د. ياسر الشلبي
أسهمت مجموعةٌ مِن الممارسات العلمانية والغربية في التخفيف من استنكار الشذوذ الجنسي وتشجيع الشاذّين على الكشف عن أنفسهم، وجعلهم يحاولون الضغط على المجتمع لتقبلهم وتقليدهم في شذوذهم، مما شكل خطرًا داهمًا على المجتمعات عمومًا، والأبناء بشكل خاص، وهذا المقال يعرض عددًا من العوامل التي تسهم في ضعف هوية الأبناء الجنسية، وميلهم للشذوذ أو تقبّله، إذ إن معرفة هذه العوامل وتجنّبها يقي بنسبة كبيرة مِن حصول المحذور.
مدخل:
يُعدّ موضوع الشذوذ من المواضيع التي تثير اهتمام الكثير من الأفراد، وذلك بعد انتشار هذه الظاهرة في أنحاء العالم، وتحوّل أتباعها من ممارسين إلى دعاة لها ومدافعين عنها، حاصلين على تشريعات تحميهم وتجعل من أفعالهم الشاذة حرّية شخصية، بل سلوكًا “حضاريًا” يمارسه بعض البارزين في المجتمع! وأصبح من الشائع ترويج تلك السلوكيات عبر برامج الأطفال والرياضة والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى رفع علم الشواذ في بعض البلدان على الدوائر الحكومية، وتخصيص بعض الحصص المدرسية لتشجيع الطلاب على الشذوذ وتغيير الهوية الجنسية، وتغييب عبارة “الشذوذ” من كتب علم النفس واستبدال عبارة “المثلية الجنسية” بها، وحذفها من دائرة الأمراض العقلية والاضطرابات الجنسية، وزرع ثقافة الجنس الواحد ليتم قبولها في المجتمعات.
كلّ ذلك عمل على التخفيف من استنكار الشذوذ الجنسي وشجّع الشاذّين على الكشف عن أنفسهم من خلال لباسهم وتصرّفاتهم، وجعلهم يحاولون الضغط على المجتمع لتقبلهم وتقليدهم في شذوذهم.
ولا يخفى على أحد أنّ ما يجري يهدف لضرب الجذور الأساسية لنسيج الأسرة والانتماء لها وإحداث هوَّةٍ بين الجنسين؛ لتقوم العلاقات بينهما على التناقض والتّصادم بدلًا من التّكامل من خلال فهم كلّ جنسٍ خصائصه وقدراته ومهامه، وتعبيد الأفراد لأهوائهم مما يسهِّل السيطرة عليهم كالبهائم، فالإنسان عندما يُفرِط في الحرية لدرجة الانفلات يبحث عمن يستعبِدُه هربًا من تلك الحرية الوهمية، وموجة الشذوذ هذه جاءت ضمن موجات أخرى لهدم الفطرة وتحطيمها، إلى جانب موجات النسوية، والمناداة بحرّية الطفل في اختيار جنسه وممارسة الجنس حتى ولو لم يكن مميزًا، والانحدار بالهوية الإنسانية بالكلية وظهور ظاهرة التزاوج من الحيوانات، وظاهرة الكلاب البشرية، يصدق عليهم قول الله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44].
وفي هذا المقال سأقتصر على تسليط الضوء على عوامل الحماية والوقاية لأبنائنا من التأثر بهذا الداء والبلاء الذي انتشر حتى في بلاد المسلمين.
التنشئة الخاطئة للطفل تلعب دورًا كبيرًا في عدم تقبل الطفل لهويته الذكورية أو الأنثوية في المستقبل، فشخصية الطفل تتأثر كثيرًا بأسرته، ومن تلك الأخطاء: تعامل الأهل مع الأبناء تعامل الإناث في النداء واللباس والألعاب والشكل، والعكس بالنسبة للبنات
العوامل التي تساهم في ضعف الهوية الجنسية وميل الأبناء للسلوك الشاذ وتقبله:
هناك العديد من العوامل التي تساهم في ضعف هوية الأبناء الجنسية، وميلهم للشذوذ أو تقبّله، ومعرفة هذه العوامل وتجنّبها يقي بنسبة كبيرة من حصول المحذور، ومن أهمها:
التنشئة الخاطئة للطفل: والتي تلعب دورًا كبيرًا في عدم تقبل الطفل لهويته الذكورية أو الأنثوية في المستقبل، فشخصية الطفل تتأثر كثيرًا بأسرته، ومن تلك الأخطاء: قيام الأهل بإطالة شعور أبنائهم الذكور كشعور البنات، وتوجيههم للعب بألعابهن وإلباسهم لباسهنّ، والعكس كذلك بالنسبة للبنات.
تعرّض الأطفال في صغرهم إلى التحرّش الجنسي من قِبَل أحد أفراد العائلة أو من المقرّبين أو المكلّفين بحمايتهم.
اطلاع الأطفال على الممارسات الجنسية للوالدين بشكل مباشر عن طريق الخطأ.
العيش في بلاد الغرب وحضور الحصص الجنسية الموجّهة للأطفال في المدراس.
الاطلاع على الممارسات الشاذّة من خلال وسائل التواصل والإعلام المختلفة، والتي تصوّر حالات الشذوذ الخاصة وكأنّها حالات عامة وطبيعية وناشئة عن حبّ كالذي ينشأ بين الجنسين، وطرح المواضيع الجنسية للنقاش في برامج حوارية تدعو لتقبل الشذوذ والشاذين.
مشاهدة بعض أفلام الكرتون المحبّبة للأطفال التي تروّج للانحلال والشذوذ برسائل ضمنية غير مباشرة تعمل على تغيير مفاهيم التربية المنضبطة بشكل تراكمي وممنهج، تجعل الطفل يعتاد على ما يعرض من أفكار ومشاهد تؤثر في تكوين شخصيته وتجعله يتقبلها بسهولة عندما يكبر بل ويقلّدها، يقول د. عبدالوهاب المسيري: “إنّ الأفلام الأمريكيّة تروّج لكثيرٍ من القيم، دون أن يدرك المتلقّي أنّه يُلقَّن من خلال الفيلم كثيرًا من القيم التي تتحيّز لها هوليود، مثل المنافسة والمطاردة والعنف، وهي قيمٌ تنبع من رؤيةٍ داروينيّةٍ للواقع ومن فكرة الفرد المطلق، لو نُقلت هذه الأفكارُ للمتلقّي بشكلٍ مباشرٍ لاشمأزّ منها ورفضها، ولذا فهي تقدّم له وكأنّها تسليةٌ بريئةٌ لا تجسّد قيمةً أو نموذجًا معرفيًّا وحشيًّا”([1]).
التسويق والترويج للشذوذ عبر العديد من الوسائل غير المباشرة، كملابس الأطفال والأدوات المدرسية من حقائب ودفاتر ونحوها، فالكثير منها إمّا أن يحمل شعار وعلم الشواذ أو صورًا تروّج للشذوذ أو تصدّر رموزه.
الغزو الفكري من خلال تحويل الشذوذ الجنسي من معصية فردية إلى قضيّة عالمية لها منظماتها التي تدافع عنها وقوانين تحميها، ونقل معركة الشذوذ إلى العالم الإسلامي، وإبراز الشاذين من المسلمين ودعمهم ليشتهروا، وتجاوز حقّ الأفراد في الاختلاف والرفض للممارسات التي تختلف مع معتقداتهم وأفكارهم إلى اتهامهم إذا صرحوا عنها بالعنصرية والإرهاب المثلي.
عدم توفير الرعاية والاحتواء النفسي للطفل من قبل الوالدين، مما يؤثر على تكوين هويته الحقيقية ويدفعه لتكوين هوية مزيفة بعيدة عن القيم الإسلامية والعادات المجتمعية والتي غالبًا ما تتكون من خلال تأثره بما يشاهده في الإعلام، وقد يبدّل هويته لإرضاء المتعاملين معه؛ فيصاب بمجموعة من الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي توصله إلى الفصام الاجتماعي الذي يُعدُّ أخطرها، حيث يضيع في هذا العالم الوهمي ويبني على أساسه قيمه ومعالجته للمواضيع، ويفقد الصلة المطلقة بعالمه الحقيقي وقد تتكون لديه الهوية المغتربة والقلق الهويّاتي.
العوامل التي تساهم في بناء الهوية الجنسية وحماية الأبناء من الشذوذ:
أولاً: الاهتمام بتربية وضبط الدوافع لدى الأبناء منذ الصغر:
فمن خصائص التربية الإسلامية التكامل؛ فهي تربية يكمّل بعضها بعضًا في حياة الإنسان، ولا يمكن الاهتمام بجانب وإهمال آخر، وفيما يلي توضيح لعلاقة بعض الدوافع بدافع الجنس:
أ- علاقة ضبط دافع الجوع والشبع بالتربية الجنسية:
يأتي في مقدمة التربية الجنسية للأبناء تربية دافع الجوع؛ فهو من أول الدوافع التي تعمل لدى الطفل منذ الصغر، فإذا عمل الأبوان على ضبط هذا الدافع سهل بعد ذلك ضبط باقي الدوافع عندما تبدأ عملها ومن ضمنها دافع الجنس، وقد جاءت العديد من النصوص التي تؤكد على وجود علاقة بين الجوع والجنس، (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)([2]).
قال عبدالرحمن بن زيد: أول ما يعمل فيه العبد المؤمن بطنه، فإن استقام له بطنه استقام له دينه، وإن لم يستقم له بطنه لم يستقم له دينه.
وقال مالك بن دينار: من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة كلها([3]).
ومن الجوانب المرتبطة بضبط دافع الجوع والجنس معًا:
اختيار الأم والمرضعة:قال ابن قدامة: “كره أبو عبد الله الارتضاع بلبن الفجور والمشركات، وقال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما: اللبن يشتبه، فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية، … ولأنّ لبن الفاجرة ربما أفضى إلى شبه المرضعة في الفجور، ويجعلها أمًّا لولده، فيتعيّر بها، ويتضرر طبعًا وتعيرًا، والارتضاع من المشركة يجعلها أمًّا لها حرمة الأم مع شركها، وربما مال إليها في محبة دينها، ويكره الارتضاع بلبن الحمقاء؛ كيلا يشبهها الولد في الحمق فإنّه يقال: إن الرضاع يغير الطباع”([4]).
الحرص على المأكل والمشرب الحلال: قال الإمام الغزالي: “بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة متدينة تأكل الحلال؛ فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث”([5]).
تعويد الطفل على الطعام الصحّي، والتزام عادات الأكل الصحيحة في سنّ مبكرة، فهذا يهذّب اختياراته في إشباع شهواته بصورة صحية، وإقامة علاقة إيجابية مع الطعام وباقي الاحتياجات، ويعوّده على ألا يشبع حاجاته إلا بما كان طيبًا مباحًا، فعادات الطعام لا تُعبر فقط عن نمط غذائي معين، ولكنها تكون مؤشرًا لسلوك شخصي كامل في الأغلب.
تعويده على فهم احتياجات جسمه بشكل صحيح، ومن ذلك: تعويده على الصيام ليضبط نفسه أمام مغريات الطعام ثم باقي مغريات الحياة، فقد لاحظ العلماء أنّ الأطفال الذين يتناولون الطعام بمجرّد رؤيته ويأكلون بشراهة حتى ولو كانت بطونهم ممتلئة فهم في الأغلب أقلّ قدرة على التحكّم في الذات والسيطرة على النفس في المستقبل.
عدم مكافأة وتحفيز الأبناء باستخدام الإغراء بتناول طعام غير صحي محبب لهم (كالأطعمة الغنية بالسكريات والنشويات والمشروبات الغازية)، أو العقاب بالحرمان منه، فخطورة ذلك أنّ هذا النوع من التعامل يرسخ فكرة ربط إشباع شهوات النفس بالحالة المزاجية للطفل سواء في السعادة أو الحزن.
يأتي في مقدمة التربية الجنسية للأبناء: تربية دافع الجوع، فهو من أول الدوافع التي تعمل لدى الطفل منذ الصغر، فإذا عمل الأبوان على ضبط هذا الدافع سهل بعد ذلك ضبط باقي الدوافع عندما تبدأ عملها ومن ضمنها دافع الجنس، وقد جاءت العديد من النصوص التي تؤكد على وجود علاقة بين الجوع والجنس
ب- ضبط دافع حب الاستطلاع والاستكشاف:
يعرّف دافع حُبِّ الاستطلاع بأنّه حالة نفسية داخلية، تدفع الشخص إلى اكتشاف البيئة، وجمع المعلومات، وتحصيل المعرفة، ويعدّ إشباعها ضرورة للصحة النفسية في جميع مراحل العمر([6]).
وتعتبر الحاجة إلى الاكتشاف والاستطلاع من الحاجات التي تدفع الفرد للسلوك من أجل النمو، وهي من قبيل حاجات تحقيق الذات.
ومن الجوانب المرتبطة بضبط دافع حب الاستطلاع والجنس معًا:
حماية الطفل منذ ولادته من الاطلاع على الممارسات الجنسية سواء التي تكون بين الوالدين، أو أشخاص آخرين.
المتابعة والتعليق: من خلال ضبط ما يشاهده الطفل ويطّلع عليه عبر التلفاز ووسائل التواصل، ومتابعة ما يشاهده الطفل والتعليق على أيّ محتوى شاذ وتوعية الأبناء بمخاطره، حتى لا تتكون لديه هوية هشّة إسفنجية تجعله يتأثر بهويات الآخرين من خلال تقليد الصور والرموز والتي قد تتعارض مع دينه وثقافة مجتمعه.
تعويد الأطفال على آداب الاستئذان وتربيتهم على غضّ البصر، وأبرز هدف من الاستئذان ألّا تقع أنظارهم على عورات آبائهم وأمهاتهم، وبالتالي قد تُحدث هذه المشاهد آثارًا نفسيّة تنعكس سلبًا على شخصياتهم، وتعليمهم أحكام اللباس لستر العورة وحفظ الصحّة.
الإجابة على تساؤلات الطفل حسب عمره، والطفل يكتشف الفرق بين الذكور والإناث مصادفةً، ويحاول اكتشاف سبب هذا الفرق بنفسه في ظل عدم قدرة الآباء والمربين على الإجابة على مثل هذه التساؤلات أو شعورهم بالحرج أمام الطفل، وعندما يتحدّث الطفل ويسأل عن أعضائه التناسلية فهو يتحدّث بنفس الطريقة التي يتحدث بها عن ذراعه أو قدمه، فهو عندما يسأل السؤال لا يعتبره قبيحًا أو غير لائق.
ومن الأسئلة التي ينبغي أن يجيب المربي عنها: سؤال الطفل عن جنسه أو الميول الجنسية أو مفهوم تغيير الجنس، ولماذا خلقنا الله من ذكر وأنثى.
يعرّف دافع حُبِّ الاستطلاع بأنّه حالة نفسية داخلية، تدفع الشخص إلى اكتشاف البيئة، وجمع المعلومات، وتحصيل المعرفة، ويعدّ إشباعها وضبطها ضرورة للصحة النفسية في جميع مراحل العمر
ثانيًا: البناء الإيمانيّ في نفسية الطفل منذ الصغر:
ليكون واقيًا وحافظًا له من الانحراف وزاجرًا له من الوقوع في المعاصي، ويترتّب على هذا البناء الإيمانيّ تكوين وعي أخلاقيّ يحفظ الفرد والمجتمع معًا، ومن جوانب البناء الإيماني التي تحمي الطفل من الانحراف:
أ- ربط الطفل بخالقه وتحبيبه بربه.
ب- تعليم الطفل منذ الصغر مفهوم التسليم لأمر الله وغرس القيم المرتبطة به مثل قيمة المرجعية والاتباع والإخلاص والوقوف عند حدود الله، وقدوتنا في ذلك النبي ﷺ الذي قال لابن عباس رضي الله عنهما: (يا غلام، إني أعلمك كلمات: احْفَظِ اللهَ يحفظْك، احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله…)([7]).
ثالثًا: بناء الهوية الجنسية الذكورية أو الأنثوية وذلك من خلال:
أ- تحبيب الطفل بجنسه والأدوار التي خُلق من أجلها، وإشعاره بالفخر بتكريم الله له وخلقه في أحسن تقويم، ورزقه إياه العقل الذي من خلاله يضبط ويدير غرائزه ودوافعه، مما يجعله أهلاً لعمارة الأرض والاستخلاف فيها.
ب- التحدّث معه عن سنن الله في الكون، والقوانين الكونية التي جعلها الله للكون بأكمله وللبشرية بشكل خاص، وأنّ مَن يخرق تلك القوانين فهو شاذّ لأنه يسير عكس تلك القوانين، ومن ذلك:
أن الله قد جعل التأنيث والتذكير سنّة كونية، فالكون كلّه قائم على التزاوج والثنائية، وجعل لكل من الذكر والأنثى أدورًا لو تغيرت أو جاءت على عكس السنن الكونية لحدث خلل في الحياة أو هلك الناس، قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49].
أنّ الله جعلنا مختلفين وهذا أمر طبيعي، ومحاولة تجاوز هذا الاختلاف أو إلغائه يخالف الفطرة؛ كأن يلبس الرجل لباس المرأة ويتكسر في مشيته ويحاول أخذ أدوارها، وتلبس المرأة لباس الرجل، وتترجل المرأة في مشيتها وتحاول أخذ أدوار الرجل، فإن ذلك كله مخالف للفطرة السوية وهو نوع من التخلف والشذوذ.
أن تكوين العائلة فطرة أوجدها الله لجميع الكائنات وهي قائمة على الذكر والأنثى، ولا يمكن أن تتكون الأسرة والعائلة دون مكوناتها التي قدّرها الله، ومحاولة تكوين عائلة دون عنصر من عناصرها هو شذوذ وتدمير للأسرة والبشرية بشكل عام.
أنّ الله أوجد الغريزة الجنسية وجعلها طاقة موجودة في كلّ الناس لتؤدّي وظيفة مهمّة وضرورية وهي التكاثر وعمران الأرض، وجعل الزواج هو الوسيلة المشروعة لإشباعها وقيامها بمهامها، فإذا أشبعت خارج نطاقها فهو اعتداء يستوجب العقوبة، وما من مجتمع تفشت فيه هذه الحالات حتى أصبحت ظاهرة إلا وأصابه الانهيار (والمثال الأشهر هو قوم لوط) وذلك لأنّ هذا السلوك يسير ضد تيار الحياة الطبيعية.
من الممكن أن يتمنى بعض الصبيان لو أنّه فتاة أو بعض الفتيات لو أنها صبي، لكنّ هذا الأمر يعود لكونه لاحظ بعض الفوائد التي يتمتّع بها الجنس الآخر ويرغب بها، لكن ذلك لن يغير نوع جنسه، كما يرغب أحدنا أن يكون طويلاً لكن ذلك لن يغير الواقع. فطرح مثل هذه الأفكار تحرك الذهن لدى الطفل وتجعله يفرّق بين ما هو شاذ وما هو طبيعي بطريقة سهلة وأسلوب مبسّط.
ج- تعويد الطفل منذ نعومة أظفاره على اللباس الذي يتناسب مع جنسه، وملابس الستر والحشمة والتي هي جزء من هويته وشخصيته، والانتباه للشعارات التي تحملها الملابس والألوان التي تشير للشذوذ، والكلمات ذات المدلول الجنسي التي تكتب على الملابس. ومن النصوص الدالّة على علاقة اللباس بالشخصية والهوية السوية أو المضطربة حديث: (لعن رسول الله ﷺ الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)([8]). قال الإمام الغزالي في تربية الصبيان: “وأول ما يغلب عليه من الصفات شَرَهُ الطعام، فينبغي أن يؤدّب فيه،… وأن يُحَبَّبَ إليه مِنَ الثياب البيض دون الملوّن والإبريسم([9])، وَيُقَرَّرَ عندَهُ أنّ ذلك شأنُ النِّساءِ والمُخَنَّثِينَ، وأنّ الرجالَ يَسْتَنْكِفُونَ منه، ويُكَرَّرُ ذلك عليه، ومهما رأى على صبي ثوبًا من إبريسم أو ملوّن فينبغي أن يستنكره ويذمّه”([10]).
يجب التركيز على البناء الإيمانيّ في نفسية الطفل منذ الصغر، ليكون واقيًا وحافظًا له من الانحراف وزاجرًا له من الوقوع في المعاصي، ويترتّب على هذا البناء الإيمانيّ تكوين وعي أخلاقيّ يحفظ الفرد والمجتمع معًا
رابعًا: البناء المعرفي من خلال:
أ- تزويدهم بالمعلومات الصحيحة فيما يخص التربية الجنسية حسب المرحلة العمرية التي يمرون بها، وشرح ما يطرأ على المراهق من تغييرات فسيولوجيّة([11])، وكيف يتعامل معها والأحكام المرتبطة بها، وسبل سدّ كلّ الذرائع التي تهيّج الشهوة في غير محلّها؛ مما قد يصيب الشباب من الجنسين باضطرابات وآلام نفسيّة، ويوقعهم في تصرفات شاذة.
ب- ترسيخ معنى العفّة والاستعفاف عند الطفل مما يساعده على التسامي والترفّع عن الأمور الدنيئة، وبلوغ سبيل الطهر والعفاف، ويمكن الاستعانة بقصّة نبيّ الله يوسف التي تدور في أحد محاورها حول العفّة الجنسيّة بهدف التربيّة والتعلّم وحثّ الأبناء على التشبّه به عندما قهر شهوته بالإرادة الحازمة وقهر رغبته بتقوى الله وطاعته؛ “فإن الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى جرّت إلى اقتحام الفواحش”([12])، أما إذا استخدمت تبعًا لإرادة الله فإن رغبة الجسد تلبّي أمره وتحقّق مصلحة الفرد في الدنيا والآخرة؛ إذ إنّ من مقاصد الله في الأرض ضمان استمرارية جنس الإنسان، والرغبات الجنسية تخدم هذا القصد.
ج- التوعية الجنسية المبكّرة للطفل بما يتناسب مع إدراكه، والتي تبدأ بتعريف الطفل بجنسه “أنتَ شاب قوي”، “أنتِ فتاة جميلة”، بحيث يتمكن من تمييز أفراد عائلته بناء على نوع جنسهم، ثم كلّ المتعاملين معه، ومن ثم يعرف لمن ينتمي من حيث النوع، ثم تعويده على الحياء من أن يتعرّى أمام الآخرين. وتعليمه كيف يحافظ على جسده، وعندما يقترب من البلوغ تعريفه بمعنى البلوغ وأدواره، والتصرّفات الخاطئة، ومنها الشذوذ وأضراره من خلال عرض بعض الصور أو الأبحاث التي تتحدّث عن آفات الغريزة وأمراضها الجنسية، ليرى الأولاد بأعينهم نتائج تلك الأفعال القبيحة، والتحدّث معهم عن الشذوذ الذي كان فاشيًا في قوم لوط عليه السلام وكيف حاربها، والعذاب والإبادة التي استحقّوها نتيجة إصرارهم عليها، وتعليم الطفل كيفية التعامل مع مروجي الشذوذ، وأهمية الابتعاد عنهم ومقاطعة وسائل التواصل الخاصة بهم، وعدم نشر أي منشور لهم حتى ولو من باب الاستنكار.
د- مخاطبة وتوعية الجيل من خلال الوسائل الحديثة والتواصل الاجتماعي: ففي هذا العصر لم تعد المواعظ والمحاضرات تكفي لتشكيل الوعي فهي خارج اهتمامات أبنائه، وشبكات التواصل تؤثّر فيه وتشكّل توجهاته أكثر من غيرها، فينبغي إصدار مقاطع قصيرة تظهر حقيقة الشذوذ والدعاة له، وحجم الجرم الذي يشكلونه على البشرية والإنسانية بشكل عام.
“إن الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى جرّت إلى اقتحام الفواحش”
الإمام الغزالي
خامسًا: تعليم الأطفال مهارات التفكير بالتدرج:
إلى أن يصل إلى مرحلة التفكير الناقد، فإذا أردنا لأطفالنا -في عالم دائم التغير- أن يكونوا مستقبلاً على درجة عالية من الثقة بالنفس قادرين على اتخاذ القرارات اتخاذًا مستقلاً، وتبنّي الأفكار السليمة ورفض الأفكار الشاذّة التي تتعارض مع معتقداتهم وقيمهم، فعلينا تزويدهم بالمهارات اللازمة للحصول على المعلومات ومعالجتها وتمحيصها وتدقيقها.
سادسًا: الاهتمام بتكوين ضمير الطفل:
وهو يتضمّن التمييز بين ما هو حسن أو خير أو حلال، وما هو سيء أو شـرّ أو حرام من السلوك، والضمير يوجّه السلوك ليجعله مقبولاً عند الفرد، فالضمير الحي القوي هو الذي يجعل الطفل يغضّ بصره عمّا حرّم الله، وهو الذي يجعل المراهق -رغم نداء الغريزة الجنسية- لا ينتهك ما حرّم الله من أعراض الناس أو يدخل في علاقات شاذّة.
سابعًا: تعزيز الملكية الفردية والخصوصية عند الطفل:
فحُبّ التَملُك عند الأطفال صفة طبيعية جيّدة إذا كان الطفل سيتعلّم فكرة أنه يَملك أمورًا وأغراضًا خاصّة به، ويجب عليه أن يحافظ عليها، وبنفس الوقت يفهم أن الآخرين أيضًا يَمتلِكون أغراضًا خاصة بهم ويجب علينا احترام هذه الحقيقة؛ وعندما يدرك الطفل هذه الفكرة نبدأ في شرح فكرة أن جسدنا أمانة عندنا وتقع علينا مسؤولية حمايته من الأخطار وعدم السماح لأحد باللعب به أو لمس أعضائنا التناسلية، وكيفية التعامل مع أي شخص يحاول التعدّي على ذلك، مما يساهم في حماية الطفل من التعرض للتحرش في صغره، واحترام خصوصية الآخرين وعدم التفكير بالاعتداء على الغير عند بلوغه أو السماح لأحد بالمساس به.
ثامنًا: بناء العلاقات السليمة:
من الأمور المهمّة التي تحمي الأولاد وتبني شخصيتهم وهويتهم: تعليمهم مهارات بناء العلاقات مع الآخرين، واختيار الأصدقاء الجيدين، وبيان حدود تلك العلاقات وأطرها، وتعميق الأخوّة في الله البعيدة عن التعلّق الشخصي، والتركيز على معاني الحب في الله والبغض في الله، فمن الأمراض التي ابتلي بها كثير من الشباب والفتيات في هذا العصر: التعلّق والذي قد ينتج عنه علاقات شاذة.
من الأمور المهمّة التي تحمي الأولاد وتبني شخصيتهم وهويتهم: تعليمهم مهارات بناء العلاقات مع الآخرين، واختيار الأصدقاء الجيدين، وبيان حدود تلك العلاقات وأطرها، وتعميق الأخوّة في الله البعيدة عن التعلّق الشخصي، والتركيز على معاني الحب في الله والبغض في الله
تاسعًا: الاهتمام بعوامل الوقاية قبل العلاج ومن ذلك:
أ- “وضع منهاج تربوي أسري ومدرسي لتنمية غريزة الذكورة والأنوثة قبل البلوغ الجنسي، مما يجعل الطفل محصّنًا نفسيًا ضدّ الانحراف؛ كون السواء الفطري محقّقًا، وهنا لابدّ من التمييز بين غريزة الجنس وغريزة الأنوثة وغريزة الذكورة، فغريزة الجنس لا تبدأ بالعمل إلا عند البلوغ، ولا يفهم الطفل ماهيتها إلا عند البلوغ، وتثقيفه باللذة الجنسية قبل هذه المرحلة يعتبر عبثًا، ولكن يجب تهيئة الطفل وتربيته وتنمية غريزة الأنوثة والذكورة منذ الطفولة، فالأنثى تحبّ الدلع والمكياج والنعومة والألوان الزاهية والملابس، والذكر يحبّ الألعاب القتالية والألوان غير الزاهية”([13]).
ب- تكوين صداقات بين الأهل والأولاد، والعمل على إشباع مشاعرهم والاهتمام بها واحتضانهم كيلا يحاولوا إشباعها مع الآخرين فيقعون في تصرفات شاذّة، ثم الاهتمام بتعويدهم على اختيار الصحبة الصالحة التي تتواصى فيما بينها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتشديد في إبعادهم عن الصحبة السيئة وبيان مخاطرها لهم.
ج- الاستقرار الأسري واحترام الزوجين لبعضهما أمام الأطفال، وهذا مما يساعد على النموّ الصحيح، أمّا إذا شبّ في أسرة لا تسمح بالنموّ النفسي السليم، فإنّ المشكلات الجنسيّة تبدأ في الظهور وتتراكم حتى تعبّر عن نفسها في مرحلة المراهقة، فيكره الطفل العلاقة بين الرجل والمرأة نتيجة الخلافات الأسرية، وبعض الفتيات تنظر لوالدها على أنّه شخص سيء وتكره على أثره الزواج، وقد تسترجل لحماية نفسها من الرجال، وقد تلتحق بالجمعيات النسوية وتتبنى أفكارها ويمكن أن تتجه للعلاقات الشاذة.
د- حماية الأطفال من التعرّض للتحرّش أو الاعتداءات الجنسية سواء كانوا من الأباعد أم الأقارب، فكثير من التحرّشات تحصل للأطفال من الأقارب البالغين.
ه- تعويد الطفل على فعل الطاعات والعبادات، والبعد عن المعاصي، وعدم التهاون معه عند ارتكابها، مما يعوّده على الانضباط والنّظام وتهذيب نفسه وينعكس على جميع سلوكه ومناحي حياته.
و- دمج الصبي مع أبناء جنسه واقتراب الوالد من ولده أكثر واصطحابه معه لمجالس الرجال، ودمج الفتاة مع بنات جنسها واقتراب أمها منها أكثر وجعلها تختلط بمجالس النساء، بالأخصّ عندما يكون الصبي أو الفتاة وحيدين فلا بدّ من الحرص على ذلك لكيلا يتأثر الصبي بالمحيط النسائي، أو تتأثر الفتاة بالمحيط الذكوري.
ز- فتح قنوات الحوار مع الأولاد والاستماع لما يدور في ذهنهم من أسئلة، وبالأخصّ المتعلقة بالنوع والجنس والهوية، وعدم الانزعاج من تلك الأسئلة أو التسرّع في إصدار الأحكام عليهم، وجعلها فرصة للتعرّف على المواقف التي تمرّ بهم والمشكلات التي تعترض طريقهم، وإعطاؤهم الفرصة لطرح الحلول التي يمكن أن تساعدهم في التعامل مع الأطروحات التي تخالف الفطرة وتقود نحو الشذوذ.
ح- إبعاد الأبناء عن مواطن الفتنة، وتعليمهم كيفية التعامل مع وسائل التواصل التي تعرض ما يشوّه هويتهم وأن يجاهدوا أنفسهم ويكبحوا جماحها عن التجرؤ على المعاصي، فالفتن التي تعرض هي بحاجة لغضّ البصر وحفظ السمع والجوارح عن كلّ ما يقرّب من الحرام ويدعو إليه، وقد نهانا الله وحذّرنا من الاستجابة لوسوسة الشيطان، وبيّن لنا أسباب ذلك، عندما قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168]، وعندما قال أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: 21].
ط- الدعاء للأبناء باستمرار، والتضرع إلى الله أن يحميهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
من أهم الوسائل وقاية الأبناء من المخاطر الجنسية: الحوار معهم والاستماع لما يدور في أذهانهم من أسئلة، وبالأخصّ المتعلقة بالنوع والجنس والهوية، وعدم الانزعاج من أسئلتهم، وجعلها فرصة للتعرّف على المشكلات التي تعترض طريقهم، وإعطاؤهم الفرصة لطرح الحلول التي يمكن أن تساعدهم وتعينهم
د. ياسر الشلبي
النائب العلمي لجامعة المعالي الخاصة – رئيس الجمعية السورية للصحة النفسية.
([1]) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهّاب المسيري، ص (66).
([2]) أخرجه البخاري (5066) ومسلم (1400).
([3]) الجوع لابن أبي الدنيا، ص (78).
([4]) المغني لابن قدامة (9/ 228).
([5]) إحياء علوم الدين (3/72).
([6]) استجابة الوالدين والمشرفين لأسئلة أطفال ما قبل المدرسة، لحسام هبة، رسالة دكتوراه غير منشورة مودعة بكلية التربية جامعة عين شمس 1989م، ص (46). وينظر: خيري المغازي عجاج، دافعية حب الاستطلاع، ص (13).
([7]) أخرجه الترمذي (2516) وصححه، وأحمد (2669).
([8]) أخرجه أبو داود (4098).
([9]) الحرير الصافي.
([10]) إحياء علوم الدين (3/72).
([11]) الفسيولوجيا: علم دراسة وظائف الأعضاء والأجهزة الحيوية.
([12]) إحياء علوم الدين (2/ 28).
([13]) إضافة من د. موسى الزعبي، بتصرف.
إضافة تعليق