إذا كان أطفال العالم يتعلّمون ويتربّون في بيئاتٍ آمنة أو شبه آمنة، فإنّ أطفال فلسطين يتلقون تربيتهم في ظل أجواء قاسية صنعها الاحتلال الصهيوني، ورغم ذلك نجد هؤلاء الأطفال يتحدثون بلبَاقة بالغة وإيمان راسخ، في صورة منقطعة النظير عن كل نظرائهم في العالم.
إنّ هؤلاء الأطفال لم تمنعهم الظروف القاسية من اللعب وزيارة الأقارب والمذاكرة ولو على نور الشموع، بل ربما مع صوت القصف أو “الزنانات”!، وفوق كل ذلك لديهم طموح وأحلام يريدون تحقيقها، وأهداف يسعون للوصول إليها، وهم ذو أخلاق عالية، واطِّلاع واسع، وملتزمون بتعاليم دينهم، وبارّون بآبائهم وأمهاتهم، ومحبون لجيرانهم وأهلهم، وذلك يعود إلى التنشئة النبيلة لهؤلاء الأطفال تحت كل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
تربية أطفال فلسطين رغم المعاناة
ورغم المعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين فإنّ أسرهم لم تهمل تربيتهم وتعليمهم، خصوصًا الدور العظيم الذي تقوم به الأم الصالحة والمربية العظيمة في تنشئة أبنائها على القيم النبيلة، والأخلاق العظيمة، وتعلمهم العادات الحميدة، وتغرس فيهم أنّ حب الأوطان من الإيمان، وأن بالعلم ترقى الأمم، وإن كان الدور الذي تقوم به كل أمهات العالم عظيم، فإن الدور الذي تقوم به الأم الفلسطينية أعظم، ومن أبرز ما تقوم به الأم والأسرة في فلسطين تربية النشء ما يلي:
- الاهتمام بالتربية في ظل المتاح: فالأسرة الفلسطينية لا تشغل بالها باختيار مناخ وبيئة آمنة مطمئنة، أو الذهاب لتلقي الدورات التربوية، أو تتبع وصفات المختصين بالتربية أو البحث عن المدارس ودور التربية غالية الثمن، إنما تربي أبناءها بالمتاح لديها من قيم وأخلاق تربت عليها جيلا بعد جيل، فالمهم لديها تنشئة الأبناء وتربيتهم تربية إسلامية سوية وغرس فيهم القيم والأخلاق وحب الوطن والدفاع عنه وحمايته من الأعداء.
- الاهتمام بالتعليم: ورغم الظروف القاسية التي يعيشها كثير من الأطفال في فلسطين، فإنّ الأسر تهتم بتعليم أبنائها في المدارس ودور العلم المختلفة، وكذلك في مساجد الأحياء، لتقلي تعاليم الإسلام وحفظ القرآن الكريم ودراسة السنة النبوية المطهرة.
- التربية على حب الوطن: وتغرس الأسرة الفلسطينية في نفوس أبنائها حب الأرض وشرف الدفاع عنها، وأن تركها للمحتل خيانة، ومهما أبعدوهم عنها أو هجروهم منها، فلا بد من عودة، وسيظل مفتاح البيت في الأعناق.
- التربية على الصمود والشجاعة: ورغم كل ما يعانيه الأطفال في فلسطين، فإن أو درس يتعلمون هو الصمود والشجاعة والحرص على التفوق في شتى المجالات وتحت أي قيد وشرط.
- الاهتمام بالدعم المعنوي: وهي من أهم أولويات الأمهات في فلسطين، فإذا كان لدى أطفالهن أي نوع من الاضطرابات والبلاءات بسبب الحرب وآثارها المدمرة، يحاولن بكل قوة رغم ضعف الإمكانيات والوسائل أن يقدمن لهم كل ما يمكنهن من جهد ومال وحب ورعاية، ليصبح ذلك مسؤولية تضاف إلى مسؤوليتهن العظيمة في التربية والتوجيه.
- نقل الواقع: وفي فلسطين تبدأ الأم في نقل الواقع للطفل حسب كل فئة عمرية وما يلائمها من عبارات، فذو الأربع سنوات تناسبه قصة قصيرة لغرس عقيدة وفكرة، وتعليمه بعض الأدعية التي تُقال عندما نشعر بالخوف أو نسمع صوتًا قويًّا، أما الشاب الكبير فلا بُد أن تختلف ثقافة التربية والمتابعة، حيث ترعرع وسط تلك البيئة، فيقع على عاتقه رعاية نفسه وأسرته، وعلى والدته صحبته والاهتمام بشؤون يومه ومتابعة دراسته ونفسيته، حتى يستطيع المواصلة على طريق دراسته بأقل ضرر ممكن.
- الأم منبع التربية: وإذا كانت الأم في الأحوال الطبيعية عليها دور كبير في تربية الأبناء، فإن هذا الدور يتضاعف إذا تحدثنا عن الأم الفلسطينية التي تعيش في ظروف قهرية، فعليها أحيانا أن تكون الأم والأب لأولادها، ليتضاعف العبء عليها، ورغم ذلك نجدها صابرة محتسبة فخورة بما تقدمه، وتبتغي في كل ذلك رضا الله، وتتعهد أن تُواصل المسير في تربية أولادها، وألا يحيدوا مهما تكالبت عليهم الأحداث، ومهم تهدّم واستشهد الزوج.
- حياة كريمة أو موت بكرامة: والأسرة في فلسطين تربي أبناءها على العيش بحياة كريمة آمنة تعز فيها النفوس، وترفع فيها الهامات، وإن كان لا بُد ولا فرار من الموت فإنها تختار موت الكرامة، وأفضلها هي الشهادة في سبيل الله، وعلى ذلك يتربى الصغار ويتوارثون تلك التنشئة جيلا بعد جيل، فلا تفاوض على عرض أو أرض.
تحديات أمام تربية أطفال فلسطين
ولا شك أن تربية أطفال فلسطين عملية ليست سهلة في ظل وجود محتل غاصب لا يترك لهم فرصة يعيشون فيها مطمئنين، ومن أبرز التحديات التي يجدها أولياء الأمور والمربون في فلسطين ما يلي:
- تجربة مختلفة: فالأطفال في فلسطين لديهم تجربة حياة مختلفة تماما عن سائر أطفال العالم، فهم يصنعون تاريخ وطنهم بمقاومة المحتل، ويتعلمون كيف يعيشون الحياة التي تُسرق منهم تفاصيلها، ويحملون قضية تخلى عنها كثيرون، ويدفعون حياتهم ثمنا لها إذا لزم الأمر.
- وسائل إعلام متحيزة: ويتعامل هؤلاء الأطفال وسائل إعلام متحيزة ضدهم، فهي لا تنشر مشاعرهم، بل تمحوا صور بيوتهم من على خريطة جوجل، وتحجب الكثير من المآسي التي يتعرضون لها، اللهم إلا ما ينشره “الإعلام البديل” الذي بطله رجل الشارع المتضامن مع القضية في كل بلدان العالم.
- الحصار: فالطفل الفلسطيني مُحاصر بين قطعة صغيرة من الأرض وليس أمامه سوى البحر، ولديه ساعات محددة من الكهرباء خلال اليوم، ومع ذلك يحب التعلم ويتربى على الأخلاق وحب الدين والوطن.
- حرب متواصلة: والطفل في فلسطين يعيش أهوال حروب متواصلة لا تنطفئ مع الأيام بل تظل جذوتها مشتعلة، لتطال الحجر والبشر.
- تحمل المسؤولية مبكرًا: والحصار المتواصل والأزمات المتكررة تخلق من الطفل الفلسطيني رجلا يحمل المسؤولية مبكرًا، حتى وإن كان يحمل في قلبه جرحا كبيرا لوطنه.
- هلع وخوف: ويعيش الأطفال في فلسطين أيضًا، أجواء من الخوف والهلع، وتلك مشاعر طبيعية، نتيجة القصف والعدوان الغاشم على أرضهم بكل أنواع الأسلحة.
- محاولات لبث الخوف: يعيش شعب فلسطين تحت وطأة احتلال يعمل فقط، ليبث الخوف والأمراض النفسية، وبالرغم من ذلك فهو شعب مقاوم، ويربي أبناءه على مقاومة المحتل الغاصب.
- محاولة تدمير الروح المعنوية: يحاول الاحتلال تدمير الروح المعنوية للأطفال والشباب في فلسطين ويشوش المفاهيم التي تربوا عليها، لكن الوعي الحقوقي والسياسي والمدني الذي يحصل عليه هؤلاء الأطفال والشباب من المؤسسات ومن الأهل يعد المتراس الذي يكسر ما يفعله الاحتلال بنفوسهم.
- أوقات الحرب: فالحرب لها تأثير كبير على الأطفال، لكن الأمهات والآباء وأهل التربية يدربون الأطفال خلال هذه الأوقات الصعبة حتى إذا اهتزت الأرض من تحت أقدامهم يكون لا يخافون ولا يرتدعون بالقدر الذي يهزمهم نفسيا ويقضي عليهم.
- استشهاد الأقارب: ويواجه الأطفال في غزة تحديًا صعبًا على نفوسهم، وذلك حينما يفقد الواحد منهم أباه أو أمه أو أخاه أو صديقه، وهنا تتدخل برامج الدعم النفسي المتخصصة لحل الصدمة النفسية وعلاج آثار الفقدان.
- هدم المنازل: ويعيش الكثير من أبناء فلسطين تحديًا مؤلما حينما يفقدون المأوى والسكن الذي ولدوا فيه ورأوا فيه أيامهم الأولى وتشكلت فيه ذكرياتهم الجميلة والأليمة.
- صعوبة التواصل: وهذا التحدي تصنعه الحرب التي فرقت بين الأحباب والأهل، بل حرمت الأحياء من توديع جثامين الأموات في كثير من الأوقات، نظرًا لغلق معبر أو ظروف حرب قاسية تهدد الحياة.
فعلى الرغم من أن تربية أطفال فلسطين تُمثّل تحديًا كبيرًا ومعقدًا، بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. فالحروب، والاحتلال، والانقسامات الداخلية، والوضع الاقتصادي المتدهور، كلها عوامل تؤثر مباشرة على نمو الأطفال وتطورهم. فإن الشعب الفلسطيني يتميز بروح صمود وإصرار، وقد تمكن من الحفاظ على هويته الوطنية وقيمه الثقافية، بفضل دور الأسرة والمجتمع في تربية الأجيال الجديدة.
مصادر ومراجع:
- آلاء مهدي: كيف تربي الأم الفلسطينية أولادها؟
- ليلى علي: لماذا يختلف أطفال غزة عن سائر أطفال العالم؟
- د. جاسم المطوع: قيم تربوية سر تميز الطفل الفلسطيني.
- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: أوضاع أطفال فلسطين عشية يوم الطفل الفلسطيني.
إضافة تعليق