لديّ بنت في الخامسة عشرة من عمرها، وأعاني من تمردها، وهي في عيني عاقة؛ ترد الكلام، وقاسية مع أمها وعنفوانية. علمناها منذ طفولتها القرآن، فهي تحفظ منه اثني عشر حزبًا، وتجيد القراءة والتلاوة، لكن في الفترة الأخيرة لا تريد سماع أحد
السؤال:
لديّ بنت في الخامسة عشرة من عمرها،
وأعاني من تمردها، وهي في عيني عاقة؛ ترد الكلام، وقاسية مع أمها وعنفوانية.
علمناها منذ طفولتها القرآن، فهي تحفظ منه اثني عشر حزبًا، وتجيد القراءة
والتلاوة، لكن في الفترة الأخيرة لا تريد سماع أحد، وتقلد بنات الثانوية، وتبحث
على الإنترنت والهاتف، وتخوفت منها كثيرًا.
أنا أخاف على ابنتي، ولا أجد فرصة
لمراقبتها. أرشدوني لحلٍ لمشكلة ابنتي، علمًا أني لم أستطع الصبر، وألجأ إلى الضرب
عادةً عندما تستفزني وتقف في صدري، وتسيء إلى أمها بالكلام غير المهذب.
الجواب:
أهلاً بك -أيها السائل الكريم-،
وأشكر لك حرصك على تربية ابنتك، وبحثك عما هو أصلح وأنسب للتعامل معها.
اسمح لي بعنونة سؤالك بـ"مراهقة
متمردة"، هل تجد هذا العنوان مناسبًا لوصف حالة طفلتك؟!
أسباب التمرد والعصبية:
إن لعصبية المراهقة وتمردها أسبابًا
كثيرة، منها: أسباب مرتبطة بالتكوين الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون أحد
الوالدين عصبيًا فعلًا، ومنها: أسبابٌ بيئية، مثل: نشأة المراهق في جو تربوي مشحون
بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب.
كما أن الحديث مع المراهقين بفظاظة
وعدوانية، والتصرف معهم بعنف؛ يؤدي بهم إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها،
بل قد يتمادون للأشد منها تأثيرًا، فالمراهقون يتعلمون العصبية في معظم الحالات من
الوالدين أو المحيطين بهم، كما أن تشدد الأهل معهم بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق
طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك
الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء المراهقين بأن عدوانًا يمارس عليهم، يؤدي إلى
توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته
الأولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا يحولهم إلى عصبيين ومتمردين.
وهناك أسباب أخرى لعصبية المراهقين،
كضيق المنزل، وعدم توفر أماكن للهو وممارسة أنشطة ذهنية أو جسدية، وإهمال حاجتهم
الحقيقية للاسترخاء والراحة لبعض الوقت.
لقد أوصى العديد من علماء النفس
والمختصين والتربويين بأن علاج عصبية المراهق يكون من خلال: الأمان، والحب،
والعدل، والاستقلالية، والحزم، فلا بد للمراهق من الشعور بالأمان في المنزل:
الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة، والأمر الآخر هو الحب،
فكلما زاد الحب للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب ألا نركز في حديثنا معهم على
التهديد والعقاب.
والعدل في التعامل مع الأبناء ضروري؛
لأن السلوك التفاضلي نحوهم يوجِد أرضًا خصبة للعصبية، فالعصبية ردة فعل لأمر آخر
وليست المشكلة نفسها.
والاستقلالية مهمة، فلابد من تخفيف
السلطة الأبوية عن الأبناء، وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر، مع المراقبة
والمتابعة عن بُعد، فالاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء، خصوصًا في هذه السن.
ولابد من الحزم وليس الشدة مع
المراهق، فيجب ألا يترك ليفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده
ومع من يريد، وإنما يجب أن يعي أنه كما أن له حقوقًا فإن عليه واجبات يجب أن
يؤديها، وأنه مثلما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها.
إن تبصير المراهِقة بعظمة المسؤوليات
التي تقع على كاهلها وكيفية الوفاء بالأمانات، وإشغالها بالخير والأعمال المثمرة
البناءة، وتصويب المفاهيم الخاطئة في ذهنها عن طريق الحوار والمناقشة، ونفي
العلاقة المزعومة بين الاستقلالية والتعدي على الغير، وتشجيعها على مصاحبة الجيدين
من الأصدقاء ممن لا يحبون أن يمدوا يد الإساءة للآخرين، وإرشادها لبعض الطرق لحل
الأزمات ومواجهة عدوان الآخرين بحكمة، وتعزيز المبادرات الإيجابية إذا بادرت إلى
القيام بسلوك إيجابي يدل على احترامها لوالديها وللآخرين من خلال المدح والثناء
عليها، والابتعاد عن الألفاظ الاستفزازية والبرمجة السلبية، وتجنب التوبيخ قدر
المستطاع؛ هذا كله كفيل -بإذن الله- بالسيطرة على تمردها وجنوحها، ويعيدها كما
عهدتها مطيعة لينة -بإذن الله-.
إن المشكلات التي ذكرتها جميعًا عن
ابنتك المراهقة سببها الرئيس هو عدم فهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة من جهة
الوالدين، وأيضًا عدم تهيئة الطفل أو الطفلة لهذه المرحلة قبل وصولها.
ولمساعدة الوالدين على فهم مرحلة
المراهقة، فقد حدد بعض العلماء واجبات النمو التي ينبغي أن تحدث في هذه المرحلة
للانتقال إلى المرحلة التالية، عليك ووالدتها الاطلاع على كل ما ينفع بهذا
الموضوع، من قراءة كتب وحضور دورات، وأفضل ما ينصح بقراءته والاطلاع عليه بظني
لهذه المرحلة: سيرة الرسول ﷺ والصحابة -رضوان الله عليهم-، فمن يطلع على سيرهم
يشعر بعظمة أخلاقهم، وهيبة مواقفهم، وحسن صنيعهم، حتى في هذه المرحلة التي تُعد من
أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان أخلاقيًا وعضويًا وتربويًا أيضًا.
فبحكم صحبتهم لرسول الله ﷺ خير قائد
وخير قدوة وخير مرب، واحتكامهم إلى المنهج الإسلامي القويم الذي يوجه الإنسان
للصواب دومًا، ويعنى بجميع الأمور التي تخصه وتوجه غرائزه توجيهًا سليمًا؛ تخرج
منهم خير الخلق بعد الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-، فكان منهم من حفظ القرآن
الكريم عن ظهر قلب في أولى سنوات العمر، وكان منهم الذين نبغوا في علوم القرآن
والسنة والفقه والكثير من العلوم الإنسانية الأخرى، وكان منهم الدعاة الذين فتحوا
القلوب وأسروا العقول، كسيدنا مصعب بن عمير الذي انتدبه رسول الله ﷺ داعية إلى
المدينة ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكان منهم الفتيان الذين قادوا الجيوش
وخاضوا المعارك وهم بين يدي سن الحلم، كسيدنا أسامة بن زيد -رضي الله عنهم
جميعًا-، وما ذاك إلا لترعرعهم تحت ظل الإسلام، وتخرجهم من المدرسة المحمدية
الجليلة، كما أن تجاربهم وتطبيقهم للواقع أثبتت نجاحها وجدواها.
والله إني لاستغرب كيف أن الناس يقرؤون
دليل تشغيل الآلات، ولا يقرؤون عن تربية الأبناء والبنات!! ومن الكتب الجيدة
بالموضوع:
• تربية الأولاد في الإسلام، لعبد
الله ناصح علوان.
• علم نفس المراحل العمرية، للأستاذ
عمر المفدى.
• كما أن موقعنا يحتوي عددًا جيدًا
من المواد المعينة على تربية الأبناء.
أسأل الله أن يقر عينك بصلاح فتاتك،
وأن يجعلها من الهداة المهديين البارين.
إضافة تعليق