهات بل وأجداد مميزون يعملون بجد لتربية جيل النصر والتحرير والتمكين إيمانًا بتحقق وعد الله للمؤمنين في الآية: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].

بين والديةٍ ووالدية..

يقصد بمفهوم الوالِدية "Parenting" الممارسات التربوية التي تستند على المهارات والفنيات والأدوات التي يمتلكها الوالدان لتربية وتوجيه الأبناء لنموٍ سليم؛ عقلياً وجسدياً واجتماعياً ونفسياً وعاطفياً، فينشأوا نشأة سليمة؛ فتتشكل لديهم شخصيات متوازنة، فيتسق الفرد مع نفسه ويتكيف مع محيطه؛ ما يحقق له العيش برضا وسعادة.

لكن أن تكون والِدية "مقاومة" يعني إضافة أبعاد جديدة وأعمق للمفهوم؛ فأصبح بفضل غزة يعني: تلك الممارسات التربوية الربانية النبوية المركزة باتجاه غاية أعظم وهدف أكبر يتجاوز حدود الأنا؛ ممارسات تربوية مبينة على الغاية الكبرى من الحياة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). والِدية تمتلك أدوات ومهارات وفنيات ووسائل تربوية مدروسة لتعزيز ثقة الجيل بنفسه، فيقوى بناؤه العقلي والنفسي والروحي والعلمي ليكون إيجابياً فعالاً متحركاً على صعيد نفسه وأمته.

والدية تبدأ بنفسها تربيةً وتأديباً وتهذيباً، والأخذ بكل أسباب النجاة وكل أسباب الفوز. تبدأ والديتها بحسن اختيار الزوج لاستكمال الإعداد للمعركة الكبرى وتحرير الأرض واستعادة المقدسات؛ فيكون ابتداءً أمناً وموئلاً وسكناً، ثم يكون معيناً على الطريق، ومن ثم شريكاً حاضراً في كل مراحل التربية والتوجيه للأبناء. والِدية تحرص على نقل أمانة الرسالة للأبناء ليكونوا رديفًا وظهيرًا وشريكًا في تحقيق الغاية الكبرى..

فإذا أنعم الله عليهم بالأبناء بدأ استلهام المنهج النبوي في التربية بالتلقين والتوجيه المباشر والدفع بهم إلى المحاضن التربوية النافعة التي تتمم الرسالة وتحقق الغاية لا يألون جهداً في ذلك.

من يمارس "الوالِدية المقاومة" في غزة؟

هذه الوالدية تتعدى حدود الوالدين داخل الأسرة لتشمل كل من له علاقة بالأبناء؛ الأسرة الصغيرة (الأب والأم والإخوة)، والأسرة الممتدة (الجد والجدة والأعمام...إلخ)، المدرسة بمناهجها المستقلة عن أي تأثير خارجي، الإعلام الموجه لكل خير وفضيلة، معلم المدرسة والمدير والشيخ في المسجد، كل أؤلئك يعملون بانسجام وتكامل لإنتاج جيل سليم العقيدة وصحيح العبادة متين الخلق مثقف الفكر قوي الجسد، كل أؤلئك يمارسون "الوالِدية المقاوِمة".

في "الوالدية المقاومة" الوالدان والمربون قدوات صالحة للأبناء في الاعتقاد الإيماني وتحوله إلى واقع عملي في الحياة وممارسته حقيقةً، هم قدوات صالحة للأبناء في العبادة والطاعة والقربى من الله سبحانه، يتسابقون للصلاة في المسجد وقيام الليل وحفظ كتاب الله، هم نماذج في بر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والإيثار والتضحية والصبر والاحتساب والشجاعة والرجولة، وهم قدوات صالحة في تقديم نفوسهم في سبيل الله، يعيشون الفكرة ويبذلون لها الغالي والرخيص، يدفعون بأبنائهم لساحات الجهاد ويعدونهم إعداداً خاصاً لذلك. والِدية تفقه حقيقة الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وأن الدنيا دار عبور للآخرة ووسيلة للنجاة.

بناء العقيدة.. بذل جهد وتركيز على الهدف:

أهم ما يميز "الوالِدية المقاوِمة" عمق البناء العقدي للأبناء منذ نعومة أظفارهم؛ فهمٌ عميقُ للدين، واتصال وثيقٌ بالله، واستحضار مستمر لغاية الوجود. يعيش الواحد منهم دنياه وقلبه متصلٌ بالله ومعلقٌ بالآخرة، يتمثل أعلى درجاته وهو الإحسان؛ "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

عقيدة تثبت في القلوب منذ الطفولة وتستمر عبر المراهقة، تسير على خطى وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يلقن الأطفال العقيدة بلغة سهلة وقريبة للفهم؛ فهذا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يقول: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: "يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

والغلام هو الصبي حين يفطم إلى تسع سنين، وسن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- حينئذ كانت نحو عشر سنين. (موسوعة الأحاديث السنية).

إيمانٌ يحمل العجوز والشاب والفتى والطفل على قول الحمد لله بعد كل مصاب وكل خطب، مستشعراً معنى الحمد لله والثناء عليه، موقناً أن الله صاحب الكون والقائم عليه والمتصرف به يفعل به كيف يشاء مدركًا لعظمته وجلاله وقيوميته سبحانه.

إيمان يجعل الطفلة الصغيرة في غزة ذات التسعة أعوام وهي في غيبوبتها لا تتكلم ولا تستجيب لشيء، فإذا قالوا لها اقرئي القرآن بدأت بتلاوة آية الكرسي إلى أن تنهيها ثم يتوفاها الله... إيمان يحمل طفلاً صغيراً ذا ثمانية أعوام أن يلقن أخاه الأصغر المصاب الشهادتين فيردد معه، إيمان يجعل الطفلة الصغيرة تذكر الله وهي تتألم، إيمان يحمل الأم والأب بل المجتمع بأسره على الصبر والاحتساب والرضا تمام الرضا على استشهاد أبنائهم أو خسارة بيوتهم وأمنهم.

إيمان وثقة بموعود الله سبحانه لهم بالنصر والتمكين يجعلهم يصبرون، جميعهم يصبرون ويثبتون لا يتزعزعون، ثقة ويقينًا بالله وحسن ظنٍ به وجميل توكلٍ عليه.

هذه الطاقة الإيمانية لم تأتِ بيوم وليلة، بل هي نتاج عمل طويل وصبر من الوالدين والمربين، هي نتاج بيئة تربوية صحية ومنهجية نبوية، هي بذل الجهد والتركيز على الهدف، وانتقاء الوسائل والطرق الموصلة لذلك.

حسن التعبّد وجمال الامتثال ميزة "الوالِدية المقاوِمة":

العلاقة بين قوة الإيمان وحسن الامتثال والعبادة علاقة متبادلة؛ كل يؤثر في منسوب الآخر. تحرص "الوالِدية المقاوِمة" على المعنى الصحيح للعبادة بمفهومها الواسع الذي يشمل الحياة بأسرها، فهي تربط كل فعاليات الحياة بالله سبحانه، ففي الوقت الذي تكون فيه الصلاة علاقة قلبية وروحية بين الفرد وربه، فكذلك مناشط الحياة كلها، يستشعر المسلم عمق الصلة بالله كما الصوم والزكاة والحج، يستحضرها بحسن الجوار وصلة الرحم والتبسم في وجه الناس وإماطة الأذى عن الطريق وكف الأذى عن الناس والعطاء والسخاء... إلخ.  

في غزة العزة نجد أن المساجد ملأى بالمصلين، صغارًا وكبارًا، شيبًا وشبابًا، في الشدة كما الرخاء. يتقربون إلى الله بحسن الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه في كل صغيرة وكبيرة.

وحيث إن القرآن دستور ومنهج حياة؛ أولت "الوالدية المقاومة" في غزة القرآن مكانة عظيمة لتكون أهلاً للاصطفاء فتكون الفئة المنصورة بإذن الله، والمجاهدة في سبيله والقاهرة لعدوه، المحررة للأرض والمقدسات.

في غزة مشاريع متعددة لحفظ القرآن، يتم تخريج آلاف الحفظة منها من مختلف الفئات، الكبار والعجائز، الصغار والشباب والذكور والإناث، الآباء، والأمهات والأجداد والجدات، المهندسون والأطباء والحرفيون، حتى المجاهدين فهو شرط التحاق بصفوفهم إضافة للمحافظة على صلاة المسجد وخصوصًا الفجر. هي حركة إعداد للمربين وتربية للجيل، يمارسون الوالدية الرسالية؛ يتعلمون ويعلمون الجيل.

القيم.. زينة القوم وسر قوتهم:

لطالما كانت الشدائد والمصائب تكشف أخلاق الرجال وتسفر عن مكوناتهم القيمية والأخلاقية والإيمانية، والمطّلع على أحوال الناس في غزة أثناء حربها مع العدو الصهيوني الذي دمر البيوت والمستشفيات والمخابز وأفسد الحرث والنسل، يشد انتباهه ويثير إعجابه تعاضد وتكافل الناس فيما بينهم؛ مجتمع يشد بعضه بعضاً ويدفئ بعضه بعضاً؛ فنجد الطبيب يعمل عمل الاختصاصي النفسي مع المصابين أثناء علاجهم، يحمل همهم ويسري عنهم، ونرى المسعف يواسي طفلة ويبقى معها حتى يضحكها. ما أن يحدث القصف حتى يهب الجميع للإنقاذ والغوث وتقديم المساعدة، تخلّوا عن حاجاتهم ونسوا مخاوفهم بل وعائلاتهم أحياناً كثيرة: (يؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة). يستحضرون الحديث: "والله لا يؤمن من بات وجاره جائع". فيقتسمون اللقمة وكسرة الخبز.

إنها قوة العلاقات المجتمعية القائمة على القيم الإيمانية والسلوكية والأخلاقية؛ الإيثار، التضحية، المبادرة، التعاون، التكافل، إغاثة الملهوف، نصرة المظلوم، إسناد الضعيف، والعطاء والبذل دون منّ؛ أخلاقيات تجذرت في البنية الشخصية والمجتمعية وأصبحت ملمحًا مهمًا من ملامح "الوالدية المقاومة" والعمل التربوي العميق، قوة تضاف لعناصر قوة هذا المجتمع على مواجهة عدو مثل العدو الصهيوني.

إنها التربية التي صنعتها "الوالدية المقاومة" والتي نشّأت الجيل على منظومة قيمية مثلى منضبطة بالقيم الربانية القرآنية ومتمثلة قيمَ التربية النبوية التي تتمثلها.

ملامح القوة النفسية في بنية الغزاوية:

- ترتكز "الوالدية المقاومة" على ثلاثية القوة النفسية: قوة الاعتقاد بالله والذات والفكرة.  قوة نفسية تصنع جيلاً قوياً قادراً على الصمود النفسي أمام الأزمات، عصيّاً على الاختراق والاحتراق النفسي، قادراً على تحمل الألم والوجع ومواجهة الضغوط، يستمر رغم القهر وعثرات الطريق فيتحامل على نفسه ليقف ويبدأ من جديد. جيل يتحدى عدوه ويبتسم رغم الألم بل ويتوعده بالهلاك والدمار.

- والدية جيل من المربين (الأسرة الصغيرة والممتدة والإعلام والمدرسة... إلخ) يتكامل عملهم مع الأبناء فنجدهم حريصين على تقديم صورة إيجابية للفرد حول إمكاناته وقدراته ومزاياه وبشكل واقعي، فيتشكل مفهوم الذات الإيجابي، تصور الفرد حول ذاته وقدراته وإمكاناته، فيتحول لشعور بالرضا حول الذات، ويتحول إلى طاقة فاعلة ومنتجة. نَفَسٌ تربوي عام في كل القطاعات والمحاضن التربوية المختلفة تعزز إحساس الفرد أنه ذو كفاءة وقدرة على الإنجاز. فنجد الأطفال في غزة لا يهابون الحديث أمام الكبار ولا أمام الكاميرات، لديهم فصاحة وبيان وقدرة على التعبير عن حاجاتهم وأفكارهم واتجاهاتهم متى احتاجوا ذلك بشكل يتفوق على أقرانهم.

- نجد في "الوالدية المقاومة" في غزة أن هناك عملاً جاداً مستمراً على تطوير الإمكانات العقلية والجسدية والاجتماعية والانفعالية لإنتاج جيل مميز قوي يثق بإمكاناته وقدراته الحقيقية التي طورها واكتسبها من خلال الممارسات الوالدية الواعية لدورها المقاوم، حيث التشجيع المستمر على كل الصعد التربوية على المعرفة واكتساب المهارات وامتلاك التخصص الدقيق، وكذلك تهيئة كل الفرص المواتية للتطور والنمو والإبداع.

- امتلاك القوة المادية وحدها لا يكفي؛ فلا بد من قوة الاعتقاد التي تورث القدرة على المواجهة، وهذا ملمح تربوي مهم في التربية النفسية، فتعلم الثقة بالله وبموعود الله للمؤمنين بالأجر والثواب وأجر الصابرين؛ يترتب عليه شعور بالرضا يفيض على القلب طمأنينة وسكينة وتعينه على الصبر والثبات.

- نجد في " الوالدية المقاومة" منهج "التربية بالتحدي" ونقص الإمكانات؛ ما يحفز كوامن الإبداع في الجيل والوصول لأقصى طاقات ممكنة له. وهذا يتساوق مع المنظور النفسي الاجتماعي الذي يرى أهمية تقديم خبرات فيها قدر من تحدي إمكانات الفرد وموجوداته، فالوضع الصعب في غزة فرض وجود هذه الفرص؛ ما يحفز ظهور أقصى طاقة ممكنة لطاقات الجيل النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية.

- نجد في "الوالدية المقاومة" في غزة التركيز على القيم التي تعزز القوة النفسية؛ مثل الصبر وتحمل المسؤولية والإيثار وتعلم تأجيل الإشباع. فالإشباع الزائد يساوي الحرمان في تعطيل قوى الفرد وشلّ حركته في الحياة. الدلال يفسد والحرمان يشوه الشخصية.

- نجد الوالدية في غزة تعزز وتشجع اللعب الحر بين الأطفال، وهو اللعب بعيداً عن التكنولوجيا، وهذا يسهم في تنمية القدرات العقلية والحركية والاجتماعية واللغوية والتواصلية والتفاعلية، والمحلل لمحتوى فيديوهات أطفال غزة والتي تسجل فيها حواراتهم واستجاباتهم العفوية سنجد أطفالاً يتمتعون بالذكاء والفطنة وامتلاك قيم الذكاء الأخلاقي (الاحترام، العطف، التعاطف، الإنصاف، التسامح، اللطف)، وكذلك الذكاء العاطفي (الوعي بالذات وتقييم المشاعر وتحسس حاجات الآخر والاستجابة لها). وسنجد أن والدية غزة متسامحة مع لعب الأطفال الذي يعزز فكرة الجهاد وجنائز الموت في سبيل الله، فلا تنهرهم ولا تثنيهم عن هذا النوع من اللعب، وهذا يؤثر في تشكيل البنية الفكرية للأطفال لأنها خبرات لا يمكن أن تنسى.

ختاماً..

بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تبين لنا أن ممارساتنا الوالدية وجهدنا التربوي بحاجة إلى تقييم وفق معايير نموذج "الوالدية المقاومة" في غزة المباركة. نموذج وفق المنهج الرباني كما أراده الله سبحانه وتعالى وسار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعداد الجيل الأول من الصحابة، وهو بذاته المنهج الذي صلح عليه حال المسلمين في كل مرة كانوا فيها ضعافاً فانتصروا بعدها على أعدائهم..

نموذج والدية يعلم الأولاد كيف يكونون رجالاً، ويعلم البنات كيف يكنّ أمهات رجال وشقائق رجال، والدية رسالية ترتبط بالله وبمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة