فالطفل في بداية عامه الأول يعشق الاكتشاف، والبحث عن الجديد، فيكتشف العالم من حوله، وعندما نمنعه من عالمه، ويصبح كل شيء ممنوعًا، فإننا نحرمه من نمو الحسّ الإبداعي في بدايته

استيقظ من سُباته باحثًا عن مراده الإبداعي الذي يصحو معه كلّ صباحٍ، طفلٌ يحاكي نفسه، ويقول: ماذا سأفعل اليوم؟ وما المطلوب مني؟ وماذا سأنجز؟  أريد أن أفعل شيئًا، أريد أن يقال عني: مميزٌ مبدعٌ.

هكذا هي شخصية الطفل، في كلّ يومٍ يريد أن يبدع ويقدّم شيئًا، ولكنه يصحو ليقابل عكس ذلك: أبٌ يقوم بتحطيم ما يصبو إليه الطفل من أحلامٍ، وأمٌّ تصرخ في وجهه: أنت لا فائدةَ منك، ومعلِّمٌ يقابله بكلماتٍ تسيء لإبداعه، وأنه لا ينفع لشيءٍ.

لماذا كلّ ذلك؟ هل يستحقّ أبناؤنا هذا الشيء منّا؟ وهل يستحقّون أن نقف حجر عثرةٍ في طريق إبداعهم، وأن نحطِّم أحلامهم، ومرادهم؟

وهنا لفتةٌ: أطفالنا في سنواتهم الأولى عبارةٌ عن كتلةٍ من الطاقة الإبداعية التي تحتاج منا وقفةً، وفرصةً لاستثمار عقولهم، ونجاحهم لما فيه خيرٌ.

وتكمن هذه الفرصة في كون الطفل يتمتع بخصائص ومزايا قلّما يستثمرها البعض منا، فمن تلك المزايا والفرص: نمو العقل والتفكير عند الطفل.

وهنا الاستثمار من المربِّي الواعي تجاه هذا الشيء بشراء ألعابٍ ذهنيةٍ تنمّي الذكاء، مثل ألعاب التركيب، وتوصيل القطع، والألغاز، إضافةً إلى تقديم المعلومات المنوّعة للطفل بطرقِ عرضٍ منوّعةٍ، كالقصص، أو البطاقات المعلوماتية، أو عن طريق القصاصات، والصور العلمية، والأهم زيادة فرصة الحوار مع الطفل والنقاش العلمي عن شتى المعلومات البسيطة التي تناسب عقله.

ومن تلك الفرص التي على الأب أن يستثمرها: نمو الحس الإبداعي عند الطفل.

فالطفل في بداية عامه الأول يعشق الاكتشاف، والبحث عن الجديد، فيكتشف العالم من حوله، وعندما نمنعه من عالمه، ويصبح كل شيء ممنوعًا، فإننا نحرمه من نمو الحسّ الإبداعي في بدايته، وينتقل الطفل من مرحلةٍ لمرحلةٍ لاستمرار نمو هذا الحسّ، وفي سن الثالثة يكون الطفل محتاجًا لكي يبدع، لكي يرسم، لكي يلِّون، لكي يقدّم لنا حركةً إبداعيةً، وينطلق لعالمه الذي يريد، وهنا وقفةٌ مع كل أبٍ: يجب أن نرشد الطفل إلى الإبداع، ولا نقتله، ويجب أن نوفّر للطفل الوسائل التي تساعده على الإبداع، كإحضار الأوراق، والألوان، والأكواب، والقصاصات، ودفاتر الرسم، والحبال، وغيرها من الوسائل التي تساعد الطفل، ولا يكفي ذلك فقط، بل على الأب والأم مشاركة الطفل في إنجاز تلك المهام، مع التشجيع، والتحفيز، والمكافأة.

ومن الفرص التي يغفل عنها الأب: نمو ملكة الحفظ عند الطفل، التي تبدأ من عمرٍ مبكرٍ -سنتين- وتكبر معه هذه الملكة، وكلما أهملناها ضعفت واضمحلت مع الأيام، فعلينا الاهتمام بها: بتحفيظه القرآن، أو بعض الحكم والآيات، فالطفل يتلقّى الرسائل والأصوات التي يسمعها من محيطه، ويبدأ بحفظها، وتكرارها؛ فترسخ في ذهنه، فما الذي يحفظه الطفل؟ هل هو مفيد أو غير مفيد؟ نحن من يرشد أبناءنا للمفيد؛ فلنجتهد في تحقيق ذلك.

واستمرارًا لتلك الفرص التي يمتلكها كل أبٍ ليستغلها في المفيد: تنمية اللغة العربية عند الطفل.

لا شك أن اللغة السليمة يبحث عنها كل أبٍ، ويريد أن ينمّيها في طفله، كيف لا وهي لغة القرآن!؟ فمنذ وصول الطفل سنته الأولى يبدأ بنطق الحروف، فجميلٌ أن يلتفت المربّي لذلك، ويحضر للطفل ألعابًا صوتيةً تساعده على نطق الحروف، ثم الكلمات، وهكذا حتى يصل إلى سنّ الثالثة، ويبدأ بتعليمه قواعد اللغة العربية البسيطة، ثم القاعدة النورانية، وبعض آيات القرآن الكريم؛ لأنها فرصةٌ عظيمةٌ لا ينبغي أن نهدرها بأساليب تقتل تنمية اللغة، والأفكار كثيرةٌ، منها مسابقاتٌ ثقافيةٌ في اللغة العربية، وتعليم الطفل الكلمة وعكسها، والتحدّث معه بالعربية، وتصحيح بعض الكلمات، ومساعدته على إكمال الجمل، ولا ينبغي أن نستهزأ بنطقه بعضَ الكلمات، بل علينا التعاون معه لتصحيحها.

ولكل طفلٍ طاقةٌ حركيةٌ قويةٌ هي فرصةٌ لاستثمارها في المفيد، واستغلالها فيما ينمّي جسد الطفل بالقوة، والنفع.

وننبه إلى نقطةٍ هامةٍ في تنمية الحركة عند الطفل: أن هذه الطاقة إذا لم يفرّغها الطفل في جهدٍ معينٍ، كالسباحة، أو ركوب الخيل، أو بعض الألعاب الحركية الأخرى، فإن الطفل بدوره يفرّغ هذه الطاقة في ضرب إخوته مثلًا، أو التسبّب في الإزعاج، أو غير ذلك، فلنجتهد في تنمية هذه الطاقة، فهناك العديد من الجهات التي تسخّر جهود الحركة عند الطفل فيما فيه نفعٌ لجسده وصحته.

وتتوالى الفرص لكل طفلٍ، ومنها استغلال اللحظات الاجتماعية لتنمية حب الاجتماع عند الأطفال، وتنمية علاقته مع الآخرين؛ فاللقاءات والاجتماعات تبني في الطفل روح التعاون، والتآخي، والتحابّ، والتودد للغير، ومن تلك اللقاءات وجوده في المدرسة، وقبل المدرسة من الممكن إشراك الطفل في بعض البرامج الترفيهية التي تعزّز جانب التلاقي مع الأطفال الآخرين، وكذلك تبادل الألعاب الحركية والثقافية بهدف تعزيز دور التواصل مع الآخرين.

ومن بين الفرص كذلك: تنمية الوازع الدِّيني عند الأطفال.

فالطفل عندما يولد تولد معه الأسئلة: مَن أنا؟ لماذا أنا هنا؟ مَن خلقني؟ وهنا يجب أن نوجّه الطفل بأسلوبٍ يتناسب مع مرحلته العمرية أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ورزقنا، ووهب لنا الأرض والنعم؛ كي نعبده سبحانه، ونسعى للرزق طالبين رضاه، وأنه سبحانه سخّر لنا البحر والسماء، وسهّل لنا الأرض، وأنشأ لنا الطبيعة، وهو سبحانه خالق كل شيءٍ، فننمّي هذا الوازع الدِّيني بتدريب الطفل على الصلاة، وقراءة القرآن، والتفكير في خلق الله.

وفرصةٌ أخيرةٌ هي: بناء التواصل مع الطفل، وهي فرصةٌ مميزةٌ لكل من أراد أن يظفر بطفلٍ مميزٍ يطيع والديه، ويسمع النصح؛ فعليه أن يبني هذه القيمة -فرصة التواصل- ولكن كيف نبني هذه القيمة؟ سأتحدث عنها في مقالي القادم، فالتواصل له خطواتٌ بنّاءة في تعميق أواصر العلاقة بين الأب والابن.

وهنا ألخّص ما ورد ذكره في البداية: الطفل عبارةٌ عن فرصٍ استثماريةٍ كبيرةٍ، ومتى ما أردنا أن نحقق ذلك فعلينا أن نسخّر طاقتنا، وجهدنا، وصبرنا، وإرادتنا في سبيل صناعة هذا الطفل؛ لأنه هو المستقبل الذي تنتظره الأمم القادمة؛ فعلينا توعيته، ونصحه، والسهر لجعله شخصيةً مسلمةً هامةً في المجتمع مؤثرةً، وصدق من قال: العلم في الصغر كالنقش على الحجر.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة