أصبحت المحاضن التربوية اليوم تواجه تحديات كبيرة، ومن أهمها عدم قدرتها على منافسة ومواكبة الوسائل الأخرى التي تجذب الشباب والناشئة إليها، وتجعلهم يقضون الساعات الكثيرة في استخدامها..

كم نحن بحاجه اليوم إلى بيئة تربوية جذابة تجعل الناشئة والشباب يقبلون عليها برغبة وشوق، ويقضون فيها ساعات من أوقاتهم وهم يشعرون بالنشاط والحيوية، والمتعة الفائدة.

أصبحت المحاضن التربوية اليوم تواجه تحديات كبيرة، ومن أهمها عدم قدرتها على منافسة ومواكبة الوسائل الأخرى التي تجذب الشباب والناشئة إليها، وتجعلهم يقضون الساعات الكثيرة في استخدامها.

الألعاب الإلكترونية، أجهزة الجوال، أفلام الكرتون... هذه وغيرها من الوسائل أصبحت تجذب الشباب إليها وتستهلك الكثير من أوقاتهم، وتجعلهم يعزفون عن الألعاب الحركية، فضلاً عن البرامج التربوية الجادة والنافعة.

ولذلك فنحن بحاجة اليوم إلى الجمع بين المتعة والفائدة في كثير من برامجنا وأنشطتنا التربوية، وأن نجعل من محاضنا التربوية محاضن جادة وجذابة.

مفهوم الترفيه:

الترفيه في اللغة: يأتي بمعنى التسلية، والتنفيس عن النفس، وتطييب الخاطر، والترويح، يقال: رفَّه عن نفسه أي: نفَّس وخفَّف عنها، وأزال عنها الضيق والتعب، ورفَّه الأبُ ابنَه أي: زوّده بمتعة كبيرة.

ويُعرف الترفيه بأنه: إدخال السرور على النفس بممارسة نشاط فكري، أو جسدي بعيدًا عن الجدية.

ويُعرف الترفيه والترويح بأنه: نشاط حركي أو استمتاع سمعي أو نظري يبعث فيمن يفعله الراحة والأنس، ويطرد عنه السَّآمة والملل.

فالترويح، واللهو، واللعب، والتسلية، كلها ألفاظ مرادفة ومقاربة لمعنى الترفيه.

والترفيه يشمل مناحي مختلفة، وأنشطة متعددة في حياة الإنسان، فمن ذلك الألعاب الرياضية: ككرة القدم، والكرة الطائرة، وكرة السلة، والجري، والسباحة، والتزلج، والرمي والتصويب، والمسابقات الحركية كشد الحبل وغيرها من المنافسات، وكذلك يشمل الأنشطة الثقافية: كالمسابقات، والأمسيات الثقافية، والإنشاد، ونظم وإلقاء الشعر، وحكاية القصص المشوقة، وكذلك الزيارات والرحلات، والأنشطة الفنية: كالخط والرسم والزخرفة، وغير ذلك من الأنشطة الترفيهية.

أهمية الترفيه:

يعد الترفيه والترويح المباح عن النفس أحد الحاجات الأساسية التي تحتاج إليها النفس البشرية السوية، فهو يعمل على تلبية العديد من حاجات النفس الجسمية والفكرية والاجتماعية.

وللترفيه دور في إراحة النفس والمحافظة على صحتها، ووقايتها وعلاجها من العديد من الأمراض كالملل والاكتئاب، والقلق والإحباط، فالترويح يقلل من حدة هذه الأمراض، ويعيد الراحة والانسجام والتوازن للنفس، ويعمل على تجديد نشاطها وحيويتها.

ومن حق النفس على صاحبها إعطاؤها حقها من الراحة والاستجمام، ويظهر ذلك في توجيه النبي ﷺ صحابته إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال لي النبي ﷺ: «ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟!». قلت: إني أفعل ذلك، قال: «فإنك إذا فعلت ذلك هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وإن لنفسك حقًا، ولأهلك حقًا، فصم وأفطر، وقم ونم». [متفق عليه].

فقوله (نَفِهَتْ نَفْسُكَ) أي: ملت وكلت، فلا تنشط ولا تقوى على العبادة والعمل الصالح.

ويعد الترفيه أحد الوسائل الفعالة لتنمية الجانب الاجتماعي لدى الفرد؛ فيستطيع أن يتكيف ويتعامل مع جماعة الرفاق الذين حوله؛ وذلك لأن أغلب أنشطة الترفيه يتم فعلها بشكل جماعي، وبالتالي تنمي لدى الشخص العمل بروح الفريق، وتجعله يدرك أهمية التعاون مع الآخرين لتحقيق النجاح، وكذلك كيف يتعامل ويتحدث ويحاور الآخرين ممن حوله، وكيف يكسب الأصدقاء ويتوافق معهم، ويتبادل معهم الحب والاحترام.

كما يعتبر الترفيه فرصة لاستغلال أوقات الشباب بالنافع المفيد أو في أقل الأحوال باللهو المباح غير الضار؛ لأن النفس إذا لم تَشغل وقتها بما ينفعها ويصلحها، قد تنشغل بأمور أخرى تضرها وتفسدها.

قال الإمام الشَّافعي -رحِمه الله-: (لقد صاحبتُ قومًا فتعلَّمت منهم أمريْن: نفسك إن لم تشغلْها بالحق شغلتْك بالباطل، والوقت كالسَّيف إن لم تقطعْه قطعك).

كما أن للأنشطة الترفيهية الهادفة دورًا كبيرًا في بناء شخصية الإنسان وتنمية جوانبها، وإكسابها العديد من المعارف والمهارات والخبرات؛ فالترفيه الهادف يعد وسيلة تربوية فعالة.

مصفوفة الترفيه والمتعة في محاضننا التربوية:

من يتأمل في حال كثير من المحاضن التربوية يجد أن الأنشطة والبرامج التي تقام فيها يمكن أن يتم تصنيفها إلى أربعة أقسام بناءً على معادلة المتعة والفائدة، على النحو التالي:

أولاً: أنشطة ممتعة ومفيدة: تجذب المتربين لها وتجعلهم يقبلون عليها، وكذلك لها أهداف تربوية تسهم في بناء أنفسهم وشخصياتهم، فهذا النوع من الأنشطة ينبغي الإكثار منه وزيادته.

ثانيًا: أنشطة مفيدة وغير ممتعة: وهي البرامج الجادة في المحاضن التربوية كالدروس والمحاضرات وقراءة الكتب ونحو ذلك، فهذه الأنشطة الجادة من المهم الإبقاء عليها، ولكن ينبغي كذلك أن نُضفي عليها نوعًا من المتعة، وذلك من خلال حُسن الطرح، وجاذبية أسلوب الإلقاء، وأن يكون هنالك أسئلة وجوائز للمشاركين، والاستفادة من أساليب العرض الحديثة في تقديمها.

ثالثًا: أنشطة ممتعة وغير مفيدة: أو تكون الفائدة فيها قليلة ومحدودة كألعاب الفيديو أو الألعاب على الأجهزة اللوحية ونحوها؛ فهذه ينبغي التقليل منها، واستخدامها لأوقات محدودة كمحفز عند القيام بإنجاز أي مهمة جادة.

رابعًا: أنشطة غير ممتعة وغير مفيدة: أو تكون الفائدة فيها قليلة ومحدودة كمدارسة كتاب أو متن في علم متخصص وفائدته للشباب والناشئة محدودة، فمثل هذه الأنشطة ينبغي أن يتم استبعادها واستبدالها بأنشطة أخرى أكثر أهمية.

 

مفيدة

غير مفيدة

ممتعة

(أنشطة ممتعة ومفيدة)

يتم الإكثار منها

(أنشطة ممتعة وغير مفيدة)

يتم تقليلها والاستفادة منها كمحفز للأنشطة الجادة

غير ممتعة

(أنشطة غير ممتعة ومفيدة)

يتم تحسينها وإضفاء جوانب جذابة فيها

(أنشطة ممتعة ومفيدة)

يتم استبعادها واستبدالها بأنشطة أخرى

 


 

ضوابط الترفيه:

دين الإسلام منهج حياة، ونظام شامل ومتكامل لكل جوانب حياة الإنسان في جده وهزله، ووقت فراغه وشغله، وجميع أفعاله وتصرفاته.

والترفيه مشروع لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، وقد جاءت الأدلة بما تدل على جواز وإباحة الترفيه، ومن ذلك ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «سابقني النبي -صلى الله عليه وسلم- فسبقته». [صحيح سنن أبي داود: 2578]، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم». [البخاري: 454].

فالأصل في الترفيه الإباحة إذا كان موافقًا لضوابط الشرع وأحكامه، ومن تلك الضوابط ما يلي:

1.   أن يكون النشاط خاليًا من المحرمات والمخالفات الشرعية القولية كالكذب، والسّخرية من الآخرين والاستخفاف بهم، والسب والشتم، والغيبة والنميمة... ونحو ذلك من صور الأذى القولي للآخرين.

2.   أن يكون النشاط خاليًا من المحرمات والمخالفات الشرعية العملية كالسحر والشعوذة، والتخويف والترويع، والرقص الماجن، والاستماع إلى الأغاني والمعازف والموسيقى المحرمة، وتبرج النساء والاختلاط بين الجنسين، ولبس الملابس التي تكشف العورة، والتبذير والإسراف وغيرها مما جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمه.

3.   ألا يترتب على ممارسة النشاط الترفيهي أو الترويحي إلحاق الضرر بالمشاركين في النشاط أو بغيرهم، كما هو الحال في بعض الألعاب العنيفة أو الخطرة كسباقات السيارات والملاكمة ونحوها مما قد يترتب عليه تعريض النفس للضرر والأذى للغير.

4.   ألا يكون وقت ممارسة النشاط الترفيهي والترويحي مُتعارضًا مع أوقات أداء العبادات كالصلوات المفروضة، أو متعارضًا مع حقوق الآخرين الواجبة كحق الوالدين ونحو ذلك.

5.   ألا يترتب على الترفيه أذية وإزعاج للآخرين، أو إتلاف وإفساد للبيئة التي يكون فيها كتلويث المكان والمياه بالنفايات ونحو ذلك، أو إتلاف الأشجار والمرافق.

فالترفيه الهادف المنضبط بضوابط الشرع يعد وسيلة تربوية مهمة تحتاج إليه محاضننا التربوية، حتى تكون وسيلة جذب للناشئة والشباب، وتجعلهم يقبلون عليها، ويرغبون في المشاركة في أنشطتها، وهنا تتحقق لهم المتعة والفائدة، وتسهم في بناء جوانب شخصيتهم المتكاملة.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة