ابنك يحتاج إلى ثقةٍ في نفسه أكثر، يحتاج إلى حنان، يحتاج إلى أحضان وقبلات، يحتاج إلى ضم واهتمام، فدائمًا الطفل الأوسط يكون أقل اهتمامًا وثقةً من إخوته
د. فاطمة إبراهيم
السؤال:
لديّ
ثلاثة أطفال، أشعر أن طفلي الثاني -عمره سنتان- قليل الثقة بنفسه، ونادرًا ما
يدافع عن نفسه، أعترف بوجود تقصير في الاعتناء به بسبب الضغوط ووجود أخته ذات
السنوات الثلاث والنصف، ومؤخرًا أيضًا رُزِقت بطفلٍ عمره شهران، علمًا أنه طفل
هادئ وحليم وحنون. وسأذكر بعض المواقف المتكررة لعلها تُساعدني في شرح حالته:
- أخته
تأخذ منه اللعبة عنوة، فيركض وراءها ويبكي لدقائق معدودة، فإن لم تعطه يتركها وهو
حزين، ويلهِ نفسه بشيء آخر.
-
تضربه أخته فيبكي ويضربها، وعندما تستمر برد الضربات يبكي لوحده لدقائق معدودة، أو
يمثّل أنه أزال الضربة ويسكت، أو يضرب نفسه من شدة الغضب.
- لو
زارنا طفلٌ غريبٌ وأراد أخذ لعبته يهرب وهو يبتسم بخجل، ثم يقف فجأة ويمانع
قليلاً، ثم يعطيه إياها وهو يبتسم، وينظر نظرات كسيرة.
- يحب
جمع ألعاب وأشياء يحبها، ويجلس في زاوية ما أو بجانبي، ويغلق الدائرة التي هو فيها
بوسادة أو دراجته أو شيء ما.
- يحب
الجلوس بين الكنب أو تحت السرير.
- لا
يركض نحو والده أو يجلس عنده إلا أحيانًا، ونادرًا ما يطلب منه شيئًا ما بالمقارنة
مع أخته التي لا تجلس إلا في حضني أو حضن والدها، وكثيرة الطلبات.
- لو
طلب شيئًا ما ونحن بالسوبر ماركت ولم نعطه لا يُعيد الطلب، وأحيانًا ألاحظ نظرة حزن
وانكسار في عينيه، بينما أخته عندما تطلب تصرخ وتبكي وتطالب.
-
عندما يخطئ وأضربه على يده أو أصرخ عليه يبكي بحرقة، وكأن الحزن والألم مكنون،
ويظهر في هذه المواقف، ويُسارع مباشرة للاعتذار مني، ويطلب أن أضمه: "ماما لا
تزعلي مني، سامحيني أنا آسف"، أما لو كان هذا الموقف مع الأب فإنه يهرب
لغرفةٍ أخرى، ويبكي بشدة، أو يهرب لجانبي.
-
أحاول تعليمه الدفاع عن نفسه فأزجر أخته عندما تضربه أو تأخذ أشياء منه، أو أطلب
منه أن يضربها كما ضربته، فيتحسن قليلاً، ثم عندما أترك تشجيعه يعود كما كان.
-
عندما تبكي أخته لأني صرخت عليها أو ضربتها يجلس بجانبها ويواسيها، فمثلاً: تريد
التلوين وقت النوم وتبكي، فيجلس بجانبها ويقول بلطف: "بس تطلع الشمس
تلوني".
- يتأثر
كثيرًا، ويهدأ عندما يغضب أحد أو يصرخ، وكباقي الأطفال فهو يعبث بالأشياء ومفاتيح
الكهرباء، وعندما نطلب منه تركها لا يسمع الكلام، وعندما نزجره أو نضربه أو نصرخ
عليه تكون ردة فعله الحزينة وانكساره أكثر بكثير من اللازم.
لا
أعرف كيف التعامل معه!! هل أتركه ليتعلم لوحده كما يطلب مني والده؟! وكيف أشجعه
وأعلمه الثقة بنفسه؟! وهل تسجيله بالروضة العام المقبل يزيد المشكلة أم يحلها مع
وجوده لوحده مع أطفال أكبر منه يضربونه ويأخذون منه الأشياء، ولا يوجد اهتمام كبير
من المدرسات كما لاحظت عندما سجلت أخته. ألاحظ قلة اهتمام الأب به، وعدم إعطائه
الحنان اللازم، وعندما يخطئ يصرخ عليه مباشرة دون إقناع بالكلام أولاً، وأحاول
تنبيهه لكنه لا يسمع مني، ويقول: إني مبالغة.
أرجو الرد عليّ وبالتفصيل، والدعاء لي ولأطفالي، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
عزيزتي
الأم: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
بدايةً:
عليك بدعاء الله أن يمدكِ بالقوة والصبر، وتحمل الأمانة التي من أجلها تكونت
الأمومة.
حبيبتي:
تتكوّن شخصية الطفل نتاج عمليات التعلم التي يمر بها، وذلك من خلال تفاعلاته مع
البيئة المحيطة به ومحاكاته لها، فإذا عاشَ في جوّ كله أمن واطمئنان، كانت شخصيته
قويه وثقته بنفسه أفضل من غيره من الأطفال المحرومين من هذه النعمة التي يمنها
الله على عباده، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
عزيزتي
الأم: ابنك يحتاج إلى ثقةٍ في نفسه أكثر، يحتاج إلى حنان، يحتاج إلى أحضان وقبلات،
يحتاج إلى ضم واهتمام، فدائمًا الطفل الأوسط يكون أقل اهتمامًا وثقةً من إخوته،
وهذا طبيعي، فنحن تلقائيًا نجد أنفسنا نهتم بالكبير، ونفرح به وبما يقوم به،
ونعتني بالصغير ونهتم به، وذلك لصغره، أما الأوسط فهو مهمل بعض الشيء، فلابد أن
تهتموا به، وتلاحظوه، وتكافئوه، وتفرحوا له، وتلاعبوه، هو الآن صغير، وكل شيء في
بدايته سهل وهين ولين.
عزيزتي:
اجعليه يعتمد على نفسه، عوّديه على تحمل المسؤولية، ساعديه على التكيف الاجتماعي
وتكوين علاقات مع الآخرين، وعدم الاستهزاء به أو التهاون بقدراته وإمكانياته؛ لأن
هذا يعوّقه عن تكوين علاقات مع الآخرين.
عزيزتي
الأم: لابد من مدحه كثيرًا؛ حتى نشعره بأهميته ومنحه فرصة للتعبير عن كل ما يجول
في نفسه بطريقته، ورفع روحه المعنوية، وتخصيص ركن خاص له في المنزل، أو سرير خاص
به، يحس أنه مميز عن إخوته، ومساعدته في اكتساب أصدقاء يلعب معهم.
وأخيرًا:
لا تخافي عليه من ذهابه إلى الحضانة، بل العكس، فهي فرصة لاستقباله باشتياق،
وتبرهني له مدى حبك له.
عزيزتي:
تفاهمي مع والده في طريقة تربيته؛ حتى لا تتفاقم المشكلة وتحتاج إلى تدخل اختصاصي
نفسي. ودعائي لك بالتوفيق والسداد.
إضافة تعليق