التربية مسؤولية عظيمة وأمانة كبيرة تتطلب وعيًا وفهمًا ومتابعة من قبل المربين لكل جديد؛ فالتغيرات والتحولات في بنية الجيل المعرفية والقيمية والسلوكية سريعة وعميقة وخطيرة
التربية
مسؤولية عظيمة وأمانة كبيرة تتطلب وعيًا وفهمًا ومتابعة من قبل المربين لكل جديد؛
فالتغيرات والتحولات في بنية الجيل المعرفية والقيمية والسلوكية سريعة وعميقة
وخطيرة، فقد أصبح الجيل في مرمى نيران أعداء القيم والأخلاق والفضيلة في زمن أصبح
العالم فيه قرية صغيرة بفعل تقنية تبادل المعلومات (الإنترنت)، وأصبحت المواد
الإعلامية الموجهة للجيل بما تحمل من فكر ضال أو سلوك منحرف يدعو للإباحية تضخ
بكمٍ هائل وبشكل جاذب وبالمجان.
الإباحية.. أزمة صحية
عامة:
خطورة
الإباحية ليست في الناحية الأخلاقية والدينية فحسب؛ بل الأمر يتعدى ذلك بكثير،
ولنعلم أن الغرب -وهو منتج الإباحية وممولها ومالك اقتصادها- قد تنبه لهذا الأمر ودق
ناقوس الخطر على اعتبار أن الإباحية أصبحت خطرًا يهدد الإنسان والمجتمعات، فقامت الدراسات
والأبحاث العلمية حول خطورتها على الدماغ الإنساني، وعلى التكوين النفسي للفرد،
وعلى العلاقات الاجتماعية والأسرية، بل وعلى الحياة.
وانطلقت
مبادرات من العديد من المؤسسات العلمية ومؤسسات المجتمع المدني لمواجهة هذا الخطر
الدائم، بل وسنت قوانين للسيطرة عليها والتنديد بها، كان آخرها في 6 مايو 2019؛
حيث صوت الجمهوريون في مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا على التنديد بالمواد الإباحية
باعتبارها "أزمة صحية عامة"، كما أُعلِنت ولاية "مونتانا" الأمريكية
الولاية الثالثة عشرة التي تعتبر الإباحية "مشكلة صحية عامة".
وأشارت
وكالة رويترز في 26/4/2019 أنه وبسبب القوانين الخاصة بمحاربة الاتجار بالجنس التي
أقرها الكونجرس قبل عام فقد أعلن موقع إلكتروني جنسي شهير هذا الأسبوع إغلاق خدماته
في الولايات المتحدة الأمريكية. وأعلنت بريطانيا أنه في أيلول من عام 2019 لن يكون
بإمكان من هم دون ثمانية عشر عامًا الدخول للمواقع الإباحية، وأن الدخول سيكون من
خلال الرقم الوطني.
أما في
عالمنا العربي فالواقع أننا بعيدون عن الإحساس بهذه المشكلة، مع أن أرقام استهلاك
المواد الإباحية في عالمنا العربية مذهلة على صعيد الذكور والإناث.
وبعد
البحث سنجد أن كثيرًا من المشكلات النفسية والزواجية والأسرية والاجتماعية
والمهنية، وحتى السلوكيات الإجرامية ستفسرها لنا الإباحية.
الكوكايين البصري...
المخدر الجديد:
المفاجأة
في بحوث إدمان الإباحية أن المحتوى الإباحي تأثيره على الدماغ الإنساني كتأثير
المخدرات بل أخطر؛ فمن خلال دراسة قامت بها الباحثة آن مور في جامعة كامبردج قامت
بمقارنة أدمغة المدمنين على مشاهدة الإباحية ومدمني المخدرات من خلال تقنية FMRI الرنين المغناطيسي الوظيفي، وجدت أن الدماغين
يخضعان لتغيرات كيميائية عميقة، سواء كان أثناء
المشاهدة للإباحية أو تناول المخدر، مقارنة بأدمغة غير المدمنين.
تتضاعف خطورة الإدمان على مشاهدة الإباحية كلما تعرض الفرد لها في سن مبكر بسبب مرونة الدماغ عند الطفل والمراهق، هذه المرونة تجعل الإدمان أسهل؛ حيث يكون الدماغ قابلاً لتشكيل عادات سلوكية وأفعال قهرية إدمانية مرتبطة بمشاهدة الإباحية. إن مشاهدة مقطع في الطفولة أو المراهقة كفيل بإحداث عاصفة من "الدوبامين" في الدماغ، والدوبامين هو الناقل العصبي الذي يبقينا على الحياة، فهو الذي يمنحنا الدافع للقيام بشيء، وبالتالي الشعور بالمتعة مثل الطعام والشراب والدفء والجنس وغيرها، كما أنه يخزن الذكريات المتعلقة بخبرة الإشباع؛ ما يعزز أداءه ويطلب المزيد من المثيرات التي تدفعه للإشباع.
يخبرنا مدمنو المخدرات
ومدمنو الإباحية أن التجربة الأولى -التي تحفر في الذاكرة- تدفعه لتجارب كثيرة لاستجلاب
إحساس اللذة والنشوة الأولى التي حدثت معه بعد تلك العاصفة الدوبامينية الأولى،
فيحرص على المشاهدة مرات ومرات، بل ويصل به الأمر البحث عن مستويات أعلى من اللذة
والمتعة، فلم تعد المشاهدات العادية كافية لاستجلاب الدوبامين بمستويات كافية
لحدوث اللذة التي يطمح لها، تمامًا كما المخدرات؛ حيث يبحث مدمن المخدرات عن مخدر
أقوى؛ فبعد الحبوب تأتي البودرة ثم الحقن... وهذا ما يسمى بالتصعيد.
مخدّر في كل مكان:
تعد الإباحية
جاذبة للأطفال والمراهقين لأسباب ثلاثة:
1. الوصول إليها متاح وسهل،
وتصل للمستخدمين من خلال الاعلانات.
2. غير مكلفة؛ ففي إحصائية عام (2010) يوجد 42.330 موقعًا إباحيًا، 90% منها مواقع مجانية.
3. وأخيرًا المجهولية؛ أي تُشاهد سرًا، ولا يمكن لأحد أن يدري عنه شيئًا.
إن
إعطاء الطفل أو المراهق جهازًا نقالاً دون حسيب أو رقيب، كمن يعطي ابنه أكياسًا من
الهيروين ولا يأبه للعواقب. هواتف نقالة وأجهزة حاسب في كل زاوية في البيت يعني
مخدرات في كل مكان.
خطورة
الإباحية:
كما
أسلفنا: لقد تم إعلان الإباحية أزمة صحية عامة في العديد من الولايات الأمريكية؛ لآثارها
الخطيرة على الفرد والمجتمع؛ نجمل آثارها بالآتي:
1. الإدمان: إن أثر مشاهدة
واحدة للأطفال والمراهقين كفيلة بحثّهم على البحث مرة أخرى لمشاهدة جديدة؛ لتحقيق
ذاك الشعور بالمتعة التي حدثت نتيجة عاصفة الدوبامين الأولى في الدماغ، والتي جلبت
لهم المتعة من خلال المورفين الذي يفرزه الدماغ بعد المشاهدة.
2. ضعف الذاكرة وقلة
التركيز وضعف القدرة على اتخاذ قرارات صائبة وحل المشكلات وفقدان البصيرة؛ وذلك
لأن القشرة الدماغية الأمامية المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرارات وحل المشكلات
تتضرر بفعل سيطرة الدماغ العاطفي في مركز الدماغ، والذي يقوى بفعل عاصفة الدوبامين
التي يتلقاها الدماغ أثناء المشاهدة؛ لذا تضعف البصيرة والاستبصار والقدرة على
اتخاذ القرار.
3. العجز الجنسي والأمراض
الجنسية المختلفة، وخصوصًا أن الإباحية ترتبط بممارسة العادة السرية.
4. الانطواء والعزلة عن
الناس، وعدم الرغبة بمشاركتهم لاعتبارات عديدة: منها شعوره بالخجل من نفسه، نظرته
للناس تصبح مختلفة؛ فهم أشياء وليسوا بشرًا.
5. تراجع أكاديمي، وتراجع
مهني واجتماعي.
6. تدهور نفسي؛ حيث الشعور
المستمر بالقلق والأرق، والإرهاق، وقلة النوم، والعصبية، والعدوانية، والاكتئاب
الذي يقود في بعض الحالات للانتحار.
7. زيادة نسبة الاغتصاب
وزنا المحارم في المجتمع؛ حيث أخبرتنا الدراسات أن هناك ارتباطًا بين جرائم
الاغتصاب ومشاهدة الإباحية بنسبة عالية.
8. زيادة نسب الطلاق
والخيانة الزوجية؛ فالمدمن تتأثر علاقته الحميمية بالزوجة؛ ما ينعكس على استقرار
الأسرة.
خطورة الإباحية على الطفل والمراهق:
تعتبر الإباحية مخدرًا للجروح النفسية؛ فالمدمن يلجأ لها في أزماته وإخفاقاته مع الناس ومع نفسه؛ بسبب سيطرة العواطف وضعف البصيرة حتى يرتاح. دوبامين كثير، مشاهدة ثم تفريغ شهوة وإحساس بالراحة والمتعة.
يمر
المراهق في مرحلة المراهقة بحالة زاخرة من التغيرات الهرمونية، التي تنعكس على
حياته الانفعالية والاجتماعية والنفسية، وهو في مرحلة تشكل هويته، من أنا ومن أكون
وماذا أريد؟!
وكثيرًا ما يحدث ضعف في التواصل مع المراهق لعدم
قدرة المربي على التواؤم مع تغيرات المراهق النمائية؛ ما قد يشكل ضغطًا كبيرًا على
المراهق، فإن كان المراهق يشاهد الإباحية فستكون مهربًا له لمداواة جروح روحه
وندباته النفسية كلما واجهته مشكلات.
هل الحل أن نقول له:
توقف؟!
من الصعب
أن نقول لمدمن "توقف" أو "كف عن هذا"، فقد تشكلت مسارات عصبية
عميقة في دماغه تعزز تعلمه لعادات إدمانه، ولا يكون الحل إلا بكسر دائرة المكافأة
في الدماغ، وتشكيل مسارات عصبية جديدة، وتعلم عادات جديدة ضمن برنامج تعافٍ ممنهج ومدروس.
ما دور المربين؟!
إن
احتمالية التعرض للمواد الإباحية أصبح كبيرًا؛ لذا أصبح دور المربين -آباء وأمهات،
معلمين ومرشدين، وعاظًا وشيوخًا- في هذا الصدد صعبًا، ويحتاج وعيًا بالدور المنوط
بهم بشكل أكبر.
يأخذ دور المربين منحيين:
منحى وقائيًا وآخر علاجيًا؛ أما المنحى الوقائي فيتمثل بالآتي:
1. الاهتمام بالبناء العقدي
والإيماني، وتعزيز مراقبة الله لدى الأطفال والمراهقين.
2. زيادة وعي العاملين في المجال
التربوي والدعوي، وكذلك زيادة وعي الأطفال والمراهقين بهذا الخطر الداهم وتزويدهم بوسائل
لمواجهته.
3. توعية أولياء الأمور
بهذه الأزمة الأخلاقية والإيمانية والصحية، واطلاعهم على أهمية دورهم التربوي
والرقابي والتوجيهي.
4. ضرورة الاستعانة ببرامج
الحجب لهذه المواقع؛ فهي كثيرة ومتعددة ومتاحة.
5. توعية الأهل بضرورة وضع
حدود لاستخدام الجوال والحاسب، والاتفاق على شروط وتعليمات الاستخدام؛ فتحدد عدد
الساعات، وتمنع العزلة أثناء استخدام الجوال أو الحاسب وما شابه.
6. توعية الأطفال
والمراهقين بخطورة هذا النوع من المشاهدات وكيفية التعامل مع المشاهد فيما لو تعرض
لها.
7. تخير رفقة طيبة للأبناء،
وبيئة صالحة ينمون فيها بعد دراسة للمحيط دراسة ممحصة؛ فليس كل ولد لرجل صالح صالحًا
بالضرورة.
8. مد جسور الثقة والحب
للطفل والمراهق، واستيعابهم واستيعاب متطلباتهم النمائية والاستجابة لها.
9. الفراغ مفسدة؛ لذا توجّب
إشغال الأبناء بالأنشطة الذهنية والجسدية والاجتماعية والروحية والتطوعية ومشاركتهم
فيها.
10.الانتباه لكل الإشارات الدالة على حالة الانخراط بالإدمان؛
مثل: العزلة لفترات زمنية طويلة، عدم الرغبة بأي نشاط، التأخر الأكاديمي والفشل
الدراسي، العصبية والطيش، القلق، قلة النوم، الاكتئاب... إلخ. كلما كان التدخل
مبكرًا كان العلاج أسهل وأيسر.
أما المنحى العلاجي فيتوجب إقناع المدمن بأنه يعاني من
مشكلة أولاً ثم تأتي بعدها عملية إحالة الحالة لمختصين لمعالجة الإدمان، تمامًا
مثل المخدرات.
واعي... AWARE:
من
الكيانات الواعدة التي تبذل جهدًا موفقًا في هذا المضمار فريق (واعي)(1)،
الذي شُكِّل تحت شعار "اكتشف نفسك بدون إباحية" بقيادة الدكتور محمد عبد
الجواد؛ وذلك لمجابهة خطر الإباحية الداهم، وهو أول فريق عربي تنبّه للخطر، وقدم جهدًا
عربيًا مسلمًا مبرورًا امتد عبر اثنتي عشرة دولة عربية وإسلامية وغربية؛ حيث أدرك مؤسس
الفريق أنه لمواجهة الإباحية لا بد من العمل لإعداد علمي متخصص للكوادر التي
ستواجه خطر الإباحية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وعلى درجة عالية من الكفاءة
للعمل في مجالات التوعية والتثقيف وتقديم الخدمات العلاجية، وتحت شروط أمن
المعلومات وسرية الحالات.
وتتمثل
رؤية فريق "واعي" في "إنشاء مجتمع واعٍ بمخاطر الإباحية ومساعدة الأشخاص
لاكتشاف إمكاناتهم بدون إباحية"، أما الرسالة فهي: "تعزيز المسؤولية
الفردية والمجتمعية والحكومية لمنع والحد من استخدام الإباحية". أما وسائله
فهي برامج متكاملة، تدريبية وتثقيفية وعلاجية على جميع مواقع التواصل الاجتماعي
لمواجهة خطر الإباحية.
ختامًا..
لا بد
من وقفة جادة واهتمام مدروس لمواجهة هذا السم الذي تسلل إلى عقول وقلوب شبابنا
وبناتنا دون أن نشعر أو ندري، ليأخذهم بعيدًا عن جمال الحياة المتمثل بالحركة
الجادة الواعية الفاعلة والمؤثرة فيها، بعيدًا عن جمال القيم والأخلاق التي تزين
المجتمعات المتحضرة، بل بعيدًا عن هدف الحياة التي أرادها الله لنا: (وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
كما لا بد من دعم كل مبادرة خير، وكل عزيمة رشد تأخذ على عاتقها إنقاذ الأمة من الانحدار في الهاوية، فوسائلنا البسيطة لم تعد تجدي لمواجهة الطوفان.
------------
الموقع الإلكتروني لفريق
(واعي) للتعافي https://www.antiporngroup.com
صفحة (واعي) على الفيس بوك https://www.facebook.com/wa3i.org
إضافة تعليق