كيف أصنع من ولدي رجلاً شجاعًا؟!

المستشار: د. فضل مراد 

 

السؤال:

بسم الله، والصلاة والسلام على أفضلِ خلقِ الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه.

أريدُ أن أُعرِّف حضراتكم بأنّي منذ صِغَرِ سنّي وأنا أُعاني من خوفٍ شديدٍ جدًا، فقد كنتُ أخاف جدًا عندما تتركني أمي، علمًا بأنّي لم أكن صغيرًا جدًا، بل كان عمري 10 سنوات وحتى 16 سنة تقريبًا، ولم أكن ولدًا منغلقًا أو انطوائيًا، بل كنتُ ألعبُ أكثرَ من أي شخصٍ آخر، ولكنّي كنتُ أخاف جدًا وحتى الآن، أنا في سن 28 سنة، وأخاف جدًا من العِراك، وممكن أن أتنازل عن أي شيءٍ مُقابلَ أن لا يحدث صِدام بيني وبين أيّ أحد، أو بين أحد من أهلي وأحد الجيران، ولكن كنتُ أعرف جيدًا أن أخرج قبل مرحلة التّشابك بالأيدي ودون أن أفقِد منظري العام أمام من حولي.

المشكلة مرتبطةٌ بي وبابني كما شرحت؛ فإنّي أخاف كثيرًا من أن يكون ابني مثلي في يوم من الأيام، وأنّي من الممكن أن أُسافر من شدّة الخوف على أحد من أهلي من العِراك مثلًا مع أحد الجيران، وقد يجعلني التَّوتر أفعل أي شيء من شدّة الخوف، أنا الآن بالسعودية وأنا مصرِي طبعًا، وعندما أرجِعُ إلى بلدي لقضاء إجازةٍ سنويّة شهر أو شهرين يتحكّم في شعوري الخوف، حتى إنّي أتذكّر أحد الجيران وهو من سِنّي تقريبًا أو أكبر بخمس سنوات وكان دائمُ المشكلات مع جميع الجيران في الشَّارع، ولا أحدَ يقدرُ على التّشابك معه بالكلام أو الأيدي، وأنا في طريق العودة لبلدي أظلّ أفكّر فيه وأخاف منه مع العلم بأنّه لم يؤذني، ولكن في بعض الأحيان كان يحتدُّ هو ووالدي بالكلام، وكنتُ أقوم بدور الوسيط -حيث إنَّ أبي لا يخاف أحدًا أبدًا كما أظنّ- وأقوم بحسن المعاملة مع هذا الشاب من باب أن أدفع عنّي وعن أهلي طُغيانه، وكنت أُعطيه هديةً وأصاحبه وهكذا، وكنتُ أجعله يعتذر لوالدي إذا ارتفع صوته على أبي، ولكنّي أحسّ بأنّي أكره ذلك الشخص، وأتمنى التخلّص منه بأية طريقة، ولكن خوفي من الله يجعلني أدعو له أحيانًا، وأحيانًا أدعو عليه مع أنّه لم يضُرّني إلى الآن أنا أو أهلي مثلما فعل مع سائر الجيران.

أرجو منكم الاهتمام بهذا الموضوع فإنّ لي فيه أكثر من عامٍ، وفي بدايةِ السؤال كنتُ أودّ أن أسأل فقط عن: كيف لا أجعل ابني جبانًا مثلي، ولكن وأنا أكتب السؤال عرفت أنّه لا بد لي أن أشرح لكم الموضوع؛ لأنّي أعرف أن فاقدَ الشيءِ لا يُعطِيه، مع العلم بأنّ ابني -ما شاء الله- لا يخافُ من شيء نسبيًا، ومن الممكن أن يقوم بضربِ أي طفل في سِنّه وعضّه، وليس عدائيًا أبدًا؛ فهو يحب كل من حوله، اسمه إبراهيم، وعمره 3 سنوات.

جزاكم الله خيرًا، وأعتذر على طول السؤال، كما أرجو قراءة الموضوع جيدًا، والردّ عليّ بتأنٍّ، وشكرًا لكم.


الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..



أمّا استشارتك فالجواب عنها في التالي:

يتبيّن من رسالتك أنَّ الخوفَ مسيطرٌ عليك، وأنت من يُضخّمه، وما تخافه على ابنك هو خوفٌ أيضًا من ذلك الخوف، وتفسيره: أنَّ الخوف يريد أن يتجاوزك إلى ابنك بالخوف عليه، وابنك صغير جدًا، وما ذكرته عنه من الصّفات أمرٌ حسنٌ جدًا، ومخاوفك التي ذكرت مبكِّرة جدًا، فلا تخف عليه.

أخي العزيز: إنّه ومن خلال رسالتك يتبيّن أن تصرفك مع الآخرين أنت من أقنعت نفسك أنّه خوف، لماذا لا يكون نوعًا من الحكمة والعقل! إنّ قصَّتك مع الرجل تدلّ على ملامح ذلك، وما تذكره عن نفسِك هو من الحالات التي يشكو منها البعض وهي ما تُسمى بالرهاب، وهو أمر في النَّفسِ لا حقيقةَ له ناتجٌ عن تضخيمٍ نفسي لمعنى سلبي يؤدي إلى تصوراتٍ تظهر على شكل مخاوف من ذلك الشيء، وهذه الحالة يُمكن علاجها ببساطة، وهناك وسائل وطرق كثيرة، وفي حالتك يوصي الخبراء بهذه الحالات: أن يبدأ الشخص المُصاب تدريباتٍ متنوعةٍ كاشتراكه في تعلّم ألعاب القوى والقتال الرياضي مع آخرين، وسيزُول هذا تدريجيًا.

واقرأ قصص العظماء والأبطال، وشاهد رياضات القوّة، واغرس في عقلك الباطن عبارات إيجابية تدلُّ على أنّك شجاع وبطلٌ وقوّي، وكرِّر ذلك، وأخبر النّاس عن ذلك، وفائدة هذا أنّه سيُزِيلُ إيحاءاتٍ سلبيةٍ ساعدْتَ أنت في تكريس غرسها في عقلِكَ الباطن، هذه من المعالجات المهمّة والبسيطة.

ونُنَبِّه هنا أن للوساوس دورًا في الإيحاء بالخوف، كما قال الله محذّرًا أولياءه من الانسياق للخوف، مبينًا مصدره الشيطاني: {إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، والخُلاصة مع ما سبق -مما ذكرنا لك من الإجراءات العلاجية- أضف لها الارتباط بالله، وقراءة المعوذات دفعًا للوسواس الموهم للخوف، وعليك بالاعتصام بالله سبحانه، والتوكُّل عليه، وهو سيصرف عنك ذلك بفضله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة