تتجه الدراسات الحديثة في التعليم والمناهج الجديدة وأغلب المدارس المتطورة إلى تعليم الطفل منذ سن صغير كيف يحصل على ماله الخاص من خلال استغلال مهارة يجديها أو موهبة يطورها

تتجه الدراسات الحديثة في التعليم والمناهج الجديدة وأغلب المدارس المتطورة إلى تعليم الطفل منذ سن صغير كيف يحصل على ماله الخاص من خلال استغلال مهارة يجديها أو موهبة يطورها، وهذا يُعتبر تطوراً وقفزة كبيرة في التعليم الذي كان لسنوات طويلة، ومازال في المناهج الرسمية المدرسية وأغلب الدول، مازال منفصلاً عن الواقع.

لكن في الحقيقة هناك بعض الأمور التي لا يتعلمها الطفل في المدرسة، ولا يمكن أن يتعلمها وهي من مهارات الحياة الأساسية التي لا يمكن الحياة بدونها، وهي مهارة التعامل مع الأموال، أو ما يمكن تسميته بالتربية الاقتصادية للطفل.

ماذا تعني التربية الاقتصادية للطفل؟!

نعني بها تعليم الطفل معنى المال، وكيفية التعامل معه وصرفه وموازنته للحصول على كل ما يحتاجه وما يريده، وهذا أمر لا يتعلمه الطفل في المدرسة على الإطلاق، ولا داعي للانتظار حتى يتعلم العدّ أو الحساب حتى يجيد التعامل مع المال، بل إن التعامل معه سيساعده على تعلم العد والرياضيات بسرعة.

بمعنى آخر، هي تعليم الطفل استخدام معرفته من أجل اتخاذ قرارات مالية واعية وفاعله.

التدرج في التعليم:

لا تنتظر طفلك حتى يكبر ويصبح يمكن الاعتماد عليه ثم تعطيه مالاً وتقول له، أرني كيف تتصرف! لأنك لن تجد نتيجة جيدة إذا كنت تتوقع هذا.

يمكن تلخيص هذا التعليم في ثلاث خطوات:

1.    تعليم الطفل التفكير من خلال تعليمه أمور مختلفة مثل معنى المال، الحلال والحرام وطرق الإنفاق، ومفهوم الإسراف والتقتير.

2.    بناء مهارات عند الطفل من خلال تدريبه على ذلك.

3.    في المرحلة المتقدمة سيظهر السلوك نتيجة هذا التدريب، وهنا يأتي دور الأهل في المراقبة والتوجيه بناءً على المهارات وطرق التفكير التي تعلمها الطفل.

يمكن البدء مع الطفل منذ الثانية من عمره، حين تريه المال وتربط بين المال وبين الأشياء التي يحبها، ألعابه وحلوياته والأطعمة التي يحبها، وأن هذه الأموال هي ما تشتري لنا هذه الأشياء التي نحب.

ويمكن اصطحابه ليراك وأنت تحاسب على ما اشتريت، أو في عمر لاحق قليلاً ستعطيه المال ليعطيه هو للبائع ويأخذ به ما يحب من الأطعمة.

أيضاً يمكن الربط بين العمل والمال من خلال تكرار فكرة أن الأب أو الأم يذهبان للعمل للحصول على المال الذي نشتري به ما نحب..

في عمر أكبر قليلاً في الخامسة، يمكن البدء بإعطائه مصروف يومي خاص به، وشراء حصالة خاصة به لوضع المال بها وإيضاح أن هذا المال هو فقط ما سيحصل عليه، ولو اشترى به كله فلن يبقى معه شيء، وأيضاً إضافة الهدايا والأموال التي تأتيه في المناسبات، وعدها معه.

في هذه الفترة وعندما يكبر أيضاً، سيرى الكثير من الألعاب وسيطلبها كلها، ولتلافي جدال طويل معه، أخبره أن يقارن ما يملكه بما يريد شراءه ويرى كيف يمكن أن يدخر ليحصل على ما يكفي من المال لشراء ما يريد.

أمور على الأهل تجنب فعلها عند تعليم طفلهم إدارة أمواله:

·       عدم إعطائه المال كمكافأة لعمل أو نتيجة دراسية جيدة، بل الأفضل أن تكون على شكل هدية رمزية أو إن كان يرغب في شيء ما فاعرض عليه إكمال ثمنها كمكافأة.

·       عدم تحديد المصروف الشخصي، بعيداً عن مصاريف الملابس والدروس وأمور يتفقون عليها ويمكن للطفل أن يعيها بدءاً من العاشرة من عمره.

·       التعامل بغضب أو عصبية أو أي القيام برد فعل غير مناسب لو اكتشفوا أنه يأخذ من أهله بعض المال خلسة أو يقتطع حصة لنفسه لو ذهب لشراء بعض الأغراض للمنزل.

·       عدم وجود سلطة أبوية وتركه يتصرف في ماله كما يشاء طيلة الوقت، يمكن فعل هذا لمرة من باب التدريب ولتعليمه أنه إذا صرف ماله في شيء واحد فلن يبقَ معه شيء ولن يحصل على غيره، وهذه قيمة مهمة عليه تعلمها وهي: (المال محدود).

·       حجبه عن موازنة المنزل بحجة عمره الصغير، هذا يعطيه شعوراً بعدم أهمية الأمر، وحين يتعلم كيف تتم إدارة موازنة منزل فهذا سيساعده ليعرف كيف يصرف أمواله الخاصة، فمثلاً شراء أشياء غير ضرورية للمنزل مع نقص في الضروريات سيسبب له اضطراباً في مفهوم الضرورة والحاجات، بل الأفضل اطلاعه على ما تريدون شراءه ومناقشته فيما تحتاجونه للوصول لرأي يرضي الجميع.

·       التبرم المستمر من الأسعار، وبالمقابل عدم اطلاعه على أسعار الأشياء المختلفة حتى الخضار والبقوليات وما يستخدم كل يوم.

هذه الخطوات والتنبيهات فرصة للحوار مع الطفل، وترسيخ بعض المفاهيم الإسلامية في ذهنه والتي سيكون لها أثر كبير عليه في المستقبل.

المال الحلال والمال الحرام:

من الأساسيات التي ينبغي على المسلم مراعاتها هي ماله ومصدر رزقه، وتأكيداً وتطبيقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات من رزقناكم)، والكثير من الأحاديث الشريفة التي تحض على تحصيل المال الحلال وترك المال الحرام.

وأثناء تعليم الطفل كيفية إنفاقه للمال، يأتي الحديث عن مصادر الحصول على هذا المال، وهذا مهم للمسلمين الذين يعيشون في الدول الأجنبية حيث تنتشر أعمال يكون مصدر الدخل فيها يحتاج إلى تحرٍ وسؤال دقيقين لطبيعة العمل.

أين أنفقه؟!

تعويد الطفل على تحديد أولوياته في ما يشتريه والتفكير ملياً قبل الشراء ولو كان ذلك من ماله الخاص سيعود عليه بالنفع في المستقبل ليعي فكرة وضع المال في مكانه المناسب ولو كان ذلك بمفاهيمه الطفولية، هل نشتري حلوى بكل ما معك من المال الآن؟ أم تبقي البعض لشراء لعبة لاحقاً؟ برأيك هل من الأفضل أن نضع كل المال في الحصالة أم نترك قليلاً منه لشراء ما نحب؟ كم مرة ستستخدم هذه اللعبة؟ هل تريدها لأن صديقك لديه منها أم لأنك تحبها؟ هذا النوع من الحوارات يجعل الطفل يفكر ملياً بما يريد شراءه والدافع منه.

ويساعد في ذلك تعليم الطفل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ". رواه ابن حيان والترمذي.

الصدقات والزكاة:

لا يتعلم الطفل بالشعارات بل بالقدوة، وعندما يشاهد الطفل والديه يخصصان مالاً للصدقات ويحسبان الزكاة المترتبة على أموالهم فهذا يعزز عنده هذا المفهوم ويؤصل في نفسه أن الصدقة والإحسان للآخرين هي أمر أساسي، ويُفضل عند سن معين مشاركة في إيصال المال أو الهدايا والصدقات لمن يحتاجها، والتأكيد على قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)، وأن هذا المال سيعود عليه أضعافاً مضاعفة مع ربطه بالجزاء الأخروي وليس المادي فقط، وذلك حسب السن الذي يتعلم به.

فوائد التربية المالية للطفل:

1- فائدة نفسية، فالطفل عندما يتعلم كيف يدير أمواله ويحسن صرفها ويعرف كيف وماذا يشتري بها فهذا يعلمه فن الإدارة ويزيد ثقته بنفسه ويساعده على تحمل المسؤولية وتعلم كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، وأيضاً الوعي بمعنى الأمانة والمشاركة والإحساس بالآخرين وكونه فرداً من الأسرة وفرداً فاعلاً فيها.

2- فائدة على المدى البعيد: ترتبط هذه التربية في المستقبل على قدرة الطفل على تحصيل معدلات ادخار عالية، ورفع ميزانيتهم الشخصية وتحصيل مال أعلى مما يؤثر على مستوى معيشتهم.

3-  التخفيف من المشاكل الاجتماعية لاحقاً عندما يحسن إدارة موازنته فيعفيه ذلك من الاستدانة من الآخرين.

4- يعود هذا على ميزانية الأسرة بالنفع، إذ يعي الطفل احتياجاته واحتياجات الأسرة وقد يساعده هذا على التخفيف من طلباته الخاصة وإصراره على طلب أشياء خارج قدرة الأسرة.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة