فالطفل يولد على فطرة الإسلام والتوحيد التي خلقه الله بها؛ ثم يكبر وينضج يومًا تِلْوَ الآخر، فيبدأ يلاحظ كل ما يدركه بحواسه الخمس، ويسجل كل شيء يدور حوله؛ فيبدأ يحاول اكتساب معلومات عن كل شيء؛ لأنه مولود وهو خالٍ من المعلومات المكتسَبة.

أخبرنا رسولُنا الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- أن كل إنسان يولد على فطرة الإسلام والتوحيد؛ فقال فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسَانِهِ، ...))؛ تلك هي الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها كما أخبر -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز في سورة (الروم): {... فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ...}.

والفطرةُ لغةً هي: الطبيعة السليمة التي لم تُشَبْ بعَيْبٍ، وهي ما رَكَزَه اللهُ تعالى في الإنسان من قدرة على معرفة الإيمان.

والفطرة في اصطلاح الفلاسفة هي: استعداد الإنسان لإصابة الحُكم والتمييز بين الحق والباطل. والفطرة في اصطلاح علماء النفس هي: الخِلقة التي يكون عليها كل موجود أولَ خَلْقِه.

والله تعالى أمر نبيه -والبشرية جمعاء- أن تلزم فطرته التي فطرهم عليها؛ فقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللهِ} أي: اِلْزم فطرةَ الله؛ لأن كل مولود يولد على العهد الذي أخذه اللهُ عليه بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}؛ فكُل مولود في العالَم يولَد على ذلك الإقرار؛ وهو الحنيفية التي وقعت الخِلقة عليها.

وها هي جارية سيدنا معاوية بن الحَكَم السُّلَمي -رضي الله عنه-؛ عندما سألها النبي قائلاً: ((أين الله؟))؛ فقالت: في السماء. فهي قد أجابت بما رُكِزَ في فطرتها؛ فلم يخبرها أحدٌ بدليلٍ أن الله في السماء.

فالطفل يولد على فطرة الإسلام والتوحيد التي خلقه الله بها؛ ثم يكبر وينضج يومًا تِلْوَ الآخر، فيبدأ يلاحظ كل ما يدركه بحواسه الخمس، ويسجل كل شيء يدور حوله؛ فيبدأ يحاول اكتساب معلومات عن كل شيء؛ لأنه مولود وهو خالٍ من المعلومات المكتسَبة؛ حيث قال تعالى في سورة (النحل): {وَاَللهُ أَخْرَجَكُم مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالأَبْصَار وَالأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ فيبدأ يدرك شيئًا فشيئًا ما يدور حوله، ويبدأ يشاهد أشياء، ويسمع عن أشياء دون أن يشاهدها؛ فيبدأ شَغَفه لمعرفة ما هو في عالم الغيب يزداد يومًا تِلْوَ الآخر؛ وكلما ازداد نضجه ازداد شَغَفه؛ وبالتالي ازدادت أسئلته.

وفي الحقيقة؛ المربي هو مصدر الطفل الرئيس في كل شيء؛ فهو مصدر الحب والحنان والعطاء والأمان والمعلومات أيضًا، فلا يثق في أحدٍ كثقته فيه؛ لذلك ينبغي ألا يخذله المربي أبدًا، وينبغي أن يحافظ على هذا الرصيد الوافر، ولا شك أن أي خلل في هذه الأرصدة الحساسة؛ ستؤدي إلى فَقْد الطفل الثقة في مُربيه؛ ومِن ثَمَّ تبدأ الكارثة!

ومن الأمور -فائقة الحساسية- التي يتعرض لها المربي: (الأسئلة العَقَدية الصعبة). وفي الواقع؛ وصْف هذه الأسئلة بـ(الصعبة)؛ لأن صعوبتها تكون من أحد وجهين -أو كليهما-؛ الوجه الأول: أن يكون المربي جاهلاً بها ولا يعرف إجابتها من الأساس؛ فيزداد الأمر تعقيدًا. والوجه الثاني: أن يكون المربي عالمًا بالإجابة، ولكنه لا يعرف كيف يجيبه؛ فإنّ حُسْن محاورة الأطفال وإفهامهم فَنٌّ قد لا يحسنه كثيرٌ من الكبار.

ولا شك أن الوجه الأول هو الأكثر صعوبةً، لأنه يوجِب على المربي أمرين؛ الأول: معرفة المعلومة ابتداءً؛ لأنه جاهل بها أصلاً؛ فينبغي أن يكون للمربي نصيبٌ جيدٌ من الاطلاع على الأسئلة الواردة على أذهان الأطفال في مختلف أعمارهم. والثاني: حُسْن التعامل مع هذه الأسئلة، وحُسْن إجابتها -وهذا هو جُلُّ حديثي في هذا المقام-.

ولا بد أن يعلم المربي جيدًا عدة أمور:

أولاً: أنّ الطفل صفحةٌ بيضاء؛ ما يُكتَب فيها يَصْعُب إخراجه -بل يستحيل أحيانًا-.

ثانيًا: ينبغي ألا يُظْهِر أيَّ نوعٍ من أنواع السخرية حال عرْض الطفل أحد أسئلته مهما بلغ سؤاله العَقَدي من سذاجة، كما لا يُظْهِر أيَّ نوعٍ من أنواع الضجر مهما بلغ سؤاله العَقَدي من جُرأة أو دَهاء؛ فإن كان السؤال ساذجًا؛ فلا تنس أنه بالنسبة إليك أنت ساذج، ولكن بالنسبة إليه فائق الأهمية وإجابته مستعصية. وإن كان السؤال جريئًا ذا دهاء؛ فلا تنس أنه من حقه التفكير والتفكّر والسؤال؛ فاملأ دماغه بالصواب بدلاً من أن يزهد فيك ويملأه هو بالخطأ! فالواجب هو عدم الضحك أو السخرية أو الضجر من أي سؤال يسأله، وإن كان السؤال حقًّا مضحكًا -ولا سيما إذا قيل بكلمات متكسرة بسبب صغر سنه-؛ فالحل هو إبداء الفرح بسؤاله، فتضحك وتخبره أنك سعيد جدًّا بسؤاله الذكي، وبكلماته الجميلة المتكسرة، وأتمِم فِعلك بتشجيعك له؛ فتقول له -مثلاً-: "سؤالك مهم" أو "سؤالك ممتاز".

ثالثًا: ينبغي أن تدرك جيدًا مدى استيعاب الطفل؛ فلا تُجِبْهُ إجابة ابن العشر سنين، وهو ابن الخمس سنين.

رابعًا: ينبغي أن تنزل إلى مستوى عقله وتفكيره واستيعابه؛ فالسؤال قد يبدو لك تافهًا، ولكن بالنسبة إليه هو كلُغْز الثقوب الكونية السوداء، ولكن هذا النزول يكون بقدْر أيضًا؛ ولا تكن كالأم التي سألَها طفلها: كيف جئتُ إلى الدنيا؟ فقالت له: وضعتُ بعضَ السكَّر تحت السجادة، فوجدتك قد جئتَ عليها! والذي حدث بعد ذلك أن الطفل -بمنتهى البراءة-؛ وضع بعض السكَّر تحت السجادة، فلما رأى النمل قد اجتمع على السكر؛ فرِح بشدة، ولما نظّفت الأم تلك السجادة وقتلت النمل؛ صرخ وبكى قائلاً: لماذا قتلتِ أولادي؟!

فالنزول إلى مستوى عقله وتفكيره يكون على قدْرٍ وبحِكمة، وليس بوضع الأفكار المغلوطة في عقله!

خامسًا: ينبغي أن تحدد جيدًا مقصده من سؤاله؛ لأن الطفل قد يُخطئ في التعبير –ولا سيما إذا كانت سنه صغيرة-؛ فيخطئ التعبير عَمَّا يدور في خَلَده، وإذا شَكَكْتَ في مقصود سؤاله؛ فاسأله وتأكد منه: هل أنت تقصد كذا وكذا أم كذا وكذا؟

سادسًا: إذا كنت مشغولاً؛ فإيَّاك أن تُظْهِر الضجر والضيق من سؤاله؛ لأنه لن يدرك أبدًا أنَّ أعباء العمل هي السبب في ذلك، وقد يكون لضجرك من سؤاله رد فعل سيئ يترك أثرًا سلبيًّا وجُرحًا غائرًا في نفْسه الصغيرة وقلبه الرقيق؛ فالتصرف الصحيح وقتها أن تحتضنه بحنان، وتخبره بهدوء أنك تريد الجلوس معه للإجابة عن سؤاله وتحب ذلك، ولكنك مُرهَقٌ جدًّا، وتحتاج للراحة، فهلاَّ سمحتَ لي بأخْذ قِسطٍ من الراحة؟ وأكّد عليه -باهتمامٍ- أنك لستَ ناسيًا سؤاله، وأنك ستجيبه عنه فور انتهاء راحتك، وأن السؤال يهمك جدًّا كما يهمه هو أيضًا.

سابعًا: إذا كنت لا تعرف الإجابة؛ فلا تستحِ منه ولا تستكبر، وقُلْ له بكلِّ وضوحٍ وتواضعٍ: تعالَ لنبحث عن الإجابة معًا.

ثامنًا: لا تجبه بهذه العبارة: (عندما تكبر ستعرف)؛ بل أجبه إجابة تتلاءم مع عقله، وعندما يكبر؛ وسّع دائرة الإجابة أكثر، لكن لا تدعه حائرًا في تفكيره الذي قد يُوصِله إلى مآلات سيئة.

وإليك نماذج لأشهر الأسئلة التي قد يسألها الطفل، وإجاباتها:

السؤال الأول: (مَن هو الله؟)؛ فيجيب المربي: الله هو الذي خلق كل شيء حولنا، وهو الذي يُطعمنا ويسقينا ويرزقنا، ولا يوجد أحد يشبهه، وهو الغفور الرحيم الكريم، يحب الأطفال، ويأمر الكبار برعايتهم والإحسان إليهم، وهو الذي سيحاسبنا على أعمالنا الصالحة بالثواب، وأعمالنا السيئة بالعقاب، وهو يعلم عنا كل شيء مهما كنا في مكان بعيد.

السؤال الثاني: (أين الله؟)؛ وخير إجابة عن هذا السؤال؛ هي إجابة معلمنا الأعظم ورسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- عندما سألته الجارية نفس السؤال؛ فأجابها قائلاً: ((في السماء)). ولا مانع أن تزيد كلمة ليستوعب أكثر؛ فتقول: "فوق، في السماء" وتشير بيدك إلى السماء.

السؤال الثالث: (هل الله إنسان مثلنا؟)؛ فتجيبه قائلاً: الله ليس مثلنا؛ فالله خلقني، وخلقك، وخلقنا جميعًا، وخلق كل شيء، وخلق الأنهار والبحار والأشجار، وكل شيء في الدنيا؛ فهل تستطيع أنت أو أستطيع أنا خلق إنسان أو شجرة مثلاً؟ فالله ليس إنسانًا، بل هو مصدر قوة كل شيء، ولا يشبهه أحد.

السؤال الرابع: (ما هو الموت؟)؛ فيجيب المربي: هو كنومنا بالليل، ولكنه أطول، ثم نستيقظ منه عندما يشاء الله؛ لكي يحاسبنا على أعمالنا يوم القيامة.

السؤال الخامس: (ما معنى يوم القيامة؟)؛ فيجيب المربي: يوم القيامة هو يوم الحساب؛ يومٌ يحاسبُ فيه اللهُ الإنسانَ على كل أعماله؛ فيدخلك الجنة إذا كنت تصلي، وبارًّا بوالديك، ومحسنًا إلى الفقير، ومحترمًا الكبير، ولا تؤذي الناس؛ ويدخل اللهُ الإنسانَ النار إذا كان لا يصلي، ويُغضب والديه، ولا يحسن إلى الفقير، ولا يحترم الكبير، ويؤذي الناس.

السؤال السادس: (أين توجد الجنة؟)؛ فيجيب المربي: الجنة فوق في السماء، وهي مكان جميل جدًّا؛ مليء بالشوكولاتة، والحلويات، والألعاب، والملاهي، وكل شيء تحبه وتريده ستجده هناك؛ بشرط أن تطيع والديك، وتفعل الخير، ولا تؤذي أحدًا.
السؤال السابع: (أين توجد النار؟)؛ فيجيب المربي: النار في مكان بعيد جدًّا، وهي مكان سيئ للغاية وقبيح، وليس فيها مكيف، ولا ألعاب، ولا حلويات؛ وهي في مكان بعيد؛ لأن الله يعاقب فيها كل إنسان لا يطيع والديه، ويؤذي الناس، ولا يفعل الخير.

السؤال الثامن: (كيف جئتُ إلى الدنيا؟)؛ فيجيب المربي: الله خلق كل شيء زوجين؛ ديك ودجاجة، أرنب وأرنبة، رجل وامرأة؛ يتزوجان بمعرفة الناس، ثم تحمل المرأة الطفل في بطنها مدة معينة، ثم تلده، فيعيش مع والديه حتى يكبر، ثم يتزوج ويكوّن أسرةً جديدة كالتي كان يعيش فيها.

السؤال التاسع: (لماذا أشاهد في الشارع أطفالاً مشوَّهين ومعاقين؟)؛ فيجيب المربي: لكي يذكّرنا الله -سبحانه وتعالى- بالنعمة التي أنعمها علينا؛ حيث خلق أكثرنا أصحّاء؛ فنشكره على تلك النعمة، وليذكّرنا بضعفنا أمام قدرته سبحانه؛ فلا نغتر ولا نتكبر، بل نتواضع ويساعد بعضُنا بعضًا، وبعد يوم الحساب سيعيش الذين يفعلون الخير حياةً دائمة وهم أصحّاء غير مشوَّهين ولا معاقين في جنات النعيم.
السؤال العاشر: (لماذا يوجد أغنياء وفقراء؟ ولماذا يعيش بعض الأشرار في القصور، وبعض الأخيار في الأكواخ؟)؛ فيجيب المربي: لأن كل ما في الحياة الدنيا هو زرق من الله تعالى، والله يختبر عباده به؛ فأحيانًا يعطي الإنسانَ النعمةَ ليختبر عطاءه للآخرين، وأحيانًا يحرمه ليختبر صبره وتحمّله؛ ليشاهده هل سيسرق أو سيحقد، وكلما عاش الإنسان صابرًا؛ عظّم اللهُ ثوابه يوم القيامة. وأما الإنسان الذي كَثُر رزقه ولم يعط الآخرين وأساء إليهم؛ فإن الله سيعذبه عذابًا شديدًا؛ لأنه لم يقدّر نعمة الله.

وختامًا؛ أنصح المربي أن يتوسع في مطالعة الكتب التي تناولت هذا الجانب بتركيز؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر:

-  كتاب: (تربية الأولاد في الإسلام)، للشيخ: عبد الله علوان.

- كتاب: (كيف تربي ولدك المسلم)، للأستاذ: شقير حمود العتيبي.

-كتاب: أسئلة الأطفال الإيمانية (نماذج عملية للإجابة عن أسئلة الأطفال الإيمانية المتعلقة بأركان الإيمان)، للأستاذ: عبد الله الركف.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة