لن نجانب الصواب إذا قلنا: إن فتنة الولد المُحذَّر منها في النصوص الشرعية تتحقق في هذا الزمان أكثر من ذي قبل، على نحو لا يزيدها إلا تمكنًا ورسوخًا.

لن نجانب الصواب إذا قلنا: إن فتنة الولد المُحذَّر منها في النصوص الشرعية تتحقق في هذا الزمان أكثر من ذي قبل، على نحو لا يزيدها إلا تمكنًا ورسوخًا؛ فأنت تجد كثيرًا من الآباء اليوم مفتونين بتعليم أبنائهم تعليمًا يخدم معاشهم وليس بالضرورة معادهم، أكثر من عنايتهم بتربيتهم وتنمية القيم الأخلاقية في نفوسهم.

كما تراهم مهمومين بتوفير احتياجاتهم من ملبس ومأكل ومشرب، ومجاراتهم في مطالبهم، ومطاوعتهم في هواياتهم؛ يقضون جل وقتهم شاردي الذهن يتلمسون معالم مستقبلهم، ابتداءً من مرحلة الحضانة إلى التخصص الدراسي إلى طبيعة العمل الذي سيختارون، إلى زواجهم وهكذا؛ فيشقون من أجل ذلك أيما شقاء، وربما تعدوا الحدود، وأتوا بمخالفات، أو اقترفوا موبقات، وتحملوا ما لا يستطيعون الوفاء به من العقود.

هذا الوضع المقلق رتب على أهل الفكر والعلم والدعوة مسؤولية التدخل للتخفيف من وطأته، والإسهام في تنفيس كرب خلق كثير لا يعرفون طريقًا سالكًا يقيهم مهاوي الردى، ويلقي عن كواهلهم الأثقال، ويضع عنهم إصر الفتنة بالولد.

وأحسب أن مكابدة تربية النشء اليوم وحدها كافية لتكون مسوغًا لتنوع الكتابة التربوية، وتعدد الإنتاج التربوي، وحفز همة كل ذي أهلية ليكتب أو يحاضر أو يدرِّب أو يناقش، أو يُعرِّف بالتجارب الناجحة مهما كان مصدرها؛ فلعلنا في حاجة إلى نمط جديد من التربية يوافق كل يوم تطلع فيه شمس.

إن الهم التربوي قد يبلغ حد جعل سؤال التربية سؤالاً مفتوحًا لا تكفي فيه الإجابات المتعددة مهما حاولت الاستقصاء، ودواعي ترسيخ القيم النبيلة لا تنقطع، مثلها مثل تطوير الأفكار والأساليب، وتقريب المفاهيم النافعة البانية إلى الناس لتكون في متناولهم، فتسعفهم عند مواجهة تحديات العيش في ظل واقع مضطرب؛ واقع تتناسل مشكلاته يومًا بعد يوم، وتتفنن في ابتكار طرق إذكاء شهوات الإنسان، وسبل إثارة الشبهات في وجهه، حتى أوشكت قيم الخير والصلاح والاستقامة على الانحسار والانزواء.

وإسهامًا في تلمس مخرج من هذه الوضعية الخطيرة لا يفوتني التماس العذر للمفتونين بالولد، كما لا يفوتني التأكيد على أن الكتابة في المسألة التربوية لم تستنفد أغراضها، ولم تبلغ غايتها، بل إنها تتجدد مع حادثات الأيام والليالي، كما سبق ذكره، وعلى كل من له مُكنة أن يُدلي بدلوه، ولا يحقرن من المعروف شيئًا؛ فعسى أن يكون في المفضول من القول فائدة يجنيها ذو حاجة أكثر من الفاضل، ويوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.

إن من أولويات الكتابة التربوية التذكير بحقيقة الولد، وأنه في الأصل نعمة إلهية، وهبة ربانية لوالديه، وأمانة تستوجب الحفظ والرعاية؛ والولد الصالح كسب لوالديه لا ينقطع أجره؛ هذا البعد العقدي داع إلى الربط بين التربية الصالحة والتعليم الجيد، ومعين على تخفيف التوتر والقلق الذي يخالج كثيرًا من الوالدين والمربين.

سبعًا سبعًا سبعًا:

والتربية السليمة تقوم على أساس الرعاية والمصاحبة، وفقه بالمراحل العمرية، وتدرج في التعامل بما يناسب كل مرحلة، والاهتمام بتنمية العلاقة بين الوالدين والولد على نحو يدرك فيه الولد أن والديه أقرب إليه من كل قرين، وأحرص على نفعه من كل أحد؛ وهذا يضاعف من مسؤولية الوالدين، وما يتعين عليهما القيام به، وما أكثره!! لكنه لا ينبغي أن يصرف همهم عن العناية بنفسيهما من حيث الوقوف عند حدود الله، والاجتهاد في طاعته، وإعطاء القدوة قولاً وعملاً؛ فلسان الحال أبلغ من المقال.

ورد في الأثر: "داعب ابنك سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا". وهذا المعنى معقول جدًا بالنظر إلى الفترة التي تتشكل فيها أهم معالم شخصية الطفل وهي السنوات السبع الأولى من عمره؛ فالمداعبة تكسب الطفل أمانًا، وتبني جسر الثقة، وتعمق أصل الوفاء، وبها تقوى دعامات الشخصية السوية، وعبرها تنتقل الأخلاق، وتنغرس قيم الصدق والحرية والعدل والشجاعة وغيرها...

ثم تأتي بعدها سبع التأديب وهي مرحلة جوهرية فيها يلتحق الطفل بمؤسسات التعليم الذي هو رافعة كل تقدم، وبه تعلو مكانة الأمم، وتسعد البشرية بما تحققه من اكتشافات واختراعات، وفي مرحلة التأديب هاته يمكن أن يتعرف الطفل على الخير والشر، وينمي معارفه عن الحياة، ويكتسب أساسيات العلوم.

وأخيرًا يأتي دور المصاحبة المتعقلة في مرحلة المراهقة؛ التي تتأكد فيها ضرورة العناية بالتأهيل للحياة، والإعداد للاستقلال، وحمل المشعل، وتوريث القيم والمعاني الجليلة في الحياة.

من الآثار المعبرة قولهم: "الطفل سبعة أمير وسبعة أسير"؛ وهو قول له دلالة عميقة على ما ينبغي الانتباه إليه من استثمار سني الطفل الأولى لبناء شخصيته، وتمكينها من مقومات الحياة السعيدة، بالرعاية فالمصاحبة، ثم الوقاية من مخاطر فترة المراهقة، وما يرتبط بها من تحولات فسيولوجية قد تشكل تحديًا إذا لم تجد بناءً صلبًا، يقف أمام رياحها العاتية.

وعي المربين:

وصمام الأمان -بإذن الله تعالى- هو وعي الوالدين والمربين للمرحلة، والقيام بخطوات استباقية لملء وقت المراهق بالحب والحنان، والاعتبار، وتنظيم الأنشطة الهادفة التعليمية والترفيهية.

ومن أجل عبور آمن لمرحلة المراهقة لا بد من التدرب على حسن الاستماع، وترقية مستوى التواصل بتجنب القطيعة، وتبني الحوار الصريح لمناقشة مشاغل المراهق مهما بدت غير منطقية، والاستعداد لتحمل جلبة المرحلة، والتعامل معها بمنطق "الحرية المحروسة" كما يعبر رجال القانون عند تقويم سلوك الأطفال الجانحين.

ومصطلح الحرية المحروسة قد يبدو مناسبًا لهذه المرحلة إذا استصحبنا مغزاه الرامي إلى تقويم السلوك، والوقاية من الانحراف أو من التمادي فيه؛ لذلك علينا الحذر من المبالغة في المنع والحرمان بداعي الوقاية، بل الأسلم تمكين الطفل من الحرية في ممارسة هواياته، وإعانته على حسن اختيار أصدقائه، مع مشاركته كلما أمكن، أو تفويضها لمن يقوم بها على أحسن وجه.

كما أنه من المفيد جدًا تَصنُّع الاهتمام بهواياته، وتشجيع ميوله في الخير، وربطه بمعالي الأمور، وحمله على استشعار المسؤولية داخل البيت بتكليفه ببعض المهام مع التدرج في ذلك، وإشراكه في مجالس الكبار، وتعويده على مناقشة الأفكار، وتنمية رغبة القراءة لديه، عبر القراءة من قبله في مجالس تخصص لذلك في البيت بمحضر والديه وإخوته ومع أقرانه، وكذلك داخل مؤسسته التعليمية تحت إشراف مدرسيه، وخلق فرص المنافسة في أعمال البر..

ومن الفعل الوقائي في فترة المراهقة الحرص على معرفة رفاق الأولاد، ودعوتهم إلى البيت والتلطف بهم، والإحسان إليهم، وهي فرصة للتوجيه العام لهم، واختيار أنبه الأصدقاء وتقوية العلاقة به، وحفز هذا الأخير للقيام بمهام التوجيه وإيصال الأفكار والآراء؛ فللنظير تأثير في نظيره، والقرين بالمقارن يقتدي.

ثم إن مواكبة المراهق وتيسير عبوره إلى بر الرشد وتحمل المسؤولية ليس أمرًا صعبًا، رغم أنه يختلف باختلاف البيئات، ومستوى الوعي الاجتماعي بما يحيط بالمراهقين، مع استحضار أن كل طفل يمثل نسخة فريدة في شخصيته، فليس التماثل حاصلاً ولا موجودًا حتى بين التوائم، ولذلك من المهم أن يفهم الوالدان والمربون عامة أنهم هم من يستفيد من تنويع صيغ التربية، واكتشاف أنماط جديدة تناسب اختلاف شخصيات المراهقين، ذكورًا وإناثًا.

ونذكر أخيرًا بأن التراث التربوي للأمة يمتلك مقومات العطاء المتجدد، وعناصر الإبداع الواقية -بإذن الله تعالى- من النكوص، الضامنة للعيش بأمان في عالم متغير، كما يمثل معينًا ثريًا لاستخراج صوره التربوية المشرقة، التي كان لها الفضل في إخراج أجيال من الصالحين المصلحين، مع توسيع النظر بالاطلاع على تراث الأمم الأخرى والاقتباس منه بوعي.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة