تنطلق أهمية التربية الإعلامية للأطفال من أهمية الإعلام بكل أشكاله؛ المقروء والمسموع والمرئي، والتي تعد جزءًا أساسيًّا من تنشئة الطفل الاجتماعية، لكنه في الوقت نفسه سلاحٌ ذو حدَّين؛ فهو من ناحية يعد وسيلةً لتغيير سلوكيات الطفل الخاطئة، وتحفيز مخيِّلتِهم، وتوسيع معرِفَتِهم، ومن ناحيةٍ أخرى يسهم في خلق تأثيراتٍ سلبية على الأطفال؛ مثل تخدير الحواس، والحدّ من قدرة الطفل على التخيُّل واللَّعب الحُر، وعدم الشعور بآلام الآخرين.

ويعمل الإعلام الإيجابي على خدمة العملية التربوية التي تمم داخل الأسرة أو خارجها، انطلاقًا من تويجهات الشريعة الإسلامية التي جعلت مسؤولية التربية جزءًا من عبوديتنا لله، نُؤجر عليها، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ” (رواه الترمذي).

مفهوم التربية الإعلامية

وقد عرّف مؤتمر “التربية من أجل عصر الإعلام والتقنية الرقمية”- الذي عُقد في فيينا 1999م التربية الإعلامية بأنها هي التي تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي، وتشمل الكلمات، والرّسوم المطبوعة، والصوت، والصورة الساكنة، والمتحركة؛ التي تُقدّم عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات.

والهدف من هذه التربية هو تمكين أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام الاتصالية التي تستخدم في مجتمعهم، والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل، ومن ثم تمكينهم من اكتساب المهارات في استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين.

والمتأمل في تعريف هذه التربية وهدفها وتطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه؛ يدرك أنها لا تُخاطب ولا تحمل وسائل الإعلام- على نحو مباشر- مسؤولية الآثار السلبية التي يتعرض لها الأطفال إثر تعرضهم لهذه الوسائل؛ بل يرى أنها تتجه إلى متلقي ومستخدمي وسائل الإعلام، مطالبة الأسرة- التي هي الحضن الأول للمتلقي، والدرع الحصين له- أن تُؤهل الطفل؛ لفهم ماهية الإعلام ووسائله، منذ طفولته المبكرة، وهو أوجب ما ينبغي على الأسرة فعله تجاه أفرادها والصغار منهم خاصة إذا أرادت أن تتخطى آثار الإعلام السلبية أو تقللها.

دور التربية الإعلامية وتأثيراتها على الأطفال

تلعب التربية الإعلامية دورًا أساسيًّا في خلق الهوية الثقافية للطفل وفي الوقت ذاته الحفاظ عليه من متابعة المُحتوى المُسيء الذي يزرع بذور الكراهية بين الناس في المُجتمعات المُختلفة، وقد يصيبنا نحن أولياء الأمور بالإحباط الكبير عند تفحص محتواها، فما بالنا بالطفل الصغير فاقد الأهلية الذي يُترك بالساعات رهينة سهلة المنال لهذا المحتوى غير الملائم.

وتُشير بعض الدّراسات إلى أنّ نسبة الأطفال الذين يستخدمون الهواتف الذكية تصل إلى 75%، وتصل نسبة الذين يتصلون بشكل مستمر بالشبكة الحاسوبية إلى 25%، بينما تصل نسبة الذين يدخلون إلى موقع واحد من مواقع التواصل الاجتماعي إلى 76%، مقارنةً بالذين يدخلون إلى أكثر من موقع بحيث تصل نسبتهم إلى 70%، ومن هنا كان لا بُد من الالتفات إلى تأثير هذه التربية على الطفل إيجابيا وسلبيا؛ فمن أدوارها الإيجابية أنها:

  • قادرة على مخاطبة حواسّ الطفل، وبخاصّةً حاستيْ السمع والبصر، ما يساعدُ على جذبِ انتباهه، ونقل المعرفة إليه ببساطة وسهولة دون أي تعقيدات.
  • قادرة على تنمية وتطوير خيال الطفل، وتحفيزه على التفاعل مع أنماط المعرفة المختلفة التي يتلقّاها سواءً من خلال شاشات التلفاز أو الحاسوب، ما يساعدُ على تغذية قدراتِه وتقوية شخصيته وامتلاكه الفراسة والنباهة.
  • تجمع بين الدور الثقافيّ والتربويّ والترفيهيّ في وقتٍ واحدٍ، وبالتالي ضمانُ حصول الطفل على المعرفة، والتربية الصحيحة، والتعرّف إلى السلوكيّات الصالحة ودفعه للقيام بها.
  • تُتِيح العديد من الموضوعات التربوية للوالدين الموجودة في البرامج المتلفزة، وإعلانات الخدمة العامة، وفي المواقع الإلكترونية، ما يعود على الطفل بتربية سليمة.
  • توفر برامج تعليمية تجذب انتباه الطفل وتسهم في تطوير شخصيته، خصوصًا البرامج التربوية والدينيّة التي تعلّم الطفل أساسيات التعامل مع الآخرين بالطرق السليمة، وتعلّمهم الوضوء والصلاة، والذهاب إلى المسجد، وبعض العادات الإسلاميّة القيّمة.
  • توفر برامج تعليمية ثقافية تعمل على زيادة قدرات الطفل اللغوية، حيث تزداد الألفاظ التي تختزن في عقله ويستطيع استخدامها في المواقع المختلفة.
  • تعمل المواقع الإلكترونية التربوية على تنمية الخيال لدى الطفل، وتحميه من التعرض للمواد المسمومة.

ومن أدوارها السلبية: 

  • تقديم مفاهيم عقائديّة وفكريّة مخالفة لفطرةِ الطفل، واشتمالها على بعض العبارات التي تهاجمُ الدين مثل الاعتراض على حكمة الله، والحثّ على السحر والشعوذة.
  • تنمية مشاعر العدوانيّة والعنف، وحبّ الجريمة، والاستهانة بحقوق الآخرين في سبيل تحقيق غايته.
  • إعاقة تطوّر قدرات الطفل التأمليّة، التي تدفعُه إلى الإبداع والابتكار.
  • اضطراب نظام الطفل اليوميّ، وعدم التزامه بأوقات النوم والطعام، مّا ينمّي لدى الطفل مبدأ الاستهتار بالوقت، وعدم الاكتراث له.
  • إصابة الطفل بالكثير من الأمراض الصحيّة والجسميّة، فالجلوس الطويل أمام وسائل الإعلام يؤدّي إلى الكسل، والتأثير على قوّة نظره، وأعصابه، وإصابته بالسمنة الناتجة عن كثرة تناول الطعام أثناء فترة جلوسه.
  • إصابة الطفل ببعض المشكلات النفسيّة مثل الفزع والخوف، ما يؤدّي إلى تبوّلِه ليلًا خلال نومه؛ بسبب خوفه من الذهاب إلى الحمام، وتفكيره الدائم بالشخصيّة الشريرة التي شاهدها.
  • قد تسهم وسائل الإعلام في خلق شخصيات مقلدة غير حقيقة لأطفالنا، الذين يتعرضون في الغالب للغزو والسيطرة من برامج تذاع بشكل دائم ومستمر دون أن تحتوي على أي مضامين تربوية جيدة.
  • إصابة الطفل بالازدواجيّة، نتيجة ما يراه في هذه الوسائل من معلومات وبين ما هو موجودٌ في مجتمعه.
  • غرس العنف والكراهية في نفس الطفل، نتيجة ما يُشاهده في الأفلام من شخصيّات خرافيّة ومخيفة وعنيفة.
  • التأثير على عقلية الطفل وجعله مهتمًا بشكلٍ أكبر بالتفاعل الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح أكثر رغبةً في الشهرة الافتراضية. 

رسائل للآباء

وبعد عرض مفهوم التربية الإعلامية ودورها وتأثيراتها الإيجابية والسلبية، نسوق بعض الرسائل للآباء، للاستعانة بها في توجيه أبنائهم والاستفادة من دور الإعلام في تنمية قدراتهم وحفظ وقتهم، وهي كالتالي:

  • على أولياء الأمور والمربين الاهتمام بتثقيف وتوجيه الأبناء للتعامل الواعي والمسؤول مع وسائل الإعلام.
  • تدريب الأطفال من سن مبكرة على التحدث عن أثر وسائل الإعلام وخطورتها، وبخاصة برامج التلفاز، ويستمر هذا في جميع مراحل نموهم.
  • التشجيع على التواصل العاطفي والنفسي بين أفراد الأسرة، والتركيز على تعلم الطفل القيم الاجتماعية، وتعريفه بالخطأ والصواب.
  • استثمار جهاز التلفاز، وعدم الاقتصار على نقد محتوى البرامج التي يُقدمها، بل نستخدم المحتوى الذي يقدمه في تحويله إلى أداة تثري ملكة النقد عند الطفل، والقدرة على الاختيار، ومهارة الحوار، واستخدام المنطق في الحكم على الأشياء.
  • عند استخدام التلفاز؛ لا بُد من الأخذ بالاعتبار أنه ليس شيئًا محايدًا في المنزل، وأنه في اللحظة التي تضاء فيها الشاشة يتَّحد ذهن ومشاعر المشاهد- في عملية معقدة- لإدراك وفهم واستيعاب ما يُعرض، خاصة لدى الطفل.
  • معرفة التطبيقات والبرامج التي يستعملها الطفل على الأجهزة الذكية، والتفاعل مع الطفل في حواراتٍ حول طبيعة استعماله لوسائل التواصل الاجتماعي، والتأكيد على مفهوم أن ما ينشر على الإنترنت غير قابلٍ للمحو أو الإزالة.
  • إبداء اهتمام حقيقي للتعرف إلى الأشخاص الذين يتواصل معهم الطفل على مواقع التواصل، للتأكيد على أهمية وجود طرفٍ بالغ يحمي الطفل عند مقابلته لهؤلاء الأصدقاء في الأماكن العامة.
  • استعمال تطبيقات حماية الأسرة، التي تتيح للوالدين حجب المواقع، وتحديد وقت الاستعمال، والإشراف على محادثات الأطفال عبر الإنترنت.
  • وضع الأجهزة الإلكترونية التي تعرض وسائل الإعلام في أماكن مفتوحة في المنزل على نحوٍ يسمح للوالدين بمشاهدة أطفالهم أثناء استخدامها.

إنّ التربية الإعلامية تتركز في رؤيتها على تفعيل دور وسائل الإعلام الإيجابي في تهذيب وتقويم أخلاقيات الأطفال من خلال البرامج التي تُقدمها، ومن خلال عملها مع مؤسسات المجتمع الأخرى لتنشئة الأطفال على ما نحب ونرضى، وفي الوقت نفسه تُسهم بشكل كبير في اكتشاف مواهبهم ومساعدتهم على إدراك ذاتهم.

المصادر والمراجع:

  1. فهد بن عبد الرحمن الشميمري: التربية الإعلامية، ص 20.
  2. سناء الدويكات: دور وسائل الإعلام في تربية الأبناء.
  3. سليمان الطعاني: لماذا التربية الإعلامية؟
  4. إسلام ويب: الأسرة ودورها في التربية الإعلامية.
  5. أريج الحاسي: التربية الإعلامية للطفل والأسرة.
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة