الترويح عن النفس من الأمور التي أباحتها الشريعة ودعت إليها، والإنسان بحاجة للترويح، وهذه الحاجة تزداد لدى المراهقين؛ لمواجهة الضغوط، ولما لها من آثار إيجابية على حياتهم.

الترويح عن النفس من الأمور التي أباحتها الشريعة ودعت إليها، والإنسان بحاجة للترويح، وهذه الحاجة تزداد لدى المراهقين؛ لمواجهة الضغوط، ولما لها من آثار إيجابية على حياتهم. والمربون اليوم بحاجة لمعرفة ضوابط الترويح الذي تتراوح فيه أحوالهم ما بين مُفْرِط ومُفَرِّط.

أهمية الترويح:

الترويح يُعد عند البعض ترفًا وإضاعة للوقت، وهؤلاء لا يدركون أهمية الترويح النفسية والتربوية، وحاجة الناس الملحة إليه في وقتنا الراهن الذي يُعاني فيه الكثيرون من الضغوط النفسية التي لا يكاد يسلم منها صغير أو كبير. وتزداد هذه الضغوط لدى فئة المراهقين نتيجة التغيرات الهائلة التي تحدث في أجسامهم وفي حياتهم وفي محيطهم، وهذه الفئة بحاجة للإرشاد والتوجيه بطرق غير تقليدية، ومن هنا تأتي أهمية الترويح بوصفه وسيلة تربوية لغرس القيم وتعزيز السلوك الإيجابي، والتخفيف من حدة الضغوط التي يتعرض لها المراهقون.

والترويح له فوائد كثيرة؛ منها: الحفاظ على صحة الإنسان النفسية والجسمية، وتنمية جوانب الشخصية المختلفة، وتنمية الجوانب الاجتماعية لدى المراهق، واكتساب مهارات وخبرات حياتية جديدة من خلال وسائل الترويح المختلفة.

الترويح في الشريعة:

في مقابل الصورة النمطية للشاب المتدين، والتي يُروج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة ويظهر فيها عابسًا متشددًا في كل صغيرة وكبيرة، نجد سماحة الشريعة الإسلامية التي تدعو المسلم إلى الاستمتاع بمباهج الحياة الدنيا، وأخذ نصيبه من الترويح ضمن حدود وضوابط تضمن له التمتع بالصحة النفسية والجسدية، ولا تخرجه من ساحة العمل والجد إلى ساحات الهزل وإضاعة الأوقات والأموال، يقول الله -عز وجل-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ) [القصص: 77].

ويقول الله -عز وجل-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون) [الأعراف: 32].

وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ علَيهِ- وسلَّمَ بَعثَ إلى عُثمانَ بنِ مَظعونٍ فجاءَهُ، فقالَ: "يا عُثمانُ، أرغِبتَ عن سنَّتي؟!"، قالَ: لا واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، ولَكن سُنَّتَكَ أطلُبُ. قالَ: "فإنِّي أنامُ وأُصلِّي، وأصومُ وأُفطِرُ، وأنكِحُ النِّساءَ، فاتَّقِ اللَّهَ يا عثمانُ؛ فإنَّ لأهلِكَ علَيكَ حقًّا، وإنَّ لضَيفِكَ علَيكَ حقًّا، وإنَّ لنفسِكَ علَيكَ حقًّا، فصُم وأفطِرْ، وصلِّ ونَمْ". [صحيح أبي داود: 1369].

وعن حنظلة بن حذيم الحنفي -رضي الله عنه- قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟! قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟! قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا. قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: "وَما ذَاكَ؟"، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، ونَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. [صحيح مسلم: 2750].

الترويح والتربية:

الترويح يُعد من أفضل الوسائل التي يُمكن استخدامها في التربية وغرس القيم الفاضلة، لأن الرسائل التربوية أثناء الترويح تصل للمراهق وهو في حالة هدوء نفسي وبعيدًا عن التوتر وعن تلقي النصائح والتوجيهات المباشرة من المربين.

ومن النصائح التي تُوجه للمدربين وللمعلمين وللمربين أيضًا: ضرورة أن يكون للأنشطة والألعاب التي تقدم ضمن البرامج المختلفة أهدافًا، وأن تكون هذه الأهداف مرتبطة بموضوع التدريب أو التعليم أو التربية.

والأنشطة الترويحية يجب توظيفها في غرس القيم والنأي بها عن زرع الأنانية في نفوس المراهقين، ولتوضيح هذا الأمر نأخذ مثالًا بسيطًا وهو لعبة "الكراسي الموسيقية"، والتي يكون فيها عدد الكراسي أقل من عدد المشاركين، والفائز فيها هو آخر فرد يتمكن من الجلوس على الكرسي. فممارسة اللعبة بهذه الطريقة تشجع على الأنانية ومحاولة التغلب على الآخرين، بينما يمكن ممارسة هذه اللعبة بطريقة أخرى تُشجع المشاركين على التعاطف والتعاون فيما بينهم عندما يُطلب منهم التكيف ومحاولة الجلوس معًا، والحرص على عدم مغادرة أي مشارك للعبة.

حدود وضوابط الترويح:

وضع حدود وضوابط للترويح ليس الهدف منه تقييد هذا النشاط الإنساني الذي يمارسه الفرد بعفوية وأريحية، ولكن الهدف منه هو بيان الأطر التي تُحقق الأهداف المرجوة من وراء الترويح، وضمان عدم تحول الترويح إلى ترفيه يُفسد المراهق ويضيع وقته ويشغله بما لا طائل من ورائه.

والترويح لا يعني بحال من الأحوال التفلت من آداب الشريعة أو الانفلات من القانون ومن القيم والعادات والتقاليد، ولذلك ينبغي الحذر من الأمور الآتية في الترويح:

أولًا: الاستهزاء بالدين وشعائره؛ يقول الله -عز وجل-: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة: 65].

ثانيًا: السخرية من الآخرين عند ممارسة وسائل الترويح المختلفة؛ يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

ثالثًا: الكذب من أجل إضحاك الآخرين؛ فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله وسلم- قال: "أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حُسُنَ خلقُه". [صحيح أبي داود: 4800].

رابعًا: غياب الاحترام المتبادل بين الممارسين لوسائل الترويح، وخاصة بين المشرفين والمراهقين.

خامسًا: تقديم الترويح على أداء الواجبات؛ لأن في ذلك إخلالًا بمبدأ أصيل وهو أن الجد هو الأصل، وأن الهدف من الترويح هو العودة للجد بنشاط وحماس.

سادسًا: مخالفة القوانين المعمول بها في الدولة؛ لأن ذلك يُعرض المخالف للعقوبة، ويُهدد أمن وسلامة الآخرين.

سابعًا: الخروج عن عادات وتقاليد المجتمع وبخاصة المتوافقة مع الشريعة؛ لأن الخروج عنها في أوقات الترويح يعني إمكانية الخروج عنها في الأوقات الأخرى.

بين الترويح والترفيه:

الترويح نشاط هادف وجاد، بعكس الترفيه الذي يكون الهدف منه غالبًا هو التسلية أو المتعة المجردة من القيمة والمضمون، ولذلك ينبغي الحذر من الأخطاء التي يقع فيها بعض المربين ومنها التركيز في البرامج المقدمة للمراهقين على الأنشطة الترفيهية فقط، أو التركيز على وسائل الترويح السلبي، التي تحرم المراهق من الرسائل التربوية ومن ممارسة الترويح الإيجابي الذي يجني منه الكثير من الفوائد التربوية والنفسية والجسمية والاجتماعية.

والترويح وسيلة وليس غاية، وحياة الإنسان بما في ذلك فترات الترويح ينبغي أن تكون كلها لله -عز وجل- وفي سبيله وابتغاء مرضاته، يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].

والمربي الناجح هو من يستخدم الترويح المباح كوسيلة تربوية لبناء الشخصية المتوازنة التي تخدم مجتمعها، وتنهض بأمتها، وتحمل الخير للبشرية.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة