ورغم ارتباط العبادة بالفطرة إلا أن هناك عوامل خارجية موجهة لسلوك الإنسان إيجاباً بما يتوافق وأصل تلك الفطرة -التي فَطر الله الناس عليها- أو سلباً على النقيض منها.

ترتبط العبادة ارتباطًا أصيلاً بفطرة الإنسان؛ وهذا ما تعبر عنه مظاهر التعبُّد الملازمة للبشرية عبر التاريخ.

ورغم ارتباط العبادة بالفطرة إلا أن هناك عوامل خارجية موجهة لسلوك الإنسان إيجاباً بما يتوافق وأصل تلك الفطرة -التي فَطر الله الناس عليها- أو سلباً على النقيض منها، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه". [صحيح مسلم].

يرد مصطلح التربية في الكثير من معاجم اللغة بمعنى التنمية والزيادة، وهذا المعنى هو المشار إليه في قوله تعالى: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) [الروم:39].

وللعبادة مفهومها الشامل الذي نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: "العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة". كالخوف، والخشية، والتوكل، والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام.

ولا شك أن تلك الأعمال والأقوال والأفعال لا ترتقي إلى درجة العبادة إلا باقترانها بالنية؛ لحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في البخاري وغيره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...".

من خلال ما سبق يمكن القول بأن التربية على العبادة هي: الرعاية المستمرة للمتربي، وتوجيه تصرفاته بما يتوافق وتوجيهات ديننا الإسلامي الحنيف في مختلف مجالات الحياة؛ فحركة الإنسان في هذه الحياة ينبغي أن تنضبط بمنهج الله سبحانه، هذا المنهج الذي يتوافق مع الفطرة المشار إليها بقوله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه) [الروم:30].

وتربية الإنسان على عبادة الله تعالى يجب أن تكون ملازمة لحياته، تبدأ بالأذان والإقامة في أذنيه عند ميلاده، وتستمر حتى آخر نَفَس في حياته وتلقينه الشهادة عند معالجته لسكرات موته.

يمر الإنسان بمراحل في حياته، وأبرز تلك المراحل وأخطرها، مرحلة الضعف الأولى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) [الروم:54]، والضعف لا يقتصر على الجانب الجسدي، بل يشمل كل جوانب حياة الإنسان العقلية والبدنية.

في مرحلة الضعف الأولى -مرحلة الطفولة- يكون اعتماد الإنسان على غيره هو الغالب، وتلقيه للقيم والأفكار تترافق مع هذه المرحلة، وتستجيب لكل مؤثراتها؛ ولذلك فإن كل عادة يمارسها الطفل إنما هي نتاج طبيعي لاحتكاك الطفل بمجتمعه، واستجابته لقيم ذلك المجتمع وأفكاره، ولذلك يقال:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوَّده أبوه

يتوارث الأبناء عقيدة آبائهم ويخضعون لمعبوداتهم، كنتيجة طبيعية لعملية تربوية نشأوا عليها، وكمحصلة لواقعٍ أفرز تلك العملية، قال تعالى حكاية عن المشركين: (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف:22]. 

أخطر مراحل الإنسان كما هو معلوم لدي التربويين وعلماء النفس هي مرحلة الطفولة الأولى الممتدة من السنة الأولى حتى السادسة، ودائرة التأثير تمتد لتصل إلى السنة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، أي قبل مرحلة البلوغ. وهذا ليس معناه أن مرحلة ما بعد البلوغ هي في منأى عن التأثير، وإنما المعنى أن الطفل بعد البلوغ يكون أكثر استقلالية منه في مرحلة الطفولة السابقة، كما تزداد العوامل المؤثرة والموجهة لسلوكه.

عملية التربية هي نظام متكامل تتدخل فيه أطراف عدة بدءًا بالأبوين والأسرة، وانتهاءً بالمجتمع بكل مكوناته، كالمسجد والمدرسة والشارع والإعلام والمحاضن التربوية.

هذه الأطراف المشتركة في تربية الإنسان وتداخلها -واختلافها أحياناً- بل وتناقضها أحياناً أخرى، يجعل من مهمة المربين في المحاضن التربوية أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد، ومع ذلك فالمربي الناجح هو الذي يستفيد من كل هذه الأطراف بقدر تحقيقه للهدف.

التربية على العبادة من أهم ما يجب أن يشتغل به المربون؛ فعبادة الله تعالى وتوحيده هي رسالة الأنبياء جميعاً، وباستقامة الإنسان في عبادته تستقيم حياته وسائر شؤونه، والتربية على عبادة الله والدعوة إليه هي من خير الأعمال؛ قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].

والتربية عملية متصلة، وتتسم بالنمو والزيادة، وهذا يقودنا إلى أن التربية على العبادة المنشودة يجب أن تكون وفق برنامج واضح المعالم يأخذ بيد المتربي إلى الله خطوة خطوة، فالإيمان بالله وتعظيمه وحبه من أهم جوانب العقيدة والعبادة التي تأتي في مقدمة ما يلزم المربين غرسها في الجيل، والانتقال إلى التربية على أداء العبادات من صلاة وصيام حسب التدرج العمري، ثم القيام بسائر التكاليف الشرعية هي الغاية المتوخاة من عملية التربية المستمرة.

إن غاية التربية على العبادة تتمثل في إيجاد الشخصية المسلمة التي تتجه إلى الله في كل شؤونها، فلا تسجد إلا لله، ولا تخاف إلا من الله، ولا تذبح إلا لله، ولا تحيا إلا لله، ولا تموت إلا لله: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [التوبة:162].

كما أن للتربية على العبادة أهميتها في ضبط سلوك الفرد وتوجيهه لعبادة خالقه، فإن لها أيضاً أهمية كبرى في إطار المجتمع، فالشخصية التي نشأت على عبادة الله تعالى ستكون أنموذجاً إيجابياً في المجتمع يعمل الخير ولا يرجو ثواباً إلا من الله، ويسخر علمه وماله وإمكاناته في خدمة المجتمع ابتغاء وجه الله.

إننا اليوم نواجه تحديات كبرى تفرض على كل من له صلة بالتربية أن يكون عند مستوى المسؤولية، فإخراج جيل يعبد الله بمفهوم العبادة الواسع الذي أجلاه لنا سلفنا الصالح أمر في غاية الأهمية.

والتربية على العبادة بمفهومها الواسع تقي الشباب والمتربين من الجنوح إلى التطرف والغلو، وتوجههم نحو الوسطية والبناء والتعمير.

ما أحوج أمتنا اليوم لجيل يتربى على مائدة القرآن والسنة، ويقتدي بسلف الأمة من المصلحين والعلماء الربانيين!

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة