يحرص الإسلام على حماية الأطفال من مغريات الحياة في المستقبل عن طريق التربية الروحية التي تُوفر لهم السلامة وتحصنهم من نزعات الشر ودوافع الهوى وتبعدهم عن الطريق الخطأ، وتُنير لهم دربهم ليمشوا على الصراط المستقيم.
ولا شكّ أنّ قوّة الجانب الروحي لدى الفرد وتوالي فيوضاته عليه، يجعله يقظًا بشكل شبه دائم، فتتحول بذلك حتى عاداته إلى عبادات في ميزان الله- عز وجل-، على عكس الغافل فإنه حتى عباداته تتحوّل إلى عادات لا ينال من ورائها شيئًا لأنها لا روح فيها.
وسائل التربية الروحية للأطفال
والروح هي مركز الكيان البشري ونقطة ارتكازه، وهي القاعدة التي يستند إليها وهي المهيمن الأكبر على حياة الإنسان، لذلك جاءت التربية الروحية والإيمانية على رأس اهتمامات الإسلام الذي بيّن طرقَ ووسائل غرسها، ومنها:
- الإحساس الحي بالصلة الوثيقة بين الإنسان والكون: فلا بُد من تعليم الأطفال أنّ الإنسان جزء من هذا الكون وصادر من ذات المصدر الذي صدر منه الكون.
- حب الحياة والأحياء: فإذا أحس الطفل بالصلة الحية التي تربطه بالكون الجامد، فإنه من باب أولى سيشعر بالصلة الحية بينه وبين الأحياء، التي يشعر بحياتها الحس والروح على السواء. وإذا كان الجسم يتخلص من سمومه بطريقة ما، ويمرض إذا تراكمت السموم داخله، فإن النفس كذلك ينبغي لها أن تطرد سمومها، وليس شيء يزيل سموم النفس كما يزيلها الحب؛ الحب على نطاقه الواسع، ولكل شيء ولكل موجود، وهذا الذي يصنعه الإسلام، ويصنعه القرآن، وهو ثمرة من ثمرات تلك التربية.
- الاستعلاء على الجسد: تعليم الطفل بالتدريج أن وجودها في الحياة إنما للعبادة وليس لتلبية شهوات الجسد التي تهبط بالإنسان عن مستواه اللائق بخليفة الله في الأرض، بل تهبط به إلى مستوى الحيوانية، فتستعبده الشهوة، فلا يملك نفسه منها، ولا يستطيع تحررًا ولا انطلاقًا.
- الاستعلاء على قوى الأرض: فما وزن هذه القوى الأرضية كلها بإزاء قوة الله؟ لا شيء، إذن فلا عبودية لقوة من قوى الأرض، ولا ذلة ولا استكانة ولا خنوع، فكل قوة على الأرض إما أن تكون مهتدية بهدي الله مستمدة من نهجه وهداه. ولا هدنة بين الحق والباطل إنما الجهاد الدائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، جهاد تراعَى فيه كل مبادئ الإنسانية كما رسمها خالق الإنسان، ولكنه جهاد و استعلاء، لا ضعف ولا هوان: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139).
- استمداد القوة من الله: وهو أن يعلم الطفل أن القوة لله، وليست القوى المادية هي الواقع الحق الذي يتحكم في مصائر العباد، بل هي هزيلة وضعيفة وليس في يدها وحدها تقرير الأمور، وإنما العقيدة الحية تستطيع أن تصارعها كلها وتتغلب عليها وتوجهها الوجهة الصحيحة.
- اعتياد المساجد: وهي أماكن تسمو بروح روادها، سيما الأطفال الذين يشعرون فيها بالهدوءَ النَّفسي والتوازن الرُّوحي؛ ففي المسجد يصلِّي الطفل في جماعة، ويتعلَّم النِّظام والمشارَكة الإيجابيَّة، كما يتعلم القرآن، وفيه يرى القدوةَ الحسَنة من المسلمين.
- حسن الخلق: وهو من أهم وسائل تربية الروح، إذ يجب على المسلم تربية أولاده على الكلمة الطيبة؛ فيعلمهم أنها من حسن الخلق، وأنها من أساسيات الدين الحنيف، وأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يحث أصحابه وأمته على هذه الفضيلة، فيقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (البخاري وأحمد).
- الصلاة: فمع التربية الجسدية تبدأ التربية الروحية منذ نعومة الأظفار، وهو ما أوصى به الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- بقوله: “مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ” (صحيح أبي داود).
- تعلم القرآن وتوقيره: لقد حث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حفظ القرآن الكريم وتعليمه للأطفال، ويكون ذلك بقراءته أمامهم كل يوم، ومن الممكن تحديد قصار السور ليحفظوها ومكافأتهم عليها، ثم زيادة عدد السور شيئًا فشيئًا.
ثمرات التربية الروحية
وتتمثل ثمرات التربية الروحية في تغيير سلوك الأطفال إلى الأفضل، وتحسين علاقتهم بربهم، ومع الناس، ومع أنفسهم كذلك، ومن أهم هذه الثمرات:
- إيقاظ القلب والروح: وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، ويتحقق ذلك بزيادة الحرص على فعل الخير، وزيادة الورع، وانصراف الرغبة- بعض الشيء- عن الدنيا، وعدم الفرح الشديد بإقبالها وزيادتها، أو الحزن العميق على فواتها ونُقصانها.
- الاستقامة: وهو ثمرة لا يُمكن الوصول إليها إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بالقلب الحي المستقيم: أي المتحرر من أَسر الهوى وانفصاله عنه والذي يحول بينه وبين التعلق التام بالله- عز وجل-، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه.
- الإحسان: حيث التعلق الشديد بالله- سبحانه وتعالى-، فعندما سئل الرسول عن الإحسان قال: “أن تعبد الله كأنك تراه” (البخاري ومسلم).
- حسن المعاملة: فمن شأن هذه التربية إحداث نوع من الرقي في الأخلاق وعلاج جوانب الضعف في الشخصية الإيمانية، وهي غاية الدين وهدفه من الناس في دنياهم ومعاشهم.
- التوبة والندم على الذنب: وهي من أهم ثمرات تربية الروح، قالمؤمن إِنْ هَفَا وَعَصَى وَأَذنب؛ أَفاق فندِم وَتَاب، وأسرع إِلى مَوْلَاه وَأَناب، قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 135]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 201].
- التأييد الإلهي: فالله عز وجل هو مالك الكون وربه ومدبر أمره: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284]، وإن كان البشر كلهم أمام الله سواء فلا أفضلية لجنس أو قبيلة أو لون، إلا أنه سبحانه يزيد من إكرامه وعنايته ورعايته للمؤمنين الذين يحبونه ويؤثرونه على هواهم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].
- الشعور بالسكينة والطمأنينة: فتربية الروح تورث العبد الثقة في ربه سبحانه وتعالى القادر على فعل أي شيء، وكلما تمكنت هذه الثقة في قلب العبد تبددت منه المخاوف التي ترهب الناس: كالخوف من سطوة الظالمين والخوف من المستقبل المجهول وما تخبئه الأيام، ألم يقل سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران: 151].
فالتزام التربية الروحية وغرسها في الأطفال منذ صغرهم يحميهم في أوقات الصراع والتدافع بين الحق والباطل، لأنه عند تساوي الحال وغياب التميز الإيماني والروحي بين المعسكرين، ستكون الغلبة حتمًا للأكثر عتادًا وعدّة وإمكانيات، لذا يحرص الإسلام على هذه الطاقة الروحية ويضعها في المقام الأول؛ لأنها تنشئ الواقع المادي وتشكل ظروفه، وهي التي تهدم وتبني، وتثبت وتمحو، وهي الجوهر الحق، والمادة مجرد کساء.
المصادر والمراجع:
- طريق الإسلام: التربية الروحية والإيمانية للطفل.
- السيد راشد الوصيفي: التربية الروحية ومسؤولية المربين.
- عتقة عيسى: دور التربية الروحية داخل الأسرة في حماية الأفراد من الانحراف الاجتماعي.
- جمال زواري أحمد: التربية الروحية أولًا وثانيًا وأخيرًا.
- مجدي الهلالي: نظرات في التربية الإيمانية، ص 15.
إضافة تعليق