من المشكلات التي تُعاني منها الأسرة العربية مشكلة تفنن الآباء والأمهات في تصيد أخطاء الأولاد، وهذا الأمر يؤدي غالبًا إلى توتر العلاقة بين الوالدين والأولاد، بينما ينصح خبراء التربية الوالدين بتشجيع السلوكيات الحسنة، وتجاهل السلوكيات السلبية.
من المشكلات
التي تُعاني منها الأسرة العربية مشكلة تفنن الآباء والأمهات في تصيد أخطاء
الأولاد، وهذا الأمر يؤدي غالبًا إلى توتر العلاقة بين الوالدين والأولاد، بينما
ينصح خبراء التربية الوالدين بتشجيع السلوكيات الحسنة، وتجاهل السلوكيات السلبية.
وكل فرد في
المجتمع لديه جوانب سلبية وأخرى إيجابية، وأفضل طريقة للتعامل مع النفس الإنسانية
التي تُسر بالمدح والثناء وتنفر من الانتقاد واللوم، هي التركيز على الإيجابيات
حتى تنمو وتزدهر، والتغاضي عن السلبيات حتى تختفي وتندثر، وبذلك نشجع الآخرين
ونحثهم على الإحسان وإتقان ما يقومون به من أعمال.
والرسول -صلى
الله عليه وسلم وهو خير معلم- ضرب لنا العديد من الأمثلة في اصطياد حسنات
وإيجابيات الآخرين والتغاضي عن الزلات والهفوات التي قد تصدر منهم، فعن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أصبحَ اليومَ مِنكمْ
صائِمًا؟"، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: "مَنْ عادَ مِنكمْ مَرِيضًا؟"،
قال أبو بكرٍ: أنا، قال: "مَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اليومَ جَنازَةً؟"، قال
أبو بكرٍ: أنا، قال: "مَنْ أَطْعَمَ اليومَ مِسْكِينًا؟"، قال أبو بكرٍ:
أنا، قال: "ما اجتمعَت هذه الخِصالُ في رجلٍ في يَوْمٍ، إلَّا دخلَ
الجنةَ". [صحيح الأدب المفرد: 400].
وها هو رسول -صلى
الله عليه وسلم- يسأل بلالًا -رضي الله عنه- عن خبيئة استحق بها منزلة رفيعة في
الجنة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-
قالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: "يا بلَالُ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى
عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ
في الجَنَّةِ"، قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ
أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ
الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ. [صحيح البخاري: 1149].
ويسأل رجلًا من
الأنصار عن إكرامه للضيف؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجُلٌ إلى رسولِ
اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: إنِّي مجهودٌ، فأرسَل إلى بعضِ نسائِه
فقالت: والَّذي بعَثك بالحقِّ نبيًّا ما عندي إلَّا ماءٌ، ثمَّ أرسَل إلى أخرى
فقالت مِثْلَ ذلك حتَّى قُلْنَ كلُّهنَّ مِثلَ ذلك، فقال: "مَن يُضيِّفُ هذا
اللَّيلةَ رحِمه اللهُ". فقام رجُلٌ مِن الأنصارِ فقال: أنا يا رسولَ اللهِ،
فانطلَق به إلى رَحْلِه فقال لامرأتِه: هل عندكِ شيءٌ؟ قالت: لا، إلَّا قوتَ
صبياني، قال: فعَلِّليهم بشيءٍ، فإذا دخَل ضيفُنا فأضيئي السِّراجَ وأريه أنَّا
نأكُل، فإذا أهوى ليأكُلَ قومي إلى السِّراجِ حتَّى تُطفئيه. قال: فقعَدوا وأكَل
الضَّيفُ، فلمَّا أصبَح غدا على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: "لقد
عجِب اللهُ مِن صنيعِكما اللَّيلةَ". [صحيح ابن حبان: 5286].
وحتى العصاة من
الصحابة والصحابيات الذين عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يذكر محاسنهم
ويثني عليها، فعن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ
أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- وَهي حُبْلَى مِنَ الزِّنَى،
فَقالَتْ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فأقِمْهُ عَلَيَّ. فَدَعَا نَبِيُّ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- وَلِيَّهَا، فَقالَ: "أَحْسِنْ
إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَائتِنِي بهَا". فَفَعَلَ، فأمَرَ بهَا نَبِيُّ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ
أَمَرَ بهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقالَ له عُمَرُ: تُصَلِّي
عَلَيْهَا -يا نَبِيَّ اللهِ- وَقَدْ زَنَتْ؟! فَقالَ: "لقَدْ تَابَتْ
تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ سَبْعِينَ مِن أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ،
وَهلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِن أَنْ جَادَتْ بنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟!".
[صحيح مسلم: 1696].
والرسول -صلى
الله عليه وسلم وهو خير مربٍّ ومعلم- كان يُذكر بفضل أصحابه حتى وإن وقعوا في
أخطاء كبيرة؛ مثل ما قام به الصحابي حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه-، الذي ارتكب
ما يُسمى اليوم بالخيانة العظمى، والمتمثلة في التخابر لصالح العدو أو لجهات
أجنبية؛ فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-
قَالَ له: "ما هذا يا حَاطِبُ؟!"، قالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ يا رَسولَ
اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ امْرَأً مِن قُرَيْشٍ، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهِمْ، وكانَ
مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ
وأَمْوَالَهُمْ بمَكَّةَ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فيهم، أنْ
أصْطَنِعَ إليهِم يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ ذلكَ كُفْرًا، ولَا
ارْتِدَادًا عن دِينِي، فَقالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّه
قدْ صَدَقَكُمْ". فَقالَ عُمَرُ: دَعْنِي يا رَسولَ اللَّهِ فأضْرِبَ
عُنُقَهُ، فَقالَ: "إنَّه شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ -عزَّ
وجلَّ- اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ
لَكُمْ". [صحيح البخاري: 4890].
ومن الأساليب
التربوية للنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر فضائل الصحابة -رضي الله عنهم- والتغاضي
عن زلاتهم، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ رَجُلًا علَى عَهْدِ النبيِّ -صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا،
وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وكانَ النبيُّ -صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ جَلَدَهُ في الشَّرَابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به
فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما
يُؤْتَى بهِ؟ فَقَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "لا تَلْعَنُوهُ؛
فَإنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ". [صحيح البخاري: 6780].
والآباء
والأمهات اليوم بحاجة ماسة للاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في اصطياد حسنات
أولادهم والتغاضي عن الهفوات والزلات التي تقع منهم، بحكم صغر السن وقلة الخبرة
وغلبة العاطفة على العقل، وما أجمل أن يضبط الوالد ابنه وهو متلبس بالمحافظة على
الصلوات الخمس في أوقاتها، وبالتصدق بجزء من مصروفه، وبإعانته لأبيه وأمه
وللمحتاجين، وبرحمته للحيوانات، وأن تضبط الأم ابنتها وهي متلبسة بالحشمة في
ملابسها، وبالحياء في تعاملاتها، وبالمداومة على قراءة القرآن، وبتقديم المساعدة
لأمها ولغيرها.
وعيون الآباء والأمهات ينبغي أن تكون كعيون النحل التي تبحث عن الطيب والحسن فيما ترى، وألا تكون كعيون الذباب التي تبحث عن الخبيث والسيئ. وفن اصطياد الإيجابيات عند الأولاد من الفنون التي ينبغي على الآباء والأمهات أن يتعلموها ويطبقوها في حياتهم حتى تتحقق لهم السعادة في بيوتهم ومع أولادهم.
ايمان ابراهيم خاطر
بارك الله فيك، مقال رائع وشيق ومفيد جدا اكثر الله من امثالك ، ونفع بك الامه الاسلاميه