تظل التربية الإيمانية من أكثر مهمات المربي في عمليته التربوية؛ فهي ضرورة ملحة، وهي مما يعينه على تعظيم الوحيين حالًا وعملًا، فتربية الأبناء على تعظيم الوحيين لابد أن تكون حاضرةً في كل وقت
اللهم إنا نحمدك على ما
علمتَ من البيان، وألهمتَ من التبيان، وصلى الله على الذي ختم به النبيين، وأعلى
درجته في عليين، ووصفه في كتابه المبين فقال وهو أصدقُ القائلين: (وما أرْسَلْناكَ
إلاّ رحمةً للعالَمينَ).. وبعد.
تظل التربية الإيمانية من
أكثر مهمات المربي في عمليته التربوية؛ فهي ضرورة ملحة، وهي مما يعينه على تعظيم
الوحيين حالًا وعملًا، فتربية الأبناء على تعظيم الوحيين لابد أن تكون حاضرةً في
كل وقت؛ تكبر مع كبر المتربي حتى تترسخ كالجبل في قلبه، فإن قلبًا لا يُعظم الله
كالبيت الخرب.
وإن تعظيم أمر الله وأمر
نبيه لهو من أجلّ العبادات القلبية، وأهم أعمال القلوب، وما يكون الإجلال والتعظيم
إلا بمعرفة الله ومعرفة رسوله ﷺ، والله سبحانه
قد ذم من لا يعظمه حق عظمته فقال: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:
13]؛ قال ابن عباس: "لا ترجون لله عظمة".
وتربية الجيل تربيةً إيمانيةً
حيةً على حب الله ورسوله ﷺ وتعظيم أمر الله وأمر رسوله ﷺ؛
واجبٌ على كل مربٍّ.
تربية النبي لأصحابه على تعظيم الوحيين:
إن المتأمل في تربية النبي ﷺ
لأصحابه يجد كيف ظل معهم ثلاثة عشر عامًا يربيهم على أهمية التوحيد والاستسلام
لله، ليتمكن في قلوبهم تعظيم أمر الله وأمر نبيه ﷺ،
فما أن جاء الأمر من الله أو منه ﷺ ما كان قول الصحابة إلا "سمعنا
وأطعنا"، مع الرضى والقبول لتنفيذ الأمر مباشرة، وانظر لحال الصحابة في مجتمع
يرى شرب الخمر أمرًا اعتياديًا كل يوم، فتنزل آيات تحريم الخمر على مراحل، فإذا ما
وصلت للمرحلة الفاصلة: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 91]، تجد الاستجابة الفورية للأمر دون تردد
أو نظر.
إن امتثال الصحابة الكرام في
الانتهاء عن تناول الخمر وبهذا الشكل القوي لهو معجزة من معجزات الإسلام؛ إذ
استجابوا بشكل كامل وجماعي، وأراقوا ما لديهم، ولم يبيعوه لغيرهم حتى لغير
المسلمين، فما أن سمعوا بالخبر حتى نفذوه قبل أن يستفسروا، وقالوا: انتهينا ربنا!
انتهينا ربنا.
وهذا حال مجتمع الصحابة، تعظيمٌ
لأمر الله ونبيه ﷺ، فتسليمٌ مطلق دون سؤال، فتنفيذٌ بحبٍ وقبول.
وانظر -أيها المربي- إلى
المخرجات التي عمل النبي ﷺ عليها طيلة
أعوام تربيته لأصحابه ليمتلئ قلبه فرحًا بما قاله معاذ -رضي الله عنه-، حينما بعثه
إلى اليمن؛ قال له: "كيف تقضي؟"، قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: "فإن
لم يكن في كتاب الله؟"، قال: فبسنة رسول الله ﷺ،
قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله ﷺ؟"
قال: أجتهد رأيي، فقال رسول الله ﷺ: "الحمد
لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله ﷺ". [رواه أحمد والترمذي].
ويجب على كل مربٍّ ألا يُشغل
المتربي بالأحكام ومعرفتها فحسب، فتتحول إلى ثقافة ذهنية باردة، وحشوٍ للمعلومات أو
لجدال كل مخالف، بل إن التربية الحقيقة للجيل أن يرفع كل واحد منهم شعار: "سمعنا
وأطعنا"، وأن يتربى على تعظيم أمر الله وأمر رسوله.
وانظر إلى ذلك الموقف الرائع
من تربية النبي ﷺ لأصحابه على هذا الشعار؛ روى
مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما نزلت على رسول الله ﷺ: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 284]،
قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ،
فأتوا رسول الله ﷺ،
ثم بركوا على الرُّكب، فقالوا: أي رسول الله! كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة
والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله ﷺ: "أتريدون أن
تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"،
قالوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
فلما قرأها القوم زلَّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)
[البقرة: 285].
فانظر -أيها المربي- كيف
علمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأمر مع كلام الله لا يكون إلا بالقبول
المطلق، وما تملك من أمرك إلا أن تقول بكل إيمان: سمعنا وأطعنا، وهذا رأس الأمر؛ فإن
التربية الإيمانية لها الدور الأكبر في تلقي أمر الله ورسوله بالتعظيم والقبول.
وانظر تربية النبي ﷺ
لعمر -رضي الله عنه-؛ أتى النبيَّ ﷺ
بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي ﷺ
فغضب، وقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد
جئتُكم بها بيضاءَ نقية، والذي نفسي بيده لو أن موسى -عليه السلام- كان حيًّا ما
وسعه إلا أن يتَّبعني". [رواه
أحمد].
حال الأمة مع تعظيم الوحيين:
أما حال الأمة اليوم فيفطر
القلب ويندى له الجبين، وإن كان تعميم النظرية يضعفها، والخير باقٍ في أمة محمد ﷺ
إلى قيام الساعة، فهذه الأمة الخاتمة تمرض ولا تموت، فمما ابتليت به الأمة أن تجد
الواحد إذا قيل له: افعل الأمر الفلاني، قيل: هذه سنة، وكأن السنة أمرٌ هينٌ لا
قيمة له، لقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقتدون بحبيبهم ﷺ
في كل صغيرة وكبيرة حبًا واتباعًا في المأكل والمشرب والملبس، بل حتى في مكان ربط
دابته ووضوؤه وفي شأنه كله ﷺ.
إن مشكلتنا الكبرى اليوم
التي تعاني منها الأمة هو عدم تلقي كلام الوحيين وتعظيم أمرهما، فالرسالة من الله
والبلاغ من الرسول ﷺ، وما علينا إلا التسليم، فيجب على المربي التربية على
التلقي المطلق، وإعمال الهوى مع الشرع بليَّةٌ كبرى؛ فإبليس حينما أعمل هواه مع الشرع
ذل وخسر؛ قال له الله: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ
(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [ص 71، 72]، قال إبليس بهوى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص 76] فطرُد من رحمة الله، وهذا حال كل من يعترض على
كلام الله وأمر نبيه ﷺ، وهو من أهم أسباب الزيغ والهلاك.
وسائل تعين المربي على تعظيم الوحيين في نفوس النشء:
ومما ينبغي على المربي أن
ينشغل به مع المتربين كي يرفع من قيمة شعار: سمعنا وأطعنا، ويعيد للأمة هذا السياج
الآمن: أن يجعل الله حاضرًا في كل أحوال المتربي حتى يعظمه. ومن الوسائل المعينة
على ذلك:
الوسيلة الأولى: تذكيره
بالله في كل أحواله:
فإذا خرج الواحد من بيته تُذكره
أمه بدعاء الخروج من المنزل، ويذكره والده بدعاء ركوب الدابة، ويذكره معلمه إذا
نزلوا منزلاً دعاء نزول المنزل، ليستشعر حفظ الله له دومًا.
الوسيلة الثانية: تعظيم الله
في نفس المربي وأمام المتربي:
فإذا أذن المؤذن ترك ما في
يديه استجابة وتعظيمًا لنداء الله، واستشعارًا أن الله أكبر من كل شيء، وإذا قرأ
القرآن تهيأ له من وضوء وحُسن قراءة وتخشع ظاهر، وإذا ذكر النبي ﷺ
بين يديه تأدب وأنصت.
الوسيلة الثالثة: شرح أسماء
الله الحسنى بمعانيها، وربطها بواقع المتربي، وقراءة القرآن بتدبر، وقراءة سيرة
النبي ﷺ قراءة تطبيق لا قراءة حكايات:
فيربيهم على محبة ما يحبه
الله ورسوله، فيحب الخير والطاعة، ويكره الشر والمعصية: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31].
الوسيلة الرابعة: علّمه معنى
الرِّضا بحكم الله ورسوله:
ولو خالف ذلك هوى النفس، ولو
خالف ذلك الأعراف والعادات، ولو خالف ذلك ما تميل إليه النفس وما تجنح إليه:
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
الوسيلة الخامسة: علّمه أن
يتقبل الأوامر والنواهي تعبدًا لمولاه ورِقًا وخضوعًا له لا مجرد عاداتٍ وتقاليد:
وأن الله حكيم وخبير وعليم،
فإذا أمر أمرًا أو نهى نهيًا فالعمل العمل حتى ولو لم تظهر لك الحكمة من ذاك الأمر
أو النهي.
وختامًا اعلم –أخي- أن قلبًا
لا يُعظم الله، ولا يُقدر السنة، في أشد الحاجة إلى عملية إنعاشٍ سريعة، فإذا
سمعتَ -أخي المربي- قال الله أو قال رسوله فعليك أن ترفع بذلك رأسك، وأن تمتثل إذا
سمعت: (يا أيها الذين آمنوا) أو (يا أيها الناس) أو (يا عبادي) أو (يا بني آدم) أن
ترعيَها سمعك؛ فإمّا أن يكون أمرًا تمتثله يعود أجره لك، وإمّا نهيًا تجتنبه يعود
أجر اجتنابه عليك، فتعلمه أبناءك ومن معك من أبناء المسلمين.
إضافة تعليق